النظام الوهّابي وزلزال السّخط الشعبي القادم

مصطفى قطبي

ليس ثمة جديد في القول إن سياسات الدولة السعودية تلعب منذ سنوات دوراً هداماً للعمل العربي المشترك، وتكفي الإشارة إلى مواقف هذه الدولة من الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله، والأزمة الداخلية اللبنانية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز (2006)، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والحصار المتواصل عليه منذ العام (2005)، والمعضلة السودانية التي انتهت بانفصال الجنوب عن شماله…

وما وقع في اجتماعات مجلس الجامعة العربية، الذي كان ينعقد بدعوة من دول مجلس التعاون الخليجي الذي تحركه السعودية، لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا واليمن، يؤكد أن سلوك الدولة السعودية دخل منعطفاً نوعياً في مسار مسف يتطلب الوقوف عنده بتحليل ملموس واستخلاص النتائج التكتيكية والاستراتيجية المترتبة عليه، من تعميق للتناقضات البينية العربية، والتعامل بنفس شكلي ومفتعل مع الأوضاع في المنطقة العربية، وتزييف الوقائع في حملات سياسية وإعلامية مكثفة ضد بلدان الممانعة والمقاومة وعلى رأسها سورية، تنحدر بأصحابها إلى درك التحريض على توترات طائفية ومذهبية.

والحقيقة، إن تماهي سياسات السعودية مع السياسات الأمريكية والفرنسية والبريطانية تشكِّل محور الدور الوظيفي الذي لعبته تاريخياً ـ وما تزال تلعبه ـ الأسر الحاكمة في السعودية، بقدر ما ينطوي عليه من تناقض جوهري مع المصالح العربية، وتآكل الحدود الدنيا من التضامن العربي، وإحداث صدع في آليات منظومة العمل المشترك، وتحويلها إلى أداة للتدخل الأجنبي.

لقد بدأ تلمس مخاطر نتائج سياسات السعودية منذ العام (2003)، وكان فتح أراضيها أمام الجيوش الأمريكية والبريطانية الغازية للعراق دليلاً على أن أسرها الحاكمة مستعدة أن تمضي حتى النهاية في دورها الوظيفي، وأنها رفعت إلى مرتبة (المقدسات) تبعيتها للسياسات الأمريكية، ولم يكن ذلك خياراً إرادياً، بل رضوخاً لواشنطن كثمن تجبيه مقابل تقديم مظلة حماية من الحركة الجماهيرية، التي كان يتم خنقها بقوانين وإجراءات قمعية.

كل ما يجري في المنطقة قابل للفهم باستثناء شيء واحد يتعذر فهمه حتى وإن حاول البعض تبسيطه ليكون قابلاً للفهم وهذا الشيء الوحيد يتمثل في سياسة حكام المملكة السعودية وموقفهم مما يجري ودورهم فيه. يقال في تفسير المملكة إنها تنفذ ما تريده واشنطن وهذا تفسير صحيح وأكيد وليس بوسع أحد أن ينفيه ولكن حين يكون تنفيذ سياسة واشنطن يحمل خطراً على المملكة نفسها فإنه يفترض بالقائمين على أمور المملكة أن يتجنبوا ما يلحق الضرر بها وبالتالي أن يسايروا واشنطن بمقدار وأن يخالفوها بمقدار بخاصة وأن وضع مقدرات المملكة بين يدي واشنطن لا يمكن أن يجلب الطمأنينة للحاكمين فيها ونظن أن المثالين المصري والتونسي بل وحتى المثال الليبي تكفي لإعطاء درس واضح لمن يضعون أنفسهم في خدمة واشنطن أو يجتهدون لإرضائها فهذه السياسة ـ في حد ذاتها ـ لم تعد تشكل قارباً للنجاة.

ونحن حين نتحدث عن خطر السياسة الأميركية تجاه النظام السعودي فإننا لا نتحدث عن خطر التخلي الأميركي عن الساسة السعوديين مثلما تخلوا عن ساسة عرب آخرين، فهذا الخطر ليس الأهم فالخطر الحقيقي يتمثل في تلاحم المصالح الأميركية في المنطقة مع الاستراتيجية الصهيونية تلاحماً لا انفصام فيه، وحيث أن السعودية تدخل ضمن دائرة خطط التوسع الصهيوني فإن أي سياسة حكيمة لابد وأن تضع هذا الخطر في الاعتبار وأن يتعظ أصحابها بقصة زرقاء اليمامة النجدية حين أنذرت قومها بأنها ترى أشجاراً تتحرك فأبوا أن يصدقوها وكانت النتيجة فناءهم واقتلاع عيني زرقاء اليمامة.

