الامن الغذائي وعوامل التنمية البشرية في افريقيا

شبكة النبأ: تتمحور الأزمة الغذائية في النيجر حول الحصول على الغذاء والقدرة على تحمل تكاليفه، فقد أصدر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أول تقاريره عن التنمية البشرية في إفريقيا مركزاً على الأمن الغذائي كوسيلة لتحسين جودة الحياة للجميع. وأوضح التقرير بصورة مباشرة أن غالبية السكان في إفريقيا يعتمدون على الزراعة وأن الغذاء الجيد مفيد للتنمية البشرية. فالمزيد من الإنتاج الغذائي يعني غذاء أكثر ودخل أكبر، ما يؤدي إلى فوائد صحية وتعليمية. ولا يقوم التقرير فقط بتقديم النصائح للمزارعين من أجل زراعة المزيد من الغذاء. فقد أوضح بيدرو كونسيشاو، كبير خبراء الاقتصاد في المكتب الإقليمي للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في إفريقيا، أن البحث حصرياً في الصلة بين صغار المزارعين والزراعة أو تمكين المرأة والزراعة هو منهج تدريجي وليس مفيداً بتاتاً. "لذا، علينا أن نتجاوز الهوس بالحلول السهلة للمشاكل مثل الإعانات الزراعية أو العناوين التي تلفت الانتباه". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وقد علل بأن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في إفريقيا لم تؤدِ بالضرورة إلى انخفاض معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وهو ما يشير إلى إمكانية الحصول على الغذاء والقوة الشرائية كعوامل رئيسية. كما يؤكد التقرير على "التمكين" والمشاركة باعتبارهما عاملين أساسيين لإحداث التغيير، مشيراً إلى أن البلدان بحاجة إلى تنفيذ رؤية أكثر استراتيجية للأمن الغذائي. فالنهج الذي يمكن محاكاته هو ما فعلته إثيوبيا لتعزيز قطاعها الزراعي من خلال إنشاء وكالة التحول الزراعي المستقلة بجوار مكتب رئيس الوزراء. كما تم تطبيق هذا النهج على غرار مبادرات مماثلة في آسيا وهو ما ساعد على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي في كل من كوريا الجنوبية وماليزيا مثلاً. وتتولى وكالة التحول الزراعي معالجة الأزمات الخانقة في مجالات عدة كإدارة التربة وخدمات البحوث والإرشاد. ويدعو التقرير إلى اتباع طرق جديدة تغطي القطاعات المتعددة، من البنية التحتية للريف إلى الخدمات الصحية والأشكال الجديدة للحماية الاجتماعية وتمكين المجتمعات المحلية.

كما يحث التقرير على اتخاذ إجراءات في أربعة مجالات هامة هي:

زيادة الإنتاج الزراعي: أشار التقرير إلى أن زيادة الإنتاج سيكون جزءاً لا يتجزأ من أي منهج لتحقيق الأمن الغذائي. كما دعا التقرير إلى الاستثمار في مجال البحوث والبنية التحتية والمساهمات والثورة الخضراء في إفريقيا.

تغذية أكثر فاعلية: تطوير التدخلات المنسقة التي تؤدي الى تعزيز التغذية في الوقت الذي يتم فيه زيادة فرص الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والصرف الصحي والمياه النظيفة.

بناء القدرة على التكيف: الاستثمار في تأمين المحاصيل، وخطط ضمان التوظيف، والتحويلات النقدية لحماية الناس من المخاطر وجعلهم أقل عرضةً للصدمات.

التمكين والعدالة الاجتماعية: تمكين المرأة والحصول على التكنولوجيا والأراضي والمعلومات هي أمور هامة لتوفير الأمن الغذائي للناس.

ومن المقابلات مع خبيرين بارزين في تلك القضايا. ستيفن ويجنز، وهو باحث في معهد التنمية الخارجية بالمملكة المتحدة، يقوم بدراسة الزراعة والتنمية الريفية في إفريقيا منذ عام 1972.

إن إفريقيا ليست كيان واحد "فهناك 56 دولة في إفريقيا... وإذا تم اعتبار إفريقيا ككيان واحد، من الخطير أن تتم مقارنتها بكيانات أخرى مماثلة مثل آسيا، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور تحليلات تشير إلى أنه لو كانت إفريقيا تشبه آسيا فإن الأمور ستتحسن. حسناً، لست متأكداً من أن بتسوانا لديها الكثير لتتعلمه من أفغانستان مثلاً. ولنضع المبالغة في المقارنة جانباً لأن المسألة هي أنه لدينا في إفريقيا العديد، لا بل الكثير، من حالات التقدم المثيرة للإعجاب في مجال الأمن الغذائي والتغذية، ولكننا نغفلها".

