محمد مرسي... رجل الدولة أم رجل الجماعة؟

 

شبكة النبأ: انتهت اخر الاجراءات الدستورية الخاصة بتولي الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين والذي ادى اليمين الدستوري ليعلن بذلك عن ولادة عهد سياسي جديد عهد يشوبه الكثير من الغموض بسبب التوجهات الفكرية التي يحملها الرئيس الجديد وهو ما يثير قلق الكثير من المعنيين سواء في مصر او خارجها والتي تخشى التعامل مع جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي والذي اصبح على راس الهرم السياسي في مصر والذي سيواجه الكثير من التحديات والتي بدأت بشكل مبكر ومع اداء القسم الدستوري حيث فرض قضاة في المحكمة الدستورية العليا بث مراسم اداء الرئيس المصري محمد مرسي اليمين الدستورية علانية ومباشرة عبر التلفزيون، وذلك بعد رفض مرسي في البداية بث القسم، بحسب ما اوردت الصحف المصرية.

وكانت بداية حفل اداء اليمين شهدت تأخيرا بنحو ساعتين عن موعدها المقرر كما شهدت ارتباكا ايضا في البث التلفزيوني قبلها. وقالت صحيفة الوفد في عنوان مقال رئيسي على الصفحة الاولى "قضاة الدستورية يجبرون الرئيس على اداء القسم علانية". وكتبت "اكدت تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا ان مراسم اداء الرئيس المنتخب محمد مرسي اليمين الدستورية امام الجمعية العامة للمحكمة شهدت اشكالية قانونية عندما رفض الرئيس ان تبث المراسم على الهواء مباشرة مطالبا بان تكون سرية وغير مذاعة وهو ما رفضه اعضاء المحكمة باعتباره امرا مخلا بالضمانات الدستورية المطلوبة لهذا المنصب فضلا عن الاخلال بمبدأ العلانية المطلوب في هذه المسائل". واضافت الصحيفة "هدد ثلاثة من قضاة المحكمة بالانسحاب وعدم حضور المراسم اذا ما اصر الرئيس المنتخب على موقفه واستغرقت مفاوضات انهاء الازمة 45 دقيقة اعلن بعدها مرسي قبول فكرة العلانية ليسمح للتلفزيون بالدخول".

وعنونت صحيفة الشروق من جانبها "بث اليمين الدستورية علنيا بأمر القضاة". وقالت "ان خمسة من اعضاء الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا رهنوا موافقتهم على حضور مراسم اداء رئيس الجمهورية المنتخب محمد مرسي اليمين الدستورية بإذاعتها على الهواء مباشرة على التلفزيون المصري مما اضطر مرسي على الموافقة على بث المراسم كاملة". من جهتها، قالت صحيفة الوطن ان الرئيس مرسي "رفض بث القسم على الهواء تلفزيونيا الا ان ثلاثة من اعضاء المحكمة اصروا على ذلك واثنوه عن موقفه ليوافق في نهاية الامر على بث القسم". بحسب فرنس برس.

وحرص مرسي لدى ادائه اليمين على تأكيد احترامه للمحكمة الدستورية والقضاء المصري. وحصل قبل اداء مرسي اليمين جدل واخذ ورد بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين بشان الية اداء القسم حيث طالب الاخوان بان يكون امام مجلس الشعب المنحل مؤكدين رفضهم الاعلان الدستوري المكمل الصادر في 17 حزيران/يونيو الذي استعاد به المجلس العسكري سلطة التشريع. غير ان الرئيس قبل في النهاية اداء اليمين امام المحكمة الدستورية كما نص الاعلان الدستوري.

تسلم السلطة من الجيش

في السياق ذاته أعلن رئيس مصر الجديد محمد مرسي أنه قبل نقل السلطة إليه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شؤون البلاد منذ إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي. وفي حفل تنصيب أقيم بقاعدة عسكرية خارج القاهرة قال الرئيس الجديد "أتقبل نقل السلطة من المشير حسين طنطاوي وإخواني في المجلس الأعلى (للقوات المسلحة)." وأضاف أن المجلس العسكري -الذي يرأسه طنطاوي- أوفى بوعده لنقل السلطة. وكان المجلس العسكري قال تحت ضغط مظاهرات حاشدة نهاية العام الماضي إنه سيسلم السلطة لرئيس منتخب بحلول نهاية الشهر.

