هنا سوف يظهر واضحا في استقراء لفكر واحد من اشهر اعمدة مدرسة
السقيفة الامام (الغزالي) المعبر عنه ب(حجة الاسلام) الذي لازال فكره
مهيمنا في اقطار المسلمين ويعتبر لديهم فكرا (وسطية) الغزالي التي تبيح
استبداد الحاكم الامام (بالشوكة) اي بالقوة والقهر والغلبة نظاما
مثاليا يجب الاستمرار والبقاء عليه..
واتخاذ الغالبية المثقفة ومعممي السنة لها كدستور عمل وسنة على
الرغم من خروجها على النصوص بالتحايل عليها والتلاعب بها وطمس الحقائق
او تزيفها عبودية للحاكم وتزلفا اليه طمعا بيسير الفتات وهذ يعكس الى
اي مدى وصلت اليه حالة تشليل العقلية وتزوير الدين حتى غدت سمة فارقة
واشكالية مستعصية بارزة يتخذ منها كلا من الانظمة المتسلطة وجماعات
التطرف والتشدد الطائفي وبالخصوص التكفيري وسائل واليات للرعب والارهاب
والابادة.
تبرير السياسي بالعقائدي
وهذا ما ستلاحظه من تناقض (حجة الاسلام الغزالي) في كتابه فضائح
الباطنية، فقد شن ابو حامد الغزالي حربا شعواء ضد المشروع العقائدي
الفاطمي (الشيعي) والاجتهادي العقلي الفكري في كتابه (فضائح الباطنية
وفضائل المستظهرية) فمن خلال تحليل اليات السجال العقلي ينكشف المشروع
(الوسطي) الغزالي انكشافا تاما يقوم على اساس كشف عوار الفكر الشيعي من
جهة وعلى اظهار فضائل الخليفة العباسي (المستظهر بالله) من جهة اخرى..
وفي كلا الامرين يخفق فيهما اخفاقا مريعا ويخبط خبط عشواء حيث نلاحظ
بوضوح فيما ذهب اليه من تلاعب بالمفاهيم وتزيف لليقين بما يحلوا له من
منمق ظاهر القول ومعسول الكلام على اساس تفنيده لعقائد الشيعة حول النص
على الامامة وشرعية الاختيار كما يزعمون.. الا انه ومن خلال بحثه
ودفاعه عن باطل تراثه (السقيفة) وما تلاها من تناقضات في مسار نظام
الخلافة وفي امعانه بقلب الحقائق ولكن ومن حيث يشعر ام لم يشعر يرى
عوار سبيله وخطاء فكره وينسب للخليفة العباسي (المستظهر) احقيته بخلافة
النبي (بالنص).. الى ما هنالك من المواقف والاراء المتمحلة المجانبة
للصواب...حيث يلاحظ فيها اليس فقط البعد عن الموضوعية وتزيف النصوص
الرسالية وحتى الطعن فيها تعصبا وطمعا وهذا مستغربا من (حجة الاسلام)
المتمكن من المعارف والعلوم وناصية البلاغة في التعبير لكنها لاتعدوا
اكثر من تخرصات شوهاء وتهريجا اعلاميا رخيصا للاستغواء والاستغفال
للسذج والرعاع محاباة للسلطة لذلك سعت السلطة في نشره وتعميمه وهذا ما
سوف تلاحظه من خلال قراءة هزال منطق (حجة الاسلام) وانقلاب السحر على
الساحر في كتابه الذي اجهد نفسه في اخراجه ايما اجهاد وفضح عوار مذهبه.
فمن مانشيت عنوان الكتاب يظهر سلاطة شدة الهجمة وبعدها التام عن
المنطق والوسطية المزعومة التي يدعيها (فضائح الباطنية) لكسب رضى
السلطة العباسية والطعن بالخلافة الفاطمية المنافسة لها والتي كانت في
اوج عنفوانها وتوسعها حتى طرقة ابواب عاصمة الخلافة بغداد.
حتى ان الخليفة العباسي(القائم بامر الله) تنازل للخليفة
الفاطمي(المستنصر بالله) معترفا بأحقية اهل البيت بالخلافة ووقع وثيقة
اذعان بذلك اعترف فيها الخليفة العباسي بأحقية ال الرسول بالخلافة
والتي تقول: (لاحق لبني العباس في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء)..
