
شبكة النبأ: ازمة جديدة تشهدها الساحة
السودانية التي باتت تعاني الكثير من الازمات خصوصا بعد الانفصال
الاخير الذي اسهم بخلق حالة من الاحتقان بين الجنوب والشمال بسبب
الخلاف على نفط الذي يمثل شريان الحياة لهذا البلد المنهك والذي يعتمد
بالدرجة الاولى على ما توفره صادرات النفط، ويرى بعض المراقبين ان
الفقر والبطالة وعدم الاستقرار اسهم بخلق حالة من النفور وعدم الرضا
لدى المواطن السوداني يضاف الى ذلك القرارات الحكومية الاخيرة التي
زادت من معاناة المواطن وهذا ما تثبته التحركات والمظاهرات الاخيرة
التي تشهدها السودان والتي قد تكون الشرارة الاولى لربيع التغير، فقد
بدأت السودان تشهد تحركات شعبية متزايدة، مناوئة للنظام العسكري، الذي
يحكم الدولة العربية منذ 23 عاماً، بقيادة الفريق عمر البشير، حيث
تحولت الاحتجاجات ضد الغلاء، إلى "ثورة ضد الفساد"، يصر نظام الخرطوم،
على استخدام القوة، لوأدها في مهدها. وكغيره من العديد من النظم
الحاكمة في الدول العربية، بادر نظام الخرطوم إلى اتهام "أطراف خارجية"
بإشعال الأوضاع، وضرب الاستقرار في السودان، ليبرر لنفسه، وبعض حلفائه،
استخدام مختلف أساليب القمع ضد المحتجين المدنيين، على اعتبار أنهم
"يقومون بتنفيذ مخطط خارجي."
وتصاعدت الدعوات برحيل البشير عن الحكم، بعد نحو 23 عاماً في السلطة،
مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي أجبر الحكومة على إجراء خفض كبير في
النفقات، ورفع الدعم عن الوقود، مما أدى إلى ارتفاع كلفة المعيشة،
الأمر الذي دفع المحتجين للنزول في الشوارع، للتعبير عن رفضهم لسياسة "التقشف"
الحكومية. ورد البشير بوصف المشاركين في الاحتجاجات بأنهم "قلة"،
و"شذاذ الآفاق"، كما هدد بإنزال "مجاهدين حقيقيين" للتصدي لهم، في
الوقت الذي تحدث فيه ناشطون عن انتشار ملحوظ لقوات الأمن بشوارع
الخرطوم، إلى جانب عناصر "الرباطة"، وهو تعبير سوداني يقابل "الشبيحة"
و"البلطجية" في دول عربية أخرى.
إلا أن المحتجين السودانيين، الذين انضموا إلى غيرهم من شعوب
المنطقة، فيما يُعرف بـ"الربيع العربي"، بدأوا بإطلاق أسماء مختلفة على
مظاهراتهم في أيام الجمعة، كما يفعل المصريون في ميدان التحرير. وخرجت
مظاهرات الجمعة الأولى، في 22 يونيو/ حزيران الجاري، تحت اسم "جمعة
الكتاحة"، وهي كلمة سودانية تعني "الرياح العاتية المصحوبة بالغبار"،
إلا أن قوات الأمن السودانية، التي تلقت أوامر حكومية بـ"سحق"
الاحتجاجات، تمكنت من تفريق المتظاهرين باستخدام الرصاص المطاطي وقنابل
الغاز المسيل للدموع.
وجاءت احتجاجات الجمعة الثانية، في 29 من نفس الشهر، تحت عنوان
"جمعة لحس الكوع"، التي تصدت لها قوات الأمن أيضاً بالقوة، وسط أنباء
صادرة عن الأمم المتحدة بأن السلطات السودانية احتجزت قادة المعارضة،
وأجبرتهم على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في أي احتجاجات. وأثناء
محاولة مئات المحتجين الخروج من مسجدين يرتادهما أنصار أحزاب المعارضة،
وبينها حزب الأمة الذي يقوده المعارض البارز، الصادق المهدي، وذلك في
العاصمة الخرطوم، وفي أم درمان، بعد صلاة الجمعة، تصدت لهم قوات الأمن،
ومنعتهم من الخروج من المسجدين لعدة ساعات.
وتجمّع قرابة 500 من عناصر مكافحة الشغب خارج مسجد "السيد عبد
الرحمن وأطلقوا قنابل الغاز على الحشود التي كانت تسعى للخروج، مما دفع
الموجودين إلى الرد بإلقاء الحجارة على قوات الأمن. وبحسب بعض المصادر
فإن زعيم حزب الأمة، الصادق المهدي، وهو آخر رئيس وزراء يصل إلى السلطة
في السودان بانتخابات ديمقراطية، كان موجوداً في المسجد، واصطحبه
أنصاره إلى خارجه بسلام . بحسب CNN.
