
شبكة النبأ: تحديات كبيرة تواجه
الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند الذي وعد بمجموعه من الاصلاحات
الداخلية والخارجية، ويرى بعض المراقبين ان بعض تلك الوعود ستكون صعبة
التنفيذ خصوصا تلك التي تتعلق بقرار اعادة تفاوض مع الاتحاد الاوروبي
الامر الذي قد يتسبب بإحراج هولاند امام ناخبيه وسيجبره التخلي عن بعض
الوعود. وبدأ الاشتراكي فرنسوا هولاند مهامه رسميا رئيسا للجمهورية
الفرنسية بعد تسلم السلطة من الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي
مكرسا عودة اليسار الى قصر الاليزيه بعد غياب استمر 17 عاما. وهولاند
الذي انتخب في 6 ايار/مايو بنسبة 51,6% من الاصوات، اصبح بالتالي سابع
رئيس للجمهورية الخامسة وسيبقى في السلطة خمس سنوات على رأس احدى القوى
العظمى العالمية والعضو الدائم في مجلس الامن الدولي.
وقال رئيس المجلس الدستوري جان لوي ديبري "انت تجسد فرنسا وتعتبر
رمزا لقيم الجمهورية وتمثل كل الفرنسيين". وفور تنصيبه اراد الرئيس
الجديد توجيه رسالة "ثقة" الى الفرنسيين قائلا ان البلاد "بحاجة
للمصالحة ولم الشمل، ان دور رئيس الجمهورية هو المساهمة فيها والحرص
على عيش كل الفرنسيين معا بدون تفرقة حول نفس القيم، هي قيم الجمهورية".
واضاف "هذا هو واجبي" واعدا بقيادة البلاد "ببساطة وكرامة" ومؤكدا انه
سيكافح "العنصرية ومعاداة السامية وكل انواع التفرقة".
وهولاند الذي عبر سابقا عن رغبته في "رئاسة عادية" اراد حفلا "بسيطا"
لبدء ولايته من خمس سنوات التي تنطلق تحت وطأة الازمة الاقتصادية ومعدل
البطالة المرتفع. ونظم حفل التنصيب في غياب اولاد هولاند الاربعة وكذلك
اولاد رفيقة حياته الصحافية فاليري تريرفيلر، في ما يشكل تناقضا مع
صورة العائلة الكبيرة التي اظهرها نيكولا ساركوزي في 2007. ولم يوجه
الدعوة سوى الى ثلاثين شخصا ما يشكل تناقضا ايضا مع مئات المدعوين
الذين جاؤوا عام 1981 لحضور حفل تنصيب اول رئيس يساري فرنسوا ميتران..
ويقضي التقليد بعدها ان يعبر الرئيس الجديد جادة الشانزيليزيه في
سيارة سيتروين مكشوفة وصولا الى قوس النصر حيث يضيئ الشعلة عند ضريح
الجندي المجهول. وسيقوم هولاند بتكريم ذكرى جول فيري الذي جعل المدرسة
العلمانية الزامية ومجانية والى ماري كوري المولودة في بولندا والحائزة
جائزتي نوبل في الكيمياء والفيزياء مطلع القرن العشرين، تاكيدا منه على
اثنتين من اولويات رئاسته: التعليم والاندماج.
وفي الايام الاخيرة، ظهر هولاند في صورة الرجل البسيط وهو يتجول في
شوارع باريس ويتحدث الى المارة مبتسما ويزور معرضا او يشارك في احياء
ذكرى ما وذلك ليؤكد بعد انتخابه رغبته في مواصلة تصرفه كرجل "عادي".
وسيدخل هولاند في صلب الحياة السياسية مع بداية ولايته من خمس سنوات،
بتعيين رئيس وزرائه الذي سيكشف عن تشكيلة حكومته التي ستوزع المناصب
فيها بالتساوي بين النساء والرجال وتضم حلفاء من دعاة حماية البيئة.
وسيكلف رئيس الوزراء ايضا بترتيب معركة الاشتراكيين للانتخابات
التشريعية في العاشر والسابع عشر من حزيران/يونيو للحصول على غالبية "واسعة،
قوية ومخلصة" كما اعرب هولاند عن امله امام اصدقائه الاشتراكيين. لكن
الملف الذي سيطبع ولايته سيتم بحثه في برلين مع المستشارة الالمانية
انغيلا ميركل وهو اعادة التفاوض بشان معاهدة الانضباط المالي في اوروبا
التي يريد ان يضيف اليها شقا يتعلق بالنمو.