إن وجود القواعد العسكرية الأميركية في السعودية لن يحمي السعودية حين تكون إسرائيل هي المعتدي بل بالعكس من ذلك فإن هذه القواعد ستقدم المساعدة للصهاينة بحيث تؤخذ المملكة من داخل ومن خارج، وإذا كان الساسة السعوديون قد اقتنعوا بالمزاعم الأميركية القائلة بأن قوة إيران الصاعدة هي الخطر عليهم وليس إسرائيل فإن هذا هو العمى بعينه، فإيران لا تفكر بالتوسع ولا حاجة لها للتوسع على حساب جيرانها، أما إسرائيل فإن أطماعها التوسعية معروفة منذ أكثر من قرن من الزمن.

وإذا كان الساسة السعوديون معنيين حقاً بفهم ما يخطط لهم فإن المحادثة الهاتفية المسجلة بين حمد بن جاسم آل ثاني والقذافي تكفي لجعلهم يفهمون، فقد تحدث حَمد عما دار بينه وبين المخابرات الأميركية والبريطانية في لندن ومن هذا الحديث الواضح والمكشوف نستطيع أن نفهم التالي:

ـ إن هذه الأطراف ترى بأن القيادة السعودية على مستوى الصف الأول هي قيادة هرمة.

ـ إن هذه الأطراف تعمل على شراء ذمم أمراء ومواطنين سعوديين من الصف الثاني.

ـ إن هذه الأطراف تخطط لتقسيم أراضي المملكة العربية السعودية.

ـ إن حصة مشيخة قطر من هذا التقسيم هي ضم المنطقة الشرقية بما فيها من آبار النفط إلى مشيخة قطر.

إن هذا التواطؤ بالذات هو وحده الذي يفسر السلوك القطري في تنفيذ المخططات الأميركية ـ الصهيونية في المنطقة فحكام قطر لا يبددون أموالهم عبثاً بل يستثمرونها في تنفيذ الخطة التي هدفها المملكة وإن تسلسلت حلقاتها في البداية لتشمل أقطاراً عربية أخرى.

ربما وقف بعض قادة السعودية أمام ما قاله حَمد وقفة قوم زرقاء اليمامة واعتبروا أنه تخريف قطري مطمئنين إلى أن قطر بالنسبة للسعودية هي بمثابة الجرادة التي يمكن أن تشوى وتؤكل في لحظة، لكن قراءة من هذا النوع تعني التهاون في مواجهة خطر حقيقي فقادة قطر يدركون مسبقاً أنهم لن يصلوا إلى مبتغاهم في السعودية إلا في أعقاب عدوان صهيوني واسع يستهدف تدمير القوات السعودية واحتلال جزء من أراضي الجزيرة العربية وخلق واقع جيوسياسي جديد فيها يدعمه الأميركيون والانجليز وتنال قطر جائزتها على حساب المملكة من خلال هذا الواقع الجديد، فحاكم قطر يعرف إذن أين ولماذا يستثمر المال والإعلام المضلل، بينما يبدو القادة السعوديون وعلى أعينهم غشاوة تحجب عنهم الرؤية فلا يدركون بأن توجيه العداء نحو إيران أو التآمر على سورية والمقاومة اللبنانية هي مقدمات لتفكيك مملكتهم واحتلال أجزاء من أراضيها.

لعل تفسير هذا السلوك السعودي تجاه مستقبل المملكة يكمن في التحليل الذي توصل إليه حَمد بن جاسم مع شركائه الأميركيين والانجليز حول الوضع في المملكة، فنحن حين ندقق في قراءة سياسات المملكة وسلوكها نجد أن قبضة من يفترض أنها القيادة المركزية لم تعد قوية كما نجد تبلور مراكز للقوى بين الصفين الأول والثاني، يمارس كل منها سياساته على الأرض دون أن تكون هناك سياسة واضحة مركزية يلتزم الجميع بتنفيذها، ومن الواضح أن هذه الحالة تتعلق بالشؤون الداخلية تعلقها بالشأن الخارجي وعموماً فإن القيادة السعودية تبدو وكأنها مصممة على ألا ترى أبعد من أنفها وأما زرقاء اليمامة فقد جرى فقء عينيها مسبقاً حتى لا تقرع جرس الإنذار.

