العدالة الذاتية في عصر الغيبة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تفصلنا أيام قلائل عن ذكرى ولادة الامام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ففي مثل هذه الايام يشهد عالمنا ولادة أمامنا المهدي عليه السلام، نورا ساطعا يهتدي به الأنام، وضوءا طاردا للظلام، وصوتا يعلو على صوت الظلم والقهر والطغيان، لهذا يتهيّأ المسلمون، والشيعة منهم بوتيرة أكبر للاحتفال بهذه الذكرى العظيمة، مستذكرين الواجبات الملقاة على عاتقهم من أجل كسب رضا الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وبالتالي الفوز في الدنيا، والفوز بالرضى الالهي وهو غاية الغايات.

واجبنا في عصر الغيبة

إن واجبنا واضح ومعروف في عصر الغيبة، إنه نوع من الجد والالتزام لا يتأتى لنا إلا من خلال العمل الجاد الدؤوب والمتواصل، بما أنزله الله تعالى في كتابه الكريم من ضوابط وتعاليم، وبما قدمته لنا السيرة النبوية الشريفة، وسيرة أئمتنا الاطهار عليهم السلام، فكلنا ينبغي أن يعمل لكسب رضى الله تعالى، والتقرب الى الامام الحجة من خلال أعمالنا وأفكارنا الصالحة، لذلك هناك واجبات ووظائف ينبغي علينا تأديتها، استنادا الى عدالة الذات، كما نقرأ ذلك في الكتاب الموسوم بـ (عبير الرحمة) لسماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، إذ يقول سماحته في هذا الصدد: (إنّ أهمّ وسيلة للتقرّب من الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه هي أداء واجباتنا ووظائفنا على أكمل وجه، وأداء الواجب هو الهدف نفسه الذي شرّف الله به الإمام المهدي بالإمامة، وكذلك هدف الرسول الكريم والأئمّة سلام الله عليهم أجمعين من قبله).

لذلك فإن اداء الواجب والالتزام بالوظيفة ومتطلباتها، طريقنا الاوضح والاهم والاقصر لكسب الرضى الالهي، ورضى الامام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، على أن يتم هذا الالتزام بعيدا عن الظلم و وفقا للعدالة الذاتية، فكلما كانت العلاقة بيننا وبين الامام الحجة على قدر كبير من العمق والوضوح والالتزام الحقيقي، كلما كان اداؤنا لواجباتنا سليما وناجحا ومقبولا في كل المقاييس، استنادا الى النتائج التي تتمخض عنه، فالعمل الصحيح يؤدي الى نتائج صحيحة، وعلاقتنا الصحيحة والحقيقية مع الامام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تدفعنا حتما الى الالتزام بالثوابت الدينية والاخلاقية والانسانية المتعارف عليها بين الجميع كنواميس لا تقبل التجاوز، لهذا السبب يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه قائلا حول هذا الجانب: (إنّ علاقتنا الشديدة ـ جميعاً ـ بوليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه هي التي تدفعنا لأن نهتمّ ونعمل ونجدّ ونجتهد لسلوك الطريق الذي ينتهي بنا إلى التوفيق للانضواء تحت مظلّة رضاه).

تعلّم الاسلام والعمل به

لذلك فإن التقرب الى الامام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تعني معرفة دقيقة للاسلام وتعاليمه السمحاء، لكي يتم الامتثال لها والعمل بها في الانشطة الحياتية المختلفة للانسان، لأن الاسلام منهج متكامل لادارة شؤون الناس في مجالات الحياة كافة، من هنا لابد أن نربط بين التقرب الى الامام الحجة من جهة، وبين العمل بثوابت الاسلام وتعاليمه من جهة أخرى، يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه (عبير الرحمة): (إنّ مسؤوليّتنا تتمثّل أوّلاً في تعلّم الإسلام والعمل به وتعليمه، وهي تقع على عاتق كلّ فرد مسلم، سواء كان رجلاً أم امرأة، زوجاً أم زوجة، أولاداً أم آباءً وأمّهات، أساتذة أم تلاميذ، وباعة أم مشترين، ومؤجّرين أم مستأجرين، وجيراناً أم أرحاماً، وفي كلّ الظروف والأحوال).

