مصرع شكري غانم يسدل الستار على اسرار دولية بالغة الاهمية

 

شبكة النبأ: لايزال الغموض يخيم على قضية غرق شكري غانم الذي يعد من الشخصيات الليبية المهمة وأحد المقربين من الرئيس الراحل معمر القذافي حيث تعددت الروايات وتنوعت الاقوال بخصوص حادث الوفاة التي غيبت معها الكثير من الاسرار التي كان يمتلكها هذا الرجل فيما يخص ثروة القذافي وعائلته، ويرى بعض المراقبين ان هذه القضية ربما تكون مدبرة وانها حصلت وفق خطة مدروسة اعدت مسبقا لتصفية بعض الشخصيات الليبية المهمة التي تمتلك بعض الاسرار والمعلومات الخطيرة والتي قد تؤثر على شخصيات واسماء معروفة من داخل خارج ليبيا، ولم يستبعدوا ايضا تنفيذ هذا العمل من قبل مخابرات دولية مستبعدين بذلك باقي الاحتمالات الاخرى. وصدمت وفاة اكبر مسؤول نفطي بحكومة معمر القذافي في فيينا اصدقاءه وزملاءه الذين يقولون انهم يشتبهون في ان أعداءه ربما لاحقوا وقتلوا الرجل الذي كان يعلم أكثر من أي شخص اخر بشأن مليارات الدكتاتور الراحل. وعثر على جثة غانم الذي رأس حكومة القذافي لبعض الوقت وأدار قطاع النفط لسنوات أيضا بكامل ملابسه طافية في نهر الدانوب على بعد بضع مئات من الامتار من منزله.

وتقول الشرطة انه مات غرقا وربما سقط في النهر بعد اصابته بنوبة قلبية عقب ممارسة رياضة المشي. وتشير التقارير الاولية لتشريح الجثة الى انه لا توجد علامة على حدوث عمل اجرامي.

ويقول بعض أصدقائه انه لم يكن يجيد السباحة وانهم نبهوه الى ان يتوخى الحذر من أعداء في منفاه بالنمسا. وكان غانم (69 عاما) أحد أقوى الرجال في ليبيا في عهد القذافي وكان فعليا يسيطر على خيوط ثروة حكومة وعائلة القذافي الى ان انشق وانضم الى صفوف المعارضة في مايو ايار الماضي مع اقتراب المعارضين من طرابلس.

وكان قراره بالانضمام الى المعارضة نقطة تحول في الانتفاضة التي اطاحت بالقذافي في نهاية الامر. وامسك معارضون في نهاية الامر بالزعيم الليبي وقتلوه. وانتقل غانم للإقامة في المنفى بفيينا مقر منظمة اوبك حيث يقيم اثنان من بناته مع اسرتيهما. وكان الزعماء الجدد في ليبيا يربطون بينه وبين حكم القذافي واستبعد العودة الى وطنه. ومن المفترض أنه كان له اعداء بين معارضي القذافي بسبب السنوات التي قضاها في مركز السلطة مثلما كان له أعداء بين اصدقاء الزعيم الراحل واقاربه بسبب قراره بالانشقاق عنه. وكان من المفترض أيضا أنه على دراية ليس لها مثيل بصفقات نفطية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات.

وشكك الاصدقاء في الرواية الرسمية بشأن موته. وقال وزير نفط سابق بدولة اخرى عضو في اوبك بقي صديقا مقربا من غانم "أعتقد ان هذا سخف. لا يذهب المرء الى نهر الدانوب ويصاب بنوبة قلبية ويسقط في النهر."

ويصف من عرفوا غانم المسؤول الليبي السابق عموما بأنه شخصية مرحة. ويقول بعض أصدقائه ان شخصيته الخارجية كانت تخفي عقلا حذرا وكان يشعر بالقلق دائما بشأن التهديدات لسلامته لكنه كان مصمما على ان يعيش حياة عادية في منفاه بالنمسا. وقال الوزير السابق في اوبك الذي طلب عدم نشر اسمه "نظرا للمكان الذي كان فيه .. نعم أعتقد انني كنت سأشعر بالقلق. بدون شك كنت سأشعر بقلق بالغ. في الحقيقة اعتقد انه قال في بعض الاوقات انه كان يشعر انه مراقب. لكن ربما كان هذا من صنع خياله .. من يدري." وتابع يقول "اعتاد ان يتجول في انحاء فيينا بالترام أو في حافلة. لم يكن مختبئا ولم يكن لديه سائق يرافقه في النهار والليل .. لا شيء من هذا القبيل... أراد ان يحيا حياة عادية."

