سلفيو تونس... صب الزيت على النار

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يهدد المد السلفي الحياة السياسية في تونس فكل مرة تدخل فيها مرحلة التعافي تندلع في المرة الأخرى أعمال عنف مرتبطة بمسائل دينية او أخلاقية، واللاعب الجديد والاساسي في تلك الاعمال والاستفزازت، والذي لم يخطر ببال التونسيين، بعد مرور أكثر من عام على ثورة حيث احتلّ المشهد العام  للتظاهرات والاحتجاجات الدامية التي رافقت حضورهم الا وهم السلفيون، ومنذ عام تقريبا، يعمد المتطرفون الذين جمعهم المشروع السلفي، إلى التظاهر, في الجامعات لفرض ارتداء النقاب، وأمام المحاكم للتنديد بشبكة تلفزيون متهمة ببث فيلم اعتبر مسيئا للإسلام، وفي التظاهرات التي تعرض وأخيرا الاعتداءات أعمال العنف احتجاجا على عرض لوحات فنية اعتبرها السلفيون مسيئة للاسلام في معرض للفن التشكيلي نظم بمدينة المرسى ، في حين اعلن وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك انه سيتقدم بشكوى ضد منظمي المعرض وسيغلق القصر حيث تعرض الاعمال الفنية، ونددت حركة النهضة ايضا بالمساس بالمقدسات، الذي دعا "كل التونسيين" الى التظاهر إثر صلاة يوم الجمعة المقبل "للتعبير عن رفض الشعب المساس بمقدساته"، لينضم بذلك الى الجماعات السلفية التي اطلقت الدعوة نفسها، وهذه المواقف اثارت استياء الفنانين التونسيين الذين نددوا ب"جبن" السلطات وبالنزعة المحافظة التي لا تتلاءم مع حرية الإبداع والتعبير.

ففي ظل اختلال الوضع الأمني ظهر تنظيم القاعدة ليربط بصعود السلفيين من خلال الدعوات والمناوشات بين زعيم النهضة الإسلامي والظواهري زعيم القاعدة حول ادراج الشريعة مصدرا للتشريع في الدستور، ولم يلعب الاسلاميون دورا كبيرا في الثورة التي اطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي لكن الخلاف بشأن دور الدين في الحكومة والمجتمع ظهر منذ ذلك الحين كاكبر قضية خلافية في السياسة التونسية، ويريد السلفيون في تونس دورا اكبر للشريعة في تونس الجديدة وهو ما يزعج النخبة العلمانية التي تخشى من قيامهم بفرض رؤيتهم مما يؤدي في النهاية الى تقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد.

الجماعات المتطرفة

فقد اتهمت الدولة التونسية "الجماعات المتطرفة" و"فلول العهد البائد" بموجة اعمال العنف التي شهدتها تونس، لكنها دانت ايضا "الاستفزازات" التي تقف وراء اشعال الوضع، من جهة اخرى، نفى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس وجود اي رابط بين اعمال العنف ودعوة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الى الانقلاب على حركة النهضة في تونس، وقال الغنوشي ان "ايمن الظواهري كارثة على الاسلام والمسلمين وليس له نفوذ في تونس" وان "التيار السلفي في تونس ليس جزءا من القاعدة بل هو جزء من الحالة التونسية". واعتبر ان "هناك محاولة لتوظيف التيار السلفي لتفجير الساحة السياسية في البلاد" لكنه لاحظ أن "معظم السلفيين أعلنوا أنهم ضد العنف"، ويبدو ان الهدوء ساد غداة يومين من الاضطرابات في مدن تونسية عدة ما دفع الحكومة الى اعلان حظر التجول ليلا في ثماني محافظات من البلاد بينها تونس العاصمة، وتشير الحصيلة التي ما زالت غير نهائية الى سقوط قتيل --شاب توفي بعد اصابته برصاصة في الرأس في سوسة (شرق)-- ومئة جريح بينهم 65 شرطيا اضافة الى اعتقال اكثر من 160 شخصا، ودانت الرئاسات الثلاث في تونس، الجمهورية والمجلس التأسيسي والحكومة، في بيان المجموعات المتطرفة "وتهديدها للحريات" ولكن ايضا "كل مس بمقدسات" الشعب والامة، واورد بيان للرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة حمادي الجبالي "اننا ندين عنف مجموعات الغلو وتهديدها غير المقبول للحريات وسماحها لنفسها بتعويض مؤسسات الدولة ومحاولة الهيمنة على بيوت الله"، في تلميح الى السلفيين المتورطين في اعمال العنف. بحسب فرانس برس.

