الفن السابع... صناعة أفلت في سماء العراق

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: السينما فن أصبح له دوره الكبير في التأثير في الآخرين، سواء في نشر الفكر أو الرأي أو الواقع بما ينطوي عليه من خير وشر، حيث أصبحت الصورة ناطقة مثل الكلمة كما يقول نقاد السينما والأدب أيضا، لهذا راجت السينما في معظم دول العالم، بل هناك بلدان تعتمد في بناء اقتصادها على صناعة السينما كما يحدث مع مدينة هوليود الأمريكية ومدن أخرى خاصة في صناعة السينما، كما في مصر التي تعد فيها صناعة السينما عنصرا داعما للاقتصاد الوطني، ناهيك عن دورها في نشر الثقافة والمدنية والتحضّر.

في العراق نستطيع أن نقول ليس لدينا سينما، لأنها ماتت في مهدها أو بداياتها، هذا ما يتعلق بالأفلام الروائية الطويلة، فقد اشتهر مثلا فلم واحد اسمه (الظامئون) عن رواية للكاتب عبد الرزاق ألمطلبي، ولكن هناك بعض النجاحات للأفلام الوثائقية الواقعية القصيرة، أما أسباب فشل السينما في العراق فهي كثيرة ومتعددة، حيث الإهمال وعدم مواكبة هذا الفن، مع ابتعاد القطاع الخاص عن هذا الميدان بالإضافة للتقصير الحكومي، الذي أدى الى ضعف او اختفاء السينما في العراق.

السينما العراقية

فقد قال المخرج السينمائي العراقي الشهير محمد شكري جميل ان قطاع السينما في العراق الذي يواجه تراجعا كبيرا منذ سنوات طويلة يوازيه شح في الاستثمارات، يفتقر بشكل اساسي اليوم إلى الحرفيين المحليين، وقال جميل (75 عاما) الذي قدم إلى السينما العراقية على مدى حوالى نصف قرن من العمل السينمائي عشرة افلام اشهرها "المسالة الكبرى"، ان "الامة التي لا تصنع ولا تلبس ما تصنعه متخلفة"، واضاف في ملتقى الحوار الثقافي الذي تقيمه وزارة الثقافة العراقية كل يوم ثلاثاء في مقرها في بغداد انه "في استوديوهات العالم تجد الان النجار الماهر والسباك الحرفي والخياط الماهر"، وتابع "قبل سنوات وفي احد الافلام التي اخرجتها، احتجت الى ملابس تعود الى العصر الحجري فذهبت حينها الى ثلاثة حرفيين مسيحيين وانجزوا ما طلبت منهم، اما الان فليس هناك من حرفيين في الصناعة السينمائية"، ويواجه قطاع السينما في العراق تراجعا كبيرا منذ تسعينات القرن الماضي بعدما شهد صناعة اكثر من 100 فيلم عراقي بخبرات فنية عراقية خالصة، في الوقت الذي كانت فيه صالات العرض تمر بفترات ذهبية قبل ان تنحسر وتندثر تدريجيا، وراى جميل ان "الركائز الاجتماعية لدى العائلة العراقية سابقا كانت تمثل تراكما لصور تبنى على اساسها تصورات من الممكن ان تصنع منها عملا وفيلما"، مضيفا "في السابق كنا نرى في بيوت العراقين صورا لاجدادهم تحكي مآثرهم، اما الان فيضعون صورا بليدة ليست لها علاقة بالعائلة"، واقترن اسم جميل بافلام عراقية روائية شهيرة ابرزها الفيلم الروائي "الضامئون" للروائي العراقي المعروف عبد الرزاق المطلبي عام 1972، ثم قام باخراج فيلم "المسالة الكبرى" عام 1983 الذي شارك فيه 56 فنانا وتقنيا انكليزيا، وبرع جميل أيضا في اخراج عدد من الاعمال التلفزيونية التي لا تزال راسخة في ذاكرة المشاهد العراقي، ومنها مسلسل "حكايات المدن الثلاث" في بداية الثمانينات الذي كتبه عادل كاظم، وبعد انقطاع عن العمل دام سنوات طويلة، يستعد جميل لاخراج فيلم روائي بعنوان "المسرات والاوجاع" مقتبس من رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب العراقي الراحل فؤاد التكرلي، وترعى وزارة الثقافة العراقية العمل السينمائي هذا الذي يروي اوضاع العراقيين اثناء فترة الحصار واجتياح البلاد عام 2003 وياتي ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013. بحسب فرانس برس.

