
شبكة النبأ: الخلافات والصراعات
الاخيرة التي تشهدها المنطقة تثبت بشكل قاطع سعي بعض الدول الى الهيمنة
وتوسيع النفوذ، ويرى بعض المراقبين ان المساعي التركية الاخيرة وتدخلها
المباشر في الشؤون الداخلية لبعض الدول من خلال تبنيها ورفضها لبعض
السياسات هو مؤشر واضح لإبراز نفسها كقطب مهم ومدافع اساسي لطائفة
معينة هذا مع سعيها الجاد الى ايجاد تحالف خاص مع بعض دول الخليج لأجل
تكوين تكتل خاص قادر على مواجه ايران التي تعتبر احدى اهم الدول في
المنطقة، مجددين خشيتهم من اتساع رقعة الخلاف الذي قد يتسبب بحدوث حرب
طائفية خصوصا مع وجود هذا الكم الهائل من المشاكل والخلافات وحالة عدم
الاستقرار الامني لبعض البلدان ذات التنوع الطائفي، وفي هذا الشأن فقد
كشف خلاف شديد مع العراق النقاب عن دور تركيا في صراع اوسع على السلطة
في منطقة الشرق الاوسط مع تحرك انقرة لحماية استقرارها ورخائها من
"المحور الشيعي" العراقي-الايراني الذي تخشاه في اعقاب الانسحاب
العسكري الامريكي من العراق. وتركيا قوة اقليمية سنية لكنها علمانية
وتقع على الحدود مع العراق وتحاول منذ فترة طويلة ان تلعب دور الوسيط
الاقليمي في ظل التنافس بين ايران القوة الشيعية الكبرى والسعودية
القوة السنية الابرز على النفوذ في منطقة تشهد اضطرابات سياسية في
الوقت الحالي.
لكن تداعيات انتفاضات الربيع العربي وخروج القوات الامريكية من
العراق اجبرا تركيا على القيام بتعديلات صعبة من خلال الخروج من
تحالفات قديمة وتشكيل اخرى جديدة متخلية عن سياسة "عدم الدخول في مشاكل
مع الجيران". ودفع هذا التغير الذي صاحبته دبلوماسية اكثر قوة متمثلة
في رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تركيا الى دخول لعبة استراتيجية
اقليمية تضع دول الخليج العربية وانقرة في مواجهة ايران.
وقال سولي اوزيل وهو اكاديمي ومعلق تركي بارز "الامر الحاسم حقا هو
الانسحاب الامريكي من العراق لان ذلك جعل العراق بشكل اساسي ملعبا
مفتوحا بدرجة أكبر امام الايرانيين. "بدأت تركيا تجد نفسها لا محالة
وربما دون رغبة منها جزءا من العاب طائفية على عكس الموقف الذي حاولت
على نحو دقيق ان تحافظ عليه وهو تساميها عن الطائفية."
ويشن المسؤولون الاتراك حربا كلامية مع بغداد منذ ديسمبر كانون
الاول عندما امر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باعتقال نائب
الرئيس طارق الهاشمي بناء على مزاعم بأنه ادار فرق اغتيال. والخلاف
علامة على قلق تركيا من ان "قوتها الناعمة" الصاعدة القائمة على اقتصاد
مزدهر واستقرار ديمقراطي نسبي بشر به اردوغان بعد حقبة طويلة من
الانقلابات العسكرية قد تتعرض للتهديد من جانب "محور شيعي" وليد تجسده
ايران وحكومة بغداد التي تدعمها طهران.
وقال حسن تورناك الباحث بجامعة اكسفورد "يتعلق الامر بتصاعد صراع
القوى في بغداد مصحوبا بصراع اقليمي بين ايران وتركيا ودول الخليج
العربية يدور في سوريا والعراق." وتريد دول الخليج العربية وتركيا على
السواء ان تشهد انتفاضة في الشوارع وتمردا في سوريا يطيح بالرئيس بشار
الاسد للمساعدة في انحسار النفوذ الاقليمي لحليفتها الوثيقة ايران ومنع
انتقال اراقة الدماء اليها.
وتتهم تركيا المالكي بنثر بذور الخلاف الطائفي بمحاولة تهميش
منافسيه من السنة حيث طالب المالكي البرلمان بإقالة نائب رئيس الوزراء
صالح المطلك وحذر من "حرب باردة" شيعية سنية.