واكد ايضا "اننا ندين كل مس بمقدسات شعبنا وامتنا ونعتبر انها لا تدخل في حرية الرأي والتعبير"، مضيفا "اننا ندين هذا العنف الذي تمارسه هذه المجموعات وان هيبة الدولة تفرض مواجهتها بكل الوسائل القانونية"، واشار الى ان "هذه الجماعات المتطرفة هي نفسها مخترقة من قبل الاجرام، يمولها الخائفون من المحاسبة وتطبيق القانون اي فلول العهد البائد وهدفهم ارباك السلطة واثارة الفزع بين المواطنين وافشال المسار الانتقالي"، وشددت الرئاسات الثلاث على انها "تقف اليوم صفا واحدا ضد دعاة الفوضى والتطرف وتدعوكم الى تفويت الفرصة على المستفزين والمتطرفين والانتصار نهائيا على اشباح النظام القديم"، واعتبر بيان الرئاسات ان "هذه الاحداث تأتي وبلادنا تتجه بخطى ثابتة وسريعة نحو انجاز دستورها الجديد واستكمال بناء مؤسساتها الدستورية وفي اطار مؤشرات ايجابية للاقتصاد الوطني.

جمعة الدفاع عن المقدسات

فيما قررت وزارة الداخلية التونسية منع مظاهرات دعت إليها إثر صلاة الجمعة جماعات سلفية متشددة و"حركة النهضة" الاسلامية، للتنديد بعرض لوحات اعتبرت "مسيئة" للاسلام خلال مهرجان ثقافي في المرسى شمال العاصمة، وأعلنت الوزارة أنها "لم ترخص في تنظيم أية مسيرة" الجمعة بما في ذلك تلك التي دعت إليها حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم، وحذرت في بيان من أن جهات لم تسمها أطلقت "دعوات (على شبكات التواصل الاجتماعي) تحرض على العنف وتدعو إلى استغلال المسيرات السلمية (ليوم الجمعة) لإحداث الفوضى والتخريب"، وطلبت من المواطنين "المحافظة على الهدوء وعدم الانجرار وراء هذه الدعوات والابتعاد عنها بما يساعد الوحدات الأمنية على المحافظة على الأمن العام والتدخل بالنجاعة المطلوبة للتصدي، وفي إطار القانون، لكل من تسول له نفسه الاعتداء على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة"، وقتل شخص وأصيب أكثر من 100 آخرين بجراح في مواجهات جرت بين الشرطة وسلفيين مدعومين ببلطجية قادوا أعمال عنف وتخريب في مدن تونسية عدة. واعتقلت السلطات حوالي 200 شخص بينهم سلفيون "جهاديون" تورطوا في أعمال العنف والتخريب. بحسب فرانس برس.

