السودان وجنوبه... صراع ينذر بكوارث باهظة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يشهد السودان وجنوبها حروب جديدة بسبب اشتداد مشاعر الغضب والاستياء من الأزمة الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن الصراعات القبلية المناطقية، في حين يشكل النفط مع الخلاف الحدودي صلب التوترات بين الشمال والجنوب منذ استقلال جوبا، إذ يمثل النفط عصب الحياة الاقتصادي في شمال وجنوب، بينما لا تزال مخلّفات انفصال جنوب السودان تحول دون الوئام بين البلدين المتداخلين أراضيا وسكانا واقتصادا. لكن جديد هو استمرار النزاعات سيحول الوضع من ازمة الى كارثة، حيث ارتفعت حدة التوترات عندما اشتبك الجانبان في منطقة حدودية منتجة للنفط مما دفعهما الى شفا حرب شاملة، فهما في أزمة اقتصادية خطيرة وتكاد تكون خانقة بل هي تفاقمت منذ انفصالهما لكنهما وجدا الموارد اللازمة للذهاب إلى حرب يمكن أن تطول، من جهة أخرى تجرى المحادثات على هامش محادثات السلام بين السودان وجنوب السودان، وهناك خلافات بين البلدين حول قضايا منها ترسيم الحدود والمبلغ الذي يتعين على الجنوب دفعه لنقل النفط عبر السودان ووضع مواطني كل دولة لدى الطرف الآخر والدين الوطني، ومن أسباب التوتر الرئيسية اتهام الخرطوم لجوبا بدعم متمردي حركة تحرير شعب السودان القطاع الشمالي واتهامات من جوبا للخرطوم بأنها تدعم مسلحين إلى الجنوب من الحدود. وينفي كل منهما مزاعم الطرف الآخر،  بحيث باتت السودان اليوم تعيش ذروة ألازمة مع جنوبها مما ينذر بحدوث كوارث إنسانية قادمة باهظة الثمن.

الحدود السودانية

فقد قال زعيم للمتمردين إن العشرات يموتون يوميا في المناطق الحدودية بين السودان وجنوب السودان لأن الحكومة تمنع منظمات اغاثة أجنبية من توصيل المواد الغذائية والأدوية لأجزاء كبيرة من المنطقة، ونفت الخرطوم هذه الاتهامات وقالت إن الوضع الإنساني تحت السيطرة واتهمت المتمردين باستغلال المدنيين في صراعهم المسلح، وتقول الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة إن مئات الآلاف فروا من ديارهم في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الحدوديتين السودانيتين منذ اندلاع قتال بين المتمردين والقوات الحكومية العام الماضي، وحذرت الولايات المتحدة من مجاعة وشيكة في المنطقة ودعت الخرطوم إلى التخفيف من القيود على منظمات الإغاثة الأجنبية، وقال مالك عقار الوالي السابق لولاية النيل الأزرق ويرأس الآن الجبهة الثورية السودانية التي ينضوي تحت لوائها عدد من جماعات متمردة إن القيود التي فرضتها الخرطوم تسببت في أزمة إنسانية، وقال في مقابلة أجريت معه "بينما نتحدث فإن الوضع كارثي. الناس لا يلقون اي رعاية. طوال هذا الوقت هم يعانون من نقص في الغذاء والدواء، ومضى يقول نحو 30 أو 40 يموتون يوميا في كلا المنطقتين.. هناك مسألة... استخدام الغذاء كسلاح، وقال عقار إن أعداد الضحايا من المدنيين بسبب الضربات الجوية السودانية تتزايد في المنطقتين. وينفي السودان استهداف المدنيين. بحسب رويترز.

