الاتحاد... سيوحد الخليج أم يفكك السعودية؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يتساءل الكثير من المراقبين عن مصير المشروع السعودي في منطقة الخليج، سيما وهي تمضي بإصرار صوب اقامة اتحادا مركزيا مع الدويلات العربية المجاورة لها، دون التفكير مليا بعواقب مثل هذا الاجراء في المستقبل.

فالكثير من الترجيحات تشير الى ان السعودية متجهة في سياستها تلك نحو التفتت والتقسيم، مما يعتبر ان مسعاها في اقامة الاتحاد خصوصا مع البحرين سينعكس سلبا بشكل مباشر على وحدة تلك الدولة خصوصا مع تنامي حركات التحرر المطالبة بالاصلاح والتغيير وان كانت محدودة نسبيا في الوقت الحالي.

وتمثل المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية مركز ثقل المسلمين الشيعة المناهضين لحكم آل سعود وسلطانهم الاستبدادي، وهو الامر الذي ينسحب على شعب البحرين ذو الغالبية الشيعية المنتفضة على حكم آل خليفة في تلك الجزيرة، حيث من المرجح ان يسهم الاتحاد في توحيد مطالب الشيعة في كلتا الدولتين ويزيد من التنسيق المشترك بين الشعبين في حراكهم الديمقراطي، مستهلا في ذلك فتح الطريق امام اغلبية الشعب السعودي الذي يعاني من التهميش السياسي للتحرك ايضا، وتحديدا بعد سقوط نظرية الخطر الايراني على شعوب المنطقة الذي تروج له الرياض.

ويشعر بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي الذي يضم الكويت والبحرين وقطر والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والسعودية بقلق من أن التقارب قد يؤدي الى تعزيز نفوذ السعودية أكبر عضو في المجلس.

وينظرون بعدم ارتياح لتقارير عن أن السعودية ستقيم مبدئيا اتحادا مع البحرين وقال مصدر قريب من الحكومة القطرية "ترى قطر في هذا كله طريقة سعودية لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج وفرض جدول أعمالها عليها."

وتخشى دول الخليج العربية الاصغر فقدان النفوذ الاقتصادي والسياسي لصالح السعودية التي يزيد عدد سكانها خمس مرات على سكان عمان ثاني اكبر دولة في المجلس من حيث عدد السكان لتسيطر أيضا على قطاع النفط والغاز الاكثر أهمية في المنطقة.

والشاغل الرئيسي للرياض هو صراعها الاقليمي مع ايران من أجل النفوذ وتريد اندماجا أكبر في مجال الدفاع وتنسيقا في مجال السياسة الخارجية بما يساعد في التعامل مع ذلك الصراع.

ويعتقد السعوديون أن ايران استغلت الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003 كنقطة انطلاق للسيادة على المنطقة كلها ويتهمون طهران بتأجيج الانتفاضة في البحرين والاضطراب بين الاقلية الشيعية في السعودية. وتنفي الجمهورية الاسلامية تلك الاتهامات.

وقال نيل باتريك وهو باحث زائر في برنامج الخليج في مدرسة لندن للاقتصاد "الرغبة المتزايدة هي تقديم جبهة أكثر اقناعا للوحدة في سياق قدر من الضغوط الداخلية والاقليمية. ولكن الاهمية الفائقة للسيادة الوطنية والقلق من النفوذ الذي قد تتمتع به السعودية يعملان ضد أي خطوات عملية." بحسب فرانس برس.

ولم يهدأ الاحساس بالضغوط في نصف العام بين الاجتماعين. فالاحتجاجات الشيعية اشتعلت من جديد في البحرين واشتعل من جديد كذلك صراع قديم بين الامارات وايران حول مجموعة من الجزر المتنازع عليها وذكرت مؤامرة تفجير جديدة للقاعدة الكثيرين بتهديد أمني مزعج مصدره اليمن.

ونظرا للعقبات في طريق اندماج سياسي جوهري بين دول مجلس التعاون الخليجي الست ترددت في الاونة الاخيرة تكهنات في العواصم الخليجية عن قيام شكل ما من الوحدة الاولية بين البحرين والسعودية.

وجاء في ورقة بحثية في مجموعة أوراسيا أنه "من المحتمل أن تقيم السعودية والبحرين نظاما اتحاديا مصغرا" وأضافت أن الخطة ستعطي الرياض نفوذا رسميا أكبر على الامن في جارتها الاصغر.

