الدول العظمى... سباق للسيطرة على آسيا

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تحركات وخطط جديدة من قبل بعض الدول العظمى بقصد فرض الهيمنة وتوسيع النفوذ والسيطرة العسكرية لأجل حماية مصالحها وبسط نفوذها على الخصوم من خلال تعزيز مواقع القوة مع الحلفاء في اسيا التي تعد من اهم المراكز على الصعيدين الاقتصادي و الامني، ويرى بعض المراقبين ان التحركات الامريكية الاخيرة في المنطقة قد اثارت قلق الجانبين الروسي والصيني الذين بادرا الى تحرك مضاد لأجل استمرار مبدأ الاتزان بين القوى والاقطاب وتضيع الفرصة على الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى الى التفرد باتخاذ بالقرار العالمي، وفيما يخص تلك التحركات فقد دعا وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا في الهند الى تعزيز العلاقات الثنائية في مجال الدفاع معتبرا ان نيودلهي تشكل "محورا" في الاستراتيجية العسكرية الاميركية الجديدة التي تركز على آسيا. واكد بانيتا ان الروابط العسكرية تحسنت بشكل واضح خلال العقد الاخير لكن ينبغي بذل مزيد من الجهود لكي تحتفظ القوتان ب"طرق" الاقتصاد العالمي في المحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ.

وقال سيد البنتاغون في خطاب القاه في معهد الدراسات والابحاث الدفاعية في نيودلهي "لكي تضمن هذه العلاقة فعلا الامن لهذه المنطقة والعالم، علينا تعميق تعاوننا في مجال الدفاع"، مضيفا "لذلك جئت الى الهند". وتابع "ان دولتينا بدأتا بشكل لا رجعة فيه فصلا جديدا في تاريخنا" بعد تخطي الريبة المنبثقة عن فترة الحرب الباردة. لكنه رأى ان العلاقات الثنائية "يمكن بل يتوجب ان تكون اكثر استراتيجية واكثر براغماتية".

واوضح ان الاستراتيجية الاميركية الجديدة تهدف الى "توسيع شراكاتنا العسكرية وحضورنا في القوس الذي يمتد من غرب المحيط الهادئ وشرق آسيا الى منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا". واكد ان "التعاون في مجال الدفاع مع الهند يشكل محورا في هذه الاستراتيجية". ودعا بانيتا ايضا الى بذل مزيد من الجهود في الابحاث وزيادة التمارين العسكرية، كما دعا البلدين الى التفكير في المشاكل القانونية التي تطرحها الحرب المعلوماتية والتسلح الفضائي.

وقد وصل وزير الدفاع الاميركي الى العاصمة الفدرالية الهندية في اطار جولة في آسيا تعكس تحولا في استراتيجية واشنطن للتركيز على هذه المنطقة. ويعتبر هذا التغيير وسيلة لمراقبة الدور المتنامي للصين في المنطقة وبخاصة في جنوب بحر الصين، ومن خلال تعزيز الدبلوماسية الاميركية لدى دول اصغر تواجه خلافات جغرافية مع الصين. وفي هذا الاطار، تعتبر واشنطن الهند بمثابة ثقل مواز لبكين حتى وان كانت التصريحات الرسمية تشدد على ان الاستراتيجية الجديدة لا تتحدى ولا تستبعد الصين.

وتحدث بانيتا اثناء اجتماع مع وزير الدفاع الهندي ا.ك. انتوني عن انسحاب القوات العسكرية التابعة لحلف شمال الاطلسي من افغانستان بحلول نهاية 2014 كما هو مقرر، وكذلك تعزيز تجارة الاسلحة مع الهند والتعاون الثنائي في مجال التدريب العسكري. واضاف "اناشد القادة الهنود لمواصلة دعم افغانستان عبر التجارة والاستثمار واعادة الاعمار ومساعدة قوات الامن الافغانية".

وغداة مقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة ابو يحيى الليبي في غارة لطائرة من دون طيار في باكستان، اقر بان نيودلهي وواشنطن تصطدمان بصعوبات مع اسلام اباد. واكد بانيتا مقتل ابو يحيى الليبي الذي فر من سجن اميركي في افغانستان ونجا من محاولات اغتيال عدة. وابو يحيى الليبي الذي يعتبر من ابرز قياديي القاعدة ظهر مرارا في اشرطة فيديو للتنظيم في السنوات الماضية.