وتعود جذور الصراع في الولايتين إلى الحرب الاهلية السودانية التي دامت عشرات السنين بين الشمال والجنوب. وانتهت الحرب الأهلية عام 2005 بموجب اتفاق سلام مهد الطريق لانفصال جنوب السودان عن الخرطوم وإعلانه الاستقلال العام الماضي، لكن تقسيم البلاد أدى إلى ترك عشرات الآلاف من المقاتلين الذين حاربوا ضد الخرطوم في صفوف الجنوب على الجانب الشمالي من الحدود بين البلدين. وتجددت الاشتباكات في جنوب كردفان العام الماضي وامتدت إلى النيل الأزرق وتبادل الجانبان الاتهامات في إشعالها، واتهم ربيع عبد العاطي وهو مسؤول في وزارة الإعلام السودانية المتمردين بتقديم معلومات غير صحيحة عن الوضع الإنساني وقال إن الخرطوم تعمل على التأكد من توصيل المساعدات، وقال إنهم يحاولون إحداث مشكلة للحصول على بعض المكاسب السياسية. وأضاف أنه لا يعتقد أن حكومته مقصرة، ويقول خبراء إن المناطق الحدودية وأغلبها مناطق وعرة جبلية تواجه نقصا حادا في الغذاء، وأقالت الخرطوم عقار من منصب والي النيل الأزرق عقب اندلاع الاشتباكات وعينت حاكما عسكريا، وسارع عقار بالانضمام إلى الجبهة الثورية السودانية عندما تشكلت العام الماضي بين حركة تحرير شعب السودان-القطاع الشمالي التي تنشط في جنوب كردفان والنيل الأرزق ومتمردين آخرين في منطقة دارفور بغرب السودان.

وتوجه زعماء من الجبهة إلى أديس ابابا لإجراء محادثات مع مسؤولين من الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية التي اقترحت خطة في وقت سابق من العام الجاري لتأمين توصيل المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، ويقول المتمردون إنهم يقاتلون للإطاحة بالرئيس السوداني عمر حسن البشير وإنهاء ما يعتبرونه تهميشا للأقليات.

اللاجئون السودانيون

في سياق متصل فعندما غادرت نياجاني كوتيل مخيم كاكوما للاجئين في كينيا عائدة إلى جنوب السودان في عام 2008 لم تكن تتخيل أن الحرب ستجبرها على عبور الحدود مرة أخرى بهذه السرعة، لكن الخروج يتكرر بعد مرور أقل من عام على احتفال جنوب السودان باستقلاله عن السودان مما أدى إلى تلاشي الآمال في إنهاء حرب استمرت خمسة عقود، ويصل حوالي 1200 لاجئ من جنوب السودان إلى مخيم كاكوما كل شهر هاربين من الحرب والجوع في أحدث دولة في العالم، وقالت كوتيل (20 عاما) بينما كانت تجلس على مقعد خشبي مع ابنتها التي تبلغ من العمر خمسة أعوام في انتظار التسجيل لدى إدارة شؤون اللاجئين الكينية "عندما أتيت إلى هنا في عام 2005 كان هناك الكثير من الحرب، وقتل والدا كوتيل في غارة ليلية على قريتهم مما أجبر الفتاة على أن تلتمس ملاذا في مخيم كاكوما الذي يقع على بعد 120 كيلومترا جنوبي الحدود، وفي عام 2008 كانت هي وابنتاها الصغيرتان ضمن 50 ألف لاجئ من جنوب السودان أعيدوا من كينيا يتطلعون إلى بناء حياتهم في أعقاب اتفاقية السلام التي وقعت في عام 2005 وأدت إلى استفتاء على استقلال جنوب السودان في يوليو تموز الماضي، وقالت كوتيل "عندما عدت إلى السودان وجدت الحرب ذاتها. لذا فإنني هنا ليس لدي مكان آخر لأذهب إليه، وقتل زوجها وابنتها البالغة من العمر اربعة اعوام عندما أحرق مهاجمون قريتهم في ولاية جونقلي المضطربة في جنوب السودان، وقالت "لم يعد لدي أي أمل في العودة إلى جنوب السودان أريد البقاء في كينيا لأنني لا أرى أي حرب هنا، وقال جي أفونيون رئيس مكتب وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مخيم كاكوما "التاريخ يعيد نفسه" ذلك أن كثيرا من العائدين إلى المخيم كانوا هناك من قبل، وغالبية الوافدين الجدد يأتون من جونقلي مثل كوتيل حيث تضرر أكثر من 170 ألف شخص من الحرب العرقية منذ أواخر عام 2011، قالت نيبول ماريار (40 عاما) "الرحلة كانت شاقة للغاية. عانينا. لم يكن هناك طعام ولا مياه. كنا خائفين لذا هربنا ليلا." وكانت ماريار تجلس على حشية في مركز استقبال المخيم مع أبنائها الثمانية الناجين، وقتل أول صبي تلده وزوجها في غارة ليلية على قريتهم في ولاية جونقلي. بحسب رويترز.

