اسقاط المالكي برلمانياً وبقاءه سياسياً!

مهند حبيب السماوي

لان المثل الفرنسي يقول " كلما تغيرت الامور اكثر...كلما بقيت على حالها اكثر" فانني، لذلك، اعتقد ان سحب الثقة عن حكومة السيد نوري المالكي واسقاطها برلمانيا، لو تم وعلى النحو الذي يُخطط له الان، سوف لن يقود الى تحقيق المطالب التي تحملها في جعبتها اغلب القوى السياسية التي تعترض على توجهات المالكي واسلوبه ومنهجه في أدارة الدولة العراقية.

فالمطالب التي تحملها حقائب الكتل السياسية والتي تختلف بها مع رؤى السيد المالكي لا تتعلق، بعد كشف حقيقتها وتجريدها من اقنعتها ونفض الغبار عن ظاهرها، بشخصية المالكي وسلوكه وتصرفاته السياسية بل ترتبط في معظمها بعوامل اخرى تتغافل عنها الكتل السياسية واكثر من يقرأون المشهد السياسي العراقي حتى اكثرهم ادعاءا للموضوعية والحيادية.

هذه العوامل التي تشكل نقطة الخلاف الجوهرية والتقاطع الكبير بين المالكي واغلب القوى السياسية لا ترتبط بسلوك شخصي ومنهج معين يتبعه المالكي في الحكم، وان كنت لديّ شخصياً تحفظات واراء لا اتفق بها مع مايقوم به، وانما تتجسد هذه العوامل في طبيعة الدستور العراقي والفخاخ والالغام الكثيرة التي يحتويها من جهة مع الاساس الذي انبنت عليه طبيعة العملية السياسية من جهة ثانية.

ولئن كنّا نستطيع ان نحدد ونشير صراحة الى وجود خلافات جلية، وهي بالواقع عوامل ثانوية، بين المالكي وبين الكتل السياسية فان الجانب الاخر من القضية يكشف لنا عن ان هذه الخلافات ليست من طبيعة متماثلة. فهي ليست واحدة، وتختلف بين كتلة وأخرى، فمطالب التحالف الكردستاني تختلف عن مطالب القائمة العراقية وهي تختلف ايضا عن تحفظات التيار الصدري على سياسات السيد نوري المالكي.

فالتحالف الكردستاني، الذي يتحالف ستراتيجيا مع الائتلاف الوطني الذي ينتمي اليه المالكي، يختلف مع الاخير والحكومة العراقية برمتها في تطبيق قضية المادة 140 من الدستور التي تتهرب الكثير من الاطراف من تنفيذها مع العلم انها مادة دستورية! فضلا عن مشكلة اخرى تتعلق بتصدير النفط من الاقليم الذي ينبغي ان ينظمه قانون النفط والغاز الذي لم يقره البرلمان العراقي لحد الان.

اما القائمة العراقية فخلافها مع المالكي، وعلى نحو معاكس للتحالف الكردستاني، ستراتيجي يتعلق بمبادئ ومناهج ادارة وبناء الدولة العراقية، وان كان في بعض الاحيان يتخذ شكل الخلاف الشخصي، في حين ان التيار الصدري الذي ينتمي الى خيمة الائتلاف الوطني، لديه علاقة سابقة سيئة مع المالكي تعود الى عملية صولة الفرسان التي استطاع بها المالكي وقواته الحكومية من استعادة السيطرة على مناطق كان يستحوذ عليها جيش المهدي التابع للتيار الصدري.

وعلى الرغم من كل هذه الخلافات بين المالكي وهذا القوى السياسية فان الامر كان من الممكن تفاديه لو ان الدستور العراقي حدد، على نحو دقيق، صلاحية رئيس مجلس الوزراء ودوره الحقيقي فضلاً عن طبيعة بناء التجربة السياسية العراقية التي اعتمدت على مبدا المحاصصة والشراكة " الوهمية المزعزمة" والتي، انطلاقا من أطارها، امست الحكومات العراقية المتعاقبة تتشكل وتتخذ شكلها وبناءها. وهو الشكل الذي شهد انحرافات وتشوّهات وجدنا نموذجا الصارخ، مثلا، في ان يكون ولاء الوزير، الذي يعمل في مجلس الوزراء وهو موظف لدى الحكومة العراقية، لحزبه وطائفته وكتله السياسية اكثر من ولاءه للوطن!.

لذا لن تحصل الكتل السياسية على مبتغاها اذا اغذذت السير قدما في مشروع اسقاط المالكي لان مشكلة هذه الكتل، بعد تعريتها حقيقة، مع الدولة العراقية والدستور وطبيعة العملية السياسية التي شابتها الكثير من الاخطاء والهفوات التي نجدها طبيعة لبلد مثل العراق عاش مئات السنين في ظل حكم دكتاتوريات شاملة ظالمة دمرات الفرد العراقي وسحقت وجوده.

نعم قد تتبدل الخريطة السياسية للتحالفات في العراق...وقد ينقلب الخصوم الى اصدقاء والاصدقاء الى خصوم... وقد يقوم خصوم المالكي ومعارضيه باسقاطه برلمانيا او قد ينتصر المالكي وائتلافه في البرلمان العراقي بعد ان ينقلب الكثير من اعضاء الكتل على قرار كتلهم السياسية...

كل هذا قد يحصل لكن الشيء الاكيد في كل هذا الامر، وفيما يتعلق بالنتائج المرجوة من هذا التغيير، ان المالكي وحكومته سوف تبقى، كمنهج حكم واسلوب ادارة بلد، في السياسية العراقية، ولن يكون البديل مختلفا عنه أو يملك سياسة حكومية مغايرة تستطيع تجاوز الخلافات التي تعصف بالعملية السياسية في العراق.

واذا لم يحصل تغيير في الدستور العراقي عبر توضيح الغامض من فقراته ورفع التناقض من بعض مواده، او الغاء العمل بحكومة الشراكة والرجوع الى حكومة اغلبية سياسية تتحمل مسؤولية نجاحها او اخفاقات عملها...اذا لم يحصل ذلك فلن نرجو اي خير في العراق في المستقبل القريب على الاقل.

alsemawee@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/حزيران/2012 - 12/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م