وقال "ان علاقاتنا مع باكستان معقدة لكن علينا العمل لتحسينها"، مشيرا الى ان "الهند والولايات المتحدة بحاجة الى الاستمرار في التعامل مع باكستان لتذليل خلافاتنا معها لجعل منطقة شرق اسيا آمنة ومزدهرة". واكد بانيتا ان الولايات المتحدة ستواصل شن غارات على عناصر القاعدة في باكستان. وردا على سؤال حول مواصلة قصف طائرات اميركية من دون طيار لأهداف في باكستان "كنا في غاية الوضوح باننا سنستمر في الدفاع عن انفسنا". واضاف "ان الامر يتعلق ايضا بسيادتنا"، موضحا ان ناشطي القاعدة الذين خططوا لتنفيذ اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر في الولايات المتحدة موجودون في المناطق القبلية في باكستان.

ولفت الى ان "القادة الذين شاركوا في التخطيط لهذا الهجوم موجودون في باكستان، في المناطق القبلية". وفي ما يتعلق ببيع اسلحة الى الهند التي جعلت من الولايات المتحدة احد ابرز مزوديها مع مبيعات بقيمة 8,5 مليارات دولار منذ 2001 (بحسب ارقام البنتاغون)، اعتبر بانيتا ان على البلدين ازالة الحواجز الادارية التي تكبح المشتريات ونقل التكنولوجيا.

واعربت واشنطن في السابق عن قلقها من العداء بين الهند وباكستان الذي يمكن ان يؤدي الى توتر في المنطقة، وفضلت الولايات المتحدة ان تضطلع نيودلهي بدور متواضع في افغانستان يقتصر على تدريب القوات وتطوير البنى التحتية. لكن مسؤولين تحدثوا للصحافيين طالبين عدم الكشف عن هوياتهم لدى وصول بانيتا ذكروا ان السياسة الاميركية قد تغيرت في اطار انسحاب قوات الحلف الاطلسي المبرمج بحلول نهاية 2014.

وقال مسؤول في الدفاع طالبا عدم الكشف عن هويته "في السنوات العشر الاخيرة، ولأسباب لا تحصى، لم تضطلع الهند بدور نشط في افغانستان". واضاف "اننا نشجع الهند على الاضطلاع بدور اكبر في افغانستان، دور سياسي واقتصادي اكبر". وتأمل الولايات المتحدة في ان تطور الهند تدريب قوات الامن الافغانية، كما ذكر المصدر في وزارة الدفاع.

وفي تشرين الاول/اكتوبر 2011، وقعت الهند وافغانستان اتفاق "شراكة استراتيجية" لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية والامنية، وشدد الرئيس الافغاني حميد كرزاي حينها على دور اكبر للهند.

وقد استثمرت نيودلهي التي تتخوف من عودة نظام اسلامي الى كابول، حوالى ملياري دولار حتى الان على صعيد مساعدة افغانستان على ارساء نفوذها.

وقال شاشنك جوشي الخبير الامني لشؤون جنوب آسيا والعضو المشارك في مركز "رويال يونايتد سرفيسز انستيتيوت" للدراسات في لندن، ان الهنود يتخوفون من الوضع بعد انسحاب قوات الحلف الاطلسي. وقال "هم يعتقدون ان الدولة الافغانية اضعف مما يعتقد الاميركيون والبريطانيون ويتخوفون من تعرض مصالحهم للخطر من قبل المجاهدين" الذين يأتون من افغانستان.

ودعا السفير الهندي في واشنطن الى تنسيق افضل مع الولايات المتحدة حول افغانستان، مشيرا الى هواجس نيودلهي المتعلقة بمستقبل البلاد. وفي الاستراتيجية الجديدة التي كشف عنها في كانون الثاني/يناير الرئيس الاميركي باراك اوباما والتي تأخذ في الاعتبار تنامي قوة الصين في المنطقة، كانت الهند البلد الوحيد المذكور باعتباره شريكا حيويا. ويعتبر المسؤولون الاميركيون ان نيودلهي وواشنطن تتقاسمان التقاليد الديموقراطية نفسها والهواجس نفسها حيال الصين والمجموعات الاسلامية الناشطة في جنوب آسيا.

في السياق ذاته اعرب الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الفيليبيني بنينيو اكينو عن املهما في التوصل الى حل سلمي للخلافات الحدودية في بحر الصين الجنوبي الذي يشكل موضوعا بالغ الحساسية بين مانيلا وبكين. وافاد بيان صدر في ختام اجتماع بين الرئيسين في المكتب البيضوي ان الرئيس اوباما وعد اكينو بتقديم دعم لتأمين "قدرات دفاعية" مناسبة وتحديث الجيش الفيليبيني. وعلى غرار فيتنام وتايوان، تتصدى الفيليبين للصين في شأن ترسيم حدودهما البحرية. بحسب فرنس برس.