ورغم أن المجلس العسكري أصدر إعلانا دستوريا مكملا أبعد فيه رئيس الدولة عن شؤون الجيش وقيد سلطات أخرى له إلا أن مرسي قال إنه أصبح مسؤولا عن الجيش مثل مسؤوليته عن الشعب. وقال أيضا مخاطبا القوات المسلحة "لن تتركوا أماكنكم في الداخل في هذه المرحلة لأن الوطن في حاجة إليكم." وطمأن القوات المسلحة قائلا "لن يمس حق من حقوقكم."

وكان مبارك نشر قوات الجيش في رابع أيام الانتفاضة التي بدأت في 25 يناير كانون الثاني 2011 وأطاحت به في 11 فبراير شباط. وقال الجيش إنه تجنب استعمال العنف ضد المتظاهرين أو إطلاق النار عليهم ووفر لهم الحماية. وفي بداية انتشار الجيش رفع المتظاهرون شعار "الجيش والشعب إيد واحدة" لكن قمع احتجاجات بعد سقوط مبارك جعل النشطاء يرددون هتاف "يسقط.. يسقط حكم العسكر" كما جدد هتاف الانتفاضة "الشعب يريد إسقاط النظام" قائلين إن المجلس العسكري من فلول حكم مبارك. ووقت انتشار الجيش اختفت قوات الشرطة من الشوارع بعد اشتباكات دامية في رابع أيام الانتفاضة الذي سماه المتظاهرون "جمعة الغضب" ثم تبعت ذلك "انفلات أمني" شمل هروب ألوف المساجين بمن فيهم فلسطينيون ولبنانيون.

وقال طنطاوي في كلمة في حفل تنصيب الرئيس "سنقف مع الرئيس الجديد المنتخب" واصفا نقل السلطة بأنه يوم عظيم في حياة الشعب المصري." وقال طنطاوي "أوفينا بالوعد... وأصبح لدينا رئيس منتخب." وأضاف قائلا "مصر تعيش ميلادا جديدا لدولة ديمقراطية حديثة.. السيادة فيها للشعب." "نضع الماضي خلفنا آخذين منه العبر والدروس... نعرف أن الطريق لا يزال صعبا وطويلا."

ووجه طنطاوي -الذي شغل منصب وزبر الدفاع على مدى 20 عاما من حكم مبارك الذي استمر 30 عاما- الشكر الي مرسي لإشادته بالقوات المسلحة وقياداتها اثناء حفل أقيم في وقت سابق يوم السبت بجامعة القاهرة. وقبل الحفل أدى مرسي اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا التي يوجد مبناها بالقرب من مستشفى القوات المسلحة بضاحية المعادي بجنوب القاهرة حيث يتلقى مبارك العلاج. وعوقب مبارك (84 عاما) بالسجن المؤبد في الثاني من هذا الشهر لإدانته بالامتناع عن إصدار أوامر بمنع استخدام القوة ضد المتظاهرين خلال الانتفاضة. وقتل نحو 850 متظاهرا وأصيب أكثر من ستة آلاف آخرين خلال الانتفاضة سقط أغلبهم في جمعة الغضب.

وخلال حفل التنصيب أطلقت المدفعية 21 طلقة تحية لمرسي كما حلقت طائرات هليكوبتر في السماء تدلى منها علم مصر وعلم القوات المسلحة وأعلام أفرع الجيش الرئيسية. وأهدى طنطاوي الرئيس الجديد درع القوات المسلحة وقال "أتقدم للسيد رئيس الجمهورية بأغلى ما نملك وهو درع القوات المسلحة." وقال مرسي مخاطبا قادة الجيش "كل ما تحتاجون إليه سيكون حاضرا... نلبي كل مطالبكم لحماية أمن الوطن."

