مصر في عهدة الاخوان

شبكة النبأ: تحديات ومشاكل كثيره تواجه الرئيس المصري الجديد محمد مرسي مرشح جماعة الاخوان المسلمين الذي اصبح اول رئيس مصري منتخب بعد ان حصل على 51,73 بالمئة من اصوات الناخبين، ويرى العديد من المحللين ان من اهم تلك التحديات هو الانتماء الفكري الذي يحمله مرسي وهو ما تتخوف منه الكثير من الدول وتخشاه العديد من الجهات الرافضة لأفكار وتوجهات هذه الجماعة، يضاف الى ذلك التركة الكبيرة التي خلفتها سنوات الاستبداد والتسلط في عهد مبارك والذي خلف الفقر والبطالة والاعتماد على بعض المساعدات الخارجية ، وربما يفتقر الرئيس المصري الجديد لنفوذ حقيقي في السياسة الخارجية في الوقت الراهن لكن الحقيقة المجردة المتمثلة في ان أحد اعضاء جماعة الاخوان المسلمين بات على رأس السلطة في أكبر دولة عربية سيشجع إسلاميين اخرين يسعون إلى التغيير الثوري في انحاء الشرق الأوسط. ويقول محللون إن تولي محمد مرسي منصب رئيس الدولة سيقلق على الارجح إسرائيل ويسعد إيران الخصم اللدود لإسرائيل ويفزع المنتقدين العلمانيين للإخوان في الداخل والخارج الذين يجادلون بان الإسلام السياسي ليس ترياقا للبطالة والاقتصاد المتعثر والبؤس الاجتماعي.

وسيثير فوز مرسي أيضا الهواجس بين بعض دول الخليج العربية التي لا تزال تواجه صعوبات في التأقلم بشكل فعال مع إسقاط حليفهم القديم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. ويقول محللون إن اي تفاوت في تدفق المساعدات من الخليج ربما يكون مؤشرا على حالة العلاقات مع القاهرة. وقال ابو يزن وهو ناشط من مدينة حماة السورية التي كانت مسرحا متكررا لأحداث العنف والمواجهات "فوز مرسي لن يفيدنا بشكل مباشر. ولكنه رمز لثورة منتصرة." وأضاف "مرسي وفوزه يوضحان ان الثوريين لن يهدأوا إلا بعد ان يجنوا ثمار عملهم."

وقال مصطفى السيد استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية يؤكد على اتجاه بدأ في تونس وهو ان القوة السياسية التي من المرجح ان تتولى السلطة في معظم الدول العربية بعد سقوط انظمتها هي القوة الإسلامية. والاخوان المسلمون هم اقدم حركة إسلامية معاصرة واكثرها رسوخا ولها نفوذ واسع في العالم العربي مع ان اتباعها غالبا ما يتعرضون للقمع في الدول التي تقطنها أغلبية مسلمة مثلما كان الحال في مصر.

وبعد فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية في تونس والمغرب فإن انتخاب مرسي يدفع العالم إلى التفكير مجددا بشأن كيفية التعامل مع المؤيدين للحكم الاسلامي. لكن من المتوقع ان يحتفظ الجيش المصري بقبضة قوية على السياسة الخارجية وسيحمي معاهدة السلام مع إسرائيل التي تجلب له 1.3 مليار دولار كمساعدة عسكرية من الولايات المتحدة سنويا.

ونتيجة لذلك قد تكون قدرة حكومة مرسي على تقديم الدعم المادي المباشر للقوى السياسية المماثلة في الدول العربية الأخرى محدودة. وعلى أي حال ستكون مهامه الملحة في الداخل هي تحقيق الاستقرار والازدهار للمصريين إذ انهم في حاجة ماسة لذلك بعد ركود وفساد في ظل حكم مبارك الذي اعقبه 16 شهرا من الأزمات. لكن تركيزه على الشؤون الداخلية لن يوقف منتقدي جماعة الإخوان من النظر اليها بارتياب.