في السعودية، غير مسموح لأحد أن يطالب بحق وهبه له الله سبحانه، وصدّقه رسله عليهم جميعاً، وأقرّته شرائع الدنيا، لأن الدولة ليست شأناً عاماً، ولا ملكاً مشاعاً يتقاسمه القاطنون داخل حدود الدولة، وإنما هي امتياز خاص لعوائل حاكمة تعتقد بأنها تملك ما فوق الأرض وما تحتها بقوة السيف. لم تعد عبارة (ملكناها بالسيف) تقتصر على أمراء آل سعود، والتي لطالما أسمعوها زائريهم والمتظلمين من سرقاتهم لأموال وعقارات الناس، فقد رددها هذه الأيام حكام البحرين، وليس بعيداً أن نقرأ بيان صادر عن قمة مجلس التعاون الخليجي يبلغ الناس ما يجب عليهم معرفته، وقد يتضمن عقوبات بالنفي لكل من ينادي بالمشاركة السياسية، وتقاسم السلطة والثروة… ففي ظل حركة الاحتجاجات الشعبية في السعودية، لم يستجب حكام السعودية، لنداءات الشعب السعودي المطحون المطالب بالتغيير الديمقراطي فحسب، بل (قلبوا عاليها سافلها)، في سياق إظهار القوة المفتعلة، وتطبيق غبي لقاعدة (أفضل الدفاع الهجوم)، مستفيدين من صمت المجتمع الدولي الذي تديره الولايات المتحدة وعدد من حلفائها التابعين في أوروبا.

فتقرير مجلس العلاقات الخارجية الأميركية وتقرير هيومن رايتس ووتش؟ ذكر أن الشيعة في السعودية يشكلون نحو 15 في المائة من مجمل عدد السكان البالغ 25 مليوناً. هؤلاء يعانون من التمييز في مجال العمل. فهم ممنوعون من الالتحاق بالكليات العسكرية ومن العمل كقضاة أو من تبوؤ المناصب العليا في الإدارات الرسمية المدنية والعسكرية، وأتى في مجلة (بيزنس ويك) أن هؤلاء المواطنين حرمتهم المملكة حتى من الوقوف في المحاكم بحجة أنهم غير مؤهلين لتقديم شهادتهم في المحاكم. نسأل حكام السعودية: هل هذا يخولكم لتتشدقوا بالديمقراطية والحرية…؟

أما تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي، فجاء فيه:

إن السعودية حققت فائضاً في موازنة عام 2011 قدره 185 مليار ريال أي بنسبة 9.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك لا تزال نسبة البطالة 35 في المائة! ومع ذلك يطلب حكام السعودية العدالة للشعوب…؟

وأتى في صحيفة (ايكونوميست) أن السعودية تنفق ما يزيد على 60 مليار دولار في صفقات سلاح جديدة مع أميركا، وأن معظم المال السعودي يذهب لشراء الطائرات الأميركية من الجيل الرابع، بينما تنفق كل من إسرائيل والهند وروسيا والصين ونصف دول أوروبا عشر هذا المبلغ لتصميم وحيازة طائرات من الجيل الخامس، وفي المقابل فإن 22 في المائة من السعوديين يعانون الفقر بحسب ما جاء في دراسة جامعة (جورج تاون) وأن واحداً من أصل 7 سعوديين بالغين لا يقرأ أي أمي. ومع ذلك فملك السعودية يطالب بالعدالة والحرية والديمقراطية وصحوة الضمير…!

وارتباطاً بالشأن الداخلي السعودي، فالحركة الإسلامية للإصلاح في السعودية التي يقودها سعد الفقيه، فهي دعت في أكثر من بلاغ وبيان إلى تغيير شامل في السعودية وإلى المشاركة السياسية والشفافية وحرية التعبير… ونسأل بدورنا حكام السعودية هل استند ساستكم لهذه الدعوى حتى يتكلمون عن الكرامة والحرية والديمقراطية…؟

ولأصحاب مرض الزهايمر، نذكر من يتشدق بالحرية والديمقراطية بالبيان الذي وزع في باريس، والذي صدر عن جبهة المعارضة السعودية الديمقراطية والذي ينسق عملها الشيخ طلال محمد الرشيد حيث أتى بالبيان:

لقد صبرنا على قهر عائلة آل سعود سبعين عاماً من الذبح والتنكيل وقتل رجالنا وسبي نسائنا. حيث يكوّن أبناء عبد العزيز بن سعود مملكة خاصة بعائلتهم من قبائلنا العربية التي قهرت بسيف آل سعود ومدافع الإنجليز. وتوارثونا واحداً واحداً، واعتبرونا ملكية خاصة لهم مثل أغنامهم وإبلهم ونسائهم.