على صعيد متصل قال احد اعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر إن المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس سيكون وزيرا للدفاع في الحكومة التي سيشكلها الرئيس المنتخب محمد مرسي. وقال اللواء محمد العصار عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مقابلة مع محطة (سي.بي.سي) التلفزيونية "الحكومة سيكون فيها وزير الدفاع هو رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة." وأضاف العصار "ماذا يعيب ذلك؟ هو رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة وهو زير الدفاع وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة." بحسب رويترز.

وشغل طنطاوي منصب وزير الدفاع على مدى 20 عاما في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. واصبح مرسي اول رئيس منتخب بعد الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بمبارك في فبراير شباط العام الماضي. الا ان اللواء العصار قال "السلطة التنفيذية بالكامل ستسلم للرئيس وصلاحيات الرئيس غير منقوصة مئة بالمئة...." واضاف العصار "اعلنا أننا على استعداد دائم وسنظل ندعم مصر ورئيس مصر وان هذه هي سمة القوات المسلحة المستعدة دائما لبذل كل الجهد حتى تنال مصر مكانها بين الأمم وتبدأ نهضة بهذه الفترة الرئاسية."

أمريكا مرغمة

من جانب اخر لم يترك المشهد الملتبس الذي تمخضت عنه الثورة المصرية خيارا امام واشنطن الا ان تتعامل مع اللاعبين الاساسيين في البلاد وهما الجيش والاخوان المسلمين رغم اختلافها مع الجانبين. ويدور صراع بين الجيش والاخوان المسلمين حول تقسيم السلطة في دولة بلا برلمان وبلا دستور دائم في الوقت الراهن وبلا مسار واضح للديمقراطية بعد الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي وهو حليف قديم لواشنطن حظر جماعة الاخوان وقمع اعضاءها. ونتيجة لهذا يقول مسؤولون امريكيون حاليون وسابقون ان الولايات المتحدة تواجه تحديا دبلوماسيا متعدد الابعاد. فعليها ان تتعامل مع الكل وهي تحاول الحفاظ على تعاون استراتيجي مع مصر بشأن معاهدة السلام مع اسرائيل وبشأن حرية المرور في قناة السويس في الوقت الذي تدعو فيه الى الديمقراطية في دولة أصبحت القوة المهيمنة فيها حزب اسلامي.

والعمل مع الاخوان المسلمين أمر حساس بشكل خاص بالنسبة لإدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما. ونبذت جماعة الاخوان المسلمين العنف لكن خرج من عباءتها في الماضي جماعات أخرى تبنت العنف. وشكك بعض مسؤوليها في السابق في معاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع اسرائيل عام 1979 وفي حقوق المرأة والاقليات مثل أقباط مصر.

ويقول محللو الشرق الاوسط ان قدرة الولايات المتحدة محدودة في التأثير على الاحداث في مصر وان من الافضل لها ان تترك للجيش وللإخوان المسلمين وباقي القوى في المجتمع التكيف مع الاوضاع. وقال روب دانين وهو مسؤول في الخارجية الامريكية خلال ادارة الرئيس السابق جورج بوش ويعمل الان في مجلس العلاقات الخارجية "هذه قضية ليست مصنوعة في أمريكا. الولايات المتحدة لا يمكنها حقا ان تؤثر كثيرا ويجب الا تفعل في المستقبل القريب."

وتبدى صراع السلطة بوضوح في مصر في عدد من المناسبات. ومن ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 14 يونيو حزيران بحل البرلمان الذي هيمن عليه الاخوان المسلمون وهناك اعتقاد واسع النطاق داخل مصر ان هذه الخطوة جاءت بتدبير من الجيش. وتنطوي شراكة الولايات المتحدة مع طرفي الصراع على مشاكل.. الجيش بسبب ما يعتبره محللون تصرفات غير ديمقراطية من جانبه والاخوان المسلمون بسبب الغموض الذي يحيط بسياساتهم على المدى الطويل. وقال مساعد في الكونجرس الامريكي "انها مشكلة صعبة. أعتقد ان الاخوان المسلمين هم الجانب الاسهل من المعادلة في بعض الجوانب." وقال المساعد الذي طلب عدم الكشف عن هويته ان البيت الابيض الامريكي يبدو مستعدا للتعامل مع الاخوان المسلمين ما داموا يتصرفون بشكل ديمقراطي وبشكل ليس فيه اقصاء ولا يتخطون الخطوط الحمراء في قضايا منها معاهدة السلام مع اسرائيل وقناة السويس.

