ساسة العراق والجنسية المزدوجة... حاجة انسانية أم حصانة من القضاء

عصام حاكم

 

شبكة النبأ: يبدو أن الحاجة ام فلاح في سباق مع الزمان وهي تعد العدة لاستغلال موقعها الجغرافي وسط السوق وقدرتها الفائقة على لفت انظار المتسوقين ممن يعشقون تلميحات ام فلاح وعلى الطريقة الشوالية كنايه لعصام الشوالي المعلق الرياضي المشهور.

حتى امست تلك التعليقات عنوان مميز وعلامة فارقة في مسيرتها المهنية وسبب من اسباب ثرائها المادي والاجتماعي ونفاذ بضاعتها المسمات عراقيا بالخضرة كالكرفس والرشاد والريحان والكراث والفجل بنوعيه الابيض والاحمر وامام انظار كل زملائها الخضارة المكتظين عن الشمال وعن اليمين.

لكن ما يلفت النظر ان تعليقات ام فلاح جاءت هذه المرة على غير عادتها وهي ذات طابع فني وسياسي في أنا واحد اذا تدعو محبيها وزبائنها للضغط على الفنان التركي مراد علم دار بطل مسلسل وادي الذئاب لتقديم نفسه كمرشح في الانتخابات القادمة.

وهي تعزي سبب ذلك في المقام الاول كونه شاب وسيم ومهذب وكريم وصاحب غيره على وطنه ويحارب كل المفسدين وهذه المواصفات وطنية ومثار اعجاب لكل عراقي شريف فما بالك بالفتيات وتتوقع له فوز ساحق على كل المرشحين اذا ما فكر في ترشيح نفسه للانتخابات القادمة في العراق.

وتمنت ام فلاح ان يصل الخبر للفنان التركي قبل فوات الاوان وان حمله للجنسية التركية ليس معوق بالمعنى الحقيقي فالقانون الانتخابي العراقي يجيز للاتراك ولباقي الجنسيات الترشح للانتخابات البرلمانية وهذا ما تحقق فعلا مع طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية وهو يحمل الجنسية التركية.

واذا ما اردنا ان نستفهم ما هي "الجنسية" فهي رابطةٌ سياسية وقانونية تُنشئها الدولة بقرار منها، تجعل الفردَ تابعا لها أو عضوا فيها، وتنظم اكتساب الجنسية وفقدانها وإسقاطها قوانين خاصة، وهناك الكثير من الدول التي تتقبل مبدأ ازدواج الجنسية، وتبيح لمواطنيها حمل جنسية دولة أو عدة دول أخرى‏. ‏كما يشير أستاذ الإعلام هاشم حسن الذي يرفض تعدد الولاءات لدى كبار المسؤولين، مفترضا ان ذلك مدعاة للتشكيك بقوة الولاء.

الا ان الدستور العراقي وفي المادة 18 يلزم مَن يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً، بالتخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة غير العراقية، على أن يُنظَم ذلك بقانون.

لكن النائب السابق، والخبير القانوني وائل عبد اللطيف يخشى من أن مجلس النواب قد يتعمد في تأخير تشريع قانون ينظم تنفيذ المادة الدستورية الخاصة بازدواج الجنسية، في إشارة منه الى تأثير قادة الكتل على نوابهم، مع تأكيد عبد اللطيف أهمية احترام الدستور باعتباره مصدرا أساسيا للتشريع.

يقول المواطن علي المياحي ما سببه ازدواج جنسية بعض المسؤولين من هدرٍ للمال العام، وإفلاتٍهم من العقاب، كما في "هروب" بعض الوزراء المتهمين بالاختلاس او الفساد الإداري، من القضاء وأحكامه باستخدام جنسيات غير عراقية يحملونها، ومنهم وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي حين اتهم بقضايا فساد في وزارته، ووزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني وهروب وزير الدفاع السابق عبد القادر محمد ألعبيدي إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ويضيف المياحي: والقائمة تطول ولا تقصر وان هناك اسماء كثيرة وكبيرة سوف تضاف عاجلا ام اجلا الى سجل الهاربين الى خارج العراق ما دامت التشريعات معطلة والقوانين لا تفعل الا على الطبقة الفقيرة.

