مدارس بطيئي التعلم... فرصة سانحة لاحتواء المعاقين ذهنيا

نهلة جابر

شبكة النبأ: عندما يصل الطفل الطبيعي إلى سن ثلاث سنوات تقل حدة نوبات الغضب ومعدلات تكرارها ليصبح أكثر قدرة على التعبير عن نفسه وأكثر انشغالاً بأمور حياتية تشغله عن هذه التصرفات. إلا أن الأمر لا ينطبق على الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية حيث يبقى الجانب اللغوي أقل تطوراً وبالتالي فهو أقل قدرة في التعبير اللفظي عن ذاته ومشاعره مما يبعث على ضيق صدر الطفل وكثرة غضبه كوسيلة للتعبير عن انفعالاته ومشاعره.

"احمد 10 سنوات "لم يكن ينتبه لوجودي مع معلمته وكلامنا عنه في بادئ الامر، وهي تعمل جاهدة لكي تجعله يندمج مع اقرأنه لتخطي مرحلة البطء والخوف والوحدة، ذات المدارس التي جاؤوا منها تنعتهم بأصناف الكلمات البذيئة "غبي، لا تفهم، كان احمد يعيش في عالم لا نعرف محتواه عالم يأخذه الى مناص السكوت، الحزن، الوحدة، ضعف التذكر البصري والانتباه والقصور وعدم القدرة على التميز ومحدودية الذكاء.

والدة احمد تطلق العنان لدموعها وتندب حظها الغابر عندما ترى ابنها وقد اتخذ من زاوية الصف مكان يتكلم به مع نفسه ويطلق العنان لسكوته المطلق، في سرها تقول ان ولدها شبه مجنون وهو غبي جدا بحيث لا يتعلم الحروف رغم ان عمره بلغ العاشرة ، وكانت تتهم المعلمين كونهم لا يعطون ابنها الحق والقدر الكافي من التعليم، وتاره تقول "ان ابنها لا يفهم الامر ولا يمكن ان يتعلم بسرعة كم تتمنى وتطمح".

معلمته الخاصة تقول، "لم تدرك ام احمد ان ابنها معاق ذهنيا ونحن نتعامل معه على هذا الاساس ونحن نريد ان تترسخ له المعلومة لكن رسوبه لعدد من الاعوام جعلنا ندرك انه يعاني من التخلف الذهني، فليس من المعقول ان يكون ابنها في العاشرة من عمره وهو لم يزل يعاني من النطق للحروف".

معهد السلام لتدريس المعاقين ذهنيا، وهو منظمة مجتمع مدني يستوعب عدد من الطلبة بمختلف الاعمار يعمل على تعليم الطلبة الحروف الابجدية والنطق بها، تقول احدى المعلمات "بانه ليست لدينا مدارس بطي التعليم، وتعتبر هذه المدارس، عبارة عن صفوف في مدارس عامة لكنها منفصلة نعتبرها انقاذ لشريحة مهملة نطمح لاندماجها في المجتمع للتخلص من مرحلة التوحد والخوف والتخلف الدراسي والهبوط في المستوى التعليمي".

"مرتضى"، يدور في الصف كما تدور العجلات، يتمسك بملعقة طوال الوقت الذي تواجدنا به مع معلمته ويغضب بشدة عندما تحاول المعلمة ان تمسك به كي تاخذها منه، يمشي احيانا اخرى على اطراف اصابعه، يلملم الاشياء الواقعة على الارض ويضحك ويصدر اصواتا عندما يرى اننا انتبهنا عليه، اوضحت معلمته بان ام مرتضى قالت "انه ولد كباقي الاطفال لكني ارضعته صناعيا وهو لديه تواصل مع الجميع ويفرح جدا برؤيتنا انا وابيه، لكنه لم يعد يتفوه بكلمه واحدة سوى بابا وماما".

وتضيف، "لكنه لا يهتم بالاطفال الاخرين ولا يلعب معهم وايضا اصبح لا يرى كثير فهو مشوش الرؤية الى ان وصل به الحال الى هذا المعهد لتعليمه النطق والكلام والاحرف".

ومثال اخر "سمر محمد " عمرها 5 سنوات تقضي وقت طويل في فتح وغلق ابواب وشبابيك الصف الذي تشارك فيه زملائها بالدرس ،تفهم الحديث الموجه لها، تنفذ الاوامر، احيانا لا ترد عندما تناديها... وتتصرف وكأنها لا تسمع في بعض الاحيان، تفاعلها مع الاخرين محدود بما فيهم الاطفال في عمرها.

وتقول والدة سمر، "بدء القلق يساورني عندما وجدت ان ابنتي تعاني من تأخر التطور العضلي  وصعوبة النطق بحيث لم تكتسب كلمات كثيرة بل مجرد جمل "اريد الخروج _ملابسك جميلة، ذهبت ماما للشغل".

اما معلمتها فتقول، "انا اعلمهم اللغة العربية ليس لدي طفل مختلف عن الاخر اعاملهم بصورة طيبة جدا، جميع اصحابها يتقيدون بالجلسة الصحيحة ويتقيدون ويتفاعلون معي ومع الوسائل التعليمية".

اما مهند فهو يجلس معنا في الحلقة الدراسية فترة من الوقت ثم ينبطح على بطنه ومرة اخرى على ظهره وعندما اشرح لا ينظر الي بل يحدق باشياء اخرى ويردد اناشيد بصوت مسموع ليس له علاقة بالدرس مطلقا .