وقال "عشنا هذا الموقف من قبل. لقد شهدنا ما حدث في تركيا. وشهدنا تونس. شهدنا ان الناس الذين يسمون نفسهم اسلاميين يمكن ان يكونوا على ما يرام. سنحكم على التصرفات لا التاريخ."

وفي خطاب نقله التلفزيون تعهد مرسي بأن يكون رئيسا لكل المصريين وان يعمل على توحيد الامة كما وعد باحترام كل المعاهدات الدولية في لفتة موجهة الى اسرائيل. ورغم ذلك هناك بعض التردد داخل مجتمع السياسة الخارجية الامريكية خاصة المحافظين المؤيدين لإسرائيل بشأن جماعة الاخوان المسلمين نظرا لتصريحات سابقة لمسؤولين في الجماعة تطالب بإعادة النظر في معاهدة السلام والتعهد بتطبيق الشريعة الاسلامية وانتقاد الجماعة المعلن لإسرائيل.

وقال اليوت ابرامز وكان نائبا لمستشار الامن القومي في ادارة بوش "الخوف هو أن نقول حسنا لقد فازوا دعونا نكون كلنا أصدقاء بدلا من ان نضع معايير للإخوان المسلمين. "أعتقد ان علينا ان نمارس ضغطا عليهم في قضايا مثل دور المرأة في المجتمع ودور الاقباط في المجتمع المصري وعلاقة مصر بحماس" مشيرا الى حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية التي تدير قطاع غزة.

وأكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون على بعض هذه النقاط ودعت مرسي الى ان يشرك المرأة والاقباط والليبراليين وهو يشكل حكومته. وعلى الرغم من ان جماعة الاخوان قد نبذت رسميا العنف الا انه خرج من عباءتها حركات مثل حماس وزعماء للقاعدة مثل ايمن الظواهري. ويقر مسؤولون امريكيون بوجود قدر من التعارض بين رغبتهم التعامل مع رجال سياسة في مصر من مختلف الاطياف وغموض موقفهم من تاريخ جماعة الاخوان المسلمين واعضائها وبعضهم ممنوعون من دخول الولايات المتحدة.

وقال مسؤول طلب عدم الكشف عن هويته "هناك هذا التوتر. نريد ان نرى مزيدا من الناس. علاقتنا تتطور مع تطور الافراد ومع تطور الامة (مصر)." وعلى الرغم من العقوبات والقيود المفروضة على اصدار تأشيرات دخول لزعماء الجماعة الا ان المسؤولين الامريكيين ظلوا يجرون بشكل متقطع اتصالات متدنية المستوى مع ممثلي الاخوان المسلمين منذ سنوات وعادة ما يحدث ذلك من خلال نواب برلمانيين لهم صلة بالجماعة. بحسب رويترز.

وفي العام الماضي خلال انتفاضة "الربيع العربي" التي اطاحت بمبارك استأنف مسؤولون امريكيون ما وصف باتصالات دبلوماسية رسمية مع الجماعة. وقال النائب الجمهوري الامريكي مايك روجرز رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب انه على الولايات المتحدة ان تكون حذرة. وقال "هناك مجموعة من قادة القاعدة كانوا من الاخوان المسلمين وتخرجوا وأصبحوا من القاعدة.

"هل أعتقد أن هناك أعضاء معتدلين في الاخوان المسلمين علينا ان نمد يدنا لهم ونجري معهم محادثات؟ نعم لكن علينا أن نراقب هذا بحذر."