ويستقبل مخيم كاكوما 100 وافد جديد كل يوم. ومع اقتراب عدد السكان من 97 ألفا فمن المرجح أن يصل المخيم إلى سعته التي تقدر بنحو 100 ألف شخص خلال أسابيع قليلة، قال أفونيون "لم نصل قط إلى هذا الرقم حتى في ذروة أزمة السودان قبل الاستفتاء، وتابع قائلا "المكان الوحيد الذي يستوعب هؤلاء الوافدين الجدد عبارة عن مستنقعات" محذرا من أن هذه الأوضاع غير الصحية ستصيب الناس بالمرض، وحوالي 60 في المئة من الوافدين الجدد من جنوب السودان و16 في المئة من السودان والباقون من دول مجاورة مثل الصومال وإثيوبيا، ويأتي معظم السودانيين من ولاية جنوب كردفان على الحدود الغنية بالنفط المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان.

كارثة انسانية

فيما حذرت منظمات غير حكومية في جنوب السودان من ان ابناء السودان وجنوب السودان الذين نزح الالاف منهم بسبب النزاع الحدودي بين البلدين، يواجهون حاليا موسم الامطار الذي قد يحول الوضع من "ازمة" الى "كارثة"، وقال جونسون بياموكاما عضو منظمة اوكسفام غير الحكومية، وهي احدى المنظمات الانسانية الخمس التي اطلقت هذا التحذير بشان الوضع في السودانين "نحن الان ننتقل من ازمة الى كارثة"، والمنظمات الاربع الاخرى هي كريستيان ايد وانترناشيونال ريسكيو كوميتي وريفوجيز انترناشيونال وسايف ذي تشيلدرن، واضافت هذه المنظمات في اعلان مشترك ان "الامطار الموسمية المتوقعة في السودان وجنوب السودان تزيد الوضع الكارثي بالفعل سوءا في مخيمات اللاجئين وتحد من حركة التنقل وتزيد خطر انتشار الامراض"، وبعد اسابيع من المواجهات العنيفة على الحدود المشتركة، يرابط جيشا السودان وجنوب السودان في مواقعهما في مواجهة يسودها التوتر، في الوقت نفسه وفي ولاية جنوب كردفان السودانية، ارغمت حرب اهلية اكثر من مئة الف شخص على الفرار الى جنوب السودان المجاور في مناطق نائية تنقطع عن كل شيء في موسم الامطار، واضافة الى النزاع الحدودي مع الخرطوم، يواجه جنوب السودان الذي حصل على استقلاله ازمات متعددة من بينها المواجهات القبلية وهجمات المتمردين واكثر من اربعة ملايين شخص في حاجة بالفعل الى المساعدة الغذائية، وقال بياموكاما ان "الامطار المقبلة يمكن ان تجعل حياة اللاجئين غير محتملة وتجلب معها خطر الامراض الناجمة عن المياه". واضاف "على العالم ان يعي الكلفة الحقيقية للنزاع على الاشخاص الذي عانوا بالفعل من الحرب لسنوات طويلة"، وحذرت الامم المتحدة ايضا من تدهور اقتصادي في جنوب السودان والذي سيكون مدمرا جدا "في الاسابيع او الاشهر المقبلة"، وحذرت المنسقة الانسانية في الامم المتحدة لجنوب السودان ليز غراندي ان "عدد الاشخاص الذين سيحتاجون الى مساعدة عاجلة سيزداد اذا لم يستأنف انتاج النفط". بحسب فرانس برس.

