الاستخبارات بين التعدد والتفرد بالنظام الديمقراطي

رياض هاني بهار

تطفو تصريحات للسياسيين والبرلمانيين والاعلاميين بين الحين والاخر وبعد الحوادث الارهابية

عن (عجز الاستخبارات العراقية في ادارة ملفاتها) وفشل الاستخبارات...الخ ولتسليط الضوء على الاسباب الحقيقة للتعدد والتفرد للأجهزة الاستخبارية ومهامها ولتوضيح مدى دستورية هذه الاجهزة ومن ثم مهامها والقوانين التي تحكمها ومساحة عملها في النظام الديمقراطي.

حددت المادة الثامنة فقرة (د) من الدستور مهام جهاز المخابرات الوطني العراقي وحددت المادة (81) منه بان ينظم بقانون عمل للأجهزة الامنية والمخابرات وحددت المادة (107) مهام السلطة الاتحادية ومن ضمنها وضع سياسة الامن الوطني، ان عمل الاجهزة الاستخبارية في النظام الديمقراطي مختلف تماماً عن النظام الشمولي، ان مهام الاستخبارات في النظام الشمولي هو من يمتلك المعلومة والقبض والتحقيق والايداع والمحاكمة... الخ من الاجراءات التعسفية، اما في النظام الديمقراطي لايجوز لأي جهاز استخبارات ان يمتلك المعلومات والقبض والتحقيق والايداع والمحاكمة... الخ وسأوضح دور الاجهزة الاستخبارية كالاتي:

1. جهاز المخابرات الوطني العراقي، جهة معلومات فقط تتعامل مع المعلومات وتقوم بانتاجها كمعلومات استخبارية وتقدمها الى الأجهزة الامنية ذات العلاقة بالموضوع... المعلومة لمن يحتاجها يحكمه الدستور كما اسلفنا وميثاق العمل.

2. وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية بوزارة الداخلية، جهة معلومات وتحقيق لا فقط يحكمها القانون وزارة الداخلية.

3. المديرية العامة للأمن والاستخبارات، جهة معلومات عسكرية فقط ويحكمها قانون وزارة الدفاع ولكن اتخذت سلطة على المدنيين بدون جواز قانوني.

4. مديرية الاستخبارات العسكرية، جمع معلومات تعبويه ويحكمها قانون وزارة الدفاع.

5. جهاز مكافحة الارهاب، جهة معلومات وقبض وتحقيق وايداع ولايوجد قانون يحكم هذا الجهاز.

6. وزارة الدولة للأمن الوطني، استبدلت باسم (جهاز الامن الوطني) جهة معلومات ولايحكمها قانون.

7. وهناك استخبارات للشرطة الوطنية واستخبارات للحدود واخرى للكمارك.

 

يتضح مما تقدم اعلاه ان اغلب اجهزة الاستخبارات تعمل بدون قانون وان جهاز يزحف مع مهام الجهاز الاخر من حيث الطبيعة والادوات فمثلاً وكالة المعلومات والتحقيقات الوطنية مهامها كشف ومحاربة الجريمة المنظمة في حين ابتعدت عن مهامها الى نشاطات اخرى، اما الاجهزة الاستخبارية العسكرية فانها مكلفة برصد العدو الخارجي وبيان قدراته التسليحية ومتابعة افراد القوات المسلحة خشية في ارتباطهم بمجال استخبارات معادي في حين اتجهت مهامها لنشاطات اخرى.

 ان كثير من دول العالم اتجهت الى التعدد في الاجهزة الاستخبارية بالدولة ولكل منها لها ميزات وسلبيات متعددة، تجد على صورها في انعكاساتها على عملية صنع القرار. اما ميزاتها الايجابية فهي:

1. تقليل الاخطار الناجمة عن اعتماد مركز القرار على مصدر محدد وينفرد لتزويده بالمعلومات، الامر الذي يجعله في وضع تكون فيه معلومات (كمأ ونوعاً) معتمدة على تصورات وافكار جهاز منفرد.

2. ان تعدد الاجهزة الاستخبارية يؤدي الى تزويد مركز القرار بتحليلات وتقويمات متعددة للمعلومات وتساعد على التأكيد من درجة مصداقيتها لايصال مركز القرار الى اهدافه.