يحب اخته كثيرا وكثيرا ما يردد اسمها ويقوم باحتضانها عندما تأتي مع امها لاستلامه من المعهد حتى انه يصيح بصوت عالي على جميع الامهات بمناداتها بماما، وهو يقوم بأشياء غير مناسبة، مثلا يرحب بصاحبة "اهلا رامي" وكانه قادم للتو مع انه موجود معه منذ فترة طويلة... هو يعرف اسمي ويكرر كلمات اقولها حتى لو لم اكن اوجهها اليه وذلك بدون تركيز.

من جهتها تصف د. نزهت نجم، من مركز سارة للتأهيل النفسي "بانهم فئة من فئات المجتمع لها حاجاتها الخاصة من النواحي التربوية والتعليمية جعلتهم يحتاجون نوعا خاصا من المدارس والمعلمين مختلف عما يتطلبه المدارس الخاصة، ومن اصعبها الاعاقة "غير المرئية".

وتشير، "مثلا بطيئ التعلم والمتأخرين دراسيا وهو عبارة عن انخفاض واضح في التحصيل الدراسي وكل المهارات الاكاديمية الاساسية، وتصل نسبة ذكائهم اقل 9% _ واكثر من 74%، والطفل الذي يعاني من التعليم البطيء يعيش اعقد العمليات الاساسية التي تشترك في منهم احساسيات اللغة والتي تظهر في الصعوبة في الاستماع والتفكير والكلام. لذا يتوجب تصميم برامج علاجية خاصة وتعديل منهاجهم وطرق التدريس واستخدام الوسائل المناسبة لقدراتهم".

وفي احدى الندوات قدم  د. عادل جاسب دراسة حول هذه الفئة وكيفية اعداد مناهج لتدريسهم، مشيرا الى "اهمية ايجاد برامج علاجية حسب الحالات وايجاد مدرسين لتدريسهم كما ان طرق التدريس لهل اسلوب معين لشغل كل الحواس لنقل الخبرة والتدرج من البسيط الى الصعب، اضافة الى السير بخطوات بطيئة وبجمل صغيرة في الشرح، مراعاة الفروق الفردية تدريبهم على فترات غير متباعدة وتبسيط المفاهيم المجردة حتى تصبح ذات دلالة ومعنى والاعتماد على النفس".

وتابع، "إن هذه الفئة تشكل نسبة كبيرة من المجتمع منهم مجموعة من المتعلمين لديهم نقص في المقدرة على التحصيل الدراسي أو المتعثرين دراسياً بسبب تأثير عوامل مختلفة قد تكون تلك العوامل اجتماعية واقتصادية أو انفعالية أو نفسية أو عقلية ، وقد تتعلق بالأسرة أو بالمدرسة أو بالمتعلم نفسه، ويكون التاخر الدراسي في كل المواد الدراسية أو بعضها ونسبة الذكاء تتراوح بين 7. - 9. أي متوسط ودون المتوسط".

وبين رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس محافظة البصرة داوود سلمان ،اسباب حصول بطء التعليم عديدة، اهمها "تاتي بسبب الظروف العصيبة التي مر بها العراق من حروب واعمال ارهابية وجرائم وتفجيرات وتهجير وهذه اثرت في العوائل".

ويبين، سلمان أسباب حصول بطء التعلم بقوله "إنها عديدة ولكن أهمها يأتي بسبب الظروف العصيبة التي مر بها العراق من حروب وأعمال إرهابية وجرائم وتفجيرات وتهجير وهذه أثرت في العوائل بشكل عام وبالتالي تأثر الطفل فضلا عن حصول عاهات جسدية وذهنية إضافة إلى الأجواء العائلية المشحونة والتي تؤثر سلبا على الطفل التلميذ".

ويلفت إلى أمر مهم وهو ان الحاجة إلى مزيد من فتح الصفوف لهذه الفئة من التلاميذ إلا أن قلة عدد الأبنية المدرسية مع قلة المعلمين المختصين "تقف عائقا أمام تحقيق نجاحات أكبر واحتضان مجاميع أكثر".

ام اسراء عراقية بامتياز في تحملها وصبرها على اولادها الذين يعانون من التوحد والعوق الذهني منعم وسامي وهي تشرح لنا اهم الاسباب التي جعلت من اطفالها يعانون العوق كما تظن هي، لكنها "تعتب على الدولة العراقية باعتبار انهم فئة من نوع مختلف لهم حاجاتهم الخاصة وخاصة في النواحي التربوية التعليمية ومدارس خاصة".

وتقول، "ان الامر لا ينتهي الى هنا كما يتصور اولياء امور الطلبة ،بل نحن نعاني من مشاكل تدهور الحالة المعيشية، فضلا عن الاحالة للجان الطبية للفحص والمعالجة، والمشكلة العقيمة هي الصعوبة التي نجدها في قلة الوعي والادراك والثقافة لاهمية التعامل ما بين الاطفال ومعلميهم وبين الأطفال الآخرين الأسوياء".

وتضيف، "على الرغم من ان هناك فرق بين العوائل الفقيرة والغنية، وتقترح ام اسراء اصدار قانون يلزم الأهالي بالموافقة الطوعية والقانونية لعدم ترك الاطفال المعاقين وبطيء التعليم من استكمال دراستهم ومساعدتهم وتأهيلهم للاندماج مع اقرانهم التلاميذ الاعتياديين على الرغم من ان لنجاح يحتاج الى صبر واستخدام أساليب علمية وقناعهم بعملية النجاح لأن خسارتهم تعني خسارة كبيرة للمجتمع".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/آيار/2012 - 27/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م