هل ستكون هذه الازمة هي الاخيرة في عراق موحد؟

حيدر قاسم الحجامي

لا يبدو في الافق ما يشير الى انفراج قريب للازمة السياسية الخانقة في بغداد، الازمة التي تدفع بالبلاد الى حافة الاقتتال وعودة مشاهد العنف الدامي الذي يتفجر بين فترة وأخرى، وتضرب مدن العراق موجات من التفجيرات، التي يدعي القادة الأمنيون أنها ليست نوعية، على الرغم من أنها توقع المئات من القتلى والجرحى!.

العنف المرافق للأزمة السياسية القائمة، يكشف ضمن ما يكشف عنه، أن اللغة التي أصبح يتفاهم بها قادة الطبقة السياسية هي لغة العنف والنزول الى الشارع للضغط من خلال تأليبه على طرف ما.

وكوسيلة ناجحة في التأجيج، يصار الى استخدام "عصف الانفجارات " كوسيلة لإسماع الصوت!، بعد أن عجزت لغة الحوار والمطالبة بإقناع الاخر.

ما يجري في العراق اليوم جرائم سياسية بامتياز ولكن من الجاني الحقيقي.؟ في العلم الجنائي هناك قاعدة بديهية تقول اذا غاب الجاني الحقيقي، فابحث عن المستفيد!، من المستفيد من تصعيد الازمة العراقية يا ترى.؟، وتوزيع الرعب في شوارع المدن العراقية..؟.

الإجابة معقدة، ولكنها ليست مستحيلة، فمن غير المعقول أن تعجز كل الدوائر الامنية والسياسية في العراق عن تحديد الجهات التي تقف وراء تصعيد الأزمة الامنية في العراق، ولكنها تعجز عن المجاهرة والمصارحة، خوفاً من فتح كل الملفات مرة واحدة على ما يبدو، أو حتى عمداً لان بعض الدوائر الامنية والسياسية متورطة الى حد كبير في ارتكاب مثل هذه الجرائم، كما حصل مع قضية نائب رئيس الجمهورية الهارب طارق الهاشمي.

ولكن هذا لا يمنع من ان نحدد من يقف وراء الازمة السياسية والامنية في آن واحد، فهما جهتان احدهما داخلية والاخرى خارجية، فالداخلية تتمثل في بقايا وفلول النظام الصدامي الذين اخترقوا الدولة من جديد مستفيدين من أعادة تشكيل الدولة على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية وانتشار الفساد الذي كان وسيلة سهلة للكثير من فلول النظام الصدامي في العودة للواجهة، فآلاف من ضباط المخابرات والامن الخاص والحرس الخاص والحرس الجمهوري وقادة مليشيا فدائيي صدام والاستخبارات وقادة مليشيا القدس فضلاً عن الآف من البعثيين أعيدوا الى العمل في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وخصوصاً الامنية منها، وهولاء يعملون على إجهاض الحياة السياسية مستفيدين من حالة الفوضى وترهل مفاصل الدولة وانشغال الساسة الجدد "بالنهب المنظم لموارد الدولة "، فصاروا يتحكمون بالدولة وشكلوا ما يطلق عليه الأتراك بالدولة العميقة التي تدير كل شيء في الخفاء، الجرائم الجنائية وعمليات الفساد المالي الكبرى والتجسس وادارة شبكات الاغتيال المنظم وغيرها.

كما لا ننسى أن هناك فئات متشددة من كلا الجانبين الشيعة والسنة تقوم بحملات منظمة للتصفية وبدوافع طائفية صرفة تستمد عزمها من حالة الشد الطائفي التي تعيشها المنطقة برمتها، ولا ننسى ان هناك لغط كبير حول تورط الطرف الكردي في تأجيج العنف في البلاد للضغط والاستفادة من التنازلات، وهو أمر غير مستبعد.

أما المحور الخارجي فهو يكاد أن يكون من أوضح الواضحات، فالعراق اليوم واقع ضمن محورين يتصارعان بشكل علني أحدهما المحور الإيراني السوري اللبناني (طرف على الاقل في الساحة اللبنانية)، والمحور السعودي التركي القطري (على اختلاف مصالح كل دولة فيه)، ولكون هذان المحوران يبحثان عن أرض رخوة للتباري والمنازلة، فالساحتان اللبنانية والعراقية هما الانسب، فلكل محور أنصار ومؤيدون بل ومنفذون للصراع على الارض وهم يتقاتلون بالنيابة، ولذا تجد أن الازمات الكبرى يجري التنفيس عنها ولي الاذرع فيها، عبر تحريك الخصوم في الساحتين والبدء بالمنازلة.

هذا بلحاظ أن هناك مشروع امريكي يسير الى جانب كل هذه التداخلات الإقليمية، المشروع الامريكي الذي يصطدم مرة بهذا المشروع او يتفق مع ذاك، لا يزال يراهن على عامل الزمن والتطور الاقتصادي والتغيير الشعبي هي السبل الكفيلة التي ستعيد العراق وسوريا ولبنان الى وضعها الطبيعي، لا سيما ان هناك محور اقليمي في طريقه للتحطم والتفكك بعد أن اصبح سقوط نظام الاسد شبه مؤكد.

وبالتالي فأن اضعاف محور واقصائه سيفرض شروط لعب جديدة في الساحة الاقليمية تتطلب تغييراً واسعاً على الساحتين العراقية واللبنانية، وهذا ما تخشاه حكومة المالكي في بغداد وحكومة ميقاتي في بيروت، فسقوط النظام السوري، سيكون التداعي الاخطر والمرحلة الادق بالنسبة لوحدة العراق وسوريا ولبنان في آن واحد.

هذا الامر الذي يجب ان لا تتناساه المملكة ولا محورها لأنه سيفتح باب جهنم طائفية في المنطقة ولن يكون هناك طرف منتصر من المحورين، بل سيكون المشروع الثالث هو المنتصر في اعادة رسم خارطة المنطقة طائفياً وتفكيك ثلاث دول عربية الى دويلات طائفية لن يقف خطر تفسخها على حدودها بل سيتعداه الى رسم خارطة الكثير من الدول وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي اصبحت لا تقدر على ما يبدو عواقب الاندفاع في معاداة ايران بدافع طائفي الى الحد الذي باتت ترهن المنطقة كلها لمشروع غامض قد لا يكون اسقاط الاسد أو ازاحة المالكي، بهذه الطريقة ثمن مناسب لهذا التهور الاهوج.

ختاماً أقول ان الازمة السياسية الراهنة في العراق هي ليست كسابقاتها بل هي اخطر أزمة تعصف بالبلاد وتهدد وحدتها وكيانها، مما يتطلب من الفعاليات الشعبية والدينية الحريصة على وحدة البلاد التحرك العاجل ومحاولة تفكيك الازمة ونزع فتيلها قبل ان تكون قنبلة ازمة بغداد هي واحدة من قنابل عدة ستنفجر في عدة عواصم لتفكك بلدانها.

* كاتب وصحفي عراقي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/حزيران/2012 - 6/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م