3. ان حصول مركز القرار على استنتاجات وتنبؤات ومقترحات متعددة نتيجة لتعدد اجهزته الاستخبارية، يعني افساح المجال امامه للاختيار والمفاضلة والتحرك بحرية عالية.

4. ان وجود اكثر من جهاز استخباري واحد في الدولة يعني امدادها بمعلومات ذات تفاصيل ومفردات متعددة ومتنوعة عن ذات الموضوع, حيث ان اختلاف الاجهزة الاستخبارية يعني اختلافاً وتنوعاً في استخدام الادوات الاستخبارية ومستوياتها ودوائرها واختلافاً في منطلقاتها وتصوراتها وتقويماتها والنتائج التي تصل اليها.

5. ان تعدد الاجهزة الاستخبارية يتيح المجال لتخصص كل منها بنوع ومستوى ودائرة نشاطية استخبارية متميزة بمجال اختصاصه ومتراكمة اكبر قدر من المعلومات والمعارف بصدده.

ان نجاح ظروف التعدد في الاجهزة الاستخبارية في ايصال مركز القرار الى مثل هذه النتائج الايجابية لاينفي ايصالها له باتجاه مجموعة من السلبيات تنجم عن حصوله على كم كبير من المعلومات من مصادر متعددة تتم في داخلها تحليل هذه المعلومات وتقدم الاستنتاجات والتنبؤات بصددها وبصيغ متعارضة بل ومتناقضة أيضا، الامر الذي يضع المركز امام مشكلة الاختيار والمفاضلة بينها حين تتساوى فيها المعطيات واحتمالات الربح والخسارة.

ولتجنب الوقوع في مثل هذا الوضع السلبي مع الاحتفاظ بالميزات الايجابية للتعددية، يبدو الخيار الافضل متمثلاً في استمرار التعددية مع تفعيل (الهيئة الوطنية للتنسيق الاستخباري) والمركز الوطني للتحليل الاستخباري تتولى مهمة استلام ودراسة ومقارنة المعلومات والتحليلات والتنبؤات والاقتراحات الواردة اليها من مجموعة اجهزتها الاستخبارية، وتقوم بتنقيتها من اية تضليلات وانحرافات تحليلية وتنبؤية، ومن ثم برمجة وتنميط هذه المعلومات ضمن موضوعاتها وأخيرا تقديم الاستنتاجات والتنبؤات النهائية بصددها الى لمركز القرار.

وخلاصه القول:

1. لابد للسياسي والبرلماني والاعلامي ان يميز بين العمل الامني والجهد الاستخباري حيث لكل واحد منهما ادواته ووسائله ومهامه وتقنياته.

2. اتخاذ اجراءات دقيقة من قبل لجنة الامن والدفاع البرلمانية لتحديد مهام كل جهاز استخباري بما يحدده الدستور والقوانين النافذة وعدم استحواذ جهاز على مهام الآخر بحجه مكافحة الارهاب او عدم جاهزية هذه الادارة.

3. السعي بالبرلمان لإصدار قانون (الاستخبارات الوطنية) (التفويض الاستخباري) بحيث يتطابق مع المعايير الدولية وعدم حصرها بجهة واحده المعلومات والقبض والتحقيق والايداع التي هي اتجاهات الأنظمة الشمولية والاستبدادية.

4. اعتماد التقنية التي اتاحتها القرن الواحد والعشرين وتحديث الأجهزة مع متطلبات العصر.

5. تشجيع البحث والدراسات الاستخبارية بما يخدم النظام الديمقراطي.

6. الاعداد المهني للضباط والمنتسبين واستحداث (معهد التطوير الاستخباري ) بما يتلائم مع التطور المعرفي للعالم المتمدن والابتعاد عن المفاهيم الساذجة لاستخبارات الاربعينات واستخبارات الانظمة الشمولية.

7. تفعيل الهيئة الوطنية للتنسيق والاستخباري ودوائرها المختصة ومركز التحليل المشترك في صناعة القرار

8. تنشيط عمل مجلس الامن الوطني وتحويل كل التوصيات الورادة من الهيئة الوطنية الى قرار يلزم الجميع بتنفيذها كسياسية استخبارية وطنية

* العراق-بغداد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/حزيران/2012 - 26/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م