ويقول المالكي ان انقرة تثير التوتر الطائفي واصفا تركيا بأنها
"دولة معادية" تتدخل في شؤون العراق الداخلية. وتبادل اردوغان والمالكي
الاهانات العلنية واستدعت كلا الدولتين كبار دبلوماسييهما خلال الشهور
القليلة الماضية. ومما يزيد التوتر التقاء الزعماء الاتراك علنا
بالهاشمي المقيم حاليا في اسطنبول بعد فراره من العراق في ديسمبر كانون
الاول. وتسعى الشرطة الدولية (الانتربول) الى اعتقال الهاشمي الذي
يحاكم غيابيا في العراق. وينفي الهاشمي الاتهامات الموجهة ضده.
ونفور تركيا من المالكي ليس جديدا. فقد اقامت انقرة لسنوات طويلة
روابط وثيقة مع الجماعات السنية في العراق وايدت تكتل العراقية المدعوم
من السنة ضد المالكي في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في 2010.
وقال اوزيل "حتى قبل ان يعبر اخر جندي امريكي الحدود امر المالكي
باعتقال الهاشمي واتخذت تركيا موقفا قويا. تركيا لم تحب المالكي
مطلقا."
وسعت تركيا لفترة طويلة الى تشجيع توازن محفوف بالمخاطر بين الفصائل
السنية والشيعية والكردية في العراق حرصا على حماية المصالح التجارية
في العراق وسط مخاوف من ان اي تجدد للحرب الطائفية هناك قد يعبر
حدودها. وخير مثال على ذلك زيارة اردوغان الى العراق في مارس آذار 2011
عندما زار مراكز القوى الثلاثة وهي بغداد ومعقل الشيعة في النجف واربيل
عاصمة اقليم كردستان شبه المستقل في الشمال. لكن المحللين يقولون إن
هذا الجهد الذي يحقق التوازن انتهى بعد انسحاب القوات الامريكية من
العراق. واستقبلت تركيا منذ ذلك الحين رئيس حكومة اقليم كردستان مسعود
البرزاني ومنافس المالكي وزعيم كتلة العراقية اياد علاوي.
ومن جانبها ترى ايران في اهتمام تركيا بالمنطقة تحديا اكبر
لطموحاتها للهيمنة في الشرق الاوسط عنه عندما كان توجه تركيا قاصرا على
اوروبا. ومثلما فعلت مع العراق تحاول تركيا تقليديا التوسط في القضايا
المتعلقة بايران خاصة طموحات طهران النووية المثيرة للجدل. لكن التوتر
بين تركيا وايران تصاعد بسبب دعم كل منهما لاحد طرفي الصراع السوري
وقبول انقرة استضافة جزء من درع دفاعية صاروخية لحلف شمال الاطلسي تقول
الولايات المتحدة انها موجهة ضد الجمهورية الاسلامية.
كما اعترض بعض المسؤولين الايرانيين على اختيار تركيا لتكون مقرا
لاستئناف المحادثات بين القوى الست العالمية وايران لتفادي المواجهة
بشأن برنامجها النووي الغامض. ومضت المحادثات بين ايران وبريطانيا
والصين وفرنسا والمانيا وروسيا والولايات المتحدة قدما في اسطنبول في
ابريل نيسان لكن ليس قبل ان ينتقد اردوغان طهران قائلا ان الايرانيين
"افتقدوا الصدق" وانهم "يخسرون مكانتهم الدولية".
وقال سنان اولجين وهو دبلوماسي تركي سابق يرأس حاليا مركز دراسات
الاقتصاد والسياسة الخارجية ان نهج اردوغان الذي يزداد حدة يزيد التوتر
في العلاقات بين انقرة وجيرانها. وقال اولجين "مواقفه هي التي تؤدي الى
ازمات مع جيراننا. اذا لم يتعامل من الامور بطريقة تقوم على الاستقطاب
واسلوب الاسود والابيض ما كنا لنفقد قدرتنا على ادارة هذه العلاقات.
"وبدلا من ان يكون آخر شخص يتدخل كان كثيرا جدا اول شخص يرد. ما يقوله
يصبح سياسة ويحد من قدرة تركيا على المناورة. الامر يقلقنا والسياسة
تصبح متحجرة."