وشدد اوباما واكينو على "اهمية المبادئ الرامية الى تأمين حرية الملاحة واحترام القوانين الدولية والتجارة بلا عوائق"، كما جاء في البيان. ويتمحور الخلاف بين الفيليبين والصين حول رصيف سكاربورو الصخري الذي يبعد 230 كلم (140 ميلا بحريا) غرب لوكون كبرى جزر الفيليبين.

وتعتبر مانيلا ان هذه المرتفعات تقع في منطقة بحرية حصرية تبلغ مساحتها 200 ميل، لذلك لا جدال من هذا المنطلق على سيادتها. اما بكين فتؤكد سيادتها على كامل بحر الصين الجنوبي.

وتؤكد ادارة اوباما ضرورة اجراء المفاوضات حول الحدود البحرية بين الصين وجميع جيرانها الذين يعتبر معظمهم حلفاء لواشنطن، فيما قالت بكين في السابق انها تريد ايجاد حلول للخلافات الحدودية على المستوى الثنائي فقط. وتأتي هذه الخلافات وسط رغبة الولايات المتحدة في تعزيز حضورها العسكري في منطقة آسيا المحيط الهادئ.

تعزيز التحالف

من جانب اخر اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بكين ان روسيا والصين ستعززان تحالفهما الاساسي لاسيما في اطار الامم المتحدة حيث تعارض القوتان مساعي مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات على دمشق. وعبر الرئيس الروسي عن ارتياحه "لان مصالح بلدينا تتوافق في العديد من الميادين الهامة"، فيما يتوقع ان ينسق الزعيمان مواقفهما بشأن الوضع في سوريا والبرنامج النووي الايراني. وقال بوتين "لدينا النية لتعزيز تعاوننا في اطار المنظمات الدولية الكبرى: الامم المتحدة ومجموعة العشرين ومجموعة البريكس (للدول الناشئة) ومنظمة تعاون شنغهاي". واضاف "ان التعاون الاستراتيجي الصيني الروسي بصدد اجتياز عتبة جديدة. نواصل العمل سويا لتعميق العلاقات".

واشرف مع هو على توقيع اتفاقات تعاون وخصوصا انشاء صندوق صيني روسي للاستثمار برأسمال قدره اربعة مليارات دولار. وسيشارك الرئيس الروسي في قمة منظمة تعاون شنغهاي التي تعتبر كتلة موازية للنفوذ الاميركي في آسيا الوسطى. وتضم منظمة تعاون شنغهاي روسيا والصين واربع جمهوريات سوفياتية سابقة هي كازاخستان واوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان. وايران هي من الدول الاربع التي تتمتع بصفة مراقب في هذه المنظمة. وبعد رفض بوتين المشاركة في قمة مجموعة الثماني في اواسط ايار/مايو وفي قمة الحلف الاطلسي في الولايات المتحدة، فان مشاركته في قمة منظمة شنغهاي للتعاون ترتدي طابعا رمزيا. وكان بوتين اشاد مؤخرا بطبيعة العلاقات "التي لا سابق لها" بين بلاده والصين التي تعتبر الشريك التجاري الاول لها.

وفي مستهل زيارة بوتين شددت وزارة الخارجية الصينية على ان موقف الصين وروسيا موحد حول معارضتهما الحازمة لأي تدخل اجنبي وتغيير النظام بالقوة في سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ليو ويمين "حول المسألة السورية، ما زالت الصين وروسيا على اتصال وتنسيق وثيقين سواء في نيويورك (الامم المتحدة) او في موسكو وبكين".

واضاف المتحدث في مؤتمر صحافي ان "موقف الطرفين واضح للجميع: من الضروري التوصل الى وقف فوري لأعمال العنف، على ان تبدأ عملية الحوار السياسي في اسرع وقت ممكن". واوضح المتحدث ان الصين وروسيا العضوين الدائمين في مجلس الامن، "تتخذان الموقف نفسه حول هاتين النقطتين وتعارضان اي تدخل خارجي ... في سوريا وتغيير النظام بالقوة". وقد استخدم البلدان حقهما في النقض مرتين على قرار لمجلس الامن يهدد بفرض عقوبات على نظام الرئيس بشار الاسد منذ بداية السنة، ثم دعما في وقت لاحق خطة السلام التي اعدها الموفد الخاص للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان.