وقال عصام الجلبي الذي كان يدير قطاع النفط في العراق في الثمانينات وشيد في الآونة الاخيرة هيئة استشارية مع غانم في فيينا ان اصدقاءه نصحوه بأن يتوخى الحذر. وقال انهم دأبوا على نصحه بالتزام الحذر وتجنب الظهور بشكل ملفت. واضاف ان المشكلة هي انه أغضب النظام السابق لأنه انشق وان القيادة الجديدة في ليبيا لم تقبله لأنه شارك في ابرام عقود غامضة. ومثل اخرين لم يقتنع الجلبي بالرواية الرسمية. وقال "لا يمكن ان يكون سقط هكذا بساطة (في الماء). أعتقد اننا لم نسمع نهاية القصة بعد." وأضاف "من دفعه يعرف أنه لا يجيد السباحة."

وكانت هناك تلميحات الى أن غانم كان يعاني من مشاكل صحية. وقالت نهال جونيوارديني وهي صديقة لغانم منذ تخرجه من مدرسة في بوسطن وتقيم في واشنطن ان غانم ابلغ ضيفا انه لا يشعر انه على ما يرام وغادر مبكرا لممارسة المشي ولم يعد. وأضافت انه قبل ذلك بأيام ابلغ صديقا بأنه اجرى في الآونة الاخيرة سلسلة فحوص طبية وانه يشعر بالقلق بشأن النتائج.

كان يخشى العودة

في السياق ذاته قال غانم في ديسمبر كانون الأول بعد شهرين من مقتل القذافي وبعيد اعتقال ابنه سيف الإسلام إنه يخشى العودة الى طرابلس وأضاف "كانوا يجرون مقابلة مع رجل وقذفوه من النافذة." وأضاف اثناء جلوسه ببهو فندق وهو يضع عينا على الباب ويتفقد هواتفه المحمولة ولا يبدو عليه الكثير من السحر والمرح اللذين أكسباه الكثير من الأصدقاء "اذا كنت ناجحا فهناك دائما من يريد محاولة النيل منك."

وحيث إن غانم كان يحمل جواز سفر أوروبيا فإنه لم يكن يخشى ترحيله سريعا الى دولة تفتقر الى نظام قانوني مستقر. ومن بين زبائنه في قطاع الطاقة حكومة رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني التي منحته الجنسية الإيطالية بمرسوم رئاسي نشر في ديسمبر كانون الاول 2008.

ومنذ وفاة غانم رسمت عشرات الحوارات - مع افراد عائلته وأصدقائه وجيرانه وزملائه السابقين في طرابلس ومسؤولين كانوا يعرفونه على مدى العقود الثلاثة التي كان فيها من الشخصيات المهمة في مقر منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) بفيينا - صورة لرجل كان واقعا تحت ضغط متزايد وقلقا على سلامته.

ورآه شخص مؤخرا يحيطه حراس شخصيون على الرغم من أنه تخلى عن حماية الشرطة له بعد فراره من ليبيا الى مدينة كان يشعر فيها بأنها مثل الديار وبدأ تجارة جديدة. وتحدث آخرون عن عزوف الجالية الليبية التي كانت تقدره ذات يوم عن التعامل معه لأنها تشعر الآن بحرية أن تنبذه بوصفه ألعوبة لنظام فاسد. وقال أصدقاء إن مواطنا ليبيا بصق في وجهه بمطار فيينا هذا العام مما كان له أثر سيء على روحه المعنوية.

وقال رجل كان يعمل مع غانم في ليبيا وظل على اتصال به "بدا مكتئبا مؤخرا... كانت شهيته للطعام ضعيفة." وعلى غرار أغلب أصدقاء المسؤول الليبي السابق فإنه طلب عدم نشر اسمه.

كما أشار زميل سابق لغانم بقطاع النفط تناول معه القهوة الشهر الماضي الى أن غانم كان متوترا خاصة بشأن استدعاء الحكومة الليبية له ليدلي بشهادته بشأن صفقات مريبة. وقال "كان حزينا جدا لهذا الأمر... وقع تحت ضغط هائل."

هل أصابه هذا بنوبة أدت الى سقوطه في النهر؟ ام لم يعد يتحمل الوضع بحيث قفر غانم الذي لا يجيد السباحة ليتخلص من حياته؟ ام دفعه التوتر الى الخوف من أن مصالح كبرى ربما تسكته الى الأبد بدفعة في النهر تقضي عليه. ولم تعثر الشرطة على رسالة انتحار ويبدو الغرق صدفة غريبة للبعض. لهذا ربما لا يكون هذا غريبا في مدينة تعتبر الجريمة فيها مألوفة.

وقال نعمان بن عثمان وهو محلل ليبي بارز ومعارض للقذافي لفترة طويلة "إنها جريمة نفذت باحتراف" معترفا بأنه ليست لديه أدلة دامغة. وأضاف "إنها مافيا الطاقة العالمية. الأمر يتصل بالفساد والصفقات السرية. الناس يريدون أن يضمنوا غيابه حتى لا يتحدث."