واكد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي خلال الملتقى ان الوزارة "وافقت على انتاج تسعة افلام روائية ووثائقية ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة"، من دون ان يخفي "المعاناة جراء المشاكل المالية التي تعترض تنفيذ هذه الاشرطة بسبب عدم وجود وحدة حسابية لهذا المشروع الثقافي"، وقال الاتروشي ان "السينما صناعة كبيرة وفن عميق الدلالة ويبقى الرهان على القطاع الخاص في الصناعة السينمائية ويجب ان يكون للمستثمرين دور كبير في هذه الصناعة من اجل انعاشها"، وراى جميل من جهته ان "السينما يصنعها الاغنياء والبرجوازيون وليس الفقراء.انها تتطلب اموالا للاستثمار وقطاعا خاصا ينهض بها ويعيد الحياة لهذا الارث الفني"، وفيما تشير الافلام لدى عرضها في كان وهوليوود الى الاحلام والنجومية، يبدو الامر مختلفا في العراق لان صالات السينما تعيش احتضارا مرده قلة المشاهدين الذين يتابعون داخل الصالات افلاما قديمة تعرض معظمها بصور مهتزة لان النسخة المعروضة لا تكون الا قرصا مدمجا يتم شراؤه من الباعة المتجولين، ويشكل العنف احد ابرز اسباب غياب المشاهدين عن صالات السينما، إذ إن البلاد تشهد منذ اجتياحها قبل حوالى تسع سنوات تفجيرات وهجمات مسلحة، منها هجمات انتحارية، قتل فيها عشرات الآلاف، وتحولت معظم صالات السينما الاشهر في بغداد، ومن بينها "اطلس" و"بابل"، الى مخازن او الى مجمعات تجارية، ولم يتبق منها سوى ثلاث صالات.

السينما الهندية في بغداد

في سياق متصل فعلى وقع ولعه وعشقه لنجوم السينما الهندية، يواصل ابو وسن حرفته التي بدأها هاويا قبل اكثر من اربعين عاما في بغداد، متخصصا ببيع الاغاني والافلام الهندية، حبا بصديقه اميتاب وفنانين اخرين، وعلى مدار سنوات عمله، تحولت مكتبة عادل حميد خلف العاني حيث يبيع الافلام الهندية المنتجة قديما وحديثا واشرطة اغاني نجوم الشاشة الهندية، الى حاضنة للارث الفني الهندي، في رحلة حب يومية تبدأ صباحا ولا تتوقف عند العودة الى البيت، ويقول ابو وسن (65 عاما) لوكالة فرانس برس "في العام 1978 طلبت من صديق هندي كان يعمل في العراق ان اذهب معه الى بومباي للتعرف على الممثل اميتاب، وهناك التقيت به فعلا واجتمعت ايضا بدار ماندار وميثون شاكربورتي وراجيش كنا وامجد خان واشا باريخ وهيما ماليني.اعشقهم كلهم"، ويوضح ان "ما دفعني لتلك الزيارة هو الفيلم الهندي +ضربةالقدر+ الذي عرض في بغداد منتصف الستينات"، ويتابع "تأثرت به كثيرا وبقي عالقا في ذهني لسنوات، وفي اثناء زيارتي هذه، جلبت معي عشرات الاشرطة والكاسيتات. وهكذا بدأت رحلتي مع بيع الاشرطة الهندية بمتجر صغير بشارع الرشيد"، وتزدحم هذه المكتبة الصغيرة والانيقة التي يشعر المرء فيها بانه في احد استوديوهات السينما الهندية، بصور تعود الى سنوات مختلفة يظهر فيها ابو وسن مع ممثلين مشهورين امثال بران وامروش بوري اللذين يعرفان في العراق بادوارهما السينمائية الشريرة، وتستقر في واجهة المكتبة التي تتخذ من مدخل سينما ومسرح النجاح مكانا لها وتعتبر الاقدم من نوعها في بغداد، احدث صورة له وللممثل الشهير اميتاب الذي يقف امام منزله والى جانبه ابو وسن وتعود الى عام 2011. بحسب فرانس برس.