واعلنت برلين معارضتها لأي اعادة تفاوض، مذكرة بان 25 دولة في
الاتحاد الاوروبي تبنت هذا النص. الا ان المستشارة ابدت مع ذلك تفاؤلها
مؤكدة ثقتها في شراكة "مستقرة" مع باريس، بينما يؤكد وزير ماليتها
فولفغانغ شوبله عدم وجود اي تعارض بين النمو وبين ضبط الموازنة. بحسب
فرنس برس.
ودعا المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي بنوا هامون المستشارة
الالمانية ان "تدرك" انه لا يمكنها "ان تقرر وحدها مصير اوروبا". لكن
النائب الاشتراكي هنري ايمانويلي قال ان فرنسوا هولاند وانغيلا ميركل "سيسعيان
الى ايجاد تسوية". وحذر ايمانويلي من ان المفاوضات حول تحفيز النمو
الذي يدعو اليه هولاند، اضافة الى ضرورة التقشف المالي الذي تشدد عليه
المستشارة الالمانية، لن "تصل الى نتيجة في غضون 24 ساعة". واضاف
ايمانويلي "هذا الامر سيتطلب وقتا".
موقف ثابت
على صعيد متصل اكدت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ان موقفها
الثابت من معاهدة ضبط الموازنة الاوروبية التي يريد هولاند ان يضيف
اليها شقا يتعلق بالنمو. قالت ميركل التي كانت تدعم الرئيس المنتهية
ولايته نيكولا ساركوزي، ان "معاهدة ضبط الموازنة غير قابلة للتفاوض".
واضافت "من غير الممكن اعادة التفاوض بشأن كل شيء بعد كل انتخابات" لان
"اوروبا لن تتمكن من المضي قدما". وقالت انه اذا اعيد التفاوض بشأن
المعاهدة بناء على طلب فرنسا "ستطلب اليونان ايضا اعادة التفاوض" بشأن
خطة التقشف التي فرضت عليها مقابل حصولها على مساعدة دولية.
واعلن هولاند انه يريد ان يجعل النمو وخلق الوظائف والازدهار
والمستقبل، في صلب السياسة المالية الاوروبية، وأن يوضح لبرلين وشركائه
الاخرين ان "التقشف ليس المسار الوحيد". وكان وزير خارجية المانيا غيدو
فسترفيلي يؤكد في الوقت نفسها تقريبا في برلين رؤية بلاده المختلفة
تماما والتي تقوم على اجراء اصلاحات هيكلية لتعزيز التنافسية والتغلب
على العجز المالي. ومن الواضح ان ميركل لا تؤيد تشجيع سياسات الانعاش
في اوروبا، وانما الاصلاحات المؤلمة في سوق العمل التي اسسها المستشار
السابق غيرهارد شرودر.
وكانت ميركل استعملت كلمة "نمو" ما دفع بعض المحللين الى القول انها
تبدي بعض اللين. لكنها عادت الى التذكير بمواقفها بقولها انها لن تؤيد
النمو المدعوم بالديون. وقبلها وجه المتحدث باسمها ستيفن سيبرت تحية
الى ساركوزي الذي دعمته ميركل. وقال المتحدث ان ميركل "تود اليوم ان
تشكر ساركوزي"، معتبرة ان "الحلول التي وجدتها اوروبا لمعالجة مشكلاتها
تحمل توقيعه".
ورات وسائل الاعلام الالمانية ومحللون في برلين ان انتخابات فرنسا
واليونان تعبر عن رفض لخطة ميركل. واعتبرت صحيفة در شبيغل التي تعبر عن
اليسار الوسط ان رفض خطة التقشف ياتي في حين يبدو الاقتصاد الالماني
متأثرا بالصعوبات التي تعاني منها جاراته. وبعد سنوات من التضحيات
المتصلة بالاجور التي وافقت عليها النقابات ضمنا باسم التنافسية وخفض
البطالة، بدأ التوتر الاجتماعي يظهر في المانيا. وقال لودر جيركن مدير
مركز السياسة الاوروبية في فريبورغ ان "انتخابات الاحد لم تشكل هزيمة
لميركل وانما لحكومتي فرنسا واليونان"، لكنه اضاف "يبدو ان مواقف ميركل
وساركوزي المدافعة عن الاصلاحات الهيكلية باتت ضعيفة، لان ساركوزي لم
يعد موجودا. الموقف اصعب بالنسبة لميركل".
واعتبر جيركن ان هولاند لن يسعى الى المواجهة مع برلين، مذكرا بان
المستشار المحافظ هلموت كول والاشتراكي فرنسوا ميتران عملا معا. واضاف
ان "اليونان هي التي تمثل المشكلة الرئيسية". ويرى المراقبون ان قادة
اكبر اقتصاديين اوروبيين لن يكون امامهما من خيار سوى التفاهم بسرعة
تحت ضغط الازمة والاسواق المالية. وقال ستيفان سيدندورف، المحلل في
معهد لودفيغسبورغ الفرنسي الالماني انه رغم خطابها المتشدد، ستضطر
ميركل الى "التنازل حيال بعض النقاط في السياسة الاوروبية"، وسيكون
عليها ان تشرح للالمان ذلك، لانه يصب "في مصلحة المانيا".