التمسك بالجذور

الى جانب ذلك يتجول الجاموس على الطرق الترابية بالقرية التي ينتمي لها محمد مرسي وتقع على بعد أقل من ساعتين بالسيارة من القصر الذي بدأ الرئيس المصري المنتخب ممارسة عمله فيه بالقاهرة. وبخلاف الرئيس المخلوع حسني مبارك لايزال مرسي قريبا من أصوله المتواضعة بدلتا النيل وربما يستطيع أن يضيق الهوة بين الحاكم والمحكوم والتي اتسعت كثيرا في عهد سلفه. على الأقل هذا ما يعتقده اخوه الأصغر.

وقال سيد مرسي الذي ارتدى جلبابا في منزل العائلة الريفي الذي يشبه منازل اخرى كثيرة وتبرز من سقفه أسياخ الحديد حتى يتسنى إضافة دور جديد حين تدعو الحاجة او تسمح الظروف المادية "مش عايزين رئيس يعيش في كوكب والشعب في كوكب تاني." وقال مرسي (60 عاما) مرشح جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة ذات يوم عقب إعلان فوزه بالانتخابات في 24 يونيو حزيران بعد 500 يوم من الانتفاضة الشعبية التي أسقطت مبارك إنه لا يعتزم الانتقال من منزله بالقاهرة الى قصر الرئاسة. وقال سيد (49 عاما) والذي لم يتوقف هاتفه المحمول عن الرنين منذ أصبح أخوه أول رئيس مدني ينتخب في انتخابات حرة "الماضي مش ممكن يرجع."

ورفض مسؤولون عسكريون التعليق على شخصية مرسي او قدرته على قيادة مصر لكنهم عبروا في احاديث خاصة عن خيبة أملهم من تجاهله فيما يبدو للبروتوكول حين اختار أن يبدأ ممارسة عمله من القصر الرئاسي هذا الأسبوع قبل أن يؤدي اليمين الدستورية. درس مرسي - وهو ابن موهوب لفلاح - في مدينتي القاهرة ولوس انجليس قبل أن يقود كتلة الاخوان المسلمين المعارضة بمجلس الشعب في عهد مبارك من عام 2000 الى 2005.

لم تثر تجربة الحياة العامة بداخله اي طموحات في تولي الرئاسة فيما يبدو. وقال أحد المساعدين إنه حين تم إبلاغ مرسي باستبعاد خيرت الشاطر الذي اختارته الجماعة للترشح للرئاسة في البداية دفن وجهه بين كفيه للحظات ليستوعب الخبر. وفوجئ الكثير من المصريين بتوليه أرفع منصب في البلاد وإن كان الجيش قد قلص من صلاحياته بالفعل كما أزعج الشباب العلمانيين الذين لم يثوروا على مبارك ليمهدوا الطريق كي يتولى الإسلاميون الحكم.

وبعد منع الشاطر من الترشح وصف البعض مرسي بأنه "الاستبن" اي الإطار الاحتياطي للسيارة. ويعتبره منتقدون موظفا لدى جماعة الاخوان يفتقر الى الكاريزما وهي صفة كانت غائبة ايضا عن سلفه مبارك الذي تناقض أسلوبه الصارم مع انور السادات الذي خاض مجازفات سياسية وجمال عبد الناصر الذي خلبت فصاحته ألباب العالم العربي.

بدا مرسي جامدا ومرتبكا في بداية حملته الانتخابية. وليس امامه الكثير من الوقت ليتكيف مع دور الرئيس في مواجهة تطلعات 82 مليون شخص يريدون حكومة امينة تتجاوب معهم إضافة الى تحقيق الأمن وتخفيف المعاناة الاقتصادية. ويشيد أصدقاء وأفراد من العائلة وزملاء بمرسي بوصفه مجتهدا صاحب عزيمة بل ومرحا بعيدا عن الحياة العامة ويرى الكثير من المصريين أنه واجهة للجماعة التي كانت خصما للجيش على مدى عقود.