ويقول ابو وسن "اخذت اتردد على الهند كل عام ازور اصدقائي الفنانين واتبضع اشرطة كاسيتات جديدة، الى ان اصبح لدي موروث فني اعتز به كاعتزازي بابنائي يضم ما يقارب خمسة ملايين قرصا وشريط كاسيت من افلام واغان"، والطريف ان احدى بنات ابو وسن، الاب لخمسة اولاد، ولدت في الهند مطلع الثمانينات، وقد اسماها "هندة"، وكانت بعض صالات السينما في بغداد تتخصص بعرض الافلام الهندية فقط، منها سينما الرافدين القريبة من منطقة السنك وسط بغداد، وسينما النصر الصيفي وسينما الخيام، وكلها اندثرت باستثناء الاخيرة وتعرض افلاما بشكل متقطع، ويقول ابو وسن "كان ولعي الشديد بهذه الافلام يرغمني ان ادخل صالة العرض مرتين في اليوم وكنت اخرج في ساعة متأخرة لاذهب الى بيتي مساء بعد انتهاء الفترة الاخيرة للعرض اليومي، حتى اصبحت صديقا للحراس الليليين، الذين ما زلت اتذكر سراويلهم القصيرة"، في اشارة الى الزي القديم للحراس الليليين في بغداد.

وعن سبب تعلقه بالافلام الهندية، يقول "لم اكن وحدي مولعا، بل كل الشباب انذاك، فالقصص في هذه الافلام تتناول البؤس والفقر والحرمان، وهي قصص انسانية مؤثرة تلامس ما كنا نعانيه في تلك الفترة وكنا نتفاعل معها، رغم ان بعضها غير مترجم"، ويضيف ابو وسن وهو يقوم بتشغيل احد الافلام المقربة الى نفسه وهو فيلم "شرابي" لاميتاب "كنت اصطحب معي جهاز تسجيل واقوم بتسجيل اغاني الافلام من شاشة العرض الكبيرة وبعد ان نخرج نستمتع بسماعها لمرات ومرات"، واللافت ان مكتبة ابي وسن صارت ملتقى لمحبي الافلام الهندية وعشاقها، فابو محمد رجل ستيني يبيع السجائر متجولا، لكنه يمضي جل وقته قرب المكتبة حيث يأخذ مكانه هناك لبيع السجائر لزبائنه الذين يترددون على صالة سينما ومسرح النجاح في وسط بغداد، ويقول ابو محمد وهو يحمل صندوقا بواسطة حزام من القماش يلتف حول رقبته "كنت اتردد يوميا على صالات العرض لمشاهدة الافلام الهندية وانا بعمر 14 سنة وخاصة صالات روكسي والخيام والنصر الصيفي وهي متخصصة تقريبا بعرض الافلام الهندية"، ويضيف "كنا نبكي في تلك الافلام وهي تعرض قصصا مأسوية وحالات انسانية، هكذا كنا نتفاعل مع الافلام وقصصها"، ويقول ابو وسن "زبائني الان هم من محبي الفن السينمائي الهندي وهم باعمار متقدمة وهناك عدد قليل من الشباب يقتني مثل هذه الاشرطة والافلام الهندية ومعظمها مدبلجة"، وحول الافلام الاكثر رواجا، يشير الى ان هناك "افلاما قديمة تشكل مبيعاتي منها نسبة كبيرة، بينها +الشعلة+ و+زنجير+ و+ضربة القدر+ و+الحارس الشخصي+ وبطله اميتاب وفيلم +الحمال+ وكل افلام الممثل شاروخ"، ويراوح سعر القرص الواحد للافلام بين دولارين وثمانية دولارات، علما ان الافلام القديمة النادرة تكون اسعارها مرتفعة، ولا يكتفي ابو وسن بملاحقة اصدقائه الفنانين في الهند، بل انه يتتبعهم الى خارجها، ففي صورة صغيرة، يظهر ابو وسن امام نصب قوس النصر في باريس التي زارها اثناء تصوير الفنان شامي كابور فيلم "شامي كابور في باريس"، كذلك يحتفظ في هاتفه النقال بارقام هواتف اصدقائه الفنانين، وخصصوا اميتاب الذي يتصل به كل ثلاثة اشهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/حزيران/2012 - 20/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م