الأمراض المُخّيّة الوعائية

د. هاني حجاج

تضم الأمراض المُخّيّة الوعائية بعضاً من أكثر الإضطرابات شيوعاً وتدميراً: سكتة نقص الإرواء، والسكتة النزفية وتشوّهات الأوعية الدموية للمخ، على سبيل المثال الأورام الوعائية داخل الجمجمة والتشوهات الشريانية الوريدية (AVMs). حيث تسبب 200.000 حالة وفاة كل عام في الولايات المتحدة كما أنها أحد الأسباب الأساسية للإعاقة. ويزداد معدل حدوث الأمراض المُخّيّة الوعائية مع تقدّم العمر، ويظهر أن عدد السكتات الدماغية يزداد كلما زادت الفئة العمرية من كبار السن، مع مضاعفة حالات الوفاة بسبب السكتة الدماغية في الولايات المتحدة بحلول عام 2030. وتظهر معظم الأمراض المُخّيّة الوعائية كبداية مباغتة لعيب عصبي بؤري، وكأن المريض قد "صعقته السماء".

تُعرّف السكتة أو الحادث المُخّي الوعائي بهذا البدء الفجائي للعيب العصبي البؤري والذي ينسب إلى مسبب وعائي بؤري. وبالتالي فإن تعريف السكتة يتم بالدراسات السريرية والأبحاث المعملية وتتضمن تصوير بغرض تدعيم التشخيص. تتنوّع الآثار السريرية للسكتة بشدة بسبب النظام التشريحي المعقّد للمخ وأوعيته الدموية. يحدث الإقفار المُخّي بسبب نقص تدفق الدم الذي يستمر لأكثر من عدة ثوان. تظهر الأعراض العصبية خلال ثواني نظراً لافتقاد العُصبون إلى الجليكوجين ومن ثم يحدث فشل الطاقة سريعاً. وإذا استمر نقص تدفق الدم لأكثر من عدة دقائق، ينتج إحتشاء أو موت نسيج المخ.

وعندما يستعاد التدفق الدموي بسرعة، يستعيد النسيج المُخّي حيويته بالكامل وتكون أعراض المريض انتقالية فحسب: وهو ما يطلق عليه نوبة إقفارية انتقالية (TIA). ويتطلب التعريف النموذجي للنوبة الإقفارية الانتقالية TIA أن تختفي جميع العلامات والأعراض العصبية خلال 24 ساعة بغض النظر عما إذا كان هناك دليل تصوير تشخيصي لوجود إصابة مُخّيّة دائمة جديدة، ونعتبر السكتة قد حدثت إذا استمرت العلامات والأعراض لأكثر من 24 ساعة.

وبالرغم من ذلك، فثمة التعريف المقترح حديثا يعمل علي تصنيف هؤلاء الذين يعانون من احتشاء جديد بالمخ على أنها سكتات إقفارية بغض النظر عما إذا كانت الأعراض مستمرة أو لا. وعادة ما يؤدي النقص العام في التدفق الدموي المُخّي بسبب انخفاض ضغط الدم الجهازي (علي سبيل المثال اضطراب النظام القلبي، أو احتشاء عضلات القلب، أو الصدمة النزفية) تؤدي عادة إلى الوصول إلى الغشي.

وإذا استمر التدفق الدموي المُخّي المنخفض لفترة أطول، فإن الاحتشاء في المناطق الأوسع بين توزيعات الشريان المُخّي الرئيس قد يتطور إلى حالات أكثر حدة. تحدث حالة إفقار-نقص تأكسج عامة تؤدي إلى إصابة مُخّيّة منتشرة بشكل واسع، ويطلق على التدهور التدريجي للإدراك الحادث اعتلال المُخّ الإقفاري -ناقص التأكسج. أما عن الإقفار أو الاحتشاء البؤري، على الجانب الآخر، فيحدث عادة بسبب وجود الجلطات في الأوعية الدموية المُخّيّة نفسها أو من خلال الإنصمام من المصدر الشرياني الداني أو من القلب. يحدث النزيف المُخّي من خلال النزف المباشر في أو حول المخ؛ ويؤدي إلى أعراض بإحداث أثر شامل علي التركيبات العصبية، من الآثار السامة للدم ذاته، أو من خلال زيادة الضغط داخل المُخّ.

