بورما عنف طائفي مستطير

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: شهدت ميانمار، والتي كانت تُعرف في السابق باسم بورما، اعنف اضطرابات طائفية منذ ان حلت الحكومة الإصلاحية محل الحكومة العسكرية في العام الماضي وتعهدت بتحقيق الوحدة في واحدة من أكثر دول أسيا تنوعا من الناحية العرقية وخاصة من المسلمين والبوذيين، ففي وسط أجواء من التوتر الكامن بين الجانبين البوذي والإسلامي، وبين وعود الإصلاح ونسمات الحرية المترددة، تعرف ولاية راخين في بورما مأساة إنسانية لا توصف، إذ تشن الاغلبية البوذية حربا بلا هوادة ضد آخر جيوبِ المقاومة الانسانية  المتمثلة بالأقلية العرقية من المسلمين (الروهنجيا) والذين يعيشون بلا جنسية بامتداد حدود ميانمار مع بنجلادش في ظروف صعبة ويلقون معاملة سيئة تلك الأغلبية البوذية.

حيث أثارت القضايا العنصرية والدينية وفي مقدمتها الكراهية التي لا تنتهي مطلقا والرغبة في الانتقام والاعمال الفوضوية الانتقام وارهاب وقتل بعضهم البعض خطرا متزايدا من العنف والاضطرابات فقد تتأثر بشدة عملية التحول للديمقراطية والتنمية، التي لا تزال في مرحلتها الانتقالية، وبالتالي فقدان الاستقرار والسلام في البلاد،  في غضون ذلك، قامت الأمم المتحدة بإجلاء موظفيها من المركز التابع لها والواقع في المنطقة التي اندلع فيها القتال والواقعة غربي البلاد تحديدا ولاية راخين التي يسكنها اقلية الروهنجيا من المسلمين وتعتبرهم الامم المتحدة واحدة اكثر الاقليات تعرضا للاضطهاد في العالم، واختار مئات الالاف منهم الهجرة جراء التمييز المستمر منذ عقود، ففي ظل تزايد أعمال العنف الدينية في بورما الذي سيلقي بظلالها تفاقم الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في البلاد.

العنف بين المسلمين والبوذيين

فقد ساد التوتر شمال غرب ميانمار بعد ان اجتاحت اعمال العنف الطائفية أكبر مدنها بعد أن أحرقت حشود من المسلمين والبوذيين المتناحرين المنازل وأطلقت الشرطة النار في الهواء وفر مسلمون بالقوارب الى بنجلادش المجاورة، وأعلنت السلطات ان ثمانية اشخاص على الاقل قتلوا واصيب كثيرون في اعنف اضطرابات طائفية تشهدها ميانمار منذ ان حلت حكومة إصلاحية محل حكومة عسكرية في العام الماضي وتعهدت بتحقيق الوحدة في واحدة من اكثر دول اسيا تنوعا من الناحية العرقية، واندلعت الاشتباكات في بلدة مونجداو بولاية راخين ثم امتدت الى العاصمة سيتوي والقرى المجاورة. وقالت الامم المتحدة انها بدأت اجلاء موظفيها من المنطقة بعدما اعلنت الحكومة حالة الطواريء وفرضت حظر التجول من المساء حتى الفجر، و تتصاعد اعمدة الدخان من بعض المناطق في سيتوي وهي ميناء يعيش فيه البوذيون والمسلمون في منازل مصنوعة من الخشب وسط أجواء من التوتر الكامن بين الجانبين. وشوهد بعض البوذيين يحملون العصي وأسلحة بدائية بعد أن شوهد مسلمون يشعلون النيران في منازل، وقال زاو هتاي مدير مكتب الرئيس "أمرنا الان قوات الجيش بحماية المطار وقرى راخين التي تتعرض للهجوم في سيتوي. الترتيبات جارية لفرض حظر التجول في بلدات أخرى، وتقوض الاضطرابات صورة الوحدة العرقية والاستقرار التي ساهمت في اقناع الولايات المتحدة واوروبا بتعليق عقوبات اقتصادية هذا العام كما قد يضر حظر التجول بالسياحة والاستثمارات الأجنبية وهي مكاسب جنتها البلاد بعد نحو نصف قرن من الحكم العسكري، وقد تجبر الاضطرابات الرئيس ثين سين وهو جنرال سابق على التعامل مع قضية انتقدتها جماعات حقوق الانسان طوال سنوات وهي محنة الاف من مسلمي اقلية الروهنجيا يعيشون بلا جنسية بامتداد حدود ميانمار مع بنجلادش في ظروف صعبة ويلقون معاملة سيئة من جانب الاغلبية البوذية في راخين. بحسب رويترز.