الى جانب ذلك صرح رئيس البنك المركزي الالماني ينس فايدمان ان رغبة
الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند في تعديل معاهدة البنك المركزي
الاوروبي والمعاهدة المالية الاوروبية او زيادة الديون، تشكل امرا
خطيرا. وفي مقابلة مع صحيفة سود دويتشه تسايتونغ، ذكر فاديمان ايضا
اليونان بالتزاماتها تحت طائلة تعليق المساعدات المالية لها. وقال ردا
على سؤال حول اقتراح هولاند خلال حملته الانتخابية تمكين البنك المركزي
الاوروبي من اتخاذ اجراءات دعم الاقتصاد او اقراض الدول مباشرة، ان
"تعديل انظمة (البنك المركزي الاوروبي) سيكون خطيرا".
واضاف فايدمان ان "الوظائف والنمو الاقتصادي هي ثمرة المبادلات
التجارية. البنك المركزي (الاوروبي) هو الاكثر اهلية للمساهمة في
استقرار العملة" الاوروبية. وفي مجال التضخم، قال فايدمان "ينبغي
انتظار البرنامج النهائي لحكومة" لكن "من الواضح انه يتعين رفض ما طالب
به اثناء الحملة الانتخابية، اي تفكيك المعاهدة المالية الاوروبية"،
كما اضاف. وتابع فايدمان يقول "هناك عادة اوروبية تقضي بالتمسك
بالاتفاقات الموقعة".
وبشان خطط انعاش النمو ولو مع مديونية، قال ان "كلمة السر هي نمو
نعم اعرف"، مضيفا "لكن كل شخص يفسر هذا التعبير بمفهوم اخر. وتثبت كل
التجارب ان استدانة كبيرة جدا تعوق النمو". وقال ان "محاربة الديون
بالديون لن تنجح". بحسب فرنس برس.
وفي ما يتعلق بالتضخم في المانيا، والذي اعتقد البعض ان البنك
المركزي الالماني لم يكن حاسما بشأنه، اكد فايدمان مجددا "انه طريق
خطير، ينبغي الا نكرر اخطاء السبعينات. التضخم غير عادل على الصعيد
الاجتماعي، ولا يسمح بالخروج من الازمة". وفي ما يتعلق بالمساعدات
المقدمة لليونان، قال فايدمان اخيرا انه لا توجد "املاءات اقتصادية
المانية". لكن "اذا لم تحترم اثينا وعودها، فسيكون ذلك خيارا
ديموقراطيا. والنتيجة ستكون اختفاء الاساس الذي من اجله تعطى مساعدات
جديدة".
شريكة الرئيس
من جانب اخر لا يتوقع ان يشكل وضع فاليري تريرفيلر كشريكة حياة
للرئيس الفرنسي الجديد وليس كزوجة مشكلة بالنسبة للزيارات الخارجية او
حفلات الاستقبال الرسمية في فرنسا الا في حالات استثنائية نادرة كما
تقول مصادر دبلوماسية. و ابدت شريكة فرنسوا هولاند عدم اكتراثها بما
يمكن ان يثيره وضعها هذا من مشكلة على الصعيد الدبلوماسي. وقالت هذه
الصحافية التي تنوي الاستمرار في عملها "لست على يقين من ان الامر
مطروح بهذا الشكل. ربما بالنسبة لزيارة الى البابا. صراحة هذه المسألة
لا تشغل ذهني. هناك امور اخرى يمكن ان تشغلني اكثر منها بكثير. ومسألة
الزواج هي قبل كل شيء من شؤون حياتنا الخاصة". واضافة الى الفاتيكان
يمكن ان يثير الوضع البروتوكولي للسيدة الاولى مشكلة بالنسبة للدول
الشديدة التدين او الملتزمة بحرص بالتقاليد مثل المملكة العربية
السعودية واندونيسيا وحتى الهند غير انه لا يتوقع ان يتحول الامر الى
قضية حقيقية.
وقال خبير بروتوكولي في وزارة الخارجية الفرنسية طلب عدم ذكر اسمه
ان "البروتوكول يتكيف بطريقة برغماتية ونحن الان في القرن الحادي
والعشرين"، مضيفا "في فرنسا عندما نستقبل زيارات دولة او زيارات رسمية
فأننا نحن الذين نضع القواعد".
