سلفيو تونس والقتال في سوريا

 

شبكة النبأ: كان أول ما سمعه المدرس التونسي مختار مارس عن شقيقه الذي يقاتل الى جانب المعارضين في سوريا هو اتصال من رقم هاتف اجنبي يخبره ان شقيقه حسين قتل.

وقال مختار (40 عاما) وهو يجلس على حشية بمحاذاة جدار ما كانت في السابق غرفة أخيه الأصغر "تلقينا مكالمة من مجهول يقول لنا انه استشهد. ثلاث كلمات فقط. حاولنا الاتصال مرة أخرى ولكن لم نتلق رد." واضاف "كانت آخر مكالمة وصلتنا منه في شهر فبراير شباط من ليبيا. وقال انه كان هناك للدراسة ... ثم انقطعت كافة الاتصالات .حاولنا الاتصال على الرقم الذي استخدمه ولكن لم يكن هناك أي رد."

وحسين مارس (34 عاما) هو واحد من ضمن ما لا يقل عن خمسة تونسيين كلهم من بلدة بن قردان بجنوب شرق تونس على الحدود مع ليبيا والذين يعتقد انهم قتلوا في سوريا. ووافقت اسرتان من اسرهم على اجراء مقابلات معهم وكذلك اسرة رجل سادس من البلد نفسها لكن لا يزال مصيره غير معروف.

وهذه الاسر اما تلقت اتصالات من ابنائها في سوريا او مكالمات من غرباء لابلاغهم بمقتل أبنائهم. ورغم ان العائلات لم تشاهد الجثث أو أي دليل على مقتل ابنائهم الا ان شريط فيديو نشر على الفيسبوك تحت عنوان "واخيرا ترجل فرسان بن قردان.. في بلاد الشام" يظهر راية سوداء لتنظيم القاعدة وتضمن رثاء للرجال الخمسة على خلفية من الاناشيد وذكر انهم قتلوا في حمص والتي شهدت بعض من أسوأ اعمال من قبل قوات الرئيس السوي بشار الاسد.

وقال مبعوث سوريا لدى الامم المتحدة انه تم القبض على 26 من المقاتلين العرب الذين "اعترفوا" بالتعاطف مع تنظيم القاعدة. وقال مبعوث اخر للأمم المتحدة ان 19 منهم تونسيون.

ويبدو ان المقاتلين الاسلاميين الاجانب عنصر هامشي في الصراع بين الجماعات المعارضة السورية المتنوعة وقوات الاسد. لكن مصير هذه الفرقة من الاصدقاء التونسيين يقدم اقوى دليل حتى الآن على ان سوريا قد تصبح نقطة جذب لهذا النوع من الشبان المسلمين من جميع أنحاء العالم الذين سعوا في السابق للجهاد والاستشهاد في العراق أو أفغانستان. وقال شاب واحد على الأقل من بن قردان لرويترز انه على استعداد شخصيا للذهاب والقتال في سوريا.

وقالت العائلات التونسية انهم ببساطة مسلمون سنيون متدينون ويتألمون من صور المدنيين الذين يعانون على أيدي قوات الاسد التي تهيمن عليها الاقلية العلوية الشيعية والذين يرى الكثير من العرب انهم يشنون حربا طائفية على الأكثرية السنية في سوريا.

وقال مختار مارس "ما نشاهده على شاشات التلفزيون لا يجعل أي مسلم سعيدا ... جيش يقتل شعبه. لا يمكن لاحد قبول هذا الامر" مضيفا أن التحاء شقيقه واخرين وحرصهم على الصلاة لا يجعلهم من المتشددين الاسلاميين. وتابع "انهم ملتحون ومتدينون لكن هذا لا يعني انهم متطرفون... اذا رأيتي هؤلاء الشباب ستندهشي إذا قتلوا ذبابة."

وتشير القائمة السورية للمقاتلين المعتقلين الى ان رجال من جميع انحاء تونس ذهبوا للقتال في سوريا لكن الفيديو المنشور على الفيسبوك لرثاء القتلى تضمن مقتبس للاردني ابو مصعب الزرقاوي وهو زعيم راحل لتنظيم القاعدة في العراق يقول فيه "توجد مدينة صغيرة في تونس تسمى بن قردان لو كانت قرب الفلوجة (العراقية) لحررت العراق." ويشير ذلك الى ان البلدة لها تاريخ في ارسال متطوعين للصراع في العراق أيضا.

