إن نقد وتقييم الساسة في الدول المتقدمة مسألة تتسم بالإستمرار
والتجدد. نقد وتعليق وتحليل من داخل الحزب وخارجه يساهم في تطوير سلوك
وأداء الساسة، وبالتالي الإرتقاء بالحياة السياسية إلى مراتب إهتمام
المواطنين ما يضمن مشاركتهم الضرورية في المسار الديمقراطي.
في الدول النامية لا يمكن القول بأن نقد وتقييم الساسة مسألة غائبة
تماماً. فهي حاضرة لكنها ضعيفة من جهة، ومن جهة أخرى غير متمرنة. وهذا
شيء طبيعي في مناخات سياسية واجتماعية حديثة العهد نسبياً بمجال حرية
التعبير.
موضوع هذه الورقة يتطرق إلى أحد وزراء حزب الأغلبية ذي المرجعية
السلفية في المغرب (العدالة والتنمية) وما يمكن النظر إليه كأخطاء لا
تستوجب التعبير عنها في الكاريكاتير فقط، بل تستوجب إقالة صاحبها من
العمل السياسي نظراً لجسامتها وتأثيرها السلبي على أطراف مختلفة.
أهمية طرح هذا الموضوع تتجلى في كونه دفع في إتجاه تعزيز الحس
النقدي والإشارة إلى تفاصيل منها ما غاب عن الصحافة الداخلية والخارجية
ومنها ما ظهر لكن سرعان ما ذاب دون تحقيق الأثر المفروض. الوزير سعد
الدين العثماني قام مؤخراً بزيارة كندا وأطلق نيران صديقة -إن احسننا
الظن- على الدولة المضيفة وعلى المغاربة الكنديين بشكل غير مقبول نبينه
في طوايا هذا الموضوع.
المغرب كان ينتظر إستقرار كندا كي يقيم
العلاقات الدبلوماسية
قدم سعد الدين العثماني وزير خارجية المغرب عن حزب العدالة والتنمية
في دار المغرب بكندا حواراً صحفياً (1) لا يرقى به إلى مستوى
الدبلوماسي العادي ناهيك عن عميد الدبلوماسية. ذلك بسبب عجزه أمام
اسئلة في غاية البساطة تورط بقلة علمه وضعف تجربته من خلالها في إساءة
غير مقصودة للدولة التي يزورها. فمثلاً لما سأله الإعلامي عن تقييمه
للعلاقات المغربية الكندية جاء جوابه كالتالي: ”..هذه السنة نحتفل
بالذكرى الخمسينية لبدء العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكندا،
وبالتالي نصف قرن من العلاقات ليس شيئاً بسيطاً وهذا شيء مهم جداً
ويعكس عمق الوجود المغربي في الساحة الدولية. في الحقيقة أنه الولايات
المتحدة الأمريكية العلاقات الدبلوماسية معها بدأت من 1866 لما إعترف
المغرب بإستقلال الولايات المتحدة وكان أول دولة (ي)عترف بإستقلال
الولايات المتحدة، لكن كندا جاءت من بعد كدولة مستقرة وككيان مستقر
يعني المغرب المغرب من بعد الإستقلال بدأ العلاقات مع كندا..” وتابع
بالحديث عن توافق المغرب وكندا في مجمل القضايا السياسية بإستثناء بعض
التفاصيل التي اعتبرها هامشية، مشيداً بتقدير كندا للإصلاحات السياسية
في المغرب.
إذا كانت طريقة الإجابة بالجملة هي دون الديبلوماسية بسبب حديث
الوزير عن الولايات المتحدة بدون مناسبة للإجابة على سؤال يخص علاقة
بلاده بكندا، فإن الأعظم من ذلك إرجاعه لتأخر قيام العلاقات مع كندا
إلى 1962 إلى حالة عدم الإستقرار التي كانت عليها كندا حسب زعمه. فإذا
كانت كندا التي شاركت في الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب
الكورية وكانت من الأعضاء المؤسسين في حلف الشمال الأطلسي لم تكن
مستقرةً، فكيف يصف لنا الأستاذ حال الدول التي آل بها الأمر إلى
الإستعمار؟ ألم يعلم الأستاذ أن المغرب وللأسف كان تحت وطأة الإستعمار
قبل 1962 ومنشغل بمقاومة الاستعمارين الفرنسي والإسباني من أجل إسترجاع
السيادة التي بها يملك أن يقيم العلاقات الديبلوماسية؟ ثم، هل كل الدول
التي تأخرت اقامة العلاقات معها لم تكن مستقرة ؟ ألم يقرأ الأستاذ
العثماني عن دور المستعمر – وكندا كانت من منظومة الشق البريطاني- هو
الذي رسم الخرائط التي يعتمدها العالم اليوم ؟ فمن كان ينتظر إستقرار،
بل ورسم خريطة من يا ترى؟ الذي وقع عليه الإستعمار أم الذي كان طرفاً
معمراً!.. فكلام مثل هذا يسيء إلى الدبلوماسية المغربية وهو بمثابة
النيران الصديقة تجاه بلد صديق للمغرب مثل كندا.
وإذا كان صناع القرار الحاليين في كندا لن يتاثروا -على تقديري-
بمثل هذا الكلام، فليعلم الأستاذ الوزير أن هذه الدولة فيها معارضة
وجماعات ضغط تصطاد مثل هذه الزلات ليس لحرصها الشديد على ما يقال عن
بلدها من ترهات كهذه، ولكن لحرصها على إستثمار كلام عميد الديبلوماسية
المغربي المختل في اجندات تخدم مصالحها السياسية.