يقول الصحفي صباح محسن جاسم من الضرورة القصوى ان يتخلى من ينتخب للبرلمان والحكومة العراقية من جنسيته ويبقى يحتفظ بجنسيته العراقية وذلك لجملة من الاسباب منها اخلاصه لوطنه وتضحيته من اجله والعمل على تطوره وتنميته فيما من يمتلك الجنسية الاخرى لا يبالي بالمواطن والوطن وسرعان ما يولي هاربا صوب الجنسية الاخرى محتميا بقوانينها وحصل ذلك سابقا لذلك ينبغي ان تسن القوانين لايقاف تلك المهزلة وهو ازدواجية الجنسية ليبقى الولاء للعراق فقط.

الاستاذ فاهم عزيز اكاديمي في جامعة كربلاء بدأ حديثه بتساؤل مفاده هل أن المسؤول العراقي الذي يحمل هويتين(هوية عراقية وهوية اجنبية) يعتز بالهويتين ويعطيهما نفس الاهمية والوزن، وهذا السؤال لو نحول جوابه الى أي مواطن عراقي سيكون جوابه كالاتي: ان المسؤول الذي يمتلك هويتين واحده عراقية والاخرى اجنبية له وجهة نظر محددة فالهوية العراقية يحتاج لها عندما يكون في السلطة كونه يتمتع من خلالها بالموارد المادية والمعنوية التي يحصل عليها وهو في موقعه القيادي.

ويضيف اما هويته الثانية اي غير العراقية فهي تمثل الملاذ الامن واليد السحرية التي تساعده في مواجهة ومعالجة الازمات التي يمر بها والمتعلقة بمجالات الفساد الاداري والمالي والقضائي وعندما يكون امام الامر الواقع فانه يلجا الى هويته الثانية ويعلن انتماءه الى بلده الجديد ليتخلص من الازمة التي وقع بها

 ويتابع: والسؤال الذي يطرحه نفسه اليوم وبالحاح ما هو دور مجلس النواب العراقي؟ وهل تم انتخابهم لحصد الاموال من دون عمل يذكر وكيف ينظر لهذا الموضوع المهم والخطير وهذه الوظيفية التشريعية والرقابية هي امانه في اعناقهم وان موضوع الهوية المزدوجة لا بد ان يناقش وان توضع له الحلول اللازمة ان ثمة هناك ضمائر حيه ومؤمنة بالله ورسوله.

الكاتب الصحفي مهدي جعفر يقول  أن الهاشمي يحمل الجنسية التركية، ويعتبر امتدادا لتركيا في العراق، والقائمة العراقية تعتبر مشروع الملك فهد ودويلة قطر في العراق، إنها محنة كبيرة، فهؤلاء السياسيون الذين يرفعون عقيرتهم بالصياح والنباح ليل نهار عن مكانة العراق، الاقليمية والدولية، ويتباكون على المواطن العراقي، هم في الحقيقة دمى تحرك من الخارج بخيوط، على طريقة تحريك العرائس أيام زمان، لكن الفارق أن الدمى اليوم، بإمكانها إحراق العراق وإغراقه ببحار من الدماء.

 ويضيف جعفر: فالعراق اليوم أمام وضع خطير، فمحور تركيا وقطر والسعودية يتحركان على ارض العراق ويخططان لانقلاب عسكري مدعوم من هذه الدول، ولابد ان توضع الامور في نصابها الصحيح، وتاخذ القوى الخيرة على عاتقها، التصدي لهذا المشروع الخطير، ولا أدري على من ينطبق وصف القوى الخيرة، فالأكراد لا يهمهم من العراق إلا حجم الخرطوم الطويل الممتد من خزائن بغداد، وعائدات نفط الوسط والجنوب، إلى كردستان، فهذا الخرطوم الذي يشفط الدولارات باستمرار وبشراهة هو ما يهم الكورد، ولا تهمهم من العراق معاناته ولا مشاكله ولا اي شيء آخر، فالكهرباء الكوردية خاصة بهم، والثروات الكوردية تهرب الى الخارج وعائدات التهريب لصالحهم، وصاروا يصدرون لباقي انحاء العراق، اللبن الشائط، والمعلبات، واحيانا المفخخات لزيادة احتراق الاطراف المتناحرة، حتى يتسن للكورد شفط المزيد من الدولارات وجني ثمار خصومات المغفلين الذين لم يدركوا بعد اللعبة الكوردية. وحتى استضافة الكورد للهاشمي، كانت محاولة لابتزاز الآخرين لجني المزيد من الدولارات سواء من بغداد او من السعودية وقطر.