وهكذا نلاحظ التأثير الكبير والمباشر، بين التمسك بالاسلام ورضى الله تعالى والتقرب الى الامام الحجة المنتظر من جهة، وبين أهمية أن يكون الانسان ملتزما في حياته تجاه ربه ونفسه وأهله والمحيط البشري الذي يتحرك فيه، بمعنى اذا كان الانسان مبتعدا عن مبادئ الدين وتعاليمه في التعامل مع الشؤون الحياتية، فهذا دليل على عدم الالتزام بمصالح الآخرين بل حتى مصالح الذات، لهذا فإن الالتزام الديني يعني الالتزام بحقوق الآخرين والذات معا في جميع التعاملات، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (على كلّ فرد منّا أن ينظر ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين؛ وما هي الواجبات المترتّبة عليه، وما هي المحرّمات التي يجب عليه الانتهاء عنها قبل أن ينظر إلى أي شيءٍ آخر. فعلى الزوج أن يعرف واجباته تجاه نفسه وتجاه زوجته وعائلته وتجاه الآخرين، وكذا المرأة عليها أن تسعى لمعرفة ما يجب عليها تجاه زوجها وأولادها والمجتمع، وهكذا الأولاد تجاه والديهم، والوالدان تجاه الأبناء، وكذا الإخوة فيما بينهم، وهكذا الجيران والأرحام والمتعاملون بعضهم مع بعض). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (فالواجب هو أن يعرف الإنسان أحكام دينه ـ ولا أقلّ من الواجبات والمحرّمات ـ ثم يلتزم بها، وعلى رأس تلك الواجبات معرفة المولى صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه وعجّل الله تعالى فرجه. وهذا بحدّ ذاته واجب الجميع، لأنّه «مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية». ولكي لا يموت أحدنا بحكم المشرك، عليه أن يعرف ما هي واجباته وما هي المحرّمات عليه، فيما يخصّ العقائد والعمل).

منهج العدالة الذاتية

ومن البديهيات المعروفة للجميع، أن حركة الانسان في المجتمع وعموم أنشطته تتطلب ضوابط دينية واخلاقية تحكم هذه الحركة، لكي لا يتجاوز الانسان على حقوق غيره، وهذا الهدف يتطلب تنمية وتطوير ملكة العدالة في ذات الانسان، بمعنى حين يكون الانسان عادلا في ذاته، فإنه يتحاشى التجاوز على حقوق الآخرين، لذلك من المهم جدا أن ينمّي ويطور ملكة العدالة في داخله، كما نقرأ تأكيد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب في قوله: (يقول الفقهاء: إنّ على كلّ شخص أن يسعى للحصول على ملَكة العدالة في نفسه، وهذا من المسلّمات، وهو ـ على حدّ التعبير العلمي ـ مقدّمة وجود الواجب المطلق).

وهكذا اصبح من الواجب على الانسان المسلم أن يتحلى في عصر الغيبة، بالسلوك الانساني السليم، الذي يستند بالدرجة الاولى على ملكة العدالة في ذاته، وهذه الملكة ينبغي أن يتم تطويرها من خلال العمل الجاد والمثابرة والاجتهاد في الفكر والسلوك الصحيح، ولا يتعلق هذا الامر بشخص دون غيره أو بعمر محدد، فلا فرق في ذلك بين المرأة والرجل ولا بين الشيخ والشاب، الجميع مطالب باعتماد منهج العدالة الذاتية في سلوكه وافكاره.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي، في هذا المجال بكتابه عبير الرحمة: (إذاً؛ على كلّ فرد، رجلاً كان أم امرأة، شابّاً أم شيخاً، أن يحصل على ملَكة تحصّنه من ارتكاب المحرّمات وتحول دون تخلّفه عن الواجبات، ثمّ عليه بتعليم الآخرين حسب مقدرته ومعرفته. فهذا هو الواجب، وهذا ما يسرّ الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، ويجعله يرضى عنّا؛ وفي رضاه رضا الله تعالى. أمّا مَن لم يؤدِّ واجبه، فليتوقّع غير ذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/حزيران/2012 - 7/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م