واستفاد اقليم كردستان العراق من هذا الخلاف الاقليمي. فقد خطب
اردوغان ود البرزاني الذي كانت تصفه تركيا في وقت من الاوقات بانه "قاطع
طريق" وذلك من اجل توثيق العلاقات بين الجانبين مع سعي انقرة الى
اجتذاب حلفاء جدد في منطقة تشهد تحولا. ويحتاج البرزاني الى دعم من جار
قوي يمكنه العمل كقناة لمرور صادراتها النفطية. وفي المقابل تعتمد
تركيا على البرزاني في تضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني الذي
يشن تمردا انفصاليا في تركيا والذي تتمركز قيادته في شمال العراق. ودعا
البرزاني لدى زيارته تركيا حزب العمال الكردستاني الى نزع سلاحه وقال
إنه لن يسمح لاي جماعة متشددة بالعمل بحرية في شمال العراق.
غير ان محللين يقولون ان من غير المرجح ان يحدث ذلك تغيرا ملموسا
لان كثيرا من انصار البرزاني متعاطفون مع حزب العمال. ورغم توتر علاقات
انقرة مع حكومة بغداد تزدهر التجارة مع العراق. فقد باعت تركيا سلعا
للعراق بأكثر من ثمانية مليارات دولار العام الماضي مما جعله ثاني اكبر
سوق تصديرية لتركيا بعد المانيا. وتقول وزارة المالية التركية ان نحو
70 في المئة من الصادرات الى العراق تذهب الى الشمال. بحسب رويترز.
وفي حين يقول بعض المراقبين ان تركيا يمكن ان تتحمل فقد بعض
المشروعات الممولة من الحكومة في العراق مع توتر العلاقات فمن غير
المرجح ان تعاني التجارة بين تركيا والعراق على الامد الطويل. وقال
تورناك من جامعة اكسفورد "قارن ذلك بعلاقات تركيا مع اسرائيل. تركيا
واسرائيل على خلاف وهناك قدر كبير من الغضب العام في كلتا الدولتين غير
انه اذا نظرت للعلاقات الاقتصادية تجدها تتنامى. "التجارة لا تتأثر
بالضرورة باللغة السياسية اليومية ونفس الشيء يمكن ان ينطبق على
العراق."
تصاعد التوتر
على صعيد متصل وفيما يخص الخلاف العراقي التركي فقد استدعى العراق
سفير تركيا في بغداد للاحتجاج على سلوك قنصلين تركيين في فصل جديد من
فصول نزاع علني بين الجارتين. وقال بيان نشر على الموقع الالكتروني
لوزارة الخارجية العراقية إن مسؤولا في الوزارة التقى بالسفير التركي
يونس دميرار لتقديم شكوى بشأن أنشطة قنصلي تركيا في مدينتي البصرة
والموصل. وأضاف البيان دون تفاصيل أن العراق احتج "على بعض أنشطة
القنصلين التركيين العاميين في كل من البصرة والموصل والبعيدة عن
واجباتهم والتزاماتهم القنصلية المحددة باتفاقية فيينا للعلاقات
القنصلية لعام 1963."
ويذكر ايضا ان عشرات المتظاهرين العراقيين بينهم ممثلون عن نقابة
عمال محافظة البصرة، هددو باستهداف المصالح التركية في البلاد، اذا لم
تستجب انقرة لطلب تسليم نائب رئيس الجمهورية المتهم بالإرهاب. وشهدت
العلاقات العراقية التركية توترا، خصوصا بعد ان رفضت تركيا تسليم
الهاشمي الذي لجأ اليها، وتجمع المتظاهرون امام مقر القنصلية بوسط
مدينة البصرة رافعين لافتات كتب على احداها "اتحاد نقابات عمال البصرة
يستنكر التدخل السافر للحكومة التركية المتمثلة ب(رجب طيب) اردوغان"
رئيس الوزراء التركي. وشارك في التظاهرة التي فرض حولها اجراءات امنية
مشددة، زعماء عشائر وموظفون حكوميون وطلاب مدارس. وقام المتظاهرون بحرق
علم تركيا وسط هتافات "كلا كلا تركيا" و"الشعب يريد اخراج الاتراك".
