الدرع الصاروخي بالخليج وعسكرة العالم ضدّ إيران

مصطفى قطبي

عقد في الرياض الشهر الماضي المنتدى الأول المتعدد الأطراف حول الأمن وذلك لتعزيز التعاون الأمني بين دول المنطقة، وقد لاقى الاقتراح الذي قدمته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية لدول الخليج العربي بخصوص إقامة نظام مضاد للصواريخ فوق أراضيها لاقى الاقتراح موافقة قادة هذه الدول. وقالت كلينتون: ''ستبقى مساعدة حلفائنا في الخليج من أهم أولوياتنا، سنساعدهم في تدعيم أمنهم وحماية شواطئهم لمواجهة أي تهديد ايراني محتمل''، وشددت الوزيرة الأمريكية على تعهد واشنطن القوي والتزامها الثابت تجاه أمن كل من السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان وعلى استمرار بقاء هذه الدول تحت الحماية الأمريكية ولعقود قادمة.‏

فالمسرح الدولي وما يجري فيه يعطي مؤشرات حول تصاعد حدة التوتر الدولي من جهة، ومن جهة أخرى دخول الحرب الباردة أطواراً جديدة تختلف عما سبقها والسبب هو الوصول إلى نهاية فترة القطب الواحد وبداية ظهور أقطاب متعددة وربما أدوار إقليمية لبعض البلدان تصب جميعها في خانة الحرب الباردة والتي تشكلت ملامحها وأسبابها الواضحة، هو ما جرى ويجري في الشرق الأوسط، أما الأسباب الرئيسية فهي تشكل أقطاب يكون لها وزنها وقدراتها المميزة على الساحة الدولية.

لابد من ربط الأمور ببعضها للوصول إلى النتائج، فالمجتمع الدولي لم يتشكل، بمعنى هو لم يفرز إمبراطوراً يتحكم ويحكم العالم، والتغيرات التي تجري ربما تعطي مؤشرات عن حراك لظهور واقع دولي بعيداً عن سيطرة القطب الواحد، فواقع الصين وما جرى في مصر وتونس وليبيا واليمن والتحولات التي تجري على مستوى منطقة الشرق الأوسط، يؤكد أن الأمر الواضح والأكيد أنه لا يمكن أن يكون قطب دولي واحد يتحكم بالعالم، ولكن الأدوار الإقليمية أو القوى الإقليمية سيكون لها في الفترة القادمة دور أقوى بعيداً عن القطب الواحد.

درع صاروخي جديد، ولكن ليس على الحدود الشرقية لأوروبا ( بولونيا وتشيكيا أو تركيا) وموجهّاً ضد روسيا الاتحادية، وإنّما سيكون في دول الخليج العربي موجهاً ضد إيران. هذا ما أعلن عنه في أثناء اجتماع (هيلاري كلينتون) وزيرة الخارجية الأميركية مع وزراء خارجية ما يسمّى (مجلس التعاون الخليجي) في 31/3/2012، حيث جاء في الإعلان: بحث إقامة منظومة من الدرع الصاروخي في دول الخليج العربي، لمواجهة الخطر الإيراني (المزعوم).‏

الواقع الحالي وما يدور لمحاولة عزل إيران وضربها هي حالة أو سياسة غير مجدية أو لنقل غير فعالة، والتحولات العالمية الحالية تصب عكس التوجه الذي يرمي إلى ضرب إيران، ويمكن القول إن الأدوار الإقليمية وقوى إقليمية ستكون بمثابة القوة الواحدة التي تتوزع وتسيطر وتحدث حالة من التوازن إن كان على الصعيد العسكري أو الاقتصادي.

وهنا نصل إلى الحجج التي تختبئ ورائها السياسة الأميركية من خلال نشر الدرع الصاروخي بحجة الخطر الإيراني المتزايد والذي يؤثر على الولايات المتحدة والغرب، حتى وصلت الدعوات إلى إقامة الدرع الصاروخي في منطقة الخليج تحت حجة الخطر الإيراني الذي يتنامى وتحت هذه الحجج تتابع الولايات المتحدة عسكرة العالم ضد إيران ولكن أهدافها بدأت تتضح شيئاً فشيئاً ما جعل روسيا تراقب وبقوة ما تريده الولايات المتحدة من تغيير في أنماط السلوك وميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط.

