الكويت... أزمات مفتعلة بأدوات خارجية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تمر دولة الكويت أسوة بالعديد من الدول الاقليمية بمرحلة يعتبرها الكثير من المراقبين مفصلية وخطيرة، نظرا لتزايد الضغوط التي تمارسها بعض الجهات الداخلية على الحكومة والأسرة الحاكمة على حد سواء، مندفة تلك الجهات في محاولاتهم للنيل من النظام السياسي القائم بتحريض من بعض دول الخليج المجاورة واللوبيات السلفية ذات الارتباطات المشبوهة.

حيث يسعى سلفيو الكويت دون  مبرر الى ادخال تلك الدولة في اتون صراعات جدلية تنتج في نهاية المطاف الى ارباك الدولة والمجتمع على حد سواء، عبر تمرير اجنداتهم المعروفة للقاصي والداني في العالم العربي، وهو ما قد يدفع السلطة الى تصعيد موقفها لتدارك انحدار البلاد الى ما لا يحمد عقباه، محاولة في الوقت ذاته مسك العصى من المنتصف وعدم اتاحة الفرصة لغلو المتشددين داخل مجلس الامة لزعزعة الاستقرار من جهة أو الاضرار بالنسيج الاجتماعي المتنوع من جهة أخرى.

فيما سبق للكويت ان ابدت امتعاضها من التدخلات الخارجية القطرية والسعودية، الراغبتان بشدة في ضم الكويت الى محور تلفه الشبهات في المنطقة، وهو ما رفضته الكويت في جملة وتفصيلا حسب قراءات سياستها الخارجية.

فقد رفض امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح اقرار تعديلات قانونية سبق ان وافق عليها البرلمان لانزال عقوبة الاعدام بكل من تتم ادانته بشتم الذات الالهية او القرآن او الانبياء او زوجات الرسول، كما افادت مصادر برلمانية.

ويملك الامير صلاحية رفض مشاريع القوانين التي يقرها البرلمان المنتخب، الا انه يمكن نقض قرار الامير اذا صوتت لصالح نقض القرار اكثرية ثلثي اعضاء البرلمان المؤلف من خمسين عضوا منتخبا يضاف اليهم اعضاء الحكومة غير المنتخبين (15 عضوا).

واقر البرلمان الكويتي الذي يسيطر عليه الاسلاميون الشهر الماضي تعديلات على قانون العقوبات شملت اضافة مادتين تشددان العقوبات على التجاوزات الدينية وتنصان خصوصا على تطبيق عقوبة الاعدام على كل مسلم تتم ادانته بشتم الذات الالهية او القرآن او الانبياء او وزوجات النبي محمد.

اما غير المسلم الذي يدان بهذه التجاوزات فيواجه حكما بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات. وينص مشروع القانون على اعفاء المدانين من حكم الاعدام في حال التوبة امام المحكمة على ان تخفض العقوبة الى السجن خمس سنوات ودفع غرامة قدرها 36 الف دولار.

واصدرت المحاكم الكويتية في الاشهر الاخيرة عدة احكام ضد مدونين وناشطين من السنة والشيعة على حد سواء بتهمة الاساءة للطائفة الاخرى على الانترنت، وذلك في خضم احتدام التوترات الطائفية بين الطائفتين في البلاد والمنطقة. بحسب فرانس برس.

وقد أصدرت محكمة كويتية مؤخرا حكما بالسجن عشر سنوات على كويتي بعد ادانته بتعريض أمن الدولة للخطر من خلال الإساءة للنبي محمد والحكام السنة للمملكة العربية السعودية والبحرين عبر موقع تويتر الاجتماعي.

ونفى الكويتي الشيعي حمد النقي التهم الموجهة إليه في بداية المحاكمة الشهر الماضي قائلا إن حسابه الشخصي على تويتر تعرض للاختراق وإنه لم ينشر الرسائل التي وجهت له الاتهامات بخصوصها.

وقال سكرتير بالمحكمة ان الحكم المكتوب الذي اصدره القاضي هشام عبد الله أدان النقي بجميع التهم المنسوبة إليه. ووصف خالد الشطي محامي النقي الحكم بأنه أقصى عقوبة ممكنة ضد موكله البالغ من العمر 26 عاما.

