شعارات وطنية مزيفة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في ظاهرية سياسية واضحة للعيان، غالبا ما يتحدث الحكام والحكومات الشرق أوسطية عموما والعربية خصوصا، عن الوطن والشعور بالمواطنة، وتُرفَع الشعارات البراقة التي تمجد الوطن وتحث الجميع على حبه والايمان به وخدمته والدفاع عنه حتى آخر قطرة دم!، في المقابل يُصاب الحكام وحكوماتهم بحالة الخرس المزمن عندما يتعلق الامر بالمواطن وحقوقه.

وهكذا يتم تجيير الاستحقاق الوطني لصالح الدكتاتور او الحزب او الحكومة التي تقود البلد، فكل المسؤولين يطلقون الكلام والشعارات التي تتعلق بالوطن لأجل غاية معروفة، ويُهمل المواطن ويُقصى وتُقصى معه حقوقه المدنية، أو تلك التي تتعلق بسكنه وعيشه وخدماته، وبهذا نصبح ازاء ظاهرة (الوطن بلا مواطن)، وهي ظاهرة يعتمدها الطغاة لتكريس حكمهم، يعاونهم في ذلك بطانتهم ومن ترتبط مصالحه معهم، فيما يبقى الشعب يعاني الأمرّين.

وعندما يشعر المواطن ويلمس لمس اليد إهمال الحكومة له، وتبنيها لشعارات براقة وكاذبة في آن، فإنه سيفقد الشعور بالمواطنة، وسيصبح الوطن بالنسبة له كذبة (كبيرة) لا يستطيع تصديقها، في الوقت الذي يعاني من الاهمال الحكومي المتواصل، وهو يرى بعينه عمليات الاستحواذ الكبيرة والمتواصلة على ثروات وخيرات البلد من لدن رؤوس في الدولة والحكومة والطبقة السياسية الحاكمة او العاملين في السياسة، ويتم احتكار المناصب والامتيازات والمنافع المادية الهائلة من لدن الطبقة الحاكمة، فيما يتلظى المواطن بنار الفقر، ويعاني الاهمال والتجهيل المتعمد، والعيش في ظروف تمتهن كرامته وتحد من تطلعاته المشروعة في العيش الكريم، داخل وطنه الذي ولد فيه وتربى وترعرع في اجوائه وخيراته، لذلك لا يستطيع المواطن أن يشعر بقيمة وطن لا يمنحه الحقوق والخدمات التي تصون حياته من الامتهان والتجاهل والتهميش، ناهيك عن حالات التجويع التي تتعرض لها شريحة كبيرة من الفقراء، قد تصل نسبتهم الى النصف في بعض البلدان العربية والشرق اوسطية، ومنها العراق، حيث افرزت حالات الفساد، والتضخّم والغلاء، والاهمال التشريعي والتنفيذي، شريحة تعيش تحت خط الفقر تصل نسبتها الى 23% من الشعب العراقي وفقا لبيانات وزارة التخطيط.

هذه الصورة المحبِطة تؤدي الى عواقب وخيمة، أخطرها، أن يتحول المواطن الى عدو لنفسه وشعبه ووطنه، حيث يعتمد النهج الفردي الأناني التخريبي، الذي لا يتفق مع العمل الجماعي، ناهيك عن حالات الانحراف التي قد تقوده الى تبرير الفساد والتجاوز على حقوق الآخرين، وهكذا يدفع الشعور بالاهمال والتجاهل الى حالات وظواهر خطيرة ليس على الفرد وحده بل على المجتمع برمته، والسبب اولا وأخيرا هو التقصير الحكومي والمؤسساتي في عدم تلبية الحاجات الاساسية للمواطن كي يتمسك بوطنيته وشعوره بالولاء الحقيقي لوطنه.

المطلوب فيما يخص العراق، عمل حكومي متواصل لاشعار المواطن بطرق ملموسة بأنه محط اهتمام الحكومة، وكذلك مؤسسات الدولة التي ينحصر عملها برعاية المواطن وتلبية متطلبات حياته المعتادة، ولابد من العمل بالمعادلة التي تقول، كلما شعر المواطن باهتمام الحكومة به كلما ازداد تمسكه بالخيار الوطني، أما اذا حدث العكس وانشغلت الحكومة عن المواطن بمنافعها ومصالحها (مصالح الاحزاب والكتل والاشخاص)، فإن ظاهرة (الوطن بلا مواطن) سوف تنمو على حساب النهج الوطني الأصيل، وسوف تتحول النسبة الغالبة من الشعب الى نمط حياتي خطير يعتمد اللامبالاة حيال القضايا الوطنية برمتها، وبهذا يتعرض الوطن كله الى مخاطر قد لا تكون محسوبة، وربما تظن الطبقة السياسية لاسيما الحاكمة منها، أنها في منأى من مخاطر تضاؤل واضمحلال الشعور بالمواطنة، لكن كل الدلائل تشير الى أن السياسيين هم اول المتضررين من هذه الظاهرة، إلا اذا كان السياسي غير مهتم بمستقبله السياسي، وفي هذه الحالة تُلغى منه مهنة السياسة، ويتحول الى طارئ انتهازي ركب الموجة لكي يستثمرها ماديا ثم يهرب الى خارج العراق، كما فعل بعض السياسيين الذين ركبوا الموجة فعلا في أوائل مراحل التغيير بعد نيسان 2003، ثم فروا بمبالغ مالية كبيرة سرقوها من أموال الشعب العراقي.

لهذا مطلوب تكريس الشعور بالمواطنة، لاسيما لدى الطبقة التي تعيش تحت خط الفقر، ويجب الكف عن اهمال المواطن، وعدم استخدام الاساليب المكشوفة التي اكل الدهر عليها وشرب، ومنها رفع الشعارات التي لم تعد تنطلي على أقل الناس وعيا، وهذه الخطوات وسواها (التي يجب الشروع بها فورا) من مهام الحكومة ومؤسساتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/آيار/2012 - 8/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م