فالواقع العملي يوضح كيف تقوم الدول الغربية والولايات المتحدة بإيجاد صيغ للحروب تعتمد على صيغ داخلية أو المقولة التي تؤكد على إمكانية التدمير الذاتي عبر صنع بؤر توتر والتحكم بها وصولا إلى الغاية المرادة.‏ وتبقى الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات ولكن المؤكد أنها غير متروكة للصدفة، فكل شيء يتم عن دراسة معمقة للمعطيات الدولية ومفرزاتها والمتغيرات الناجمة عن ذلك.‏

لقد اعترف مسؤول كبير كان يرافق كلينتون في رحلتها من واشنطن إلى الرياض للصحفيين طالباً عدم كشف هويته ''بأن بلاده تسعى إلى تطوير بنية دفاعية صاروخية إقليمية''، وأشار المسؤول إلى أن هذا المشروع سيبحث في محادثات لاحقة مع مجلس التعاون الخليجي، واعتبر المسؤول أنه لا يمكن لأمة ـ في إشارة لدول الخليج ـ أن تحمي نفسها بمفردها، لذلك عليها الاعتماد على شركائها لتمتلك نظاماً دفاعياً صاروخياً فعالاً حسب زعمه، ولم ينس المسؤول الأميركي أن يذكر الخليجيين بأن ''إيران هي أكبر التهديدات التي تواجهها المنطقة'' مضيفاً بأن ''النظام الدفاعي الصاروخي المذكور هو أولوية في الشراكة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي''.‏

تبدو المرجعيات والإشارات التي تحدثت بها كلينتون عن الديمقراطية سخيفة جداً، حيث أعربت عن أسفها عن الغارة التي شنتها دولة الإمارات العربية في 28 آذار على مكاتب العديد من الجماعات الأجنبية المؤيدة للديمقراطية بما في ذلك تنظيم الولايات المتحدة ـ المعهد الديمقراطي الوطني.

أيضاً إذاً تذكرنا أحداث ربيع 2011 في البحرين عندما شنت قوات النظام الحاكم حملة دموية ضد المتظاهرين لم تكن هناك أي ردة فعل أمريكية عما يجري، والسبب هو أن البحرين تعتبر واحدة من القواعد الأكثر أهمية بالنسبة للأسطول الخامس الأمريكي، بالتأكيد ليست هناك ديمقراطيات في دول الخليج، ولكن عندما يتعلق الأمر بمصالح أمريكا تصبح الأمور الأخرى ثانوية لا معنى لها، وفي حالة الخليج تريد أمريكا فقط حمايتهم من إيران...؟!

وليس مستغرباً أن يأتي إعلان الدرع الصاروخية بمنطقة الخليج، في الوقت الذي تتصاعد فيه حملة التهديدات الأميركية والأوروبية، وأيضاً (الإسرائيلية) على إيران، وبأنواع مختلفة من العقوبات الاقتصادية والسياسيّة والعسكرية، بسبب موقفها الحازم من برنامجها النووي الذي أعلنت مراراً وتكراراً أنّه للأغراض السلميّة، ولا سيّما توليد الطاقة الصناعية والتكنولوجية. إضافة إلى أنّ إيران لم تعلن يوماً أنّها تهدّد جيرانها، بل على العكس من ذلك، فهي دعت وتدعو إلى تعاون إقليمي يشمل دول المنطقة، بما فيها الدول الخليجية، من أجل الحفاظ على الأمن والسلم في هذه المنطقة.

ولكن يبقى السؤال من المستفيد؟

في الدرجة الأولى طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية لأن هناك فرصاً جديدة لبيع أسلحتها بحجة أن إيران تشكل تهديداً على دول الخليج، أما المستفيد الثاني قد يكون مراقبين لما يحصل من ثورات في المنطقة أن يخلصوا إلى انطباع بأن جميع الثورات التي قامت في الشرق الأوسط ونجحت في تغيير الأنظمة والتي بدأت في تونس عام 2010 وهدفها النهائي إيران، تصب في مصلحة لاعب جيوسياسي وحيد في المنطقة وهو المملكة العربية السعودية مع أقمارها.

وهذا ما يفسر لماذا تغيير النظام في العديد من الدول العربية لم يؤد إلى انتصار الديمقراطية وإنما إلى انتصار الإسلاميين...، وهذا مفاده، لأن من آثارها هو نظام متطرف في السعودية وهذا بالضبط ما يفسر انشغال الغرب بقلب الأنظمة في إيران وسورية. والشيء الوحيد الذي لم تأخذه السيدة كلينتون في اعتبارها هو أن اللعب مع لاعبين من هذا القبيل يمكن أن يأتي بنتائج عكسية لا يمكن التنبؤ بها.

