الدولة المدنية والاحزاب السياسية في الفكر الاسلامي

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: في النظام الاستشاري (الديمقراطي)، لابد أن يكون هناك دور كبير وفاعل للاحزاب، في ادارة وتحريك العمل السياسي داخل اطار دولة المؤسسات او الدولة المدنية، على العكس من الأنظمة الفردية او ذات النهج الشمولي السلطوي الدكتاتوري، حيث يُختصر العمل السياسي برمته في شخص القائد أو حزبه الأوحد، أو حكومته، وهذه هي المشكلة الكبرى التي واجهتها ولا تزال تواجهها بعض المجتمعات المتخلفة سياسيا عن الركب العالمي المتحرر.

واجبات الاحزاب السياسية

إن تعدد الاحزاب السياسية في المجتمع الواحد والدولة الواحد، يُعد قضية مهمة جدا في عالم اليوم، صحيح هناك نظريات متعددة للنظم السياسية، فهناك نظام الحزب القائد ونظام الحزب الواحد، ونظام الحزبين الكبيرين، وغيرها من الانظمة السياسية، لكن مع تطور الوعي الانساني على الصعيد العالمي، بات من غير الممكن تبرير نظرية الحزب الواحد، أو الحزب القائد في ادارة دولة مدنية مستقرة ومتطورة، إذ لا يتسق هذا النوع من الانظمة من الفضاء الواسع للحرية التي تتطلبها الحياة المعاصرة للشعوب، لذلك لامناص من اعتماد النظام الاستشاري، من خلال تعدد الاحزاب، والسماح لها وفق الدستور بالقيام بدورها الجوهري في ادارة العملية السياسية والانتخابات البرلمانية وما شابه، وفق اسس ومواصفات الدولة المدنية.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، بخصوص دور الاحزاب في مواصلة العمل السياسي: (إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة فـي الانتخابات البرلمانية؛ وانطلاقاً من ذلك، فانّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي فـي مواسم الانتخابات، وانّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة).

وهنا ستتضح طبيعة الدور السياسي للاحزاب ومدى أهميته، من خلال مدى التأثير الذي تتركه الاحزاب في الافراد والجماعات، إستنادا الى صدقيتها وتأثيرها القوي من عدمه، فكلما كانت الاحزاب السياسية ذات تأثير قوي في الجماهير، كلما كان اندفاع الجماهير نحو العمل السياسي كبيرا، ما يدفع الناس الى المشاركة الفعلية القوية في عموم الانشطة السياسية، ومن أهمها الانتخابات البرلمانية، أو انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية وما شابه.

لذا يؤكد الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه، في هذا المجال قائلا: (إذا ما كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيراتها في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، فأنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على انهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع ، ويدلون بأصواتهم لصالح مرشحي تلك الأحزاب).

استقرار النظام السياسي

للاحزاب السياسية دور كبير جدا في استقرار النظام السياسي، كما تشير الى ذلك التجارب العالمية، فليس هناك دولة واحدة في العالم، تنحو الى الاستقرار وتتمتع بامتيازاته، بغياب دور الاحزاب، ولهذا هناك ارتباط كبير بين بناء الدولة المدنية، وبين دور الاحزاب في اضفاء الاستقرار والتوازن والاستمرارية على العمل السياسي عموما، وقد وعت المجتمعات المتطورة ونخبها الفكرية والسياسية هذه الدور الهام، وطورته واعطته الاهتمام الذي يستحقه فعلا، لذلك نلاحظ أنها وصلت قبل غيرها من الدول الى مرافئ الاستقرار السياسي، الذي انعكس بدوره على التطور والاستقرار في عموم مناحي الحياة.

هنا يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه الثمين نفسه: (لقد ثبتت بالتجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيها بينها فـي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم ، وبمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام وجعله على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

وهكذا يتحرك الرأي العام من خلال الاحزاب بعد الوثوق بها، ليصبح جزءً من العمل السياسي برمته، وعندما يشترك أكبر عدد من الناس في الانتخابات، هذا يعني أن هناك علاقة سليمة بين المجتمع والاحزاب والحكومة ايضا، وهذا دليل قاطع على مدنية الدولة، لأن الديليل الأهم على التمدن هو حرية العمل السياسي، وحرية الراي والاعلام، وبالتالي وجود الاحزاب الجيدة وقدرتها على كسب ثقة الرأي العام، وهو ما يقود الى بناء دولة عصرية قائمة على التعددية، والفصل بين السلطات، وهذه من أهم مؤشرات التمدن الحتمي للدولة.

إستحداث البرلمان

إن تعدد الاحزاب يعني تعدد وجهات النظر والآراء، وربما اختلافها عن بعضها، وهو أمر لا غضاضة فية، فكما يُقال اذا اختلفت الآراء صحَّت، ومن مجموع هذا التعدد والاختلاف، الناشئ عن تعدد الاحزاب السياسية، يتشكل البرلمان، بعد الانتخابات النيابية التي تشترك فيها جميع الاحزاب، بوصفها الممثل للاراء المختلفة للجماهير، لذلك ظهر البرلمان كمحاولة اولى لتحجيم الدكتاتورية.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه بهذا الشأن: (في البلدان التي تعتبر اليوم من دول العالم الحر، استحدث البرلمان في البداية من اجل تحديد وتحجيم السلطة الديكتاتورية المطلقة للحاكم ولغرض تحديد نفقات ومصروفات المؤسسات الحكومية والـتي يتم تأمينها من الضرائب المستوفاة من الناس).

وهكذا تكون الاحزاب السياسية هي الفضاء الحر لطرح ومناقشة الآراء والاتجاهات الكثيرة، المتشابهة والمختلفة، والتي تصب كلها في بناء الدولة المدنية، إذ يؤكد الامام الراحل رأيه في هذا الموضوع قائلا بهذا الخصوص: (فـي مثل هذه البلدان تتجه أنظار الجماهير إلى الأحزاب السياسية ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية، وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعبٍ من الشعوب في العالم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/تموز/2012 - 11/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م