وقال محمد سلامة (24 عاما) وهو طالب هندسة بجامعة الزقازيق التي قام مرسي بالتدريس فيها من عام 1985 الى عام 2010 "هو رجل يتبع منظومة. حتى لو كان قياديا فهو يتبع منظومة." وأضاف سلامة الذي وصفه بأنه استاذ جامعي محترم والتقى به في نوفمبر تشرين الثاني بعيد المكاسب الكبيرة التي حققتها جماعة الاخوان في انتخابات مجلس الشعب أن الرئاسة "اكبر" من مرسي. وقال مثل كثير من المصريين إن قيادات الاخوان واعضاء المجلس العسكري هم من سيتمتعون بالنفوذ.

وقال سلامة "بصراحة شايف ان دكتور مرسي مش هيحكم اولا: لأن المجلس العسكري مش هيخليه يحكم ثانيا: هو تابع لجماعة الاخوان" وذلك على الرغم من ان مرسي استقال من الجماعة ليصبح "رئيسا لكل المصريين." ومن المستشارين المحتملين واللاعبين الرئيسيين من وراء الكواليس نائب المرشد والمخطط والممول الرئيسي للجماعة خيرت الشاطر. وحال حكم جنائي في عهد مبارك - يطعن هو في صحته - دون ترشحه للرئاسة.

ويرى البعض أن الولاء للجماعة هو ما سيحدد ملامح رئاسته. وقال محمد حبيب الذي كان عضوا بمكتب الإرشاد لقرابة ربع قرن في فترة كان الرئيس المنتخب عضوا فيها بمكتب الإرشاد ايضا إن مرسي مكرس للتنظيم ومحافظ جدا وغير منفتح على القوى السياسية والوطنية لكنه شخص ذكي. وأضاف حبيب الذي استقال من جماعة الاخوان العام الماضي بسبب سياساتها بعد الانتفاضة أن على صعيد التفكير الابتكاري او الابداعي فإنه ربما لا يتمتع بهذا.

ويرفض زملاء مرسي بالجامعة الحديث عن رجل يفتقر الى القدرة على القيادة او لا يتمتع بعقلية مستقلة. وقال اسحق ابراهيم (66 عاما) وهو زميل مسيحي واستاذ للمنشآت المعدنية والكباري "ممكن يأخذ قرار منفرد... مش هيرجع تاني يستشير محمد بديع (مرشد الجماعة) او يستشير خيرت الشاطر." ووصف مرسي بأنه مجتهد ويهنئه في الاعياد المسيحية ومتمسك بمبادئه.

وقال حسام عطية (56 عاما) الذي كان مرسي رئيسا له في كلية الهندسة بجامعة الزقازيق إن مرسي أكاديمي مثابر وكان صارما مع اي طالب غير ملتزم. وقال عطية إن مرسي كان من الممكن ان يصبح عميدا لكلية الهندسة لولا أن اعضاء جماعة الاخوان كانوا ممنوعين من تولي هذه المناصب. وكان مرسي مشرفا على رسالة الماجستير لعطية في جامعة القاهرة منتصف السبعينات وقال عطية إنه كان يكتب له تعليقات مفصلة وأضاف أنه بذل معه جهدا كبيرا لكنه عاد عليه بفائدة كبيرة.

وقال عطية إن مرسي في ذلك الحين كان متدينا مثل معظم المصريين يؤدي الصلاة في اوقاتها ويصوم رمضان. وتغير هذا حين سافر مرسي الى كاليفورنيا للدراسة في اواخر عام 1978. وأضاف "هو تعرف على الاخوان في امريكا. لان امريكا فيها فساد وفيها تدين... جهات التدين عنده كانت مجموعة من الاخوان احتوته."

وقال اخوه سيد في غرفة صغيرة بمنزل العائلة المكون من ثلاثة طوابق الذي بني في العدوة عام 1981 حين كان مرسي في امريكا "سافر طبيعي ورجع اخوان مسلمين." وسلك إسلاميون آخرون طريقا مماثلا. ومن الأمثلة الشهيرة وإن كانت متطرفة المفكر الاخواني سيد قطب الذي انتقد المجتمع والثقافة الامريكية بشدة بعد أن درس هناك في اواخر الاربعينيات. ويشار الى آرائه المتشددة في كثير من الأحيان باعتبارها مصدر إلهام للجماعات الإسلامية المتطرفة المعاصرة مثل تنظيم القاعدة.