ويأتي مشروع هذه الصفقة الجديدة من السلاح الأميركي لدول مجلس التعاون الخليجي في إطار سلسلة طويلة من صفقات التسلح التي تفرضها الولايات المتحدة من وقت لآخر على حلفائها في الخليج تحت ذريعة حمايتهم من التهديد الإيراني المزعوم، والتي كان آخر حلقاتها صفقة تسلح وقعت بين واشنطن والرياض قبل أشهر قليلة تجاوزت قيمتها ال60 مليار دولار.‏ وهي صفقة إضافية تستغل واشنطن من خلالها الهواجس الخليجية المفتعلة تجاه برنامج إيران النووي السلمي، والتي تؤكد في الوقت ذاته حقيقة أن واشنطن مصممة على استنزاف ''بقرتها الخليجية الحلوب'' حتى آخر نفس، سواء بالحصول على إمدادات النفط بالشروط المجحفة أو عبر صفقات السلاح التي تبدد الثروات النفطية الخليجية على صراعات وهمية، أو عبر إقامة القواعد العسكرية الثابتة والعائمة لضمان المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية.‏

ولكن ما يثير الاستغراب في الأمر، أن يأتي هذا الإعلان بموافقة خليجية، في وقت تشهد فيه المنطقة العربية اضطرابات وأشكالاً من الفوضى (الهدّامة) التي تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، نتيجة تدخلات خارجية يحركها ثلاثي الاستعمار الجديد (أميركي ـ أوروبي ـ صهيوني) تحت غطاء من الشعارات المضلّلة، ولا سيّما ما يحدث الآن في سورية بفعل مؤامرة تستهدف وحدتها واستقرارها وهويتها العربية.

فهل موافقة دول (مجلس التعاون الخليجي) على إقامة مثل هذا الدرع الصاروخي في أراضيها ضد إيران، مكافأة لإيران على مواقفها الإيجابية الصادقة تجاه القضايا العربية، ولا سيّما القضية الفلسطينية، والمقاومة العربية في فلسطين ولبنان؟ أم مقايضة إدارة البيت الأبيض وحلفائها من الأوروبيين والإسرائيليين، من أجل حماية عروش المماليك والأمراء في تلك الدول، وإن كان على حساب إعادتها إلى زمن الوصاية والحماية الأجنبية؟ أم جاء ردّاً على ما أظهرته القوة العسكرية الإيرانية المتطوّرة في المناورات التي أجرتها في الشهر الثاني من العام الحالي؟ أم أنّ هذا الدرع الصاروخي لحماية مصالح أميركا وحلفائها في الخليج العربي وما حوله، كقوّة عسكرية تهدّد بها إيران متى تشاء؟ وإلاَ لماذا تخاف أميركا وحلفاؤها من إيران؟‏

هذه التساؤلات كلّها مشروعة إذا ما علمنا مواقف تلك الدول الخليجية من إيران، منذ ثورتها ضد إمبراطورية الشاه المخلوع قبل ثلاثة عقود ونيّف، وحتى الآن. وأكبر شاهد على ذلك ما قامت به تلك الدول من توريط النظام العراقي السابق في شن حرب ضد إيران الثورة، استمرّت حوالي عشر سنوات دون جدوى، سوى إضعاف العراق وتكبّد الجانبين خسائر مادية وبشرية كبيرة. ومع أنّ إيران تعرف مواقف تلك الدول ودعمها لتلك الحرب العبثية، إلاّ أنّها لم توجّه لأي منها أي شكل من أشكال التهديد، بل كانت تدعو باستمرار إلى التعاون والحوار وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار هذه.‏

ولعل أدق ما يمكن قوله في وصف السلوك الأميركي في هذا المجال هو أن واشنطن باتت تعرف جيداً من أين تؤكل الكتف الخليجية، أي من بوابة العداء لإيران، وقد درج العالم على حقيقة أنه كلما رفعت إسرائيل حرارة الملف النووي الإيراني وصعدت تهديداتها ضد إيران تفوز واشنطن بصفقة تسلح قياسية جديدة مع إحدى أو مع مجموع الدول الخليجية، إذ لا يكلف الأمر سوى بعض الاتهامات الإسرائيلية أو الأميركية الجاهزة لإيران، أو بعض الحملات الإعلامية المركزة ضد برنامجها النووي حتى ترتعد فرائص أصحاب العروش الخليجية المهتزة فيسارع هؤلاء كعادتهم لشراء السلاح المكدس في المستودعات الأميركية إرضاء لشركات صنع السلاح المأزومة، بعد أن باتت ''الفزاعة الإيرانية'' الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة لواشنطن وشركاتها، وهكذا تضيع أموال الذهب الأسود وتبدد ثروات أهل الخليج على صفقات السلاح الصدئ الذي لن يسمح باستخدامه إلا في حروب أهلية أو في حروب عربية مع الجيران لتبقى المصالح الأميركية والإسرائيلية مصانة وبعيدة عن أي تهديد.‏