وورث جنوب السودان ثلاثة ارباع موارد نفط السودان مع انفصاله عن الشمال، لكنه يرتهن للبنى التحتية الشمالية للتصدير. وبسبب عدم التوصل الى اتفاق حول رسوم عبور النفط بين البلدين، يعمد الشمال الى سحب قسم من النفط الخام الذي يعبر اراضيه. ودليلا على الاستياء، اوقفت جوبا انتاج النفط، وتقول الامم المتحدة انها لا تزال بحاجة الى 500 مليون دولار لتمويل انشطتها في جنوب السودان. لان الحاجات المالية، بحسب لويز غراندي، ستنمو اكثر اذا لم يستانف الانتاج النفطي، وقد ادى اقفال صنابير النفط الى شح في السيولة في الجنوب ودفع الى ارتفاع التضخم. ففي السوق السوداء، يجري التداول بسعر الدولار مقابل خمسة جنيهات جنوب سودانية مقابل 3,5 في كانون الثاني/يناير، وقالت غراندي "مع تدهور سعر العملة (...)، يزداد سعر المواد الغذائية -- وفي بعض الاماكن، نشهد زيادات حتى 300 في المئة"، وطلبت الامم المتحدة من جوبا والخرطوم استئناف المفاوضات لحل خلافاتهما. لكن على الرغم من ان المعارك هدات على الحدود المشتركة. 

اختلاس الاموال العامة

على صعيد أخر اعلن رئيس جنوب السودان سالفا كير في رسالة مفتوحة الى "المسؤولين الفاسدين" في بلاده ان مسؤولين او مسؤولين سابقين او افرادا على علاقة بالسلطة اختلسوا اربعة مليارات دولار (3,2 مليارات يورو) من الاموال العامة في جنوب السودان، وقال رئيس الدولة في رسالته التي نشرها مكتبه الاعلامي ان "حوالى اربعة مليارات دولار اختفت او بكل بساطة سرقت من قبل مسؤولين ومسؤولين سابقين او افراد فاسدين يقيمون علاقات وثيقة مع مسؤولين حكوميين، واضاف ان "القسم الاكبر من الاموال خرج من البلاد واودع حسابات اجنبية"، واعدا بالعفو عن الذين يردون المال. حتى ان جنوب السودان فتح حسابا في كينيا تحسبا لاموال مرتجعة. بحسب فرانس برس. 

وقال كير "اكتب اليكم لاشجعكم على اعادة هذه الاموال المسروقة (بالكامل او جزئيا) الى هذا الحساب، واضاف ان "سكان جنوب السودان والمجتمع الدولي يعربون عن قلقهم من حجم الفساد في جنوب السودان"، داعيا الى اتخاذ قرارات تفرض نفسها من اجل "انقاذ بلادنا من الازمة التي تواجهها ومساعدة ملايين (الاشخاص) الذين هم بحاجة ماسة لمساعدة طبية وتربوية"، وخلص سالفا كير الى القول "لقد حاربنا من اجل الحرية والعدالة والمساواة". وقال ان "عددا من اشقائنا قضوا من اجل هذه الاهداف. ومع ذلك، فقد نسينا فور تسلمنا السلطة ما حاربنا من اجله وبدانا نجمع ثروات على حساب الشعب".