ولا يزال الدبلوماسيون في الخليج يقولون انه من غير المرجح على ما يبدو قيام اتحاد كونفدرالي مشيرين الى معارضة محتملة من قبل أعضاء اخرين في مجلس التعاون يشعرون بقلق من تزايد النفوذ السعودي والى نفور النظم الملكية التاريخي من فكرة التنازل عن أي قدر من السيادة.

وقال جاستن جنجلر وهو باحث متخصص في شؤون البحرين مقيم في قطر "انها وسيلة للضغط على البحرينيين لترتيب بيتهم. واذا كانت هناك حقا وحدة (بين السعودية والبحرين) فانها ستحدث قشعريرة في منطقة الخليج كلها."

بينما تعاني الامارات من توتر مع جارتها عمان التي اتهمت الامارات بادارة شبكة للتجسس في مسقط وهو اتهام نفته الامارات. وقال المحلل السياسي السعودي عبد الله الشمري ان النخب في مجلس التعاون الخليجي رأت تلك الدعوة للوحدة كرد فعل على الربيع العربي. ولكن التأييد في بعض الدول العربية سيكون ضعيفا فلا توجد سياسية موحدة في الدفاع والسياسة الخارجية.

وقال جاسم حسين وهو مسؤول كبير في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية وهي اكبر جماعة معارضة في البحرين ان "هدف النظام السعودي في المستقبل هو اقصاء الشيعة في البحرين."

وادلى حسين بهذه التصريحات بعد يوم واحد من قيام محتجين باحراق اطارات سيارات والاشتباك مع الشرطة في احدث تطور خلال 15 شهرا من الاضطرابات التي يقول ناشطون انها ادت الى قتل 81 شخصا . وتقول حكومة البحرين ان المتظاهرين مسؤولون عن عدد كبير ممن سقطوا قتلى. بحسب رويترز.

ويقول محللون انه بتوحيد الصف مع البحرين ستكتسب السعودية مزيدا من السيطرة على امن جارتها الصغيرة وتبعث برسالة الى ايران بوحدة السنة العرب. ولكن لا يرى كل السعوديين ان التكامل فكرة جيدة. ويقول عبد الله الشمري وهو محلل سياسي سعودي انه اذا انضمت السعودية للبحرين فانها تغامر باستيراد مشاكلها.

كما تعارض بعض دول مجلس التعاون الخليجي الاخرى ايضا قيام مزيد من الاندماج في المجلس الذي انشيء قبل 31 عاما خشية تقليص الرياض لاستقلالها. وقال مصدر قريب من الحكومة القطرية ان قطر ترى ان كل هذا وسيلة سعودية لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج.

من جهته قال رئيس وزراء البحرين خليفة بن سلمان آل خليفة ان التحديات الناجمة عن الظروف "الاستثنائية" تجعل الاتحاد الخليجي امرا "ملحا" داعيا الى اقامة منظومة امنية موحدة لحماية دول الخليج. ونقلت صحيفة "الرياض" السعودية عشية القمة التشاورية الخليجية عن الامير خليفة قوله ان "الظروف الاستثنائية والتحديات الناجمة عنها تجعل خيار الاتحاد امرا ملحا".

واكد ان اولوية العمل الخليجي ينبغي ان "تتركز في هذه المرحلة على تحقيق وضمان الامن بمفهومه الواسع، وزيادة التنسيق المشترك في المجالات الامنية والعسكرية والدفاعية عن طريق تبني منظومة امنية خليجية موحدة تشكل عنصر حماية لدول المجلس".

ايران تنتقد

الى ذلك وذكرت وكالة انباء مهر الإيرانية شبه الرسمية "هدف السعودية في احتلال البحرين بشكل قانوني هو منع تأثير الشيعة -اغلب سكان المملكة- على السكان الشيعة في المنطقة الشرقية بالسعودية." وأضافت "هدف النظام السعودي في المستقبل هو اقصاء الشيعة في البحرين."

وترتبط قطر وعمان بعلاقات جيدة مع إيران. وعارضت السعودية مشروعا لإقامة جسر بين البحرين وقطر ولم تستطع البحرين شراء الغاز من قطر.