ولكن حين يقال أن الولايات المتحدة تفاوضت أو اتفقت مع الدول الخليجية حول ما يجب فعله تجاه التهديدات الإيرانية المزعومة، فإن ذلك يثير موجة من التهكم والسخرية لدى المراقبين والمتابعين، لأن ما تريده واشنطن من هذه الأنظمة التابعة لها والمسخرة لخدمتها وخدمة مصالحها تمليه عليها وتفرضه بقوة السلاح والوجود العسكري الدائم، ولو كان قرار هذه الأنظمة بأيديها لكانت أيسر وأقصر وأرخص الطرق لحماية أمنها وأمن شعوبها هو التفاهم والتعاون بينها وبين إيران الجارة القريبة، بدل البحث في كيفية استعدائها وممارسة الضغوط عليها، وتكديس السلاح الأميركي استعداداً لخوض حرب وهمية ضدها، في الوقت الذي دأبت فيه إيران منذ انتصار ثورتها على طمأنة وتبديد هواجس جيرانها في الخليج، لكنها كانت دائما تواجه بالرفض ويتم الإنصات إليها بأذن من طين ''أميركي'' وأخرى من عجين ''إسرائيلي''.‏

بطبيعة الحال لن تستطيع هذه الصفقة أن تحل أزمات الولايات المتحدة ولن يكون بإمكانها تبديد المخاوف والقلق عند أصحاب العروش المتهالكة، ولعل إسرائيل هي المستفيد الأكبر من هذه الصفقات، فعندما يتم تضخيم خطر برنامج إيران النووي السلمي، ويصرف النظر عن أخطار الترسانة النووية الإسرائيلية، يباع السلاح الأميركي بأسعار باهظة لدول الخليج فيعود جزء من ريعه إلى إسرائيل لتقوى به على حساب الجميع، ومهما يكن فإن الوظيفة الأساسية للسلاح والوجود الأميركي في منطقتنا هي حماية أمن إسرائيل والدفاع عنها لا حماية الخليج والدفاع عن أهله سواء كان هذا السلاح بيد الأنظمة الخليجية التابعة أم بيد الكيان الصهيوني...

وإذا كانت الدول الخليجية تخشى من الخطر الإيراني المزعوم، فالأحرى بها أن تخشى الخطر الإسرائيلي (الصهيوني) الذي يهدّد المنطقة العربية بكاملها منذ سبعة عقود، وربّما يمتدّ التهديد إلى ما بعد المنطقة العربية، كما يشير شعار أطماع الدولة الصهيونية، في التوسّع والاستيطان لإقامة (إسرائيل الكبرى)، بينما تقف إيران إلى جانب الحقّ العربي ضد الأطماع الصهيونية الاستعمارية، التي يصل تهديدها إلى إيران، كما صرّح قادة الكيان الصهيوني مراراً بإمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى إيران إن لم توقف برنامج النووي.‏

فإذا كانت دولة (إسرائيل) تمتلك أكثر من مفاعل نووي لأغراض حربية، وتمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة الحربية، بما فيها حوالي ثلاثمائة من الصواريخ حاملة الرؤوس النووية، الموجّهة ضد العرب وإيران، أليس من حقّ إيران أن تمتلك القدرات الدفاعية لردّ أي عدوان محتمل عليها؟ أليس من حقّ إيران أن تطوّر قدراتها العسكرية كدولة محورية في منطقة ما يسمى (الشرق الأوسط)، لتحافظ على سيادتها واستقرارها الذي لا ينفصل عن استقرار دول المنطقة كافة؟‏ والسؤال المحوري الهام: لماذا لا تريد أمريكا وإسرائيل لإيران أن تمتلك ما تمتلكان...؟