وقال مسؤولون إسرائيليون انهم يحترمون نتيجة الانتخابات ويتوقعون أن تواصل القاهرة الحفاظ على المعاهدة. لكن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعازر قال في مقابلة مع راديو إسرائيل إن معاهدة السلام ستستمر لكنها ستكون "أكثر برودة" في المستقبل. وقال بن اليعازر "ليس هناك أدنى شك في أننا استيقظنا على عالم جديد عالم مختلف عالم أكثر تدينا عالم إسلامي معاد لإسرائيل. الرجل معروف بآرائه المتطرفة المناهضة لمعاهدة السلام مع إسرائيل."

وتنتقد بشدة جماعة الإخوان المسلمين إسرائيل التي تشهد صعود الإسلاميين في مصر بقلق متزايد.

وتأمل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تحكم قطاع غزة أن تخفف رئاسة مرسي قيود الحصار الاقتصادي لغزة الذي تقول إسرائيل انه يهدف إلى وقف تدفق الأسلحة إلى غزة. وقال مايكل ستيفنس الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في الدوحة "السؤال هو كيف سيكون رد فعل الدول الغربية إذا ما عزلوا حماس أكثر وحاولوا الضغط عليهم لإبعادهم عن السلطة. بالطبع ستتحول حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين للحصول على الدعم وهذا منطقي." وأضاف "هم طرف عملي يحرص على تلقي المساعدة من أي شخص."

وقال مركز ابحاث كويليام في بريطانيا إن الموضوع الذي يجب متابعته عن كثب هو زيادة الهجمات الصاروخية من سيناء التي "قد تؤدي إلى زعزعة العلاقة بين مصر وإسرائيل لا سيما إذا سعت إسرائيل إلى عمل من جانب واحد داخل الاراضي المصرية." وفي ليبيا لم يتضح بعد ما الذي سيفعله حزب العدالة والبناء المرتبط بالإخوان في أول انتخابات حرة في 7 من يوليو تموز لأن الجماعة لا تتمتع بنفس الشعبية المؤسسية كما هو الحال في تونس أو مصر.

لكن خبراء وليبراليين ليبيين يعتقدون أن فوز الاخوان المسلمين في مصر سيعزز الثقة في نظرائهم الليبيين. وقال المحلل السياسي عمر عشور "جماعة الإخوان في ليبيا سترى ذلك ليس انتصارا لمصر فحسب لكن انتصارا لجماعة الإخوان المسلمين (عموما)." وقال انه اذا نجح الاخوان في ليبيا المنتجة للنفط والتي تملك احتياطيات مالية كبيرة فسيتطلع نظراؤهم المصريون اليهم للحصول على عقود وفرص لمساعدة الاقتصاد المصري.

وفي ليبيا ينظر العلمانيون لمرسي ببعض القلق. وقال محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا وقت الحرب الذي استقال من منصبه في أكتوبر تشرين الأول الماضي بينما كان يشاهد اعادة لخطاب الرئيس المصري على قناة إخبارية في مكتبه إن فوز مرسي في مصر من شأنه "بالتأكيد" تعزيز فرع جماعة الإخوان في ليبيا. وقال إن القوى الديمقراطية تدعو إلى اقامة دولة مدنية وتدعو إلى المساواة في الحقوق بين جميع الليبيين وتدعو إلى عملية ديمقراطية حقيقية وهذا سيجعل مهمتنا هنا أصعب كثيرا.

وكان رد فعل دول الخليج العربية حذرا على فوز مرسي. وقال شادي حميد من مركز بروكنجز الدوحة إن فوز مرسي يمثل أول صعود حزب إسلامي إلى سدة الرئاسة في العالم العربي. وأضاف "هناك قوة رمزية مقلقة بالتأكيد لزعماء دول الخليج لا سيما في السعودية والامارات لانهم يخشون بشكل متزايد معارضة الاسلاميين لديهم."

وقال نعمان بن عثمان أحد كبار المحللين في كويليام إن دول الخليج تريد "مصر ضعيفة" التي اعتادوا عليها في عهد مبارك ولا يريدون لها أن تستعيد ثقلها الدبلوماسي الذي كان لديها في خمسينات وستينات القرن الماضي في أوج القومية العربية. وقال "الإخوان جماعة لديها قوة ناعمة ونفوذ يجعلها قادرة على احياء مصر وجعلها مرة أخرى البلد الأكثر نفوذا في الشرق الأوسط." "انظر إلى التعاون الاقتصادي مع دول الخليج. هل سينفذون المشروعات التي وعدوا بها؟ لا اشك في ذلك."