وقال ثين سين في خطاب تلفزيوني رتب على عجل ان "الثأر والفوضى" قد يمتدان الى خارج ولاية راخين ويعرضان تحول ميانمار للديمقراطية للخطر، وقال قائد من حرس الحدود في بنجلادش ان نحو 100 من افراد اقلية الروهنجيا حاولوا الفرار من العنف بالقوارب الى بنجلادش لكن السلطات اجبرتهم على العودة، واضاف "لقد عززنا المراقبة وسنوقف اي احد يحاول عبور حدودنا، وقال انور حسين وهو ميجر في حرس الحدود في بنجلادش ان هذه المحاولة جاءت في اعقاب اعادة خمسة قوارب محملة بنحو 200 فرد من الروهنجيا، ويطالب نشطاء الروهنجيا منذ فترة طويلة بالاعتراف بهم في ميانمار كجماعة عرقية من السكان الأصليين لها حقوق المواطنة الكاملة ويقولون ان اصولهم ترجع لقرون مضت في راخين. لكن الحكومة تعتبرهم مهاجرين غير شرعيين من بنجلادش ولا تمنحهم الجنسية، وترفض بنجلادش منح افراد الروهنجيا وضع اللاجئين منذ 1992، وتفجرت الاشتباكات بعد تقارير عن تعرض امرأة بوذية لاغتصاب جماعي وقتلها في جريمة انحي باللائمة فيها على مسلمين وما تلا ذلك من قتل انتقامي لعشرة مسلمين. وذكرت وسائل الاعلام الرسمية ان ثلاثة رجال مثلوا امام المحكمة بتهمتي الاغتصاب والقتل.

تهديد ميانمار الجديدة

فيما تتعرض الحكومة البورمية للضغوط لحملها على وقف اعمال العنف بين المسلمين والبوذيين في غرب البلاد، وتسبب هذه الازمة مزيدا من القلق للمجموعة الدولية والمدافعين عن حقوق الانسان، وكانت اعمدة الدخان ترتفع في شوارع سيتوي، عاصمة ولاية راخين (كانت تسمى اراكان) التي حظر التجول وفرضت حالة الطوارىء على كامل اراضيها، وتمكن فريق من وكالة فرانس برس من مشاهدة دوريات منتظمة لقوات الامن طوال الليل. وسمع ايضا اصوات عيارات نارية في منتصف النهار قرب وسط المدينة، فيما كانت قوات الامن تحاول مصادر السكاكين والعصي، واسفرت اعمال العنف عن سبعة قتلى و17 جريحا كما ذكرت وسائل الاعلام الرسمية ودمرت مئات المنازل وتهجر الاف الاشخاص، لكن مصادر عدة تحدثت عن حصيلة اكبر لعدد القتلى. واشارت منظمة "اراكان بروجكت" التي تناضل من اجل حقوق الروهينجيا الى "عشرات" القتلى، لكن وكالة فرانس برس لم تتمكن من التحقق من هذه المعلومات، ولم يستطع مراسلوها التوجه الى كثير من المناطق التي شملتها اعمال العنف، لاسباب امنية، وتلت اعمال العنف الطائفية هذه، اقدام مجموعة من البوذيين الغاضبين على ضرب عشرة مسلمين في جنوب ولاية راخين انتقاما لاغتصاب امرأة. بحسب فرانس برس.

ودعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون "بالحاح جميع الاطراف الى ضبط النفس ووقف هذه الهجومات"، وطالبت بفتح تحقيق "سريع وشفاف" حول اعمال العنف، وحذرت الصحافة الرسمية من جهتها من تفاقم الوضع. وجاء في مقالة نشرتها صحيفة "نيو لايت اوف ميانمار" ان "شرارة صغيرة تستطيع ان تضرم النار في تلة بأكملها"، لكن منظمة هيومن رايتس ووتش انتقدت تعامله مع الازمة. وقالت إيلين بيرسون المسؤولة المساعدة لآسيا في هذه المنظمة التي تدافع عن حقوق الانسان، ان "اعمال العنف الدامية في اراكان تمضي في دوامة يصعب السيطرة عليها تحت نظر الحكومة"، وطالبت بارسال "مراقبين دوليين مستقلين، وفيما تقدر دكا ب 300 الف عدد الروهينجيا الذين يعيشون حتى الان على اراضيها، منهم عشرات الالاف في معسكرات، شددت ايضا التدابير الامنية على حدودها التي تبلغ 200 كلم مع بورما للحؤول دون تدفق اعداد جديدة من اللاجئين، ولا يشكل 800 الف من الروهينجيا غير الحاصلين على جنسيات، والمحصورين في شمال ولاية راخين، جزءا من الاقليات الاتنية التي تعترف بها الدولة البورمية. وتعتبرهم الامم المتحدة واحدة اكثر الاقليات تعرضا للاضطهاد في العالم، واختار مئات الالاف منهم الهجرة جراء التمييز المستمر منذ عقود.

وتظاهر حوالى 600 منهم في ماليزيا، داعين الامم المتحدة الى التدخل، واعتبر الحزب الوطني الديموقراطي لحقوق الانسان، وهي منظمة في المنفى اهتمت بالتحضير للتظاهرة انه "اذا لم يحصل تدخل، فسيمحى جميع الروهينجيا المسلمين في اراكان عن وجه الارض، وبغض النظر عن حالة هؤلاء الروهينجيا البالغة التعقيد، كشفت اعمال العنف عن التوترات الدينية الكامنة في بلاد غالبا ما يعتبر فيها البورمي تلقائيا على انه بوذي كما يقول المراقبون. وتفيد الاحصاءات ان المسلمين يشكلون 4% من عدد السكان الذين يشكل البوذيون 89% منهم.