سفارات جنوب السودان

من جهته قال وزير خارجية جنوب السودان ان بلاده لم تفتح سوى نحو 10 سفارات بالخارج خلال عام منذ اعلان استقلالها واضاف ان وقف انتاج النفط يبطئ من وتيرة الجهود الرامية الى توسيع نطاق تواجدها الدبلوماسي خارجيا، واضاف وزير الخارجية نيال دنق ان جنوب السودان يتوق حاليا لتعزيز تواجده في دول اسيوية من بينها الصين والهند وماليزيا وكلها مصادر محتملة لرأس المال اللازم لمشاريع البنية التحتية ومساعدات التنمية، وتابع دنق ان جوبا لم تتمكن حتى الان سوى من انشاء نحو نصف العدد الذي حددته كهدف اولي من السفارات في الخارج وهو 22 سفارة وربما تواجه مزيدا من المعوقات بسبب وقف انتاج النفط لخلافها مع الخرطوم على رسوم النقل، وقال "لدينا بالفعل صورة ذهنية عن الاتجاه الذي يتعين علينا ان نأخذه وفكرة عما هي الدول المهمة لنا لاقامة سفارات فيها. العائق الوحيد هو قيود الموارد، وذكر دبلوماسيون ان بعض السفارات لا تعمل بشكل كامل كما لا يملك جنوب السودان سفارات في اوروبا الغربية سوى في لندن وباريس وبروكسل، وتعزيز الدبلوماسية امر هام على وجه الخصوص للدولة الجديدة في الوقت الذي تحاول فيه ايصال موقفها ووجهة نظرها في النزاع الطويل مع الخرطوم بشأن قضايا تركت عالقة بلا حل بعد الانفصال. بحسب رويترز.

واستولى جنوب السودان على منطقة هجليج النفطية الخاضعة لسيطرة الخرطوم قرب الحدود المتنازع عليها وهو ما اثار انتقادات دولية واسعة وضغوطا عليه للانسحاب، وقال دنق "فوجئنا بضراوة رد الفعل لكن اعتقد اننا تمكنا من تخفيف حدة هذه الانتقادات وهذا الموقف باستخدام الحقائق المتعلقة بالوضع، واضاف ان الجنوب تمكن من تقديم "معلومات تاريخية حقيقية" تظهر ان هجليج لم تكن دوما جزءا "مما يعرف الان باسم جمهورية السودان"، وتابع "لأول مرة الآن تجد ان المجتمع الدولي لم يعد متأكدا بنسبة 100 بالمئة أن هجليج تنتمي للشمال."