وأدان القاضي النقي بالإساءة للنبي مجمد وزوجته والصحابه وبالسخرية من الاسلام واثارة توترات طائفية واهانة حكام السعودية والبحرين واساء استخدام هاتفه المحمول لنشر هذه التعليقات. بحسب رويترز.

وقال الشطي إن مدة الحكم طويلة لكن هناك فرصة للاستئناف. وبموجب القانون الكويتي يستطيع الدفاع تقديم طلب استئناف خلال 20 يوما من صدور الحكم. وخففت في السابق احكام بالسجن في قضايا مماثلة.

وكان المدعي بالحق المدني وبعض الساسة الكويتيين طالبوا بإعدام النقي في قضية أذكت التوترات الطافية في الكويت. وقال المدعي بالحق المدني دويم المويزري في رسالة نصية إن الحكم رادع لكل من يسيء للنبي محمد واصحابه وامهات المؤمنين. وكان قد دعا في المحكمة إلى جعل النقي عبرة.

وقالت وزارة الداخلية الكويتية ان العشرات من الناشطين السنة واعضاء البرلمان نظموا احتجاجا ضد النقي بعد وقت قصير من اعتقاله وانه تعرض لهجوم في السجن على ايدي أحد السجناء.

ولم يمثل النقي امام المحكمة وقال سكرتير المحكمة إنه ظل في السجن المركزي المحتجز به منذ اعتقاله في مارس اذار. وكان قد مثل امام المحكمة في جلسات سابقة.

واتهمه النشطاء الذين احتجوا ضده بان له صلات بإيران وهو اتهام نفاه النقي. ويعتقد ان الشيعة يمثلون ما بين 20 و30 في المئة من مواطني الكويت البالغ عددهم 1.1 مليون. ويشغل بعضهم مناصب كبيرة في البرلمان ووسائل الإعلام والشركات.

وعلى الرغم من أن الكويت تفادت إلى حد كبير العنف الطائفي والانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التي شهدتها اجزاء اخرى من المنطقة فإنها تشعر بالقلق من أن تندلع اضطرابات بين الاقلية الشيعية لديها.

وتراقب السلطات الكويتية عن كثب الاحتجاجات التي يقودها الشيعة في البحرين والاضطراب في المنطقة الشرقية بالسعودية التي تسكنها أقلية شيعية تتجاوز المليوني نسمة. وقال محامي النقي إنه حتى اذا كان موكله هو من كتب التعليقات فإنه سيكون مدانا في "جريمة رأي" وليس بتهديد الأمن القومي.

ووافق البرلمان الكويتي الذي تزايد فيه نفوذ النواب الإسلاميين المعارضين على تعديل قانوني الشهر الماضي يجعل عقوبة إساءة المسلم للذات الالهية أو النبي محمد الإعدام بدلا من اقصى عقوبة وهي السجن عشر سنوات.

لجنة تحقيق برلمانية

في  حين رفض رئيس الوزراء الكويتي السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح للمرة الثانية المثول امام لجنة برلمانية تحقق في اتهامات بالفساد موجهة له، بحسبما افاد رئيس هذه اللجنة النائب الاسلامي فيصل المسلم.

وقال المسلم عبر حسابه على تويتر ان "رفض رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد دعوات لجنة التحقيق البرلمانية بالتحويلات الخارجية المليونية استخفاف بالشعب ومؤسساته الدستورية".

وكان يفترض ان يمثل الشيخ ناصر مساء السبت الا انه بعث بكتاب اكد فيه ان غير مجبر قانونيا على المثول امام هذه اللجنة. وسبق ان رفض الشيخ ناصر المثول امام هذه اللجنة في منتصف ايار/مايو. والشيخ ناصر الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين شباط/فبراير 2006 وتشرين الثاني/نوفمبر 2011، متهم من قبل المعارضة بتحويل ملايين الدولارات من الاموال العامة الى حساباته الشخصية في الخارج.

وسبق ان نفى الشيخ ناصر الاتهامات وقال ان "جميع التحويلات كانت في خدمة مصالح الكويت ولم تتضمن ان نفع شخصي". وبالرغم من اغلاق القضية امام القضاء بسبب نقص الادلة، ما زال التحقيق مستمرا امام اللجنة البرلمانية وامام ديوان المحاسبة.