ويقول سكان بن قردان التي تعيش على التجارة والتهريب مع ليبيا وانتشرت فيها مظاهر التدين منذ الثورة التونسية التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي العام الماضي ان مزيدا من الشبان ربما غادروا المنطقة في هدوء للانضمام الى المتمردين الذين يقاتلون للاطاحة بالاسد.

وقال مصدر امني في البلدة "هناك بعض الشباب الذين يذهبون إلى سوريا عن طريق بن قردان. انهم متدينون. نعتقد أنهم من التيارات الاسلامية السلفية لكن هذا ليس مؤكدا... ما نعرفه هو ان اكثر من 10 غادروا من هنا."

وتسعى الحكومة السورية منذ البداية لاظهار الانتفاضة الشعبية ضد الاسد باعتبارها مؤامرة من قبل مقاتلين أجانب ومتشددين من تنظيم القاعدة. وتشير الى ان تفجيرين انتحاريين وقعا يوم الخميس الماضي واسفرا عن مقتل 55 شخصا في دمشق دليل على انها تقاتل "الإرهاب".

وفي فبراير شباط حث زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري المسلمين على نصرة المعارضين السوريين.

وتزامنت هذه الدعوة مع تقارير واردة من العراق عن تسرب مقاتلين وأسلحة الى سوريا ما ادى الى تأجيج العنف في بلد سبق وان ارسل اسلحة ومسلحين في الاتجاه الآخر.

وقالت روسيا المورد الرئيسي للاسلحة للاسد وابرز المدافعين عنه في مارس اذار انه يقاتل "ارهابيين" مدعومين من القاعدة بما في ذلك ما لا يقل عن 15 الف مقاتل اجنبي واتهمت ليبيا بادارة مراكز تدريب للمعارضين.

وقال رئيس الوزراء الليبي ان لا علم له بأية معسكرات كما ينأى اعضاء المعارضة السورية الحريصون على حشد الأقليات في سوريا على الانضمام الى الانتفاضة التي يقودها بدرجة كبيرة الاكثرية السنية بأنفسهم عن أي صلات بالمتشددين. بحسب رويترز.

وقال المقدم خالد حمود وهو أحد قادة الجيش السوري الحر المعارض عبر الهاتف من منطقة الحدود التركية مع سوريا "تلقيت عروضا من عرب واجانب لارسال مقاتلين لنا لكننا قلنا لا. لدينا مقاتلون. نحن بحاجة إلى اسلحة. لا يوجد هنا تنظيم القاعدة أو أي جماعة من هذا القبيل. كل ذلك اكاذيب." واضاف "لا نريد ان نعطي النظام ذريعة لاتهامنا بجلب مقاتلين اجانب."

سواء كانوا يعملون مع المعارضين السوريين او لا فإنه كلما طال الصراع ربما يستفيد المقاتلون الاجانب من الفوضى وهو ما يزيد الصراع تعقيدا. وقال بيتر هارلنج وهو محلل متخصص في الشأن السوري بمجموعة الازمات الدولية "المتطوعون الأجانب جزء من الصورة وكان ذلك لا مفر منه تقريبا في ضوء السياق: حالة الفوضى المتزايدة في جميع أنحاء البلاد والصراع السياسي ذي النعرات الطائفية وأشكال متطرفة من العنف تؤدي الى بعض التطرف." واضاف "لكن الجهاديين عموما لا يزالون يشكلون مشهدا جانبيا. بمعنى أن من المثير للدهشة أن عددا قليلا نسبيا من هجمات القنابل من النوع الذي قد يتورطون فيها قد وقعت."

وقالت اسر الرجال من بن قردان انهم كانوا مسلمون سنة متدينون يقضون معظم اوقاتهم في الصلاة. وقضى اثنان منهم على الاقل احدهما حسين مارس فترة في السجن في عهد بن علي بتهمة وجود صلات مزعومة بمتطرفين اسلاميين وفقا لما ذكرته أسرتيهما.