فالمسألة هنا، لا علاقة لها بالأخلاق ولا بأمن منطقة الخليج، وإنما بالهيمنة الإسرائيلية والأمريكية على المنطقة، لو كانت المسألة أخلاقية لما امتلكت الدولتان النووي، لكن أمريكا تريد أن تبقي نفط الخليج تحت هيمنتها دون غيرها حتى لو كان استيرادها منه قليلاً مقارنة بدول أخرى، مثل إيطاليا والصين واليابان، وإسرائيل تريد أن تحتفظ بقوة ردع ساحقة حتى لا تتمكن أي دولة في المنطقة من أن تنازعها بقاءها وهيبتها. أمريكا تستطيع أن تمن دائماً على الدول الغربية واليابان وكوريا الجنوبية بأنها تحافظ على تدفق النفط إلى عجلاتهن الصناعية، وتبقى بذلك دولة مهيمنة مستترة عن عيون الإعلام، وإسرائيل تستطيع أن تمن على الغرب بأن عيونها ساهرة لملاحقة المتطرفين الحريصين على مصالح دولهم.

فأمريكا تخشى منازعة إيران لها على زعامة الخليج، وتخشى إسرائيل تطوراً جدياً في مواجهتها، بخاصة بعد أن خبرت قوة حركتي حزب الله وحماس عامي 2006 و 2009 على التوالي. لقد خبرت إسرائيل نوعاً جديداً من الحرب ومن المقاومة، ويعود ذلك في درجة كبيرة إلى ما قامت به إيران من دعم للحركتين، وإسرائيل تحتفظ بالخيار النووي لردع العرب، وستصاب قدرتها على ذلك بعدمية إن طورت إيران ما يردع ردعها، بخاصة أن إيران تستطيع تحمّل ضربات نووية بسبب مساحتها الجغرافية الواسعة وانتشار منشآتها، على عكس إسرائيل التي تهزّها صواريخ تقليدية.

إنّ ما أعلن عن هدف هذا الدرع الصاروخي الجديد، هو في الظاهر مواجهة إيران، ولكن ثمّة تساؤل يطرح نفسه في ضوء العلاقات الدولية المتشابكة بعد سقوط نظرية القطب الواحد، وهذا السؤال هو: هل يمكن أن يكون هذا الدرع الجديد بديلاً عن الدرع الصاروخي على حدود أوروبا الشرقية، والموجّه إلى روسيا؟ أم أنّه سيكون توءماً له في محاصرة روسيا وإيران معاً؟

إن جمهورية إيران الإسلامية تريد تحقيق استقلال حقيقي وقدرة على اتخاذ القرار بحرية، وهذا أمر لم تشهده المنطقة العربية الإسلامية من ناحية الفعل القائم على العلم والتقنية، حتى باكستان التي طورت القنبلة النووية لم تصر عليها، وتركت نفسها أداة بيد الأمريكيين.

فأمريكا حريصة على تحصين حلفائها من دول الخليج، من أحداث كالتي أسقطت نظامي تونس والقاهرة وطرابلس السابقين، ليس بالدعم السياسي فقط، بل ومن خلال تمكين هذه الحكومات من إبرام اتفاقات مع شركات أمنية خاصة تابعة للمخابرات الامريكية والبنتاغون مثل ''سبيكتر هرايزن''، '' ريفليكس راسبونسر''، و''بلاك ووتر''، تزود بموجبها الشركات المذكورة الأنظمة الخليجية بالجنود المرتزقة المدربين على حراسة الشخصيات وقمع المظاهرات الشعبية، ناهيك عن العتاد الناجع. وبهذا المعنى يصبح واضحاً قول المفكر الامريكي ''نعوم تشومسكي'' تعليقاً على ما يسمى بالربيع العربي: ''ستبذل أمريكا وحلفائها قصارى جهدهم لمنع قيام ديمقراطية حقيقية في العالم العربي''. ذلك أن ''الغالبية العظمى من شعوب المنطقة ترى في أمريكا مصدر التهديد الرئيسي لمصالحها، وتعارض بالتالي سياسات واشنطن الخارجية''. ومن ثمّ، يستطرد تشومسكي: ''فإن أمريكا وحلفائها لا يريدون حكومات تعبر عن إرادة الشعوب، فلو حدث هذا، لن تخسر أمريكا سيطرتها على المنطقة وحسب، بل أيضاً ستطرد منها''.

فهل يعي حكام الخليج هذه الحقيقة المرة أم أنهم سيبقون مجرد ألعوبة بيد واشنطن تحركهم كيفما تشاء وتضحي بهم متى تشاء...؟!‏

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/حزيران/2012 - 16/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م