احاديث عابرة لأناس عابرين

 حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: خطواتك لا تبقى، تعقبها الريح وتمحو كل اثر، وانت ذرة من غبار في هذا الكون، اليوم وبالأمس فوق تراب الاخرين واجسادهم، وغدا انت جزء من هذا التراب، لا ينفك يتشكل منك ومن الاخرين.

خطواتك راحلة، والسنوات ذاهبة الى زوال، لا شيء يبقى منك غير صورة معلقة على جدار متهالك في ذاكرة مثقوبة بالاحزان، بالاوجاع والاوهام. لا شيء يبقى منك غير احاديث عابرة لك ولغيرك.

في الفرضيات العلمية التي تصل الى ذروة الجسارة الخيالية، او اقصى مديات الخيالات الجسورة، ان كلماتنا التي نطلقها عبر شفاهنا في احاديثنا اليومية تكون محفوظة عبر الاثير الموجود في اقصى الأعالي ويمكن للعلماء بعد تطور الادوات المناسبة ان يقتنصوها ويحولوها الى كلمات مكتوبة، او استرجاع الاصوات الاولى لاصحابها.

لو حدث شيء مثل هذا ستكون هناك ملايين الفضائح والمخازي والشتائم، مثلما تكون هناك الاحاديث الجادة، لكن البضاعة الرديئة تطرد البضاعة الجيدة من السوق على حد التعبير الشهير، وستكون برامج التوك شو سيدة الساحات الفضائية بالنقل الحصري لمثل تلك الاحاديث.

نعود الى احاديثنا اليومية العابرة لاناس عابرين في دروب الحياة مثل احاديثهم، نحاول ان نقتنص ونسجل ونقبض على بعض من تلك اللحظات الهاربة قبل ان يطويها النسيان هي واصحابها ويبعثرها محو الريح.

تنقسم الاحاديث الى عابر ومقيم:

العابر منها ما يدور بيننا، ويدخل من الاذن اليمنى ويخرج من اليسرى او بالعكس تبعا لجهة المتكلم والمنصت، او هو لايدخل اصلا. والمقيم هو الذي يستقر في الذهن او القلب، حديث نصيحة يعمل بها، او حديث حب وود بين اثنين، او حديث الحميمية بين زوجين او عاشقين.

وفي الطرائق ينقسم الحديث العابر الى:

حديث الشفاه المباشر بين اثنين حاضرين، اي كما يعبر عنه face to face، وجها لوجه، او الحديث غير المباشر بين اثنين عبر اجهزة الموبايل.

وعن الاماكن ايضا، هناك تعدد في جغرافيتها اليومية، فهي اما احاديث تدور في الشارع، او في سيارات النقل العام، او في الملتقيات العامة او اي مكان يزاول فيه الناس حراكهم اليومي.

اما حالاتها النفسية المتخفية خلفها والباعثة عليها، فهي تخضع للمزاج الانساني، من غضب او فرح او حزن او احباط او غيرها من حالات. واما ازمانها فهي مفتوحة على جميع الاوقات.

وهي تختلف ايضا باختلاف الواقع الاجتماعي والثقافي للمتحدثين العابرين، مع ملاحظة ان السياسة والاقتصاد جزء فاعل ايضا في تلك الاحاديث. وملاحظة اخرى، ان الحديث السياسي يخضع بمجمله الى الاشاعة التي تنتقل بسرعة عجيبة عبر طريقتين هما احاديث العابرين ووسائل الاعلام. ولا ادري تحديدا، وخاصة في العراق، من يعتمد على من في اطلاق الاشاعة، هل هي احاديث الناس التي تتحول الى اخبار عاجلة في الفضائيات، او اخبار مفبركة في الصحف اليومية، ام هي الاخبار والتلفيقات الني نطلقها تلك الوسائل وتلوكها السنة العابرين بعد اضافات او حذف للكثير من مفرداتها؟

سؤال طالما حيرني وانا ارى هذا التبدل في المواقع بين وسائل الاعلام والاحاديث العابرة... هذه المساحة من الاشتغال المتبادل تكشف عن حقيقة مؤلمة، وهي عدم المهنية والاحترافية في العمل الاعلامي العراقي، مقابل جهل يمتد باتساع لدى المواطن في استقباله للاخبار من تلك الوسائل.

رصد الاحاديث العابرة للناس العابرين ليست بالمهمة السهلة، فهي تحتاج الى ذهنية صافية والى ذاكرة متوقدة والى تدوين متسارع لايمكن التوفر عليه الا في بعض المواقف.

الانصات والاستماع الى احاديث الناس، قد يثير مشكلة اخلاقية اذا اقترب من حد التلصص على الاحاديث بين اثنين او اكثر، ويعدّ نقلها تشهيرا بهؤلاء المتحدثين، لكنه في مجتمعنا، ومن خلال ما المسه هو حديث مشاع للجميع لاتحتاج ان ترهف سمعك لالتقاطه فالحناجر القوية تتكفل باسماعك رغما عنك جميع ماتريد قوله. وهي ايضا هذه الاحاديث تؤشر لملاحظة اخرى لها علاقة بالتكنولوجيا، فبدل ان يكون الموبايل اللشخصي معبرا لحديث هامس بين اثنين، هنا يكون معبرا للصراخ والصوت المرتفع.

وهناك مشكلة اخرى نلمسها في احاديث الاخرين وهي قلة الحياء في احاديثم ان لم يكن انعدامه اصلا وكانهم يتحدثون في غرف مغلقة وليس في اماكن عامة يسمعهم الاخرون... في حلقة مقبلة سوف اورد عددا من تلك الاحاديث المتنوعة مع دراسة تحليلية لمضمونها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/آيار/2012 - 8/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م