وواحد منهم على الاقل هو محمد لافي (26 عاما) كان قد سجن بعدما قام بمحاولة فاشلة للتسلل الى العراق عبر سوريا حسبما ذكرت اسرته. ثم ذهب إلى الجزائر حيث ألقي القبض عليه واعيد الى تونس. وسجن لمدة ثلاث سنوات واطلق سراحه في عام 2010.

وتحدث الرجال مع اقاربهم عن رغبتهم في الجهاد والشهادة لكنهم لم يذكروا شيئا محددا على ما يبدو قبل اتخاذ طريقهم الى سوريا. وفقد وليد هلال منذ 24 فبراير عندما قال لعائلته انه ذاهب الى العاصمة للمشاركة في بطولة للكونغ فو. وبدأ هلال (21 عاما) في ممارسة الرياضة قبل عام وظهرت صورته في الشريط الرثائي على الفيسبوك وهو يرتدي ملابس كونغ فو حمراء.

وقالت مبروكة ام وليد هلال وهي تجلس مع زوجها وابناء اخرين على اريكة "ابني شهيد ولم يرتكب أي خطأ وأنا لست قلقة بشأنه." واضافت "كان يعتاد القول: سأذهب للجهاد ولا تبكي علي لكنني لم أخذ ذلك على محمل الجد."

وكان هاتف وليد المحمول خارج نطاق الخدمة منذ ان غادر. ومثل اسرة مارس تلقت اسرة هلال مكالمة غامضة من رقم هاتف سوري يوم 17 ابريل نيسان لابلاغهم بانه اصبح "شهيدا".

وقال طاهر هلال "بعد يومين وعندما كان لا يجيب على الهاتف اكتشفنا ان اصدقاءه ذهبوا ايضا وان هواتفهم المحمولة باتت خارج نطاق الخدمة أيضا. أدركنا ان شيئا ما كان يحدث وسمعنا أن بعض منهم اتصلوا بوالديهم من تركيا لابلاغهم بانهم في طريقهم إلى سوريا لكن شقيقنا لم يتصل." واضاف "كل ما نعرفه انه استشهد ولكن كيف ولماذا؟ ليست لدينا صور ولا دليل."

وذكرت الاسر ان ابناءها ليس لهم صلة بالاحزاب السياسية لكن كانوا يتابعون الاحداث في سوريا حيث قتل ما يقدر بنحو 12 الف شخص منذ مارس اذار 2011. وقالت مسعودة والدة لافي وهي تمسح دموعها بغطاء رأس ملون "كان يحب الصلاة والصيام. كان متدينا منذ طفولته... كان يرغب دوما في الشهادة."

وعلى عكس اسرتي هلال ومارس لم تتلق اسرة لافي ايه اتصالات غامضة لكن ابنهم الاكبر اتصل بشقيق من هاتف سوري. وبرغم احزانهم دافع اقارب هؤلاء الرجال في بن قردان عن الدوافع التي حفزت ابناءهم واخوتهم على الذهاب لسوريا لكن البعض قالوا ان قضية الجهاد اقل وضوحا في سوريا بالمقارنة بالغزو الاجنبي للعراق وأفغانستان.

وقال مختار مارس وهو ايضا من الملتحين "اذا كان هناك جهاد حقيقي فلا اتصور ان مسلما واحدا لن يذهب. إذا كان الجهاد ضد اسرائيل." واضاف "لكن في سوريا قد تضطر لقتال مسلمين اخرين."

والآن، تريد اسرهم مساعدة لتأكيد مقتلهم لكن سقف توقعاتهم قليل فيما يتعلق باستعادة الجثث. وبينما هم يعانون الحزن هناك اخرون في البلدة يفكرون في السير على نهج هؤلاء الشباب. وقال رجل اشترط عدم ذكر اسمه ولديه لحية طويلة ويرتدي ثيابا على النمط الافغاني انه يأمل في الذهاب الى سوريا لكن زوجته انجبت طفلة لتوها. واضاف الرجل البالغ من العمر 30 عاما والذي يعرف واحدا على الاقل من الذين قتلوا في سوريا انه مستعد للسير على خطاهم "أود الذهاب الى سوريا... إن شاء الله اذا ما وجدت السبيل."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/آيار/2012 - 29/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م