شبكة النبأ: تثير مفردة (المبدئي)
حساسية من نوع خاص، لدى من يقرأها أو يسمعها، ففي ظل عالم أخذ ينحو
باضطراد وتسارع صوب المصلحية والبراغماتية السياسية او سواها، بات
الحديث عن المبدأ والانسان المبدئي، ضربا من المثالية التي تثير
التندّر والاستخفاف في كثير من الاحيان، والأنكى من ذلك، هذا الخلط
العجيب والمعيب في استخدام (المبدئية) كشعار يمهّد لاستغفال بسطاء
الناس، حيث صار شعار المبدئية مطيةً متاحة للجميع، (للمبدئيين،
والانتهازيين، والمرائين، وراكبي موجات التغيير الدراماتيكي، وغيرهم)،
فهل انتهى العمل بمفهوم المبادئ والمبدئية فعلا، أم هناك حاجة قصوى
للتمسك بها والعمل في ضوئها؟ لاسيما حين يتعلق الامر بالثقافة
والمثقفين؟ وهل هناك مثقف مبدئي، وأخيرا هل يحتاجه المجتمع والثقافة
فعلا؟.
قد تبدو الاجابة عن هذه التساؤلات نمطية ومعروفة مسبقا، وربما تنحو
الى الانشائية النمطية ايضا، ولكن لا احد يختلف مع القائل بأن الثقافة،
كلما صحَّت وعظمت، صحَّـت الامة وتعاظم شأنها، ولا تصح الثقافة وتتعاظم
من دون مثقف (مبدئي)، يؤمن قطعيا في قرارة نفسه، بدوره الاستثنائي في
بناء وترصين منظومة قيم انسانية عظيمة، يعتمدها المثقفون أولا، وتقف
على رأسها، قيمة التسامح، ثم سلسلة من القيم العظيمة المترابطة مع
بعضها ومن أهمها (الايثار، المحبة، الصدق، التعاون، التعايش، قبول
الرأي الآخر واحترامه) على أن تتحول هذه القيّم من معانيها المجردة،
الى منظومة فعلية تنظّم الحياة وأنشطتها كافة، وبهذا سنتفق قطعا، أن
حياتنا عموما لاتزال بحاجة قصوى الى المبدئية، كمسار عمل لا مناص من
السير فيه، على أن يكون المثقف في الصدارة من حيث الاعلان والتطبيق
المبدئي، كونه النموذج الاول، إستنادا الى كون الثقافة هي النموذج الذي
يتقدم ميادين الحياة برمتها، واذا تلكّأت الثقافة، أصيبت الحياة كلها
بالشلل والانحراف والتمزق، كما يحدث لدى الامم والشعوب التي لا تعير
للثقافة المبدئية اهتماما، بسبب انشغالها بالصراعات الذاتية الضيقة،
سواء بين الافراد او الجماعات، في مجالات الثقافة نفسها، أو السياسة أو
سواها.
لذا نحن نحتاج المثقف المبدئي، لترميم الثقافة ومراقبة انحرافاتها،
وصولا الى بناء حياة شاملة منسَّقة، يضبطها إيقاع الثقافة المبدئية،
التي ينتجها المثقفون المبدئيون، وهو أمر ليس بالعسير، خاصة أننا نجد
في تجارب الامم والشعوب التي سبقتنا في بناء ثقافتها المبدئية بحرص،
لتصل الى بناء أمة ومجتمع طابعه العام، المبدئية التي تحفظ ايقاع
الحياة، وتمنعه من الانحدار الى الفوضى والعشوائية والتداخل والاشتباك
بين الخطأ والصحيح، كما يحدث في ثقافتنا العراقية الراهنة على سبيل
المثال، حيث المثقف لدينا - كما هو ملاحظ - يتحرك باتجاه فردي أو
(شللي) قائم على (عدوانية لفظية صارخة، أو حتى مادية جسدية أحيانا)
تنال من الآخر، وهو نهج ينطوي على أنانية مبيتة، ومرض نفسي مكتوم، يؤدي
بالنتيجة الى إفراز وإظهار صورة مشوهة للمثقف (والثقافة) أمام المكونات
الاخرى للمجتمع، وبالتالي حدوث الفشل الذريع في تقديم النموذج السليم
للآخر ممن ينتمون للطبقات الاخرى، حيث تكمن أهمية المثقف والثقافة في
تقديم الصورة السليمة والمشرقة لمنظومة الفكر والسلوك الأصحّ والأجمل،
كي تأخذ بها الطبقات المجتمعية الأقل وعيا، والأكثر ضعفا ازاء غرائزها
ومنافعها المادية، بسبب إفتقارها لثقافة إنسانية مبدئية تحصنها ضد
النوازع والميول ذات الطابع التملّكي.
وبهذا تحتاج ثقافتنا الى المثقف المبدئي، صاحب الشخصية التي تشكّلت
(فكرا وسلوكا) من مجموعة قيم الخير، لكي يُسهم هؤلاء المثقفون
المبدئيون، في تكوين الثقافة الانسانية التي نحلم بها، كمجتمع لايزال
يعاني من الاحتراب النفسي والجسدي، بسبب فشل المثقفين والثقافة بتقديم
النموذج الصحيح حتى هذه اللحظة. |