وقال ناشطون أيضاً أن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع في
مسجد "السيد علي"، وقال ناشط من مجموعة "التغيير الآن" طلب التعريف عن
نفسه باسم مستعار هو أحمد سمير: "لقد قاموا بمهاجمة الناس في المساجد،
كما جرى إغلاق الطرقات إلى مسجد السيد علي." وفيما رفع بعض المتظاهرين
لافتات تدعو إلى "العصيان المدني"، فإن السودانيين، الذي يعانون ظروفاً
اقتصادية واجتماعية متردية، يصرون على مواصلة احتجاجاتهم حتى السبت 30
يونيو/ حزيران الجاري، الذي يصادف الذكرى الـ23 لتولي الحزب الحاكم
السلطة.
ولا يتوقع أحد أن تستمر الهدنة الهشة بعد المظاهرات المناهضة
للحكومة التي أذكتها تخفيضات الميزانية وزيادة الضرائب يحصن حكام
السودان أنفسهم. ويقول نشطاء وجماعات معارضة إنه تم نشر شرطة مكافحة
الشغب وفرضت قيود على تغطية الاحتجاجات في وسائل الاعلام المحلية وألقي
القبض على العشرات. ولم يتضح بعد ما اذا كانت الاحتجاجات التي نادرا ما
يتجاوز عدد المشاركين فيها بضع مئات في المرة الواحدة ستكتسب قوة الدفع
التي اكتسبتها انتفاضات الربيع العربي العام الماضي في شمال افريقيا
والشرق الأوسط وبالتالي فإنها تمثل تهديدا حقيقيا لحزب المؤتمر الوطني
الحاكم في السودان وللرئيس عمر حسن البشير.
لكن رد الفعل العنيف على المظاهرات يظهر مدى الخطورة على حكام
السودان الذين يسعون جاهدين لاحتواء العديد من حركات التمرد المسلحة
فضلا عن أزمة اقتصادية نجمت عن خسارة إنتاج وعائدات النفط من جراء
انفصال جنوب السودان العام الماضي.. وقدم نشطاء يريدون إنهاء حكم
البشير ويشعرون بفرصة سانحة في المشاكل الاقتصادية صورة مختلفة تمام
الاختلاف. وجاء في مقال نشره موقع جماعة (قرفنا) وهي احدى الجماعات
الناشطة الرئيسية أنه لن يكون هناك مفر من موجة مد الانتفاضة الشعبية.
ورغم ان أحزاب المعارضة الرئيسية بالبلاد منقسمة فإن معظمها أيدت
الاحتجاجات للضغط على الحزب الحاكم والمطالبة بانفتاح النظام السياسي
وإنهاء الحروب التي تمزق المناطق الغربية والجنوبية من البلاد. وعرض
تحالف للجماعات المتمردة التي تقاتل في هاتين المنطقتين إعلان "وقف
استراتيجي لإطلاق النار" اذا تم إسقاط إدارة البشير.
ويقول محللون إن الخيارات السياسية التي تستطيع تحقيق استقرار
الاقتصاد او تهدئة حالة الاستياء بشأن التضخم نفدت امام الحكومة لهذا
فإنها قد تضطر الى الاعتماد على هذه الاجراءات الأمنية للحفاظ على
النظام ولو على المدى القريب على الأقل. وقال هاري فيرهويفن الباحث
بجامعة اوكسفورد والذي تخصص في دراسة الشأن السوداني "يبدو ان النظام
ليست لديه افكار بشأن كيفية استعادة زمام المبادرة السياسية
والاقتصادية. الافق الزمني للاعبين الرئيسيين أصبح أسابيع وليس شهورا
او سنوات."
وأظهرت الخطوة التي اتخذتها الحكومة لخفض الدعم على الوقود وهو ما
وصفه وزير المالية بأنه عمل "دولة مفلسة" مدى خطورة الأزمة المالية.
وتفادى الساسة اتخاذ هذا الإجراء لفترة طويلة اذ انه لا يتمتع بشعبية
على نطاق واسع لخشية كثيرين من أن يؤدي الى إذكاء التضخم.
ويقول مسؤولون إنهم لم يكن امامهم من خيار. فالاقتصاد يواجه صعوبات
بعد سنوات من الصراع والعقوبات الأمريكية وسوء الإدارة كما أنه تضرر
بشدة من جراء انفصال جنوب السودان منذ عام.
