صناعة الخوف في مجتمعات مأزومة

حياتنا المعلقة برصاصة رخيصة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل شيء يصدر عن الحكومة العراقية، وهي هنا مشخصنه حسب المعترضين، برئيس وزرائها السيد نوري المالكي، مدعاة للشك والريبة والانتقاد، وهو ما نلمسه كل يوم عبر صفحات الصحف اليومية والفضائيات المتعددة والتي هي بمعظمها تابعة لشخصيات او كيانات او تجمعات او احزاب سياسية تفتقر الى المهنية في عملها وفي تعاطيها مع الشأن العام.

اخر النوافذ المفتوحة للزعيق والصراخ والتي فتحها مكتب القائد العام للقوات المسلحة وهو نوري المالكي هنا، السماح لكل منزل في العراق بحيازة قطعة سلاح خفيفة واحدة (مسدس – بندقية).

منهم من اعترض على ذلك عادّا هذا القرار عسكرة للمجتمع العراقي، ومنهم من وصفه بمشجب العائلة، ومنهم من قال ان السلاح سيخرج من تحت الوسادة الى مناضد الضيوف، ومنهم من رأى فيه تنظيما قانونيا لعملية القتل، ومنهم من قال غير ذلك، المهم ان يقول، بغض النظر عما يقوله، الا ان الجميع اتفقوا على سلبيته دون التدقيق في كلمة (حيازة) وتفريقها عن كلمة (حمل) وهو تمييز سيستدعي الوقوف عنده لاحقا.

قبل ذلك اود ذكر ملاحظة كثيرا ما نشاهدها في الافلام الامريكية وهي عدم اطلاق النار من قبل الشرطي في ظهر المتهم الهارب. وقد ذكر لي اخي المقيم في امريكا ان القانون، يقف في صف صاحب المنزل اذا اطلق النار على صدر اللص او المجرم الذي يقتحم منزله، لكن القانون يقف ضد صاحب المنزل اذا كان قد اطلق النار في ظهر اللص او المجرم. وتفسير ذلك بسيط عند المشرع الامريكي وهو ان هذا اللص او المجرم كان يروم الهروب وبالتالي هو لايشكل تهديدا على صاحب المنزل او مطلق النار.

فيما يتعلق بعسكرة المجتمع التي يقول بها بعض المعترضين (وهم اصحاب حمايات جرارة من المسلحين) هي ليست وليدة الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003 بل هي تمتد الى ثمانينات القرن الماضي، واولى حروب صدام حسين العبثية ومغامراته العسكرية، حين كانت كل عائلة عراقية تقدم واحدا او اكثر من افرادها طعما لوقود تلك الحرب عبر عملية التجنيد الاجباري وارتداء الزي الخاكي، او عن طريق الفرق والشعب البعثية.

ذلك الزي الذي فرض ثقافة عسكرية نمت بشدة خلال ثماني سنوات هي عمر تلك الحرب، وواصلت نموها وتجذرها في بنية المجتمع العراقي في سنوات لاحقة.

تلك الثقافة التي ابرز تجلياتها هي القوة الامرة، والتي يميل اليها الفرد العراقي في حركته اليومية وفي علاقته مع الاخرين. حيث لا يستطيع ان يتمرد على قوانينها ومزاجاتها، وهو ان فعل ذلك يفعله عن طريق التذمر والكلام البعيد عن الفعل الواضح والصريح.

وهي ثقافة افرزت هذا التعلق المرضي بمسلسلات مثل وادي الذئاب باجزائه الممتدة الى ابد البث المتواصل، وبرموز سياسية تفاخر بالعنف والقتل ولا تعده مثلبة او سبة تلحق العار بصاحبه، بل هي في تطرفها الاقصى رموز وطنية مقدسة.

وعسكرة المجتمع دائما ما تم النظر اليها من خلال المظاهر العسكرية فقط، دون النظر الى رمزياتها او تجلياتها في الافكار او السلوك. وكثيرا ما نسمع بالمطالبات لتعيين افراد من المكون الفلاني او العلاني في اجهزة الشرطة ووحدات الجيش، متناسين تلك الاستمرارية في عسكرة المجتمع.

والمعترضون تحت لافتة عسكرة المجتمع، هم نفسهم المنادون بشريع حمل، وليس حيازة السلاح للاطباء والصحفيين واساتذة الجامعات، وغيرهم من اصحاب مهن تعلو الاصوات بالدفاع عنهم عند اغتيال واحد او مجموعة منهم. ضد انواع من العنف، منها العنف العشائري والعنف الارهابي.

ثقافة العسكر بحمولاتها الرمزية، ممتدة الى كل زاوية من زوايا المجتمع، ثقافة قائمة على العنف وعلى الاقصاء وعلى القمع والمصادرة حتى في تشجيع فريق برشلونة مثلا.

احد معلمي طفلي، في الصف الخامس الابتدائي، قام بتشويه الصورة الموجودة لفريق برشلونة على محفظة اقلامه، وفي مرة احرق قفازات احد الطلاب لانها مرسوم عليها صورة فريق ميسي.

الدعوات الى الويل والثبور التي نسمعها من قبل الكثير من السياسيين عند كل ازمة مغتعلة، واحدة ايضا من صور هذه الثقافة العسكرية المتعسكرة في الوعي واللاوعي السياسي والجتماعي العراقي، ثم يدخل الاعلام المملوك لاولئك السياسيين في عملية استمرار تلك الازمات، لتحقيق نسب مشاهدة عالية، وتوطيد انتماءات سابقة.

اعود للتذكير بالفرق بين حمل السلاح وحيازنه... في الحالة الاولى يكون السلاح مستترا تحت القميص، او يظهر بصورة علنية حين يتنقل حامله من مكان الى اخر، وهو نوع من تمظهرات القوة والسلطة التي يستشعرها حامل السلاح.

والحيازة هي الامتلاك في زمان ومكان معين لا يحاسب عليها القانون، وهي تقنين لامتلاكه ومعرفة بمكانه عبر عنوان دال ورقم تسلسلي، لا يمكن التهرب من تبعات ومفاعيل استخدامه لغير الغرض الذي منحت له الحيازة.

ليس بالمسدس وحده نستطيع قتل الانسان، فالكلمات ايضا تفعل ذلك واشد منه في عمليات قتل متواصلة، تزرع الخوف والرعب في مفاصل المجتمع العراقي، وتخلق اكثر من اسطورة لسيء الصيت (ابو طبر) الذي ابتدعته المخيلة البعثية في السبعينات العراقية.

على المعترضين ان يخففوا من هذا العنف الكامن في نفوسهم، ويمتنعوا عن ادامة صناعة الخوف عبر وسائل اعلامهم، ومؤكد ان تلك الاسلحة ستصبح غير قابلة للاستعمال داخل المنازل او خارجها لانها ستكون منتهية الصلاحية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/آيار/2012 - 1/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م