وكان الشيخ ناصر استقال في 28 تشرين الثاني/نوفمبر تحت ضغط الاحتجاجات الشبابية غير المسبوقة التي تعاظمت بسبب الاتهامات بالفساد. وتلى ذلك حل البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة سجلت فيها المعارضة الاسلامية والقبلية فوزا ساحقا.

استقالة وزير المالية

كما أعلن وزير المالية الكويتي مصطفى الشمالي استقالته في مجلس الأمة (البرلمان) بعد ان اتهمه نواب المعارضة بالفشل في التعامل مع مخالفات مالية مزعومة في ادارات يشرف عليها.

ونفى الشمالي الذي يشغل منصب وزير المالية منذ 2007 ويعمل بالوزارة منذ اربعة عقود تلك المزاعم. ومثلت استقالة الوزير البالغ من العمر 69 عاما حلقة جديدة في حلقات الخلاف بين الحكومة ومجلس الامة الذي انتخب قبل ثلاثة اشهر فقط. ومن المتوقع ان يخلف الشمالي وزير مؤقت لحين التوصل إلى حل دائم.

والخلافات السياسية ليست امرا مستغربا في الكويت التي اختارت برلمانها الرابع في ست سنوات في انتخابات مبكرة في فبراير شباط. وفازت المعارضة واغلبها من الاسلاميون باغلبية مقاعد البرلمان في تلك الانتخابات التي أدت اليها ازمة سياسية اخرى بين البرلمان والحكومة.

وعطلت الخلافات الداخلية قرارات بشأن مشروعات استثمارية كبرى في الكويت العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) وادت إلى احجام المستثمرين الاجانب عن الاستثمار في البلاد.

ونفى الشمالي وقوع اي اخطاء واتهم المشرعين بأنهم يهتمون بمصالحهم السياسية الخاصة. ونقلت وكالة الانباء الكويتية عن الشمالي قوله ان جلسة الاستجواب في البرلمان حادت عن خدمة المصلحة العامة وتحولت إلى الانتقام وتسوية الحسابات مع وزير المالية وبعض من مساعديه.

وهدد نواب المعارضة الشمالي باجراء اقتراع على الثقة في الحكومة خلال جلسة الاستجواب التي استمرت بضع ساعات. واختار الوزير الاستقالة امام مجلس الامة بدلا من ذلك. وكان البديل هو ان تستقيل الحكومة بأكملها مما يؤدي إلى حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الحكومة الكويتية تقاطع البرلمان

فيما قاطعت الحكومة الكويتية البرلمان لليوم الثاني فيما يتهم نواب الحكومة بالتآمر من اجل اسقاط المجلس الذي تسيطر عليه المعارضة الاسلامية والقبلية. ويتواجه مجلسا الامة والوزراء حول طلبين لاستجواب وزير المالية مصطفى الشمالي حول تجاوزات مالية واداراية مفترضة.

واصرت الحكومة على ضرورة مناقشة الاستجوابين بشكل منفصل وعدم دمجهما كما قررت غالبية النواب. وعندما اصرت المعارضة على التصويت مجددا لحل المشكلة، انسحب اعضاء الحكومة من الجلسة وقاد الانسحاب رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح.

ولم يحضر اعضاء الحكومة الجلسة ما ادى الى الغائها، اذ ان عقد جلسات مجلس الامة غير قانوني في ظل غياب جميع الوزراء بحسب القانون الكويتي. وقال النائب جمعان الحربش للصحافيين ان المعارضة اتفقت على مناقشة الاستجوابين بشكل منفصل وانما في اليوم نفسه، الا ان الحكومة لم ترض بهذا التنازل.

وقال الحربش، وهو اسلامي، "انه دليل على ان الحكومة تتهرب من النقاش ... بهدف تجنب اظهار عمليات اختلاس وتجاوزات وفساد". واضاف "ان الحكومة تحضر الكويتيين لحل البرلمان".

اما النائب الاسلامي عادل الدمخي فحذر من ان مقاطعة الحكومة هي مقدمة لحل البرلمان الذي انتخب قبل ثلاثة اشهر فقط. وبدوره اعتبر النائب مبارك الوعلان ان خطوة الحكومة تهدف الى "تغطية وانقاذ مسؤولين فاسدين". الا ان وزير الاعلام الشيخ محمد عبدالله الصباح قال ان الحكومة ما زالت تمد اليد للتعاون مع النواب شرط احترام القوانين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/حزيران/2012 - 22/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م