وناشد البيان المنظمات الدولية قائلاً: إننا شعوب الجزيرة العربية في الحجاز ونجد والإحساء والقصيم والقطيف وجيزان وعسير، أننا لسنا عقاراً مملوكاً لآل سعود ولسنا ملكية متحركة أغناماً وأنعاماً. نحن شعوب مستعمرة وتحت وصاية السعود.

سؤال: هل استناداً إلى هذا تشدق حكام السعودية بالكرامة والحرية والديمقراطية…؟ وهل الجامعة العربية قبلت بذلك استناداً لهذا البيان…؟

عن أي كرامة تتكلمون وأنتم تجاهلتم ما يحدث بالأقصى؟ عن أي حرية وديمقراطية تتكلمون وأنتم مسلوبو إرادتكم تبحثون عن رجولتكم وتعبرون عن استياء الشعب العربي واشمئزازكم من الفيتو الأميركي الذي اتخذ لإجهاض مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة؟ وأنتم كثير عليكم أن ننعتكم بأنصاف الرجال. ففي ذلك ظلم للمخصيين في هذه الأرض.

هل تذكرون الفيلم الوثائقي الذي عرضته قنوات الفتنة والكذب عن صفقة اليمامة حيث فضح تورط مسؤولين سعوديين في الحكم بقضايا فساد وعلى خلفية شراء صفقة طائرات من شركة بريطانية. هل هذه القضية تعبر عن الحرية والديمقراطية؟

وأسألكم يا أصحاب الضمير في السعودية: أين كانت ضمائركم وعطفكم على الشعوب العربية عندما مات مئات الآلاف في الصومال جوعاً ونساؤكم في المملكة ينفقن مليار ريال على أدوات التبرج؟ وأين كانت ضمائركم وعطفكم على الشعب السوري عندما استقبلت سورية مليون ونصف المليون مهجر عراقي اقتسموا مع السوريين رغيف الخبز؟ أين كانت ضمائركم عندما فتح الشعب السوري أبواب منازله للشعب اللبناني عام 2006، وحينها كنتم تقومون بتحويل الأموال إلى الأجانب في بعض الدول التي انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي؟ أين كانت عاطفتكم وحنانكم عندما قتل الأطفال في قانا وغزة.

نقول لكم يا أصحاب الضمير ومن تتكلمون عن الضمير الغائب المستتر المعبر عن لسان حال أسيادكم، هل ضمائركم سترتاح عندما تتنازلون عن الأقصى لإسرائيل، وتنعون القضية الفلسطينية بمساعدة مشيخات الفتنة التي قالت: إن الشريعة أهم من القضية الفلسطينية؟ نسألك يا صاحب الضمير الحي: هل التنازل عن أولى القبلتين وثالث الحرمين خارج التشريع الإسلامي؟ أم إن من تنازل عن الحرمين منذ سنين مستعد للتنازل عن أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ أم إن الكرامة والحرية والديمقراطية التي يتكلم عنها العربان تستند إلى ما شاهدناه في شباط 2011 على قناة الفتنة والقتل عندما اتهم صائب عريقات قناة الجزيرة وعلى الهواء مباشرة بقيام عملاء للمخابرات الأميركية بسرقة وثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من مكتبه وتزويرها بمكتب رئيس القناة عقاباً للسلطة الوطنية على عزمها التوجه لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يدين الاستيطان.

هل هذا ما يقصده العربان في تشدقهم بالكرامة والحرية والديمقراطية…؟

أتذكرون أيها الأعراب كيف تحدى عريقات القناة أن تسلط الضوء على الوثائق الحقيقية ومقارنتها بالوثائق المزورة إلا أنها لم تفعل وطلبت السلطة الفلسطينية من وزارة الخارجية الأميركية فتح تحقيق في الموضوع إلا أنها طوته.

هذه هي كرامتكم وحريتكم وديمقراطيتكم… القائمة على الكذب وتزوير الحقائق وعرض كرامات شعوبكم وحرياتها للبيع في أسواق النخاسة الأميركية الإسرائيلية. نحن العرب نتفهم تماماً وضعكم فأنتم لستم أكثر من مستعربين ببغاوات ترددون ما يقوم أسيادكم بتلقينكم إياه. فما دافع إنسان عن أرضه وعرضه إلا وتذوق معنى الكرامة والعنفوان الحقيقيين تجده لا يأبه للاستمتاع بأي شيء آخر في الدنيا فهي ترتفع بالإنسان ليشعر أن نيران الأعداء لن تطوله لذلك تجد المقاومين دائماً أكثر إقداماً وشجاعة خلال المعركة ولا يهابون شيئاً وهذا طبعاً يختلف عمن يرضى أن يبيع كرامته مقابل ثمن بخس أو يتظاهر بأن كرامته مصونة فقط لكي لا يتحمل أعباء الدفاع عن كرامته.