وحصلت الدولة الجديدة على نحو ثلاثة ارباع إنتاج البلاد من النفط
مما حرم السودان من الجانب الاكبر من المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية
والعائدات الحكومية والصادرات. وكان من المفترض أن يتوصل خصما الحرب
الاهلية السابقان الى اتفاق يسدد الجنوب الذي لا يطل على بحار او انهار
بموجبه رسوما للسودان ليصدر الخام عن طريق الشمال. لكن البلدين اللذين
يقول محللون إنهما يخوضان "حرب استنزاف" لم يستطيعا الاتفاق.
وأوقف جنوب السودان إنتاجه من النفط الخام في يناير كانون الثاني
بعد أن بدأت الخرطوم تحتفظ بجزء من النفط بدلا من الرسوم. وأهملت
قطاعات اخرى من الاقتصاد السوداني خلال سنوات الازدهار النفطي مثل قطاع
الزراعة فلم تستطع تعويض ما فقد من إنتاج النفط الخام وهو ما لم يترك
للحكومة سوى القليل من الموارد لملء فجوة في التمويل العام تقدر بنحو
2.4 مليار دولار. وبعد أن وجهت محكمة لاهاي الاتهام للبشير منذ عام
2009 بارتكاب جرائم حرب في دارفور ورفضه بوصفه اتهاما سياسيا يجد
السودان نفسه معزولا دبلوماسيا واذا كان الحلفاء بجامعة الدول العربية
يساعدون سرا فإن هذه المساعدات محدودة نوعا ما.
وقال صابر حسن رئيس القطاع الاقتصادي بحزب المؤتمر الوطني إن إلحاح
الوضع الاقتصادي نجح في بلورة التوافق السياسي اللازم داخل الحزب
لاتخاذ إجراءات تقشفية. وقال إنه يجب بدء هذه الإصلاحات في هذا التوقيت
مشيرا الى أنه اذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت فإن التدهور
سيستمر. والإجراءات الجديدة التي تنطوي على خفض الدعم على الوقود بنحو
الثلث وزيادة الضرائب وتقليص البيروقراطية الحكومية تهدف الى خفض العجز
المتوقع في الميزانية من نحو ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي
الى ثلاثة في المئة تقريبا.
وقال حسن إن الهدف هو احتواء التدهور واستعادة الاستقرار السياسي
وتمهيد الطريق لنمو مستديم. غير أن نشطاء وجماعات معارضة يشيرون الى
فقد النفط بوصفه أحد عوامل التراجع الاقتصادي للبلاد. ويقولون إنه لولا
سوء الإدارة والفساد والإهمال على مدى سنوات لما تدهور الوضع الى هذا
الحد. ولم يثبت زعماء البلاد حتى الآن أنهم قادرون على اتخاذ قرارات
صعبة خاصة على صعيد خفض الإنفاق الكبير الذي يقدر أنه يوجه لقطاعي
الأمن والدفاع والحكم المحلي. بحسب رويترز.
وقالت عابدة يحيى المهدى الخبيرة الاقتصادية السودانية ووزيرة
الدولة السابقة بوزارة المالية إنه اذا أجريت الإصلاحات من اجل التوصل
الى توافق سياسي فإنه يمكن حينئذ وقف التراجع الاقتصادي. وأضافت أنه
اذا لم يتغير شيء على الساحة السياسية وأرادت الحكومة استمرار الوضع
الراهن فإن الاقتصاد سيشهد المزيد من التدهور بغض النظر عن إجراءات
التقشف.
لا تراجع عن خفض الدعم
من جانب اخر قال وزير المالية السوداني إن الحكومة ستتمسك بقرارها
خفض دعم الوقود برغم المظاهرات المعارضة للتقشف المستمرة. وقال وزير
المالية علي محمود ان الحكومة لا خيار لها سوى خفض الانفاق لسد العجز
المالي العام الذي قال في وقت سابق انه وصل إلى 2.4 مليار دولار. وقال
للصحفيين في الخرطوم "في حالة ارتفاع أسعار النفط العالمية سنزيد أسعار
المحروقات ولن نتراجع عن قرار رفع الدعم للمحافظة على المؤشرات الكلية
للاقتصاد ونسبة النمو الحالية." وقال وزير المالية "لم نكن نتوقع إغلاق
ابار نفط الجنوب وهذا أحدث خللا بالنسبة لنا." بحسب رويترز.
وقال الوزير ان الاقتصاد السوداني تضرر مرة أخرى بسبب الاشتباكات
التي وقعت مع جنوب السودان في ابريل نيسان في منطقة هجليج وهي منطقة
حدودية كانت تنتج قرابة نصف ما تبقى للسودان من انتاج نفط. وأضاف "لم
يكن أمامنا خيار غير تعديل الموازنة." وأدت إجراءات التقشف الاخيرة إلى
ارتفاع سعر جالون البنزين من 8.5 جنيه سوداني - ما يزيد قليلا على 1.5
دولار حسب سعر الصرف في السوق السوداء- إلى 12.5 جنيه. |