نهج المريض:

المرض المُخّي الوعائي

 يعتبر استخدام التقييم السريع أساسي في العلاجات ذات الحساسية للزمن علي سبيل المثال تحليل الجلطة. وبالرغم من ذلك؛ فإن مرضى السكتة الحادة في الغالب لا يطلبون المساعدة الطبية بأنفسهم وذلك لأنهم نادراً ما يشعرون بالألم، كما أنهم قد يفقدون القدرة على إدراك وجود خطب ما (أنوساجنوزيا anosagnosia؛ حالة مُخّيّة تتميز بعدم القدرة علي الإدراك والتمييز)، في الغالب يكون أحد أفراد العائلة أو شخص ما بالجوار هو من يرسل في طلب العون. ولذلك فإنه لابد من استشارة المرضي وأفراد العائلة لطلب الخدمات الطبية الطارئة علي الفور في حالة خبروا أو شاهدوا البدء المفاجيء أو في حالة شهود لحالة من الأثر المفاجيء لأي مما يلي: فقدان الوظيفة الحسّية و/أو الحركية على أحد جانبي الجسم (ما يقرب من 85% من مرضى السكتة الإفقارية يعانون من خزل شقّي)؛ وتغير الرؤية أو حركة السير أو القدرة على الحديث أو الفهم؛ أو إذا خبروا صداعاً مفاجئاً حاداً.

 هناك عدة أسباب شائعة لحدوث أعراض عصبية فجائية البدء والتي قد تحاكي السكتة، وتضم نوبات الصرع، وورم المُخّ والصداع النصفي والاعتلال المُخّي الأيضي. إن التسجيل المناسب من قبل الملاحظ أنه لم يحدث نشاط تشنّجي

 في البداية يستبعد منطقياً حدوث نوبة صرع. قد تصاحب الأورام أعراض عصبية حادة وذلك نتيجة للنزيف أو الصرع أو الاستسقاء الدماغي. ومن المدهش أن الصداع النصفي (الشقيقة) قد يحاكي السكتة الدماغية، حتى في حالات المرضى الذين لا تاريخ لديهم من الصداع النصفي. عندما يتطور دون ألم بالرأس (الشقيقة غير الدماغية)، فإن التشخيص ربما يظل استثنائياً. وقد تنشأ الشقيقة اللا دماغية في مرضى لا تاريخ سابق لهم من الشقيقة حتى في سن يزيد عن 65.

الاضطراب العصبي يكون في العادة أكثر ظهوراً، ويميل العيب العصبي، وكذا أي عيب حركي، إلى الهجرة ببطء عبر الطرف خلال دقائق بل وثواني كما هي الحال مع السكتة. ويصير تشخيص الشقيقة أكثر أمنا إذ يبدأ الاضطراب في القشرة المُخّيّة في عبور الحدود الوعائية أو في حالة وجود أعراض بصرية نموذجية، علي سبيل المثال تألق العدمات. أحيانا يكون من الصعب التشخيص قبل حدوث عدة نوبات دون أن تترك خلفها أية أعراض ومع نتيجة طبيعية لفحص المخ بموجات الرنين المغناطيسي MRI. بشكل كلاسيكي، تؤدي اعتلالات المُخّ الأيضية حالة عقلية متغيرة دون العثور على نتائج عصبية بؤرية. بالرغم من هذا فعلى ضوء حدوث سكتة دماغية أو إصابة سابقة بالمخ، قد تظهر على المريض المصاب بحمى أو انتان أو أعراض خزل شقّي والذي سرعان ما يزول بعد علاج الخمج. فتعمل عملية الأيض على "إماطة اللثام" عن عيب سابق.

 فور تشخيص السكتة، تلزم دراسة المخ بفحصه تصويرا لتحديد ما إذا كان سبب السكتة هو الإقفار أو النزيف. تصوير المخ بالأشعة المقطعية هو النموذج المعياري لكشف وجود أو غياب النزيف داخل الجمجمة. إذا كانت السكتة اقفارية، فقد يفيد إعطاء منشط مولّد البلازمين للنسيج معاد الاتحاد rtPA أو استئصال الجلطة الدموية الداخلية بالأوعية الدموية آلياً في استعادة الإرواء المُخّي (يمكنك الرجوع إلى "علاج السكتة الحادة الاقفارية").

ويحتل التدخّل الطبي لتقليل مخاطر المضاعفات الناجمة المرتبة الثانية في الأولويات، تتبعها خطط الوقاية الثانوية. بالنسبة للسكتة الاقفارية، تقلل عدة استراتيجيات احتمال حدوث السكتة التالية في جميع المرضى بينما تعتبر استراتيجيات أخرى فعالة بالنسبة لمرضي لديهم أسباب محددة للسكتة مثل الصمة القلبية وتصلّب الشريان السباتي. أما بالنسبة للسكتة النزفية، فلدينا سببان مهمان، هما النزيف الأمّدمّي تحت الأم العنكبوتية (SAH) ونزيف المُخّ المتعلق بارتفاع ضغط الدم. سنناقش لاحقاً طرق علاج والوقاية من نزيف المُخّ بسبب بارتفاع ضغط الدم.