الغاء دعم الوقود

الىذلك نجح السودان في تفادي موجة انتفاضات "الربيع العربي" الشعبية التي اجتاحت منطقة الشرق الوسط لكنه يوشك على مواجهة اول اختبار حقيقي للسخط الشعبي بينما يستعد لالغاء الدعم على الوقود، وبينما يعاني السودان بالفعل من ازمة اقتصادية حادة بعد خسارته لكثير من انتاجه النفطي الحيوي لاقتصاده بعد انفصال جنوب السودان واستقلاله في يوليو تموز يقول الناس انهم لا يمكنهم التعايش مع مزيد من الارتفاع في الاسعار، وقالت زكانية وهي سيدة مسنة خشيت اعطاء اسمها الكامل "نشتري فقط ما نحتاجه ولا شيء اخر بسبب التضخم.. لا يمكنني تصور ارتفاع الاسعار اكثر من ذلك مرة اخرى، وقالت مشاعر وهي موظفة في الحكومة "كيف سنعيش اذا ارتفعت اسعار الوقود؟ اعتقد ان الشعب سيخرج إلى الشوارع للاعتراض على هذه الاسعار التي لا يمكننا تحملها، وشهد السودان احتجاجات صغيرة في الماضي كانت قوات الامن تقوم بتفريقها بسرعة. لكن حتى انصار الحكومة يعتقدون ان الغاء الدعم على الوقود يمكن ان يثير اضطرابات، وكتب الطيب مصطفى وهو قريب للرئيس السوداني عمر حسن البشير يرأس تحرير جريدة الانتباهة في مقال ان قرار الغاء الدعم على المحروقات "لعب بالنار"، وقدم بنك السودان المركزي خطة لالغاء الدعم لكنها واجهت مقاومة في البرلمان وهي مفاجأة بالنظر الى ان البرلمان يهيمن عليه حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير، لكن في مواجهة عجز في الميزانية بلغ 2.4 مليار دولار تقول حكومة البشير انه لا بديل امامها سوى انهاء الدعم على الوقود الذي قال مسؤول حكومي انه سيوفر ملياري دولار سنويا، ومع وصول نسبة التضخم إلى 30 في المئة سيرفع الغاء الدعم من تكلفة النقل وبالتالي اسعار السلع الغذائية. وتقول الصحف السودانية ان الغاء الدعم سيرفع اسعار الوقود بنسبة بين 30 و40 في المئة، وقالت مشاعر الموظفة في الحكومة رفع الدعم عن الوقود كارثة، وقال محمد العبيد (43 عاما) الذي يعمل مدرسا في مدرسة ثانوية "اعتقد ان كبار المسؤولين لا يعرفون شيئا عن حياة الناس العاديين.. انهم يركبون سيارات الحكومة وتدفع الحكومة ثمن كل ما يحصلون عليه، وفشلت المعارضة السودانية حتى الان في استغلال الازمة الاقتصادية لكنها ترى فرصة سانحة الان. وادت الاحتجاجات عام 1985 بسبب ارتفاع التضخم إلى الاطاحة بالرئيس جعفر نميري في عشرة ايام فقط، وقال فاروق ابو عيسى رئيس تحالف قوى الاجماع الوطني الذي يضم 17 حزبا معارضا ان خطة الغاء الدعم تعتبر اعلانا للحرب على المواطنين وقال ان خطة التحالف هي تغيير النظام، وتقول الحكومة ان المعارضة التي يقودها حكام سابقون تجاوزا السبعين غير قادرة على حشد احتجاجات شعبية كبيرة، وحث صندوق النقد الدولي الخرطوم على البدء في برنامج طارئ للتصدي "للتحديات الصعبة" التي تواجه اقتصادها، وقال دبلوماسي غربي في الخرطوم "اعتقد ان البيان كان دبلوماسيا للغاية مع الوضع في الاعتبار المشكلات الهائلة التي يواجهها السودان، "فكرة ان يتجهوا لالغاء الدعم على الوقود رغم مخاطره تشير إلى مدى سوء الموقف، ولم ينشر السودان ميزانية مفصلة لعام 2012 لكن دبلوماسيين يقولون ان الحكومة لا تملك الكثير من البدائل، وخفض بنك السودان المركزي فعليا قيمة العملة السودانية رغبة في جذب المزيد من تحويلات السودانيين العاملين في الخارج لكن المصرفيين يقولون ان هذا الاجراء سيستغرق وقتا ليؤتي نتيجته المرجوة. بحسب رويترز.

ومن المتوقع ان يذهب الشطر الاكبر من الميزانية إلى دعم الاجهزة الامنية والجيش الذي يقاتل حركات تمرد في ثلاث مناطق سودانية إلى جانب المناوشات الحدودية مع جنوب السودان، ويعول السودان على صادرات الذهب لتعويض ما خسره من صادرات النفط. وقال انه باع ذهبا بقيمة 603 ملايين دولار هذا العام لكن دبلوماسيين عبروا عن شكوكهم نظرا لصعوبة التأكد من الانتاج، لكن حتى لو صح هذا الرقم فهو لا يقارن بمبلغ خمسة مليارات دولار الذي حصل عليه السودان من عائدات تصدير النفط عام 2010، وبالنسبة للسودانيين العاديين لا يعني ذلك كثيرا امام احتياجاتهم العاجلة، وقال سيف الدين (28 عاما) الذي يبيع المنتجات الغذائية في متجره الصغير "زيادة اسعار الوقود مشكلة كبيرة.. ستكون تكلفة المتجر اكبر فأسعار النقل سترتفع. لا نعرف ما الذي نفعله."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/حزيران/2012 - 2/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م