ما هي أهداف المهرجانات الثقافية؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك تقاليد ثقافية فنية، تؤكد أهمية المهرجانات بأنواعها كافة، في رفد الحركة الثقافية والفنية بالجديد دائما، حيث تتلاقح الرؤى والافكار والابداعات الجديدة فيما بينها، لتقدم مشهدا وجوهرا ثقافيا أمثل، هدفه دائما، الوصول بالجديد الباهر المتطور، الى عقول الناس الأقل وعيا، صعودا الى غيرهم، من أجل بناء حياة تنحو الى الحرية والخير والجمال.

لهذا اكتسبت المهرجانات أهمية كبيرة في الدول المتقدمة، ليس في مجال الأدب والفكر فحسب، إنما للسينما وسواها حظوظ وافرة، ويبقى السبب الأهم الذي يقف وراء عقد هذه المهرجانات، هو التعرف على المستحدَث من الثقافات والابداعات والفنون، والتعرف عن قرب وتواصل على المواهب الجديدة، إضافة - وهذا هو الأهم- الى إشراك أكبر عدد من العقول في هذه الفعاليات، من أجل توسيع المدارك وتجديد الرؤى وتفعيل الحياة بميادينها المتنوعة.

في معظم المهرجانات التي تقام بالعراق، هناك غياب أو ضعف في الاهداف التي سبق ذكرها، بكلمة أوضح، تُقام المهرجانات هنا ليس من اجل الآخرين -عامة الناس- وليس الهدف هو رفع مداركهم، وانتشالهم من واقع عقلي وفكري متدن، وإشراكهم في مديات ثقافية فنية متجددة، تتيح لهم الفرصة لتحصيل الوعي الأفضل والاجمل.

إن هذا الهدف الجوهري يكاد يكون مفقودا تماما من أجندات القائمين على المهرجانات الثقافية والفنية في العراق، بل غالبا ما تأخذ مثل هذه الفعاليات طابعا شكليا ينحو الى البهرجة والتضخيم والشخصنة، ودائما السبب يكمن في الصفقات الفردية أو الشللية الفئوية، التي تقف وراء اقامة مثل هذه المهرجانات.

ويُنسى أو يُهمَل الهدف الأهم، وهو التعبئة الثقافية والفنية لأكبر عدد من العقول والأفراد، حيث يتمثل دور المهرجانات الثقافية في نشر ثقافة وفنون جماعية أو فردية، تصل من حيث النتائج الى اكبر عدد ممكن من بسطاء الناس، من ذوي الوعي البسيط، والغرض دائما هو تطوير حياتهم، وإتاحة الفرصة المناسبة لهم، للعيش في اجواء تتسق مع قيمة الانسان وحقه في حياة مرفّهة وناجحة.

ما يحدث لدينا غير ذلك تماما، حيث تُعقد المهرجانات وتنتهي، من دون فائدة تُرتجى منها، وهي نتائج لا يعترف بها القائمون على المهرجانات بطبيعة الحال، لأن الاعتراف بمثل هذه النتائج، يضر بمصالحهم الفردية او الشللية، لذلك نجد أنهم يتطيرون من النقد المنطقي الذي يشير الى فشل المهرجانات من هذا النوع.

لقد صُرفَت أموال طائلة لعقد مثل هذه المهرجانات الفاشلة، وبُذِّرت أموال كبيرة في غير محلها، بل وتم التجاوز على بعض الاموال من لدن افراد وجماعات تستغل مثل هذه الفعاليات لتحقيق منافع مادية لا تستحق حتى الذكر بسبب طابعها الدنيء، لذلك هي تسعى غالبا لاقامة هذا النوع من المهرجانات الشكلية، وكأن الامر يشبه إسقاط الفرض، والنتيجة دائما فشل الاهداف، مع انتشار رائحة فساد تستشيط في الاجواء الثقافية، ترددها الألسن في الخفاء غالبا، خشية من معاداة ذوي القرار الثقافي بتهميش المنتقد او محاربته.

ليس المطلوب إلغاء المهرجانات، بل إلغاء طابعها الشكلي، وتفعيل دورها بحيث تشمل نتائجها تطوير الوعي الجماعي الأكبر، وهذا يتطلب إبعاد العناصر المصلحية التي تتربص بمثل هذه المناسبات، لامتصاص أكثر ما يمكن من المنافع، ولنقل بوضوح، كي تتجاوز على الاموال المخصصة للمهرجانات، بحيل ومسالك أتقنها هؤلاء وكأنهم عاشوا في كنفها، فامتزجت مثل هذه الاساليب المؤسفة بدمائهم وافكارهم وسلوكهم، لذا مطلوب تنقية الجهات القائمة على إقامة المهرجانات من هذه العناصر، مع التركيز على نشر نتائجها لتصل الى أكبر عدد من الناس، فالهدف الثقافي والفني دائما هو تهذيب الحياة وتجميلها وتطويرها، من خلال تحويل الثقافة والفن الى منظومة سلوك تشمل طبقات المجتمع كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/حزيران/2012 - 28/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م