الطوفان الجماهيري الذي عصف بالعالم العربي من المحيط إلى الخليج
منذ يناير 2011 أصاب زعماء الدول العربية بذعر وبصدمة اهتزّت لها
عروشهم وجعلتهم يتخبطون في البحث عن مخارج يمكنها صدّ هذا «التسونامي»
وخصوصاً الدول التي لم يحدث فيها التغيير أو تنتظره.
دول مجلس التعاون لم تكن استثناءً من هذه الهزّة العربية الشاملة،
إن لم تكن أكثر قلقاً من دول عربية أخرى بسبب الاعتقاد الخاطئ لديها
بأن هذه النار لا يمكنها أن تقترب من حدودها بشكل أو بآخر، لكن الربيع
العربي لامس كل الدول الخليجية وتفاقم بشكل مأساوي في بعضها.
الظروف السياسية لمنظومة دول مجلس التعاون لا يمكنها أن تكون بعيدة
عن التحولات العربية من دون أن تشارك شعوبها في معالجة الأزمة، أما
جرعات المعالجات الفوقية فلا يمكنها مواجهة الوضع.
صحيح أن منظومة مجلس التعاون هي التجربة العربية الوحيدة التي
استمرت 30 عاماً، إلاّ أنها لم تصل إلى الطموح المطلوب وأن تسارع وتيرة
طلب الاتحاد لم يكن معمقاً في دراسات تمهيدية سابقة، بينما المشاريع
الحقيقية لتوحيد المؤسسات ودعم المواطنين في غياب كامل.. عدا بعض
المشاريع الورقية واللجان الاستشارية التي لم تساهم في تقديم خطة
تنموية قادرة وحقيقية، وكل الجهود التنموية هي جهود ذاتية للدول وليس
لمجلس التعاون، ولايزال المواطن الخليجي عاجزا عن العمل بحرية في أي
دولة أخرى.. كما أنه لا يستطيع السفر من دون جواز إلى سائر الدول
الخليجية..ثم ان العملة الخليجية ماتت قبل ان تولد.. والتعرفة الجمركية
سقطت بامتياز.. والكثير من الملفات والقضايا الطموحة دفنت في الأدراج
ولم ترَ النور بعد ثلث قرن من التجربة.
وبعد ارتفاع صوت الشعوب في ثورات الربيع العربي قام مجلس التعاون
بطرح عدد من المشاريع العجولة وغير الناضجة، فجاء اقتراح بدعوة الاردن
والمغرب للالتحاق بدول مجلس التعاون الذي فشل بعد رفض قبول الدول
المدعوة للانضمام للمجلس، وجاءت الخطوة التالية باقتراح تشكيل اتحاد
خليجي!
مشروع الاتحاد الخليجي جاء في عجلة غير معهودة لدول محافظة.. وأتى
بشكل استثنائي.. قفز فيها على الواقع الخليجي بـ«البراشوت».. وحرق
المراحل التدريجية في الانتقال إلى مرحلة الاتحاد من دون أن يبرهن
لأبناء المنطقة نجاح تجربة مجلس التعاون حتى تستحق التقدم خطوة إلى
الامام، ومن دون مشاركة شعبية حتى بالاستئناس برأي أبناء المنطقة
ومؤسساتها الناشطة.
واليوم تأتي فكرة الاتحاد التي من شأنها أن تزيد من الفجوة في محيط
مجلس التعاون، وأول مؤشر جاء بعد فشل اللقاء التشاوري الذي عقد في
الرياض بتاريخ 14 مايو 2012 حيث كانت مواقف دول التعاون، إما رافضة
للفكرة جملة وتفصيلاً، وإما أن لدى البعض الآخر تحفظات سياسية
ودستورية.. بسبب غموض الفكرة والمسارعة الى فرضها على المنطقة لأسباب
أمنية واقليمية، قبل أن تسبقها دراسة وافية، أو تهيئة أرضية قادرة على
تسويقها، حتى فقد المشروع الإجماع أو حتى الأغلبية في هذا المولود
«الخدّج»، فلا دول المنطقة مقتنعة به، ولا الشعوب لها رأي فيه، ومن هنا
نفهم لماذا شكلت القوى السياسية البحرينية التي تمثل غالبية الشعب
البحريني المعني الرئيسي في هذا المشروع مسيرة حاشدة ضد فكرة الاتحاد
الخليجي.
ولعلنا في الكويت لدينا تخوف شديد وحذر مفرط من مثل هذه المشاريع،
لما تشكله من تهديد لنظامنا الدستوري الذي فيه توافق كامل بين الشعب
والنظام، وما تتمتع به الكويت من مساحة كبيرة من الحريات والديمقراطية
التي لم ترضِ بعض الدول الخليجية، وما يزيد من قلقنا هو وجود طابور
خامس في بلدنا غير مقتنع بالديمقراطية، وان سكت عنها مرحلياً أو سايرها
سياسياً إلاّ إنه يعمل على تقويض الديمقراطية، كما فعل أعضاء هذا
الطابور في مساعيهم لتغيير المادة 79 من الدستور أو تغيير المادة
الثانية.
إن حماسة البعض المفرطة للاتحاد في أوساطنا تنبئ عن استهداف نظامنا
الديمقراطي، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، حيث كل يوم نقرأ
تصريحاً أو نسمع اقتراحاً أو نتابع حواراً يستهدف الدستور.
إن الاتحاد الخليجي مشروع طموح لا يختلف عليه اثنان، ولكن يجب أن
يكون وفق نظام متفق عليه، وفي مقدمته وجود مساحة من الحريات العامة لكل
المنظومة الخليجية كما هي متاحة في الكويت، ومشاركة شعبية في القرار
السياسي واحترام لحقوق الإنسان.. وإلاّ فإن الحديث المفاجئ والدعوة
العجولة وفرض الأجندات الإقليمية لا تزيد هذه المنظومة إلا تفككاً
وتأزيماً.
www.aldaronline.com |