فالذي اراده شيخ الاسلام الغزالي هو الالتفاف على الحق وتأويل خطاب
النصوص الصريحة والواضحة والمسلمة لديه ولكن الجاه واطماع الدنيا
لايثبت لها الا اهل العزم والاخلاص من الابرار وهؤلاء في كل زمان قله.
يستنكر الفتنة وفيها ارتكس
ومصانعة (حجة الاسلام) ونفاقه واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار،
فالغزالي ينكر اشد النكير على من يصادر الشرع ويحكم بهواه في مسائل
فقهية في حين لايستنكر من نفسه عند مصادرته للدين كله وطمسه وتزويره
طلبا للعافية والعبودية للسلطان فحجة الاسلام الغزالي يروى عن قاض
القضاة (ابو يوسف) عمله (للحيل الشرعية) في تزوير الاحكام وتأويل النوص
بالباطل وطمس معالم الدين ومخالفة الشرع بصورة فاضحة لكسب رضى خليفة
المسلمين (الرشيد) واستدرار هباته وعطاياه في حين هو نفسه يطمس الحق
وركن الشرع ويصادره للسبب ذاته.. فاذا كان(قاضي قضاة) الاسلام يبرر
لخليفة المسلمين وحامي حمى الدين بالحيل الشرعية وطء نساء متزوجات ومن
غير استبراء كما في قضية (الناطفي) التاجر البغدادي (انظر الاغانى
للاصبهانى)، او يجوز له بالحيل الشرعية ذبح من اعطاه الرشيد الامان
وغدر به من اهل البيت عن طريق حيل اقاضى قضاة المسلمين ابى يوسف..
ويذكر الخطيب البغدادي في تاريخه ج14 ص254 كان الخليفة الرشيد يقول
لابي يوسف - قاضي القضاة وتلميذ الامام ابي حنيفة- في الاحوال التي
تتطلب مخرجا: إذهب فاحتل.. وفي هذا الصدد يقول حجة الاسلام الغزالي في
وصف هذا المنحى بانه من فتنة الدنيا في مساق قوله أن الفقيه في الزكاة
ينظر ما يقطع به مطالبة السلطان حتى إذا امتنع عن أدائها فأخذها
السلطان قهرا حكم بأنه برئت ذمته وحكي أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله
لزوجته اخر الحول –السنة- ويستوهب مالها إسقاطا للزكاة فحكي ذلك لابي
حنيفة فقال: ذلك من الفقه ويعقب الغزالي: صدق فإنه ذلك من فقه الدنيا
ولكن مضرته في الاخرة أعظم من كل جناية ومثل هذا هو العلم الضار احياء
علوم الدين ج1 ص32.
ولذلك كان يحظى هو واضرابه بمقام رفيع في الدولة وتهب له الاموال
الجليلة انظر مروج الذهب للمسعودي ج3 340 ولهذا كان ابا حنيفة يستغفر
الله من تركه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلك من اهم اوجه
الاختلاف بين ابي حنيفة وتلامذته المقربين فعد ابو حنيفة الى جنب
اصحابه ممن اتصلوا بخدمة هارون الرشيد وقووا مذهبهم وحصل لهم العلم
والسلطنة مناقب الشافعي للرازي ص139.
حيث تلاحظ على الغزالي يقوم بنفس الادوار من التحايل وقلب الحقائق
على سجية مرتزقة المعممين لمدرسة السقيفة التي كانت ولا زالت وبالا على
الدين وظلال للامة.
وسطية الغزالى غلو بالجحود وتفريط بالاستيقان
فالغزالي يستنكر على الشيعة من القول بالنص على الائمة ويطعن فيه
وهو يذهب اليه ويقره لخلافة بني العباس من خلال استجابته للاوامر (الشريفة
المقدسة النبوية المستظهرية) وفي وصف عبودية حاله للخليفة العباسي
قائلا (فإني لم ازل مدة المقام بمدينة السلام متشوقا الى أن أخدم
المواقف المقدسة النبوية الامامية المستظهرية ضاعف الله جلالها ومد على
طبقات الخلق ظلالها) وفي مجال تجيير خدمته للامام النبوي المقدس في
مجال العلم الذي جنح به الخيال في استنباط طريقة تطعن في الاخر وتبرر
للاخر وتأول البواطل قائلا:(في تعين العلم الذي أقصده بالتصنيف وتخصيص
الفن الذي يقع موقع الرضا من الرأي النبوي الشريف فكانت هذه الحيرة
تغبر وجه المراد وتمنع القريحة عن الاذعان ولانقياد) وهذا التوق لخدمة
رضى الخليفة وذاته القدسية لحد وصفه (بالنبوة) مما يجانب الواقع ويدوس
على الحقائق في سجالية الموقف الفكري للغزالي وتبذله وسخفه ونفاقه من
ربط الدين بمصالح لسياسة والبشري بالمقدس قائلا: (بتصنيف كتاب في علم
الدين أقضي به شكر النعمة واقيم به رسم الخدمة واجنى بما أتعاطاه من
الكلفة ثمار القبول والزلفة –لاحظ تزلف العبد الى مولاه-.. حتى خرجت
الاوامر الشريفة المقدسة النبوية المستظهرية بالاشارة الى الخادم في
تصنيف كتاب في الرد على الباطنية... وإبراز فضائحهم وقبائحهم بما يفضى
الى هتك أستارهم وكشف أغوارهم) فضائح الباطنية ص2-3.