المغرب منشغل بمسألة حقوق المغاربة في كندا
سئل العثماني أيضاً عن تجاوبه مع هموم المهاجرين المغاربة في كندا
وتناولها مع الطرف الكندي. وجوابه الكارثي كان:” لا شك أنها (الهموم)
تأخذ بعين الإعتبار لأن وضعية المغاربة المقيمين في كندا كانت موضوع
نقاش مع وزير الخارجية الكندي ونحن نحرص على حفظ مصالح المغاربة ولا شك
أن السفارة المغربية والقنصلية المغربية في مونتريال تتابع..وضعية
المغاربة والتحديات امامهم. وسنحرص في اتفاقيات مقبلة أن ندعم أكثر
حقوق المهاجرين واستقرارهم في كندا في المستقبل”. هذا الجواب إن دل على
شيء فإنه يدل على جهل الوزير التام بهموم المغاربة في كندا وعدم تفريقه
المخجل بين المهاجر المغربي المقيم في كندا والمغاربة الكنديين
المزدوجي الجنسية. فهموم المغاربة التي تداولتها عموماً وسائل الإعلام
المعروفة والشائعة – وهنا نجد مشكلاً في تقبل جهل الوزير للشائع- تجد
على رأسها تذكرة السفر إلى المغرب الفاحشة الغلاء والتي تمنع الكثيرين
من العوائل من زيارة بلدهم الأصلي. ومن همومهم مشاكل الإستثمار
والتعقيدات الإدارية في الخدمات القنصلية. ومن همومهم الخوف من التمييز
الديني والطائفي في المغرب الذي تشعشع وتكشكش* على عهد الحكومة الشبه
ملتحية.
هذا التمييز الذي يتمثل في نشر كتب عنصرية في المكتبات والمعارض
المغربية خاصة ضد الشيعة مثل كتاب:”"إيقاظ الراقدين وتنبيه الغافلين من
خطر الشيعة الرافضة على الإسلام والمسلمين” الموجود الآن في ربوع
المملكة. قال أحد المتطرفين الوهابية الممجدين بتنظيم القاعدة في هذا
الكتاب:” الكتاب سينزل إلى السوق المغربية في الأسبوع المقبل بإذن الله
تعالى، وسيزوع في ربوع التراب المغربي، وقد بدت ولله الحمد نتائجه تظهر
قبل خروجه إلى السوق فجميع موظفي المطبعة التي طبعت الكتاب تحولوا
جميعا إلى أعداء للشيعة الرافضة بعدما كانوا يهتفون بهم ويمجدونهم جهلا
منهم بدين الشيعة الرافضة لكن لما اطلعوا على كفرهم وزندقتهم تغير كل
شيء نحوهم وأصبحوا يلعنونهم ويكرهونهم كرها شديدا أشد من كرههم لليهود
والنصارى والذين أشركوا.” (2).
من هموم المغاربة في كندا إستعمال حكومة إستغلال الدين لواجهتها
الاديولوجية المتجلية في حركة التوحيد والإصلاح من أجل تحريض المغاربة
ضد بعضهم البعض. ومثال ذلك ما ذيع صيته عن عرعور المغرب الشيخ المتطرف
نهاري -المدعوم من الحركة الواجهة المذكورة- الذي حرض بشكل بشيع ضد
الشيعة وأفتى برأيه في عدم جواز السكن بجوارهم. فأين أنت يا وزير
الخلفية السلفية من هموم المغاربة وتطلعاتهم إلى دولة العدالة
والمساواة ؟ ولعلك بحديثك عن حقوق الكنديين المغاربة في بلدهم الثاني
ارتكبت تدخلاً سافراً في شؤون دولة تستضيفك رغم خلفيتك المتعارضة مع
مبدأ إحترام النوع البشري. دولة تعلم أمثالك أبجديات الديموقراطية
والحكامة الجيدة وتستفيد منها وزارة تعليمك من مناهج التربية والتعليم.
ومن شدة خوف البعض من تشدد الحكومة الملتحية واستعمالها لعدة واجهات
وعدة ورقات، اسمحلي يا سعادة الوزير أن أخبرك بشيء لم تكن تعرفه، وهو
قيام بعض الكنديين المغاربة بتسجيل اسمائهم لدى مكاتب نوابهم
الفدراليين والإقليميين وإخطار المنظمات الحقوقية قبل الذهاب إلى مغرب
يشهد التحريض على العنصرية بمباركة الحكومة، مخافة الإختطاف أو تلفيق
التهمة أو الإغتيال في حادثة سير مفبركة أو غيره.
فهذه دعوة لك أن لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى والإنحشار فيما لا
تفهم مستقبلاً، وأن تكون من الذين يفعلون ما يقولون عن طريق محاربة
التمييز العنصري في بلادك، عوضاً من أن تحاول فاشلاً بائساً أن تتحدث
عن الحقوق في دولة تحتل الصدارة في مجال محاربة العنصرية.
وختاماً، تنضاف هذه المحنة للأسف إلى محنات أخرى كبدت المغرب سمعته
وكرامته وهددت مصالحه الإستراتيجية بسبب أناس يقومون بوظيفة دون
التأهيل اللازم لأدائها. وهذا ما يستدعي إنشاء معهد لتكوين
الدبلوماسيين وتأطيرهم، وكذلك مجمع للدراسات السياسية والإستراتيجية
يقوم بتقديم المشورة والنصح للدبلوماسيين المغاربة. فلوكان لدى المغرب
معهد في المستوى المطلوب عالمياً ومجمع فيه كبار الباحثين والمختصين
الإستراتيجيين لما كان لجماعة مثل مرتزقة البوليزاريو أن تقاوم بباطلها
المطالب الحقة للمغرب.
...................................
1. هسبرس 7 يونيو2012
2. موقع رحماء، أبوبلال منير، 11 يناير 2012
* تعبير مغربي عن التضاعف وتصاعد الوتيرة
|