أياً ما كان اسم الرئيس القادم، أو اتجاهه الفكري والسياسي، فإن
أخطر ما سيواجهه هو كيف يقضي على ثقافة (الاستبداد) المتأصلة للأسف في
قلوب وعقول العديد من القوى والمؤسسات في بلداننا، إن المهمة الكبرى
للرئيس الجديد هي اقتلاع ثقافة الاستبداد من قلب الوطن، لأنها وببساطة
لا تدمر مؤسسات هذا الوطن فحسب، بل تدمر روحه أيضاً.
(1)
وحين يذكر الاستبداد كمفهوم نتذكر المقولة الخالدة لأرسطو: (أن
المستبد لا يقاوم والعبيد لا يقاتلون)، والتي إن سحبناها كمعنى على
واقعنا العربي والمصري بخاصة خلال حكم الرئيس المخلوع (حسني مبارك)
سنجدها صحيحة تماماً، حيث اتفاقات العار مع العدو الصهيوني وحيث الخنوع
الكامل لواشنطن في كل ما يتصل بمصالح مصر والأمة، وحيث النظام تحول إلى
(سمسار) من أجل مصلحة تل أبيب وواشنطن ليس إلا وضاعت حقوقنا وديست
بالأقدام الإسرائيلية.
(2)
* وللاستبداد أنواعه المختلفة منها الاقتصادي – السياسي – الثقافي،
الاجتماعي، وهو بمثابة حلقات يوصل بعضها للبعض الآخر، إننا أمام (نظرية
الأواني المستطرقة) إذا ما بدأنا بالاستبداد السياسي أوصلنا حتماً إلى
الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فالحاكم المستبد، يسير على خطى
استبداده، الرعية، وينخر (سوس الاستبداد) في عظم تقدمهم الاقتصادي
وحياتهم ومعاشهم ونصبح أمام كيان هش في قيمته ودوره، كما كانت مصر
للأسف في عهد الرئيس المخلوع، وهنا تعن إلى ذاكرة الباحث، الرؤية
الثاقبة التي قال بها العالم والفقيه الأندلسي الشهير (أبو بكر
الطرطوشي المولود عام 451 هـ) في مؤلفه الأشهر (سراج الملوك) والذي أصل
فيه رؤية متكاملة لأصول الحكم وشروط الحاكم العادل، والذي أعده إبان
عصر الدولة الفاطمية في مصر، وكان يعيش وقتها في مدينة الاسكندرية
بعدما جاء من الأندلس وبعدما عاش ردحاً من الزمان في مكة وبغداد ودمشق
ثم استقر في الاسكندرية لأكثر من ثلاثين عاماً ثم مات فيها، جاء في
كتابه المهم في الفصل الذي عقده تحت عنوان " فضل الولاة والقضاة إذا
عدلوا " أنه [ ليس فوق رتبة السلطان العادل رتبة، كما أن خيره يعم،
كذلك ليس دون رتبة السلطان الجائر الشرير رتبة لشرير لأن شره يعم، وكما
أن بالسلطان العادل تصلح البلاد والعباد، كذلك بالسلطان الجائر تفسد
البلاد والعباد، وتقترف المعاصي والآثام، وذلك أن السلطان إذا عدل
انتشر العدل في رعيته فأقاموا الوزن بالقسط، وتعاطوا الحق فيما بينهم
وإذا جار السلطان انتشر الجور وعم العباد، فرقت أديانهم واضمحلت
مروءاتهم ففشت فيهم المعاصي، وذهبت أمانتهم، فضعفت النفوس وقنطت
القلوب، فمنعوا الحقوق، وتعاطوا الباطل، وبخسوا المكيال والميزان..
فرفعت منهم البركة، وأمسكت السماء غيثها.
ويروي الطرطوشي حادثة من مشاهدات بالإسكندرية للدلالة على أن
السلطان إذا جار وظلم انتشر الجور وعم البلاد، فرفعت البركة وقل الرزق،
يقول: وشهدت أنا بالاسكندرية والصيد في الخليج مطلق للرعية والسمك فيه
يغلي الماء به كثرة، ويصيده الأطفال بالخرق ثم حجره الوالي ومنع الناس
من صيده، فذهب السمك حتى لا يكاد يرى فيه إلا الواحدة إلى يومنا هذا،
ويعلق على هذا الخبر مرة أخرى بقوله: " وهكذا تتعدى سرائر الملوك
وعزائمهم ومكنون ضمائرهم إلى الرعية إن خيراً فخير، وان شراً فشر ".
ومن كلماته القيمة في وصف خطورة منصب السلطان والمهام الملقاة على
عاتقه: " الخلق في شغل عنه وهو مشغول بهم، والرجل يخاف عدواً واحداً
وهو يخاف ألف عدو، والرجل يضيق بتدبير أهل بيته وإيالة ضيعته وهو مدفوع
لسياسة أهل مملكته، وكلما رتق فتقاً من حواشي مملكته انفتق آخر، وكلما
لم منها شاعثاً رث آخر " ].
* هذا هو الاستبداد، ثقافة وحياة، فهل يدرك الرئيس القادم لحكم مصر
دلالاته ؟! أم أنه سيعيد إنتاج ذات الثقافة المستبدة ولكن بأشكال أخرى
؟ أسئلة برسم المستقبل.
E – mail: yafafr@hotmail.com |