وهذا يظهر بجلاء ان مناهظة الغزالي للطوائف الاسلامية لم يكن موقفا
فكريا نزيها بقدر ما كان دفاعا سياسيا عن حق الخليفة العباسي في
الامارة والذب عن الوضع السياسي المتهرأ الذي كان المد الشيعي قد هدده
في عقر داره والطعن فيه بكل باطل وتبرير زائف من خلال اسم الكتاب
(فضائح الباطنية) ومن محض دوافع تبريرية سقيمة لاتتناسب والدين والعلم
فقط بل تستغلهما الى اقصى الحدود كما يؤكد ذلك: (وكيف لا اسارع إليه ؟
وإن لاحظت جانب الامر ألفيته امرا مبلغه زعيم الامة وشرف الدين ومنشؤه
ملاذ الامم أمير المؤمنين وموجب طاعته خالق الخلق رب العالمين إذ قال
الله تعالى:(وأطيعوا الله وأطعيوا الرسول وأولى الامر مكنكم)؟ وإن
التفت الى المأمور به فهو ذب عن الحق المبين ونضال دون حجة الدين وقطع
دابر الملحدين.. لما نجم في اصول الديانات من الاهواء واختلط بمسائل
الاوائل من الفلاسفة والحكماء فمن بواطن غيهم كان استمداد هؤلاء فإنهم
بين مذاهب ثنوية والفلاسفة يترددون وحول حدود المنطق في مجادلاتهم
يدندنون) المصدر السابق ص3-4
وهذا التلفيق الظاهر لدعم الوضع السياسي للخلافة العباسية المنهارة
وازمة الغزالي الروحية المستعصية النابعة من ادراكه ان كل كتاباته
وجهوده العلمية وتدريسه كانت مسخرة للسلطة ولم يكن مراده بها وجه الله
تعالى كما قرر هو ذلك في (المنقذ من الضلال) وتناقضه وصراعه الذي برز
في هذا الكتاب.
ذرائع زائفة وفصل ابن خلدون
نتيجة للصراع السياسي الحاد بين الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية
واستفحال منافسة الفاطميين واكتساحهم الكبير لاقاليم واسعة كانت تحت
نفوذ العباسين وتهديدها بقرع ابواب عاصمتها بغداد فما كان من الخلافة
العباسية الا ان تشهر اخر اسلحتها وان كانت (فاسدة) وذرائعها وان كانت
زائفة باتهام الخلفاء الفاطميين في مصر بانهم لاينتمون الى الدوحة
النبوية بشيء وليسوا من اهل البيت وانهم ابناء (القداح) كما هو واضح من
الاجتماع الذي اعدته الخلافة العباسية لاقرار محظر سطرته ايادي الاحبار
الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وبصموا عليه بتواقيعهم زورا وباطلا في
متاجرة بيع ليس فقط للضمير بل والدين لقاء دراهم معدودات وهذا ما
يستنكره ويظهر كذبه العلامة المؤرخ ابن خلدون رغم نصبه وعدائه لاهل
البيت من قوله ان لسياسة السلطان دوافعها في طمس معالم الحق تبعا
للمصالح كما فعلت الخلافة العباسية في الطعن بالنسب العلوي الشريف
للفاطميين الخلفاء ونسبته من غير وجه صحيح الى عبدالله القداح وحتى الى
الزندقة واليهود. انها فرية فضيعة تبين مدى تبعية مرتزقة المعممين
واحبار قصور الخلاعة والمجون لخلفاء بني العباس. |