شبكة النبأ: تميل كفة السلطة، كما
يشير الواقع السياسي في الدول الاسلامية والعربية، الى الاسلاميين أكثر
من غيرهم، فمنذ أن بدأت المتغيرات السياسية تتجه بتسارع واضح الى
الاطاحة بأنظمة الحكم التقليدية التي لم تعد تناسب العصر، بدأت أيضا
خطوات متسارعة لتسنّم الاحزاب والشخصيات الاسلامية، مناصب القيادة
السياسية، في العديد من الدول كمصر وتونس وليبيا ولبنان وفلسطين وتركيا
وايران، وسواها من الدول التي لا تزال تنظر دورها في قائمة التغيير.
هذا الواقع الجديد قلب الموازين كلها، وأحدث ما يمكن أن نطلَق عليه
بـ (عملية تبادل المراكز)، فالاسلاميون الذين كانوا يكافحون من اجل
التغيير من خلال الدور المعارض للانظمة السابقة، أصبحوا اليوم رؤساء
وقادة سياسيين، يتصدرون المشهد السياسي، ويديرون السلطة التي كان
يديرها (الفرديون، السلطويون، العسكريون) كما يُصطلَح عليهم، وبهذا
أصبح المعارض حاكما، والحاكم معارضا، إذا صحّ هذا التعبير، وصار
الاسلاميون على المحك، وعليهم أن يثبتوا للعالم بأنهم أفضل من الحكومات
السابقة، فهل نجحوا حتى الآن في إثبات أفضليتهم على السياسيين القدماء،
أم أنهم وقعوا في فخ السلطة وسحرها وامتيازاتها التي تعمي البصائر
والأبصار؟!.
هناك ظاهرة يعاني منها الاسلاميون، بعضهم يعيها ويعرفها ولا يريد أن
يتجاوزها أو بالأحرى لا يتمكن من تجاوزها، وبعضهم الآخر لا يعيها أصلا،
لذلك لا يستطيع أن يتجاوزها، تلك الظاهرة تتمثل بحالة الانغلاق على
الذات، ومقاطعة الفكر أو الرأي الآخر، بمعنى أوضح إنتفاء حالة المشاركة
بصورة شبه كلية لدى الساسة الاسلاميين الذين يقودون الآن دولا عديدة في
الشرق الاوسط ، وهذا المرض الخطير- مرض الانغلاق على الذات والتقاطع
الكلي مع الآخر- هو ذاته مرض الانظمة السياسية الفردية القديمة، التي
كانت ترفض المشاركة السياسية، وتتطيّر من مبدأ التداول السلمي للسلطة،
لهذا لابد من معالجة هذه الظاهرة بطريقة جذرية، ناهيك عن أهمية تحقيق
الاهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، وعدم الوقوع في النظرة الضيقة
والمنافع الآنية التي تتطلب اقصاء الآخرين، مع إفشاء ظاهرة الاستحواذ
على المناصب .
لذلك لا ينبغي أن يقع السياسيون الجدد (المصححون كما هو مفترَض)، في
المنهج السياسي القديم الخاطئ، وعليهم أن يعوا بأن حالة الانغلاق
والتخوّف من الآخر والتقاطع الكلي معه، وحرمانه من خوض غمار السياسية،
ستؤدي بالنتيجة الى تكوين حكومات متسلطة لا تختلف كثيرا عن الحكومات
المطاح بها، وبالتالي تذهب تضحيات الجماهير سدى، ويصبح حلم المنتفضين
في خبر كان، وتصبح السلطة التي يتمسك بها الاسلاميون راهنا، عصية
عليهم، لأنهم لم يحسنوا تجنّب الاخطاء التي وقع فيها السابقون
(المتسلطون المستبدون).
ولن تكون هناك فرصة ثانية، فالجماهير التي ذاقت الأمرين على مدى
عقود بل قرون، من الحكومات الفاشلة، ليس لها من الصبر ما يكفي، كي تعطي
فرصا أخرى للقادة الجدد، ولذا فالجميع ينتظر الآن نتائج جيدة من
الحكومات الاسلامية الراهنة، وأعني بالنتائج الجيدة، تغييرا واضحا
وكبيرا في مجال الخدمات اولا، والقدرة الشرائية، ورفع سقف الحريات
المدنية، وحرية الرأي والصحافة والاعلام عموما، واتساع رقعة المشاركة
السياسية لتشمل الجميع من دون اشتثناء، والابتعاد بصورة كلية عن اساليب
الاقصاء والتهميش والملاحقة والتكميم وما شابه، لأنها هي التي أسقطت
الانظمة السابقة، وستسقط جميع الانظمة التي تتبنى مثل هذه الاساليب في
ادارة السلطة.
وكلنا نتفق على أن هدف الانظمة المطاح بها، كان يتمثل بالاحتفاظ
بالسلطة الى اطول مدة ممكنة، والاستفادة مما تدرّه على الرؤساء وذويهم
وحاشياتهم من منافع وامتيازات، لذلك كانت قبضة الاستحواذ فولاذية
ومدمرة، فهل يتشابه هدف الاسلاميين مع السابقين فيما يتعلق بالتعامل مع
السلطة؟.
لقد ظهرت مؤشرات خطيرة تؤكد هذا الاستنتاج، كما لاحظنا ذلك في مصر
على سبيل المثال، حيث ظهرت بوادر استئثار بالسلطة لدى الاسلاميين مع
محاولات جادة لاقصاء الآخرين، إن هذا النهج لا ينبغي له أن يستمر، لا
في مصر ولا في غيرها، لأنه ببساطة نهج السلطويين السابقين، واذا اراد
الاسلاميون الوقوع في فخ السلطة، يمكنهم الاستسلام لسحرها ومغرياتها،
وحتما سيكون حتفهم كامنا لهم، في هذا السلوك الذي لم يعد يتسق مع روح
العصر. |