واشار مصدر اخر الى انه بالنسبة للخارج فان المراسم البروتوكولية
تتكيف مع ما تطلبه فرنسا وقال "اذا قلنا لهم عاملوا هذه السيدة على
انها زوجة الرئيس فانهم سيمتثلون". ويرى هذان الخبيران ان البروتوكول
يرتكز اساسا إلى العرف وليس إلى نصوص قانونية او نصوص دستورية. واشارا
الى انه حتى في الدول التي يمكن ان يثير فيها هذا الوضع مشكلة يتعين
البحث بعناية عما اذا كانت هناك سوابق. وساقا كمثال وجود وزراء خارجية
من مثليي الجنس يتنقلون اليوم بكل حرية مع رفقائهم للقيام بزيارات او
لحضور اجتماعات رسمية.
وفي بداية ولايته توجه الرئيس نيكولا ساركوزي وحده الى الهند بدون
كارلا بروني التي لم يكن قد تزوجها بعد. الا ان علاقاتهما كانت آنذاك
حديثة العهد جدا وربما كان لهذا التغيب اسباب فرنسية محضة كما اشار احد
المراقبين. وبعد زواجهما عاد نيكولا ساركوزي من جديد الى الهند بصحبة
قرينته ليزورا خصوصا "محراب الحب" اي نصب تاج محل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية سيد اكبر الدين "عامة لا
نقدم تسهيلات بروتوكولية سوى للأزواج والزوجات" مشيرا الى انه لا يعرف
الوضع بالتفصيل بالنسبة لفرنسوا هولاند. وفي اندونيسيا، اكبر بلد مسلم
من حيث عدد السكان، لا ينظر الناس عامة بعين الرضا الى مشاركة رجل
وامرأة الحياة تحت سقف واحد دون رباط الزوجية. الا ان الشعب الاندونيسي
الذي يتبع عامة خطا اسلاميا معتدلا لا ينتظر من الاجانب ومعتنقي
الديانات الاخرى الالتزام بتحريم العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج.
وهكذا فان الزيارة التي قامت بها رئيسة الوزراء الاسترالية جوليا
غيلارد، التي تعيش مع شريكها دون زواج، الى هذا البلد عام 2010 لم تثر
اي مشكلة.
لكن في دول الخليج، التي تحرم بشكل قاطع مثل هذه العلاقات، يمكن في
المقابل ان تكون الاعتبارات البروتوكولية ملزمة بالنسبة لفرنسوا هولاند
اذا ما اراد السفر اليها مع رفيقته. وفي كانون الثاني/يناير 2008 اضطر
نيكولا ساركوزي الى القيام بجولة في هذه المنطقة بدون كارلا بروني التي
لم تكن قد اصبحت زوجته بعد.
قالت شريكة الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند، فاليري
تريرفايلر، انها ستفعل كل ما يلزم "لتمثيل صورة فرنسا" لكنها لا تنوي
ان تكون سيدة اولى "مع مجرد دور شرفي"، وذلك في مقابلة مع صحيفة ذا
تايمز. وقالت الصحافية المتخصصة في السياسة البالغة 47 عاما "اريد ان
امثل صورة فرنسا، والقاء البسمات الضرورية وارتداء الملابس اللائقة،
لكن ينبغي الا يتوقف (دوري) عند هذا الحد"، بعد ان اعربت عن نيتها
مواصلة عملها عندما تصبح سيدة اولى.
وصرحت في المقابلة التي جرت وترجمت الى الانكليزية "عندما تقولون
انني نظيرة ميشال اوباما، لا اكاد اصدق عيني ولا اذني". وقالت الصحيفة
البريطانية ان تريرفايلر تستلهم من دانييل ميتران وهيلاري كلينتون اكثر
من كارلا بروني-ساركوزي او بيرناديت شيراك. واكدت السيدة الانيقة انها
تختار ملابسها من "ماركات الملابس الجاهزة الجيدة النوعية" وانها حتى
الساعة لم ترتد "اثواب كبار المصممين". بحسب فرنس برس.
وتصف شريكها هولاند بانه "رجل لطيف وسهل المعشر" وكذلك بانه سياسي
محنك. واضافت "اكتشفت ان ما قد يبدو لديه لوهلة كنقاط ضعف هو في الواقع
نقاط قوة". وتابعت "ان مد اليد الى شخص يحمل السكين ينزع سلاحه" مؤكدة
انها تؤمن "منذ زمن طويل" بفرص شريكها منذ 2005. كما تحدثت عن
"المتوددين" الى شريكها واصبحوا يكافحون للظهور الى جانبه. وقالت
"الاحظ ذلك لانني كنت هناك الى جانب فرنسوا هولاند عندما لم يكن حوله
اكثر من خمسة اشخاص". |