وقال حميد من بروكنجز إن دول الخليج ستستخدم نفوذها الاقتصادي للضغط على جماعة الاخوان المسلمين. وقال "مصر ستكون في حاجة إلى مساعدة قروض واستثمار أجنبي مباشر وسيستخدم زعماء دول الخليج إذا كانوا أذكياء ذلك لمصلحتهم الخاصة." وبتشجيع من النفوذ المتزايد للإسلاميين صعد أعضاء جمعية الإصلاح في الإمارات من المطالبة بمزيد من السلطة بانتخاب نصف مجلس الشورى. بحسب رويترز.

وقال المحلل السياسي الإماراتي مشعل القرقاوي "انه أمر عظيم السماح للإسلاميين بالفوز والسماح لهم بإزالة الغموض واظهار انهم لا يملكون تفويضا خاصا لخلق فرص العمل أو حل القضية الفلسطينية هم اناس عاديون." وأضاف "الوظائف والاقتصاد والمجتمع والهوية - كل هذه القضايا التي يشعر الناس بالقلق بشأنها في الخليج ولا يملك الإسلاميون ميزة في التصدي لهذه الاشياء."

قلق اوروبي

في السياق ذاته هنأ وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الرئيس المصري الجديد واصفين انتخابه بأنه "لحظة تاريخية للشعب وللبلاد وللمنطقة" وعبروا عن قلقهم بشأن تحركات المجلس العسكري التي قالوا إنها تعوق تسليم السلطة بشكل كامل لحكم مدني. وقال الوزراء في بيان خلال اجتماع عادي في لوكسمبورج "يشعر الاتحاد الاوروبي بالقلق الشديد بشأن التطورات الاخيرة وخصوصا حل البرلمان والاعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الاعلى للقوات المسلحة يوم 17 يونيو والذي يؤخر ويعرقل عملية التحول وتسليم السلطة بشكل كامل للحكم المدني."

ويتبع الاتحاد الأوروبي منذ العام الماضي سياسة "خطوة مقابل خطوة" التي يربط من خلالها المعونات الاقتصادية بالتقدم في الحقوق المدنية والديمقراطية. وقال الوزراء في بيانهم ان الاتحاد الاوروبي "يؤكد استعداده لتقديم المساعدة في إطار مشاركة وثيقة مع السلطات الديمقراطية الجديدة في مصر وبالتنسيق مع المجتمع الدولي." بحسب رويترز.

 واضافوا "وفي هذا الاطار يشدد الاتحاد الاوروبي على اهمية أن تشرع مصر في إجراء الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لتوفير إمكانية الاستفادة الفعالة من المساعدات الدولية المتاحة وتحسين مناخ الاعمال." ودعا الاتحاد الاوروبي الى وضع دستور مصري جديد في إطار "عملية تتسم بالشفافية وتشارك فيها كل أطياف المجتمع" وقال ان الدستور الجديد ينبغي ان يضمن حقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع وأن يضمن كذلك الفصل الديمقراطي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 العلاقة مع إيران

الى جانب ذلك ذكرت وكالة أنباء إيرانية أن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي عبر عن رغبته في استئناف العلاقات مع طهران لتحقيق "توازن استراتيجي" في المنطقة لكن مساعدا له نفى ان تكون الوكالة أجرت أي مقابلات صحفية مع مرسي. وقالت وكالة فارس الإيرانية للأنباء انها أجرت مقابلة مع مرسي قبل بضع ساعات من إعلان نتائج انتخابات الرئاسة المصرية ونقلت عنه قوله انه يتعين حدوث تقارب بين البلدين وهي تصريحات تثير انزعاج قوى غربية تسعى لعزل إيران بسبب برنامجها النووي.