السكتة الاقفارية:

 الفيزيولوجيا المرضية للسكتة الاقفارية

 يسبب الانسداد الحاد في الوعاء الدموي في المُخّ انخفاضا في تدفق الدم إلى منطقة المخ التي يغذّيها. ويعتبر معدل نقص التدفق وظيفة لتدفق الدماء الجانبي ويعتمد هذا علي التشريح الفردي الخاص للأوعية الدموية وموقع الانسداد. ويؤدي هبوط التدفق الدموي المُخّي إلى الصفر إلى موت أنسجة المخ خلال 4-10 دقيقة؛ القيم أقل من 16-18 مللي لتر/ 100جم من النسيج في الدقيقة يسبب إقفارا دون حدوث احتشاء ما لم يستمر لعدة ساعات أو أيام. وفي حالة استعادة التدفق الدموي قبل حدوث كم يُذكر من موت الخلايا، فإن المريض تظهر عليه فقط عدة أعراض انتقالية؛ TIA.

ويقفر النسيج المحيط بمنطقة القلب من الاحتشاء لكنه خلل وظيفي قابل للإصلاح ويطلق عليه المجال الإقفاري. ويمكن تصويره بتقنية "الارواء- الانتشار" باستخدام موجات الرنين المغناطيسيMRI. في النهاية يحدث احتشاء للمجال الإقفاري ما لم يتغير التدفق، ومن ثم فإن إنقاذ المجال الإقفاري هو هدف علاجات إعادة توزيع الأوعية الدموية.

 يحدث الاحتشاء المُخّي البؤري من خلال مسارين مختلفين: (1) مسار تنخري وفيه سرعان ما ينهار البنيان الهيكلي للخلايا، وذلك في الأساس بسبب الفشل في تزويد الخلايا بالطاقة؛ و(2) مسار الموت المبرمج للخلية حيث تموت الخلايا وفقاً لنظام معد مسبقاً. ويؤدي الإقفار إلى التنخّر من خلال تجويع العصبون للجلوكوز، والذي بدوره يؤدي إلى فشل الميتوكوندريا في إنتاج ATP. ومن دون ATP، تتوقف مضخات الأيون في الغلاف الخلوي عن العمل ويفقد العصبون قطبيته؛ مما يسمح بارتفاع الكالسيوم داخل الخلية. ويؤدي انتزاع قطبية الخلية كذلك إلى تحرير الجلوتامات من النهايات المشبكية العصبية؛ والزيادة في الجلوتامات خارج الخلية يؤدي إلى سمية الخلية من خلال تنشيط مستقبلات الجلوتامات المتواجدة خلف المشبك العصبي والتي تؤدي إلى زيادة دخول الكالسيوم العصبوني.

إن الشقوق الحرة يتم إنتاجها من خلال تحلل ليبيد الغشاء وعندما يكون هناك خلل وظيفي في الميتوكوندريا. تؤدي الشقوق الحرة إلى تدمير حفزي للأغشية وضرر مشابه في الوظائف الحيوية الأخرى للخلايا. وهناك درجات أقل من الإقفار، كالتي قد نلاحظها خلال المنطقة المحيطة بالسكتة، تحفّز الموت المبرمج للخلية والذي يؤدي إلي موت للخلايا خلال أيام إلى أسابيع بعدها. وعلى نحو دراماتيكي تزيد الحمى حالة الإقفار سوءاً، وكذلك ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم [الجلوكوز اكبر من 11.1 مللي مول لكل لتر (200 مجم/ديسي لتر)]، وبالتالي فمن المنطق إخماد الحمي ومنع ارتفاع الجلوكوز في الدم بقدر الامكان. ويعتبر إحداث انخفاض متوسط في درجة الحرارة من أجل تخفيف السكتة هو موضوع البحث السريري المستمر.