وقال حسن حمدي العنزي رئيس اتحاد نقابات العمال في البصرة "نستنكر
التصرفات والتدخلات السافرة للحكومة التركية في الشأن العراقي وسعيهم
لخلق فتنة طائفية للشعب العراقي وايوائهم المجرم طارق الهاشمي". واضاف
"نطالب تركيا بتسليم الهاشمي للقضاء العراقي دون قيد او شرط".
واعلن نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ ان تركيا ترفض تسليم
نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الملاحق مع عدد من حراسه بالوقوف
وراء 150 جريمة. وهدد العنزي قائلا "نطالب الحكومة التركية بالاعتذار
للشعب العراقي والحكومة العراقية لأفعالهم والا سنقوم بطرد القنصلية
التركية من البصرة وطرد جميع الشركات التركية في البصرة. ويبلغ عدد
الشركات التركية العاملة في البصرة 1600 شركة. واضاف "نطالب الحكومة
العراقية بغلق المنافذ الحدودية مع تركيا". وحدد المتظاهرين في منشورات
وزعت مهلة للحكومة التركية "لتنفيذ هذه المطالب والا سنضرب المصالح
التركية المتمثلة بالشركات التركية". وتركزت المطالب على توقف الحكومة
التركية عن المساس بسيادة العراق وعدم التدخل بشؤون القضاء العراقي
وتسليم الهاشمي دون قيد او شرط.
ولم يبادر المسؤولون في القنصلية التركية بالتدخل او التفاوض مع
المتظاهرين. وتعد قضية الهاشمي احد اسباب توتر العلاقات علاوة على
انتقاد تركيا في نيسان/ابريل، رئيس الوزراء نوري المالكي (شيعي)
لاحتكاره للسلطة وتمييزه ضد السنة كما قالت. والتي ردها المالكي باتهام
تركيا السنية بتحولها الى جهة عدائية والى السعي الى الهيمنة على
المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية. بحسب فرنس برس.
من جهة اخرى نددت تركيا بتظاهرة امام قنصليتها في البصرة (جنوب شرق
العراق) تم خلالها احراق العلم التركي احتجاجا على رفض انقرة تسليم
نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، بحسب ما افادت وكالة انباء
الاناضول. وشجب وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو "السلوك المشين
ازاء العلم التركي خلال تظاهرة تمت على ما يبدو بتحريض من اشخاص
وقحين"، بحسب الوكالة التي اوضحت ان داود اوغلو ادلى بتصريحه خلال
اتصال هاتفي مع نظيره العراقي هوشيار زيباري. واعتبر رئيس الوزراء
التركي رجب طيب اردوغان في تصريح متلفز ان التظاهرة امام القنصلية
التركية في البصرة تشكل "هجوما غير مقبول".
تونس والحضور التركي
من جهة اخرى قالت تونس انها تعتزم ادراج تعليم اللغة التركية في
المناهج الدراسية الرسمية خلال الاشهر المقبلة في خطوة تعزز التقارب
بين تونس وانقرة التي تحظى بأعجاب حكام تونس الاسلاميين. ونقلت وكالة
الانباء الرسمية في تونس عن وزير التربية عبد اللطيف عبيد قوله "سينطلق
بداية من السنة الدراسية القادمة تدريس اللغة التركية في المعاهد
التونسية." وشدد الوزير على "أهمية تشجيع دعم قدرات التلاميذ في امتلاك
اللغات الاجنبية وانفتاح المنظومة التربوية على المحيط الخارجي." بحسب
رويترز.
وستدرس التركية إلى جانب لغات أجنبية أخرى مثل الألمانية والإيطالية
كمواد اختيارية للتلاميذ. ومن شأن تدريس اللغة التركية تعزيز حضور
تركيا المتزايد في تونس وشمال افريقيا. وتأتي هذه الخطوة بينما تشهد
العلاقات بين تركيا وتونس التي تقود حكومتها حركة النهضة الاسلامية
انتعاشا ملحوظا منذ ثورة 14 يناير كانون الثاني التي اطاحت بالرئيس
السابق زين العابدين بن علي. وتبدي حركة النهضة الاسلامية التي ينظر
اليها على انها معتدلة اعجابا بالتجربة التركية في الحكم الذي يمزج بين
الديمقراطية والاسلام. وتلقى مؤلفات راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة
رواجا واسعا في تركيا وترجمت عدد من كتبه بالفعل للغة التركية. |