ونقلت وكالة فارس شبه الرسمية عن مرسي قوله في نص المقابلة "يجب علينا استعادة العلاقات الطبيعية مع إيران على أساس المصالح المشتركة للدولتين وتطوير مجالات التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي لأنه سيحقق التوازن الاستراتيجي في المنطقة." وقال ياسر علي وهو مساعد لمرسي إن الرئيس المنتخب لم يجر أي مقابلات صحفية مع وكالة الأنباء الايرانية (فارس) وان كل ما نشرته الوكالة الايرانية على لسان مرسي "ليس له أي أساس من الصحة."

ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية الرسمية ايضا عن مصدر اعلامي برئاسة الجمهورية نفيه ان يكون مرسي اجرى اي مقابلات صحفية مع الوكالة الايرانية. وفي صفحتها على الانترنت نشرت فارس نص المقابلة ونسخة صوتية منها.

وذكرت فارس انه ردا على سؤال لها عن تقارير بأن أول زيارة رسمية سيقوم بها في حالة فوزه بالرئاسة ستكون للمملكة العربية السعودية قال مرسي "لم أصرح بهذا ولم يتم حتى الآن تحديد أول الزيارات الدولية بعد نجاحي في انتخابات الرئاسة." ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في انتفاضة شعبية في 11 فبراير شباط العام الماضي لمح البلدان لرغبتهما في استئناف العلاقات التي انقطعت منذ أكثر من 30 عاما.

و هنأ الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مرسي على الفوز في الانتخابات. ونقل التلفزيون الايراني الرسمي عن نجاد قوله في الرسالة "أؤكد على توسيع العلاقات الثنائية وتعزيز الصداقة بين الدولتين." ورحبت إيران بفوز مرسي وتغلبه على أحمد شفيق منافسه في جولة الاعادة بالانتخابات الرئاسية واصفة ذلك بأنه "رؤية رائعة للديمقراطية" تميز "الصحوة الإسلامية" في البلاد وهي جملة يستخدمها الساسة الايرانيون لوصف أحداث "الربيع العربي" وتوابعه.

وردا على سؤال عن امكانية استعادة العلاقات بين القاهرة وطهران أكد المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني الدور الحيوي لمصر في المنطقة. وقال كارني على متن طائرة الرئاسة الامريكية التي كانت تقل الرئيس باراك أوباما الى نيو هامبشير "من الملائم تماما لدولة مثل مصر ان تكون لها علاقات مع جيرانها لكننا نتطلع مجددا لأن تواصل مصر دورها المهم كدعامة للسلام والامن الاقليميين."

ويقول دبلوماسيون غربيون إن مصر تعزف فعليا عن إحداث تغييرات كبيرة في العلاقات مع إيران نظرا للقضايا المهمة التي يواجهها بالفعل الرئيس الجديد فيما يتصل بتعزيز العلاقات مع قوى إقليمية وعالمية. وقال دبلوماسي مقيم في طهران "تأمل إيران أن تصبح مصر رادعا أمام أي هجوم إسرائيلي ولاعبا إقليميا يمكن أن تستخدمه كقوة توازن محتملة أمام تركيا والسعودية." وأضاف "ستميل مصر -على الاقل في ظل الظروف الراهنة- لاتخاذ جانب أي من هذين البلدين أمام إيران." بحسب رويترز.

وفيما بدا انه تراجع عما قاله مرسي في كلمة بثها التلفزيون في أعقاب اعلان فوزه بانتخابات الرئاسة في مصر نقلت وكالة فارس عنه قوله ان اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل "سيعاد فيها النظر" لكنها لم تذكر تفاصيل. وليست هناك علاقات رسمية بين مصر وإيران منذ عام 1980 في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية ومعاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل.

وكان وزير الخارجية المصري قال العام الماضي إن مصر مستعدة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران التي أشادت بمعظم انتفاضات الربيع العربي ووصفتها بأنها انتفاضات مناهضة للغرب استلهمت الثورة الإسلامية الإيرانية. إلا أن إيران تدعم الرئيس السوري بشار الأسد أوثق حلفائها العرب والذي يواجه انتفاضة شعبية ضد حكمه منذ 15 شهرا. وفي الداخل استمرت طهران في احباط مطالب الاصلاح التي امتدت إلى الشوارع في أعقاب اعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لفترة ولاية جديدة عام 2009.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/تموز/2012 - 10/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م