لأن التقدم الحقيقي يستغرق وقتاً "وتبقى القضية القديمة في مناقشات السياسة الإفريقية ألاّ يتم البحث فقط عن النمو بل أيضاً عن النمو الذي يؤدي إلى بعض التغييرات. فحتى عندما ينمو الاقتصاد في أحد البلدان الإفريقية، يقول المتشائمون: ‘نعم ولكن أين التغيير؟’ حيث يشيرون عادةً إلى أن النمو في آسيا نمو تغييري. في الواقع، لقد حدث ذلك في آسيا، لكنه نتيجة 30 أو 40 عاماً من التقدم المستمر. ومع ذلك، تصدر أحكام الإدانة بشأن البلدان الإفريقية بعد أقل من 10 سنوات من النمو الاقتصادي الكبير والمستمر."

"كان من الأفضل لو ركز التقرير على مقترحات أساسية قليلة تدعمها الأدلة على نحو جيد، مثل تنمية المالكين الصغار بالإضافة إلى الرعاية الصحية الأولية فضلاً عن المياه النظيفة التي دائماً ما تؤدي إلى خفض سوء التغذية لدى الأطفال. نعم، ولنضف الفتيات في المدارس الثانوية إلى القائمة، فهذا من شأنه تعزيز تلك الروابط. لكن الأمر بهذه البساطة."

أمّا بيتر جوبيلز، فهو منسق غرب إفريقيا لمنظمة جراوندسويل إنترناشيونال (Groundswell International) وهي شراكة عالمية للمجتمعات الزراعية المحلية. يتمتّع بيتر بـ 30 عاماً من الخبرة في التنمية الريفية، 20 عاماً منها من خلال الإقامة والعمل في غرب إفريقيا. وهو حالياً مقيم في غانا.

قال جوبيلز: "يبدو التقرير وكأنه يتبنى منهج الثورة الخضراء للتنمية الزراعية مشيراً إلى النتائج في آسيا مع السعي إلى تطبيق تلك الدروس الآن في إفريقيا. ويشير التقرير ضمناً إلى أن أحد أسباب استمرار الجوع في إفريقيا هو أن إفريقيا لم تستفد من الدعم القائم على العلم والمدخلات الكثيفة. وهذا أمر مضلل للغاية. فقد تم بذل العديد من الجهود لتعزيز الثورة الخضراء في إفريقيا، ولكن جميعها تقريباً باء بالفشل"."ولا يوجد أي ذكر للزراعة المحافظة على الموارد (لتعزيز خصوبة التربة والحفاظ على المياه)".

"وهذا أمر صحيح ولكنه مضلل أيضاً. لقد كان هناك قدر كبير من التمويل في نظام المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية في إفريقيا، بما في ذلك المعهد الدولي للزراعة الاستوائية في نيجريا منذ السبعينات. وأحد الأسباب التي أدت إلى قيام الجهات المانحة بخفض التمويل في التسعينات كان نتائج الإنتاج الضعيفة. ولكن يبدو أن هذا التقرير يفترض أن الاستثمار في البذور الجديدة والأسمدة والجرارات والري والتدريب هو المطلوب...فكم يبلغ عدد صغار المزارعين الفقراء الذين يستطيعون تحمل نفقات الجرارات؟"

"وما يدعو للقلق أيضاً هو افتراض أنه يمكن لتدابير التكيف الطويلة الأمد أن تتيح تجنب المخاطر وتمكن صغار المزارعين من اعتماد تقنيات زراعية فيها مخاطرة أكثر ولكن إنتاجيتها أفضل. وهذا يشوه فهمي للتكيف. فالهدف هو خفض (أو على الأقل إدارة) المخاطر باستخدام مدخلات خارجية قليلة وأنظمة بيئية محلية، وليس زيادة المخاطر من خلال خلق الاعتماد على المدخلات الخارجية المكلفة (التأمين وغيره) بالنسبة لأسر المزارعين الفقراء والضعفاء الذين يعملون في ظروف صعبة. والسير إلى الأمام سيكون عن طريق تطوير المحاصيل والتقنيات التي تزيد الانتاج الغذائي وتخفض المخاطر من خلال التقنيات الزراعية المحافظة".

"لا تعاني إفريقيا من انعدام الأمن الغذائي فقط، وإنما أيضاً من انعدام للتغذية. فحالياً، يشهد الساحل أزمة غذاء وأزمة تغذية. وقد يكون هناك ارتباط بين الأزمتين ولكن الأسباب مختلفة تماماً والحلول المتأصلة في الأمن الغذائي دائماً ما تكون غير ملائمة. وكما نحتاج إلى تغيير فكرة ارتباط الزراعة بالأمن الغذائي، نحتاج أيضاً إلى إخراج التغذية من حدود الأمن الغذائي. وما زال هناك توجه قوي للاعتقاد بأن المساعدات الغذائية وزيادة الانتاج الغذائي يحل معظم مشاكل سوء التغذية. ولكن الأمر ليس كذلك، فالمساعدات الغذائية وزيادة الانتاج الغذائي يساعدان فقط على منع الزيادة الكبيرة في مستوى سوء التغذية الحاد والمزمن الموجود بالفعل"،"لقد تجاهل التقرير البذور المعدلة جينياً تجاهلاً شبه تام... كما تجاهل دور الأعمال الزراعية في الاستيلاء على الأراضي والسيطرة على البذور والترويج للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/حزيران/2012 - 20/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م