
شبكة النبأ: الشعب المصري يوصف بأنه
شعب مثقف وذو وعي عال، قياسا لغيره من شعوب المنطقة، ونعني بهم العرب،
هذا التوصيف لا يبتعد عن الحقيقة كثيرا، وقد أثبتته وقائع ميدان
التحرير، والاحتجاجات المليونية التي عمّت القاهرة والمدن الاخرى،
وأطاحت بنظام حسني مبارك العسكري المتسلط بطريقة متحضّرة، تتسم
بالاصرار المدني التام على استرداد الشعب لحقوقه المدنية المسلوبة
والمعطلة لعقود متتالية.
لذا تعد انتخابات الرئاسة المصرية فرصة أخرى للشعب المصري كي يثبت
بأنه ينتمي الى روح العصر، وأن حقبة البطش السياسي والتجهيل الفكري،
وسرقة الحقوق بأنواعها قد ولّت الى الابد، ولعل الجولات القادمة
للانتخابات تفرض على المصريين مسؤولية تاريخية في اختيار الرئيس الأفضل
والأنسب لمصر، حتى لا تضيع الفرصة بمجيء رئيس متحجر الفكر وضيّق الآفاق
ومنغلق، وهذا أمر لا يحسمه سوى الشعب المصري نفسه، وهو يحث الخطى نحو
فضاء الحرية الواسع، لذا من الخطأ أن تأتي الانتخابات على غير ما تشتهي
السفن، بغض النظر عن التبريرات التي تظهر هنا او هناك.
إن من يتابع المشهد المصري الجديد، سيلحظ بوضوح تصاعد الموجة
السلفية في التفكير والرؤية، وهذا ينم عن خطر يتهدد الحقوق المدنية
والحريات وحماية الاقليات التي تعيش في مصر كالاقباط والشيعة وسواهما،
لقد ولّى عصر الانغلاق والاحادية ليس في مصر وحدها، وبدأ عصر جديد
تسوده نبرة حياة متجددة قائمة على التعايش والتعددية واحترام الرأي
والفكر، لذا لا يصح السماح للفكر المتطرف أن يحكم مصر، ويتحكم بالشعب
المصري الذي ذاق الامرّين على يد الحكومات العسكرية، خاصة أن مرحلة
التأسيس لحياة متمدنة بدأت الآن، وعلى النخب المصرية أن تسهم بإثراء
الفكر السياسي الحاكم، وعدم ترك الفكر السلفي المتطرف يتفرد بالسلطة،
لتعود الدكتاتورية من جديد في ظل الفكر المغلق الذي يرفض الانفتاح على
الآراء والافكار التي لا تلتقي معه.
لذا تشكل انتخابات الرئاسة المصرية مفصلا حيويا لترسيخ الديمقراطية
والنهج التحرري، فيما لو نجح المصريون بانتخاب رئيسهم المناسب
المتحضّر، واذا عرفنا ان النظام الرئاسي في مصر يمنح شخص الرئيس سلطات
واسعة وكبيرة، فإن اختياره ينبغي أن يكون صحيحا، من حيث طبيعة الفكر
السياسي الذي يتبناه، ويدير من خلاله شؤون الدولة والشعب، أما إذا حدث
العكس وسارت مسارات الاقتراع في الاتجاه الخاطئ، فهذا يعني سيادة
التطرف أولا، وضياع الفرصة التأريخية للمصرين في تأسيس نظام سياسي نزيه
ثانيا، ناهيك عن الاوضاع الصعبة التي ستعيشها الاقليات في ظل الفكر
السلفي المنغلق على نفسه، وهذا ما حدث فعلا في الشهور القليلة الماضية،
حيث تم استهداف الاقليات بتفجيرات وحرائق وقتل عمد وما الى ذلك من
وسائل ترهيب، يبرع المتطرفون في استخدامها ضد الاقليات التي غالبا ما
تكون من اوائل ضحايا التغييرات السياسية، وأكثرها تعرضا للاضطهاد، ولو
تمعنّا في تفاصيل المشهد المصري، فإن مثل هذه الاشارات تدل على انحراف
المسار السياسي باتجاه خاطئ، وهو أمر لابد أن تتنبّه له النخب الواعية
التي قادت مرحلة التغيير قبل وبعد الانتفاضات، كي لا تذهب تضحيات
وارواح المصريين ودماؤهم هدرا.
لذلك لا تزال الفرصة قائمة لدى الشعب المصري، ويمكنه استثمار
الانتخابات الرئاسية بصورة صحيحة، لاسيما في الجولات القادمة، لكي يؤكد
تحوله من عصر الفردية والانغلاق، الى عصر الحرية والانفتاح، من خلال
تقليص فرص تسيّد الفكر السلفي المغلق على الساحة السياسية، ومن ثم
الانقضاض على السلطة، وإعادة المصريين الى عصر الدكتاتورية، بعد أن
قدموا التضحيات الكبيرة، وأظهروا تمسكهم بخيار الحرية بطريقة أثارت
اعجاب العالم أجمع. |