وعلى الصعيد الاقتصادي يتنامى التعاون بين البلدين اولا في مجال المحروقات، خصوصا وان روسيا تعد المنتج الاول في العالم للنفط والصين المستهلك الاول للطاقة. وفي اطار هذه الزيارة واثناء حفل توقيع في بكين بحضور رئيسي البلدين وضعت الصين وروسيا اللمسات الاخيرة لأنشاء صندوق الاستثمار المشترك برأسمال قدره اربعة مليارات دولار.

واوضح البلدان في بيان صحافي ان الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة والصندوق السيادي الصيني "تشاينيز انفستمنت كوربوريشن" سيسهم كل منهما في هذا الصندوق المشترك بمستوى مليار دولار (804 مليون يورو)، والباقي (مليارا دولار) سيأتي من مستثمرين صينيين. وكان قد اعلن عن انشاء هذا الصندوق اواخر نيسان/ابريل الماضي في موسكو فيما اصبحت الصين في 2010 الشريك التجاري الاول لروسيا.

ويهدف الصندوق للاستثمار في ميادين مثل الزراعة والنقل وتحويل الخشب. وسيتم استثمار حتى 70% من موارد الصندوق في روسيا وفي بلدان مجموعة الدول المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بدون دول البلطيق الثلاث وجورجيا)، و30% في الصين. الى ذلك تتفاوض موسكو وبكين منذ سنوات بشأن توقيع عقد يقضي بتسليم الغاز الروسي للصين بحوالى 70 مليار متر مكعب سنويا على مدى ثلاثين سنة.

ومنذ 2009 وتوقيع اتفاق اطار لم يتحقق اي تقدم مهم اذ ان المحادثات بين الجانبين تعثرت بسبب خلاف حول سعر الغاز. وفي الاونة الاخيرة صرح نائب رئيس الوزراء الروسي اركادي دفوركوفيتش ان الاحتمال ضئيل ان يتم توقيع اتفاق خلال الزيارة. من جهة اخرى، افادت وسائل اعلام روسية ان البلدين يريدان التعاون لتصنيع طائرات للرحلات الطويلة من اجل منافسة عملاقي الطيران ايرباص وبوينغ، ومن الممكن ان يصدر اعلان بهذا الصدد خلال زيارة بوتين الى بكين.

على صعيد متصل تعهدت الصين بمنح قروض بمليارات اليورو للشركات التايوانية الناشطة في الصين القارية وتسهيل وصول التايوانيين الى الجامعات الصينية، في ما يعتبر مراحل جديدة في حملة بكين لاجتذاب تايوان على امل التوحيد. واعلن وانغ يي المسؤول في مكتب الشؤون التايوانية وهو ما يعادل وزارة، "بهدف مساعدة الشركات التايوانية على التطور، ستعرض المصارف القارية (...) قروضا تصل الى حدود 600 مليار يوان (75 مليار يورو) على مدى السنوات الثلاث او الاربع المقبلة".

واضاف المسؤول الصيني اثناء منتدى ديترويت السنوي الذي يهدف الى تعزيز الروابط بين الصين وتايوان ان المؤسسات المصرفية الاربع، انداستريال اند كومرشال بنك اوف تشاينا وبنك اوف تشاينا وتشاينا كونستراكشن بنك وتشاينا ديفيلوبمنت بنك، سيسمح لها بمنح هذه القروض.

وستقوم بكين ايضا بتسهيل وصول الطلاب والاساتذة التايوانيين الى جامعات صينية وتوسيع امكانية تسيير رحلات مباشرة بين الجزيرة والاراضي القارية الى ثلاثة مطارات اضافية.

وبحسب خطاب المسؤول الذي نشر على موقع مكتب الشؤون التايوانية على الانترنت، فانه سيكون بامكان الاساتذة التايوانيين ان يطمحوا الى الوضع نفسه الذي يتمتع به الاساتذة الصينيون فور حصولهم على "الاذن بالتدريس"، بينما سيكون بامكان الطلاب التايوانيين حاملي الشهادات الصينية الترشح لشغل وظيفة عامة. بحسب فرنس برس.

وعادت الحرارة الى العلاقات بين الشقيقين العدوين مع وصول ما ينغ-جيو الى الرئاسة التايوانية في 2008. واعيد انتخاب ما الذي يدعم التقارب مع الصين في كانون الثاني/يناير لولاية ثانية.

وانفصلت تايوان (جمهورية الصين) والصين (جمهورية الصين الشعبية) منذ نهاية الحرب الاهلية الصينية في 1949. وتايوان مستقلة فعليا لكن بكين تعتبرها اقليما متمردا ولا تستبعد استخدام القوة لاستعادتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/حزيران/2012 - 3/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م