رأيناهم وسمعناهم يتكلمون عن الكرامة والحرية والديمقراطية في جامعتهم وكأنهم يملكون تاريخاً حافلاً بقيادتهم للثورات والمعارك والحروب. وكأنهم قدموا قوافل من الشهداء دفاعاً عن أرضهم وعرضهم ومقدساتهم وكرامتهم. ويوجهون كلامهم لكل المناضلين الشرفاء في العراق ولبنان ومصر وفلسطين لو تكلم هؤلاء عن الكرامة والحرية لسلمنا بالأمر أما أن يتكلم عنها فاقدوها فهذا يثير اشمئزازنا كثيراً كما أثار اشمئزازهم فيتو روسيا والصين.

نسألكم أين كانت كرامتكم وحريتكم وديمقراطيتكم عندما دخل شارون بحذائه المسجد الأقصى؟ أين كانت كرامتكم وحريتكم وديمقراطيتكم عندما أدخل الإسرائيلي السياح إلى الأقصى بأحذيتهم مفتقرين لأدنى درجات الاحتشام؟ أين كرامتكم وحريتكم عندما تستأجرون جيوش أسيادكم للدفاع عنها؟

أين كرامتكم وحريتكم وديمقراطيتكم عندما اتخذت أميركا أكثر من أربعين فيتو على قرارات تصون كرامة وحرية وديمقراطية الشعب الفلسطيني؟ لمَ لم يثر ذلك اشمئزازكم واشمئزاز أسيادكم؟

من يتكلم عن الحرية والكرامة والديمقراطية يجب أن يملكها بحقيقتها وواقعيتها بأقل تقدير لا أن يعتمد الكذب والرياء ويبني على أفكار أسياده أنه يعيش الحرية والكرامة والديمقراطية وهي لا تتعدى كونها سراباً له ولشعبه. من يفتقر للمصداقية والشرف لا يحق له أن يتكلم عن الكرامة والحرية والديمقراطية وتاريخكم خير دليل على ذلك وسنذكركم به. ومن يلعب على وتر الأديان ليكون مصداقية لنفسه ولحلفائه يجب أن يعلم أن الشعب العربي ليس أمياً كشعوبكم وأن الشعب العربي يدرك تماماً أن الأديان عندما تستخدم لإثارة الفتن لا يمكن أن يعتبرها إلا ريح تطفئ سراج العقل.

أليس من الأفضل لحكام السعودية أن يبتعدوا عن النفاق والتملق لشعوب بلدان عربية بعينها من أجل ما يعتقدون أنه يحمي عروشهم وممالكهم؟ أعتقد أنهم يحسنون صنعاً لو فعلوا لأن هذا ما يساعدهم على تحقيق مبتغاهم، أما الاستمرار في التحريض على القتل والنفاق والجري وراء ظل الولايات المتحدة والغرب عموماً فسيجعلهم ودولهم عرضة لرياح التغيير العاتية التي تهب على المنطقة من جهاتها الأربع، ولن تحميهم حينها كل أساطيل أميركا أو حلف الناتو الاستعماري.

إن توازن العوامل في السعودية يتجه بشكل واضح في اتجاه إحداث تغيير عميق، وعادة ما يحدث التغيير على هذه الدرجة، إما بفعل حدث متوقع كوفاة الملك ـ أو حادث غير متوقع ـ كما كان الحال مع البوعزيزي، الذي أطلق شرارة الثورة في تونس. فمثلاً قبل أسابيع، منعت قبيلة في الطائف، قرب مكة المكرمة، قوات الأمن من تنفيذ أمر ملكي بمصادرة أراضيها، وأجبرت السلطات على إلغاء أمر المصادرة باحتجاج جسدي. ويتساءل الشعب في جميع أنحاء البلاد: إذا كان باستطاعة قبيلة صغيرة استعادة أرضها من خلال الاحتجاج السلمي، لماذا لا ينبغي للبلد بأكمله استعادة حقوقه بطريقة مماثلة؟. ففي المحصلة، هناك أزمة ثقة بين الشعب والأسرة الحاكمة في السعودية، وتزداد خطورتها بمرور الوقت، كلما تزايدت درجة انخراط السعودية في شؤون الثورات العربية في الخارج، وتمسكت بالنموذج الأصلي للدولة الدينية ـ الأمنية المتخاصمة مع شعبها، حيث الاقتراب من لحظة القطيعة والمصادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/حزيران/2012 - 23/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م