وأعلنت وزارة العدل أن "الجرائم" التي ارتكبها هؤلاء "إرهابية" وقالت إنهم سيحاكمون بموجب قانون مكافة الإرهاب الصادر سنة 2003 في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في مؤتمر صحفي اإن "عناصر مفسدة من حزب التجمع (الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد بن علي) ومجرمين وتجار مخدرات وخمور وسلفيين" قادوا أعمال العنف "تحت شعار حماية المقدس" متهما "التجمعيين" (أنصار حزب التجمع) بتخطيط "ثورة مضادة لإرباك الوضع في البلاد"، وحث تنظيم "ملتقى أنصار الشريعة" السلفي المتشدد التونسيين على الخروج في "جميع المحافظات يوم جمعة نصرة المقدسات الإسلامية"، وقال التنظيم في بيان على صفحته في الفيسبوك إن التحركات ستكون "سلمية ونحذر الإخوة (السلفيين) من الانجرار للعنف (حتى) وإن تم استفزازهم"، ودعا "أبو أيوب" الذي يعتبر من أبرز قياديي "السلفية الجهادية" في تونس في شريط فيديو تم تنزيله على الفيسبوك، التونسيين إلى أن "ينتفضوا" بعد صلاة يوم الجمعة ردا على "المرتدين واستهزائهم بديننا الحنيف"، ويخشى من اندلاع مواجهات بين الشرطة والسلفيين في صورة تحديهم لقرار وزارة الداخلية حظر التظاهرات، وأعلنت نقابة الفنانين التشكيليين التونسيين أن لوحة "البراق" التي قال سلفيون إنها عرضت الأحد الماضي في مهرجان "ربيع الفون" بمدينة المرسى "موجودة في السنغال ولم يسبق عرضها إطلاقا في تونس، وتجسم اللوحة التي تناقلها مستعملو الانترنت في تونس على نطاق واسع رحلة "الاسراء والمعراج" للنبي محمد على ظهر "البراق"، واتهم منظمو المهرجان نشطاء انرنت مجهولين بمحاولة إثارة "الفتنة" في البلاد، وأقر كل من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ووزير الثقافة مهدي مبروك، ورئيس "الجمعية الوسطية للاصلاح والتوعية" (هيئة تونسية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عادل العلمي أن لوحة "البراق" لم تعرض خلال المهرجان الذي نظم في قصر العبدلية الأثري بمدينة المرسى، وقال عادل العلمي في تصريح نشرته جريدة "الصريح"إن جمعيته أرسلت الاحد الماضي عدلا منفذا (مباشرا قضائيا) ومحاميا إلى قصر العبدلية "لمعاينة اللوحات التي فيها إساءة للمقدسات" وأنها رفعت دعوى قضائية "ضد الرسامين ومنظمي ذلك المعرض المسيء للاسلام والمسلمين.

الظواهري يهاجم حزب النهضة التونسي

من جهته شن زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري في تسجيل صوتي هجوما عنيفا على حزب النهضة الاسلامي التونسي بسبب تخليه عن المطالبة بان تكون الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع في الدستور، معتبرا هذا الموقف "مخالفا لصريح القرآن"، وقال الظواهري في تسجيل صوتي تم بثه على مواقع اسلامية جهادية "صرح قادة حزب النهضة الاسلامي في تونس انهم لن يطالبوا بان تكون الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع كي يصلوا الى دستور توافقي (...) العجب ان نرى ان قيادة تنسب نفسها للاسلام تقول انها لن تدعو للحكم به، قيادة تزعم انها تنتسب لما يسمونه الاسلام المعتدل الوسطي المستنير" مضيفا "فليسموا انفسهم بما شاؤوا لكنهم مخالفون لصريح القرآن وقواطع السنة واجماع الامة، انهم عرض من اعراض امراضنا الحضارية"، وكان حزب النهضة الذي يهيمن على الجمعية الوطنية التونسية اعلن في اذار/مارس الماضي تأييده للابقاء على المادة الاولى في الدستور التونسي التي تنص على ان "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، وفسر الابقاء على هذه المادة على انه رفض لمطالب الاسلاميين بجعل الشريعة الاسلامية المصدر الاساسي للتشريع في الدستور الجديدن واضاف الظواهري مهاجما قادة النهضة "انهم يبتكرون اسلاما ترضى عنه وزارة الخارجية الاميركية والاتحاد الاوروبي ومشيخات الخليح، اسلام حسب الطلب، يبيح نوادي القمار وشواطئ العراة وبنوك الربا والقوانين العلمانية". بحسب فرانس برس.

ودعا الظواهري التونسيين الى الانقلاب على حزب النهضة. وقال "يا شرفاء تونس ويا احرارها ويا اهل الغيرة فيها لقد سقطت الاقنعة وانكشفت الوجوه. هبوا لنصرة شريعتكم. حرضوا شعبكم على هبة شعبية دعوية تحريضية لنصرة الشريعة وتأييد الاسلام وتحكيم القرآن (...) قولوا للشعب المسلم في تونس ان شريعتك توأد حية كما وئدت في تركيا، انصروا قرآنكم ودافعوا عن سنة نبيكم ولا ترضوا لغير الشريعة بديلا".         