السكتة الاقفارية الحادة:

بعد تمام التشخيص السريري للسكتة، يجب أن تتبعه عملية مرتبة من التقييم والعلاج. الهدف الأول هو الوقاية من أو عكس إصابة المُخ. والوصول إلي حالة طبيعية للمجري الهوائي التنفُسي، والتنفُس، والدورة الدموية، وعلاج ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم أو انخفاضه إن وجد. إجراء فحص مقطعي غير تبايني دون صبغة على الرأس طاريء للتفريق بين السكتة الاقفارية والسكتة النزفية؛ إذ لا توجد أية دلائل سريرية يمكن الاعتماد عليها في الفصل بين الاقفار والنزيف، بالرغم من المستوى المنخفض بدرجة أكبر في الوعي، أو ارتفاع أعلى في ضغط الدم الأوليّ، أو تدهور الأعراض بعد بدء النزيف، وظهور عيب يقترح وجود السكتة. ويصمم العلاج لعكس أو تقليل كمية احتشاء النسيج، ويقع تحسُّن الناتج السريري بين ستة أقسام: (1) الدعم الطبي، (2) تحليل للجلطة المتكونة في الوريد، (3) تقنيات تخص بطانة الأوعية الدموية، (4) علاج مضاد لتكوّن الجلطة، (5) حماية الأعصاب، و(6) مراكز السكتة وإعادة التأهيل.

الدعم الطبي:

 عندما تحدث السكتة الاقفارية، فإن الهدف الفوري هو تحسين الإرواء المخي في المنطقة المحيطة بالاقفار، ويوجّه كذلك نحو الوقاية من المضاعفات الشائعة للمرضي ملازمي الفراش (الالتهاب الرئوي والتهابات مجرى البول والجلد) والخثارات العميقة للأوردة (DVT) مع الصمات الرئوي. يستخدم العديد من الأطباء الذين جوارب الضغط الهوائية للوقاية من DVT؛ وكذلك يبدو أن حقن الهيبارين تحت الجلد آمناً ويمكن استخدامه ذلك كعلاج متزامن.

ولأن التدفق الدموي الجانبي الذي يتم خلال المخ الاقفاري يعتمد على ضغط الدم، ثمة جدل على ما إذا كأن ضغط الدم يجب أن يتم يخفض بشكل حاد. وينبغي خفض ضغط الدم في حالة ارتفاع ضغط الدم الخبيث أو عند تزامن إقفار في عضلة القلب أو إذا كأن ضغط الدم أكبر من 185/110 مم زئبق ومن المتوقع تطبيق علاج تحليل الخثرة. وعند مواجهة المتطلبات المتنافسة لكلا من عضلة القلب والمخ، قد تكون الخطوة الأولى هي تقليل معدل ضربات القلب باستخدام محصر نشاط مستقبلات الأدرينالين من نوع بيتا-1 (β1) (كالايزمولول) لخفض جهد القلب والحفاظ على ضغط الدم عند مستوى محدد. تقدّر درجة الحمى ويجب علاجها باستخدام المواد المضادة لارتفاع درجة الحرارة وتبريد سطح الجسم. كما يجب متابعة جلوكوز الدم وحفظه تحت 6.1 مللي مول/لتر (110 ملجم/ ديسي لتر) عن طريق الإرواء بالأنسولين.

تنشأ أوديما المخ لدى ما بين 5 و10% من المرضى كافية لتسبب تبلد الإحساس او فتاق المخ. تصل الأوديما إلى قمتها في اليوم الثاني أو الثالث ولكن قد تؤدي إلي أثر بالغ لمدة 10 أيام تقريبا. وكلما كان الاحتشاء أكبر؛ زاد احتمال نشوء أوديما ذات أثر سريري بالغ. ويعمل حصر الماء بالإضافة إلي المانيتول بالوريد على رفع الضغط الأسموزي للبلازما، إلا أنه يجب تجنب حدوث انخفاض في حجم الدم حتى لا يساهم في حدوث انخفاض ضغط الدم مما يزيد الاحتشاء سوءاً. يظهر التحليل التجميعي لثلاث تجارب أوروبية عشوائية من عمليات استئصال نصف المخ (استئصال جزء من المخ وإزالة مؤقتة لجزء من الجمجمة) أن الإجراء يقلل نسبة الوفيات بدرجة كبيرة، كما أن النتائج السريرة للناجين تكون مقبولة.

ثمة صحوة خاصة يعتد بها لمرضى الاحتشاء المخيخي هذه السكتات قد تحاكي التهاب التيه بسبب الدوار المنتشر والقيء؛ ويجب أن ينبّه وجود ألم في الرأس والعنق كي يفكّر في سكتة مخيخية من تشريح الشريان الفقري. حتى الكميات الصغيرة من أوديما المخيخ تزيد بشكل حاد من الضغط في داخل المخ (ICP) أو تضغط بشكل مباشر على جذع المخ. ويؤدي انضغاط جذع المخ إلى غيبوبة وتوقف التنفس ويلزمه تدخل فوري.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/آيار/2012 - 28/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م