ويتابع: هذه هي الصورة، فاين الحل؟

فلو كنت صاحب القرار في هذا البلد الذي فقد القرار، لن أتجاوز عدة قرارات مهمة، الاستقلال للأكراد، ليعيشوا بنفطاتهم، ويواجهوا فكي الكماشة الايرانية والتركية بمفردهم.

وأمنح حق تقرير المصير لكل المحافظات العراقية، والرجحان للأكثر، فإن رغب العراقيون في هذه المحافظات الاستمرار في اطار دولة اسمها العراق، فلا داعي للنزاعات والصراعات، وإن وجدوا انهم بحاجة الى تشكيل دويلات، فبها، لأن الأهم حياة الانسان ورغباته المشروعة، ولا يمكن فرض الولاءات على الناس بالقوة، اذ قبل العراق، لم يكن هناك عراق، وكان الناس يعيشون أحرارا متنقلين حيث يشاؤون دون اهازيج في الوطنية والقومية.

الناقد محمد الجحيشي حدثنا قائلا: يلجأ الكثير من الناس في دول العالم المختلفة الى الحصول على جنسية بلد اخر غير بلده لاسباب عدة بعضها اقتصادي والبعض الاخر سياسي وهناك ثمة اسباب اخرى، وما يهمنا من هذا الجانب هو ان عدد من ابناء هذا البلد وفي ظروف متفاوتة على مر العقود الماضية قد اضطرتهم الظروف الى اللجوء الى دول اجنبية وعربية بدوافع سياسية نتيجة المطاردة من قبل النظام البائد واجهزته القمعية الامر الذي دفع الكثير من اللاجئين العراقيين الى طلب الجنسية للدولة التي يقيمون بها وبعد سقوط النظام السابق عاد الكثير منهم الى بلدهم ليتبوأ مناصب عالية في الدولة لاسباب فنية وسياسية ولانهم يحملون خبرات شعوب سبقتنا بالتجارب الديمقراطية وبعد ان اطلع ابناء الشعب على سلوكيات عدد من هؤلاء المسؤولين بدأ المواطن يتساءل كيف نؤلي شخص مسؤولية تصل الى درجة وزير او اكثر وهو يحمل جنسية بلد غير بلده الام ولماذا يحتفظ بجنسيتين؟

ويضيف الجحيشي، وللإجابة عن هذا السؤال يمكن ان نقول

1- ان عدد من هؤلاء المسؤولين جاؤوا الى السلطة بدافع الشهرة والمال و حينما تنتهي تلك المصلحة فالملاذ الاخير هو الاحتماء بالجنسية الاجنبية.

2- البعض الاخر يسعى للتخلص من قوانين البلد في حالة الضغط عليه لاسيما المفسدين منهم وبالتالي اللجوء الى سفارات الدول التي حصل على جنسيتها على اعتباره احد رعاياها وهناك العديد من الشواهد على هذه الحالة يعرفها الجميع.

3- والبعض يحتفظ بالجنسية الاجنبية كي يحصل على معاملة مرنه عند السفر لاسيما اذا كان يحمل جنسية دولة اوربية وان البعض منهم لا يستطيع الاستغناء عن تلك الجنسية لان عوائلهم تعيش هناك.

من كل ذلك نخلص الى القول ان حملة الجنسية المزدوجة يضعون قدم في السلطة والقدم الاخرى خارجها فهم يرتكزون على القدم القوية ومتى ما ضعفت يتحولون الى القدم الاخرى وهكذا دواليك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/آيار/2012 - 25/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م