كارثة على الاسلام

في المقابل شن راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية التي تقود الحكومة في تونس هجوما كاسحا على ايمن الظواهري الرجل الاول في تنظيم القاعدة متهما إياه بانه كارثة على الاسلام والمسلمين، وهذا اول رد فعل على تصريحات منسوبة للظواهري انتقد فيها حركة النهضة ودعا الى الدفاع عن الشريعة الاسلامية من حزب النهضة الاسلامي المعتدل الذي فاز في انتخابات اكتوبر تشرين الاول وقال انه لن يسعى لفرض الشريعة في الدستور الذي يجري صياغته حاليا، وقال الغنوشي في مؤتمر صحفي "هذا الرجل (الظواهري) كارثة على الاسلام والمسلمين.. ماذا فعل هذا التيار.. كلما دخل الى مكان يحل الخراب.. دخلوا العراق فاحتلت ودخلوا افغانستان فخربت ودخل للصومال فخرب، واضاف ان مشروع القاعدة هو مشروع هدم لم يأت بخير للاسلام مضيفا "الظواهري هو نموذج للتطرف الاسلامي، وكان الظواهري قال في تسجيل صوتي نسب اليه وبث في مواقع اسلامية على الانترنت ان حزب النهضة الذي يرأس الحكومة في ائتلاف مع جماعتين علمانيتين خدع نفسه والدين لانه لم يدرج الشريعة في الدستور الجديد لتونس، واعتبر الغنوشي ان رسالة الظواهري تتضمن بعض الاشياء الايجابية من بينها ان تؤكد ان النهضة لا علاقة لها اصلا بتنظيم القاعدة. بحسب رويترز.

واستبعد ان تكون رسالة الظواهري هي السبب التي دفع الاف السلفيين والمواطنين الاخرين للاحتجاجات في البلاد التي تحولت الى اشتباكات خلفت قتيلا، وينظر الى حركة النهضة على انها حركة اسلامية معتدلة لكن بعض معارضيها في الداخل يتهمونها بحماية الجماعات المتشددة مثل السلفيين بينما يهاجمها المتشددون بانها لا تفعل شيئا يذكر للانتصار للاسلام وهو ما يضعها في حرج كبير.

القتال في سوريا

على صعيد مختلف اعلن رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي ان حكومته غير مسؤولة عن ذهاب شبان تونسيين الى سوريا للقتال الى جانب المعارضة المسلحة في نزاعها ضد قوات الرئيس بشار الاسد، واكد الجبالي ان ذهاب شبان تونسيين للقتال خارج بلادهم ظاهرة "ليست جديدة" ولا تخص الشباب التونسي وحده، وقال "هذا ليس جديدا، الشباب التونسي تحول إلى كل مكان (للقتال) كالعراق وأفغانستان والصومال، نحن لا نبعثهم بل يذهبون (من تلقاء أنفسهم) رغما عنك وعني، وهذا (الأمر) لا يتعلق بالشباب التونسي وحده"، وأعلن سفير سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري وجود "ارهابيين أجانب" في بلاده، واكد ان بحوزة الحكومة السورية اعترافات مسجلة من "26 ارهابيا بينهم من ينتمي إلى (تنظيم) القاعدة"، موضحا أن أغلب هؤلاء من التونسيين والليبيين إضافة إلى فلسطيني وأردني، وبث التلفزيون السوري مؤخرا اعترافات قال إنها ل"إرهابيين" تونسيين دخل أغلبهم إلى سوريا عبر تركيا، وكان مسؤول بوزارة الشؤون الدينية في تونس اكد ان الوزارة "لا تتبنى مفهوم الجهاد لان تونس دولة في حالة سلم"، وأقر المسؤول بأن ائمة مساجد "ليست تحت سيطرة وزارة الشؤون الدينية" يقومون بتحريض الشباب التونسي المتدين على "الجهاد" وخاصة في سوريا، مشيرا إلى أن الوزارة تعكف على "حل هذا المشكل"، وأعلنت الوزارة في وقت سابق أن نحو 400 من أصل 5000 مسجد في تونس وقعت تحت سيطرة تيارات سلفية متشددة. بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/حزيران/2012 - 27/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م