وبالنسبة لكثيرين في الخارج كان التواصل مع جماعة الاخوان او غيرها من الجماعات مجرد وسيلة للعثور على الألفة في ارض غريبة. غير أن الاستاذ الجامعي فرغلي محمد وهو اكاديمي مصري المولد قام بالتدريس لمرسي وصادقه خلال السنوات الثلاث التي درس فيها في جامعة جنوب كاليفورنيا إن الرئيس الجديد لم يبد مرتاحا قط في الغرب.

وأضاف أن تدينه كان واضحا لكن في اختلاف عن البعض لم يبد منزعجا من حرية الحياة في لوس انجليس. وقال محمد إن شخصية مرسي العامة الآن تختلف تمام الاختلاف عن الرجل المرح الذي كان يلعب مع طفليه الصغيرين. وقال محمد بالهاتف من جامعة كاليفورنيا في ايرفين حيث يعمل الآن "كان يضحك ويمزح وكانت ابتسامته عريضة. حزنت حين اختفت هذه الابتسامة. حين يتحدث الآن مع الناس يبدو جامدا جدا وغاضبا."

كان مرسي في امريكا عام 1978 حين كانت مصر تتفاوض على معاهدة السلام مع اسرائيل التي توسطت فيها الولايات المتحدة ووقعت في العام التالي. لم تحظ المعاهدة بتأييد الإسلاميين وكلفت مهندس الاتفاق انور السادات حياته عام 1981 على أيدي إسلاميين متطرفين فتولى مبارك الذي لم يكن مشهورا الرئاسة. ولا يتذكر محمد وقتا تسبب فيه السلام مع اسرائيل في اي مناقشات حادة خلال زيارات مرسي.

أعد مرسي رسالة الدكتوراة في هندسة المواد وأجرى ابحاثا قال إن إدارة الطيران والفضاء الامريكية (ناسا) استفادت منها وأجريت بمنحة من الحكومة الاتحادية الامريكية. انتقل فيما بعد الى جامعة نورث ريدج ليقوم بالتدريس فيها حتى عام 1985. خطب زوجته نجلاء قبل أن يسافر الى الولايات المتحدة ثم انضمت له هناك. ولد اثنان من ابنائهما الخمسة في الولايات المتحدة ويحملان الجنسية الأمريكية.

وقال مرسي لرويترز إن زوجته لن تلعب دورا جماهيريا مثل الذي لعبته سوزان زوجة مبارك والتي اتهمها منتقدون بانها كانت تناور لتضمن خلافة أحد ابنائها لوالده. حين عاد من كاليفورنيا عاد مرسي الى الجامعة في الزقازيق وهي مدينة بالدلتا شمالي القاهرة قرب قريته كما انها معقل لجماعة الاخوان. لم يعتقل مرسي لفترات طويلة في عهد مبارك مقارنة ببعض زملائه مثل الشاطر الذي قضى سنوات في السجن. بحسب رويترز.

ويعرض محمد سعيد (23 عاما) وهو طالب في كلية الحقوق وواحد من اكثر من 20 من ابناء وبنات اخوة مرسي صور الرئيس المنتخب على هاتفه المحمول مرتديا جلبابا ومبتسما في حجرة وقد جلست احدى الحفيدات على ركبته. قرب القرية ينمو الأرز في رقعتين صغيرتين من الارض حصل عليهما والد مرسي حين صادر عبد الناصر الأراضي من الاقطاعيين وأعاد توزيعها. وقال سيد إن اخاه الذي كان يعمل بالحقل حين كان يحصل على عطلات من جامعة القاهرة لايزال متعلقا بارض والده وأضاف "دكتور محمد مصمم إن احنا نحافظ عليه زي ما هو."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/تموز/2012 - 17/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م