الاضطرابات تهدد التحول الى الديمقراطية

في سياق متصل قال رئيس ميانمار ثين سين ان العنف الطائفي في غرب البلاد يمكن ان يعرض تحول ميانمار للديمقراطية للخطر اذا انتشر بشكل أكبر وذلك في الوقت الذي اعلن فيه التلفزيون الرسمي فرض حالة الطواريء في المنطقة التي شهدت اعمال عنف طائفية، وأدلى ثين سين بهذه التصريحات بعد ثلاثة ايام من العنف في ولاية راخين بين البوذيين وافراد الاقلية المسلمة المعروفة باسم الروهنجيا المنحدرين من اصول جنوب اسيوية والذين لا تعترف بهم ميانمار او بنجلادش المجاورة كمواطنين، وقال التلفزيون الرسمي ان الرئيس اعلن حالة الطواريء والادارة العسكرية في ولاية راخين من اجل استعادة القانون والنظام بأسرع ما يمكن، وارسلت بالفعل قوات اضافية الى المنطقة في مطلع الاسبوع بعد اعمال عنف ادت الى قتل سبعة اشخاص على الاقل . بحسب فرانس برس.

ويسرى حظر التجول في بعض البلدات، وقال ثين سين "اذا وضعنا القضايا العنصرية والدينية في المقدمة واذا وضعنا الكراهية التي لا تنتهي مطلقا والرغبة في الانتقام والاعمال الفوضوية في المقدمة واذا واصلنا الانتقام وارهاب وقتل بعضنا البعض فهناك خطر ان تتزايد (الاضطرابات) وتتجاوز راخين، "اذا حدث هذا فان على الشعب ان يدرك ان استقرار وسلام البلاد وعملية التحول للديمقراطية والتنمية والتي ليست سوى في مرحلتها الانتقالية الان قد تتأثر بشدة وسيضيع الكثير، واضاف الرئيس ن الحكومة ستعوض المتضررين وطلب من الناس ان يتحلوا برحابة الصدر والتفاهم، وذكرت وسائل الاعلام الرسمية ان ما ل ايقل عن 500 منزل ومبان اخرى احرقت اثناء اعمال العنف، وقال ثين سين "اننا نعمل مع الجماعات الدينية والزعماء الدينيين والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووجهاء القرى والبلدات لحل المشكلات.

بنغلادش تطرد مسلمين

من جهة أخرى قامت قوات حرس الحدود في بنغلادش باعادة ثمانية زوارق تقل اكثر من 300 مسلم من اقلية الروهينجيا غالبيتهم من النساء والاطفال كانوا يحاولون الفرار من اعمال العنف الدينية في بورما كما قال احدهم، وقال شفيق الرحمن عضو قوة حرس الحدود البنغالية "كان هناك اكثر من 300 من الروهينجيا في القوارب الاتية من مدينة اكياب البورمية. كانت تقل خصوصا نساء واطفال والكثير منهم كانوا يبكون"، واضاف "تمت اعادة السفن الثماني الى الاراضي البورمية"، واكياب هو الاسم السابق لمدينة سيتوي كبرى مدن ولاية راخين غرب بورما حيث اوقعت اعمال العنف الطائفي بين بوذيين ومسلمين سبعة قتلى و17 جريحا منذ الجمعة بحسب وسائل الاعلام الرسمية، وقد اعلنت حال الطوارئ في المدينة، ففي تكناف على حدود بورما دخانا يتصاعد من منازل على الجانب الاخر من الحدود على الارجح اضرمت فيها النيران خلال اعمال العنفلإ واضاف الرحمن ان حرس الحدود قدموا الطعام والماء لمسلمي الروهينجيا على متن القوارب قبل اعادتهم ادراجهم، وتم تعزيز الامن على طول الحدود البرية بين بنغلادش وبورما والبالغة 200 كلم وعلى نهر ناف لوقف تدفق النازحين. بحسب فرانس برس.

ويقدر مسؤولون من بنغلادش ان قرابة 300 الف مسلم من اقلية الروهينجيا يعيشون في بنغلادش خصوصا في معسكرات حكومية للاجئين في جنوب البلاد، واوضح الرحمن ان اثنين من هؤلاء المسلمين المصابين بجروح احدهما نتيجة الرصاص كانا دخلا بشكل غير شرعي الى بنغلادش السبت قد تم توقيفهما، واسم ولاية راخين هو نسبة الى سكانها من اقلية اتنية بوذية، الا انها تضم ايضا عددا كبيرا من المسلمين من اصل هندي او من بنغلادش بالاضافة الى الروهينجيا وهي اقلية لا موطن لها تعتبر الامم المتحدة انها الاكثر تعرضا للاضطهاد في العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/حزيران/2012 - 25/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م