حصل غانم على درجة الدكتوراه من بوسطن وحظي باحترام دولي بوصفه مسؤولا عن الأبحاث بمنظمة اوبك في التسعينات وصادق سيف الاسلام حين كان يدرس في فيينا. ويقول أصدقاء إن غانم ساعد القذافي الابن في إعداد الرسالة التي نال بها شهادة الدكتوراه. ثم استدعي ليتولى منصب وزير الاقتصاد الليبي عام 2001 وبعد هذا تولى منصب رئيس الوزراء بدءا من عام 2003 . في ذلك الحين كان سيف الإسلام يقود جهودا لاستغلال أسواق تصدير النفط التي انفتحت بعد رفع العقوبات الغربية.

نتيجة لقربه من عائلة القذافي أصبح غانم رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط عام 2006 مما منحه نفوذا وربما ثروة غير أنه لم يظهر لهذه الثروة أثر يذكر على الحياة التي عاشها في العام الأخير فكان يتمشى لفترات طويلة ويركب الترام ويقابل أصدقاءه القدامى لاحتساء القهوة ومشاهدة الأفلام او مباريات كرة القدم على التلفزيون مع ابنته الصغرى آية في الشقة الرحبة التي يملكها بالطابق العشرين قرب مجمع الأمم المتحدة بفيينا.

لكن العلاقة بعائلة القذافي جلبت المشاكل على رجل اعتبر على نطاق واسع في الخارج موظفا يتمتع بالكفاءة والأمانة. وقال زملاء ودبلوماسيون إن غانم قدم استقالته من المؤسسة الوطنية للنفط عام 2009 احتجاجا على مطالب من قبيلة القذافي بالحصول على اموال. لكنه داس على كبريائه وعاد الى العمل سريعا ليستقيل مرة أخرى في مايو ايار الماضي حين توغلت قوات المعارضة السابقة في الصحراء. بحسب رويترز.

ويتسم ما يعلمه غانم عن استخدام القذافي المزعوم للمؤسسة الوطنية للنفط كبنك خاص وعن أماكن مليارات يصعب اقتفاء اثرها بأهمية كبيرة للنبابة التي تحاكم سيف الاسلام وآخرين وربما كانت ستؤدي الى إعادة أموال الى خزائن الدولة. اما بالنسبة لمن يشتبهون في أن شخصيات مغمورة بدءا من ابناء قبيلة القذافي وانتهاء برجال المافيا الايطالية سعت الى إسكات غانم فإن رغبته في الحديث فيما يبدو ربما أثرت على سلوكه.

استجواب غانم

على صعيد متصل قال النائب العام الليبي عبد العزيز الحصادي ان ليبيا كانت تسعى لاستجواب أكبر مسؤول نفطي بحكومة معمر القذافي في تحقيق يتعلق بالفساد قبل العثور على جثته. ورفض الحصادي الخوض في تفاصيل التحقيق الذي يشمل شكري غانم الذي كان يدير صناعة النفط الليبية لسنوات من خلال منصبه كرئيس لشركة النفط الوطنية قبل فراره من البلاد قبل عام تقريبا وسط انتفاضة أطاحت بالقذافي وانتقل غانم للعيش في فيينا. وأتاح الدور الذي شغله غانم وهو أيضا رئيس سابق للوزراء ومقرب من سيف الاسلام القذافي ابن الزعيم الليبي الراحل الاطلاع على معلومات من الممكن أن تكون ضارة بما في ذلك المعلومات عن الصفقات النفطية مع الحكومات الغربية وشركات النفط. ولم يؤكد الحاصدي ما اذا كان التحقيق له علاقة بالفترة التي أمضاها غانم على رأس شركة النفط الوطنية اعتبارا من عام 2006 .

وقال النائب العام ان ليبيا أصدرت مذكرة تطالب بتسليم غانم لليبيا وان السلطات كانت تطلب منه تقديم معلومات معينة فقط لكن هذه المذكرة لم تكن فعالة على المستوى الدولي مضيفا أن المذكرة لم تكن تعني بالضرورة اعتقال غانم. وأضاف أن السلطات الليبية أرسلت المذكرة للإنتربول قبل حوالي شهر ولكنها لم تتلق الى الان ردا حاسما. وتابع الحصادي قائلا ان الاتصالات كانت قائمة مع محامي غانم بشأن مذكرة استدعائه ولكنه

و قال المتحدث باسم الحكومة الانتقالية ناصر المانع في مؤتمر صحفي ان المسؤولين الليبيين دهشوا لسماع أنباء موت شكري غانم وانه وفقا لتصريحات الشرطة فان الوفاة لا تنطوي على جريمة. وأضاف ان البعض عبروا عن رغبتهم في ان يدفن في ليبيا وان الحكومة ستعلن قريبا التفاصيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/آيار/2012 - 27/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م