غير أن سميرة رجب قالت إن هناك تحفظات بين أعضاء مجلس التعاون بشأن فكرة الاتحاد وأضافت أن من السابق لأوانه تحديد ما اذا كان الاتفاق بين الزعماء الخليجيين سيتطلب إجراء استفتاء في البحرين ام لا.

وقال جمال فخرو النائب الأول لرئيس مجلس الشورى البحريني إنه يعتقد أن من غير المرجح إعلان وحدة بين السعودية والبحرين في الوقت الحالي. وأضاف "انا متشكك...لن يكون ايجاد سياسة خارجية واحدة بين ست دول انجازا سهلا ما لم تقتصر على قضايا معينة."

وفي السياق ذاته، عبر عشقي عن اعتقاده بان "الامر سيكون منظما فلدينا تجربة ناجحة جدا في المنطقة وهي الاتحاد بين الامارات السبع" في اشارة الى قيام دولة الامارات العربية المتحدة العام 1971.

يشار الى ان مشاريع عدة من شانها المساعدة في اندماج دول المنظومة الخليجية التي تاسست عام 1981 في خضم الحرب بين العراق وايران مثل الاتحاد الجمركي والوحدة النقدية لكن لم يتحقق منها شيئ. واضاف رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية "هناك مسائل اخرى تبحثها القمة مثل دعوة ايران العراق الى الاتحاد والتي تاتي ردا على مشروع الاتحاد الخليجي".

وكانت السلطات الايرانية دعت رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال زيارته الاخيرة الى طهران الشهر الماضي الى الوحدة مع ايران. وختم مشيرا الى ان القمة ستدرس ايضا "تشكيل حكومة جديدة في اسرائيل قد تشن حربا على طهران كونها تضم المتشددين".

اما استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات عبد الخالق عبد الله فقال ان "الموجود في المطبخ الخليجي حاليا هو مسالة الاتحاد". وتابع "نتوقع اعلانا ما بخصوص الاتحاد والحد الادنى ان يكون بشكل ثنائي وربما تنضم دول اخرى (...) لكن ليست كل الدول في مجلس التعاون متحمسة لذلك على اغلب الظن". واضاف "هناك مسائل تقليدية مثل ايران والعلاقات المتوترة معها ومن المتوقع اتخاذ موقف اكثر وضوحا حيال الجزر الاماراتية الثلاث بالاضافة الى ملفات مرتبطة بايران مثل سوريا، كما ستبحث القمة اليمن كذلك".

بدوره، قال سلمان شيخ من مركز بروكينغز في الدوحة ان "محادثات تجري حاليا بخصوص الاتحاد بين البحرين والسعودية وسيكون امرا مهما معرفة اي نوع من الاتحاد الاقتصادي ام السياسي ام العسكري". واضاف "لكنني اتساءل ما اذا كان الاتحاد مع السعودية يشكل حلا لمشاكل البحرين، والسؤال يتعلق بمعرفة ما اذا كان النظام المحافظ في السعودية يثير اهتمام دول اخرى في مجلس التعاون الخليجي". وتابع شيخ ان "نتيجة القمة ستكون مؤشرا على طموحات السعودية في الخليج".

واشار الى "التحديات التي تواجه دول الخليج في اليمن حيث الاوضاع صعبة للغاية على كافة الصعد واتساءل عما سيفعله السعوديون هناك"، مؤكدا ان "القمة ستبحث ملفات اخرى مثل ايران وسوريا".

وحدة النقد الخليجي

فيما أكد عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين، أن قضية إنشاء وحدة اقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون بالأمر السهل، وذلك لوجود العديد من العقبات وفي مقدمتها اختلاف القدرات والإمكانات الاقتصادية.

وقال الخبير الاقتصادي غسان معمر في تصريح لموقع CNN بالعربية "دول مجلس التعاون الخليجي وإن كان معظمها دول منتجة للنفط وذات قوة اقتصادية، إلا أنها لا تتكافأ على صعيد القدرات الاقتصادية، وهذا الاختلاف سيكون في صالح الدول الأقوى اقتصاديا على حساب باقي الدول."

وأضاف معمر "أبرز الآثار السلبية التي ستلقي بظلالها على الوحدة النقدية ستظهر من خلال أرقام الصادرات في تلك الدول، باعتبار أن حجم الصادرات مرتبط بقوة العملة، وفي حال توحدت العملة فإن ذلك سيؤدي إلى إمكانية الحصول على ذات السلعة من مناطق أقرب جغرافيا لتوفير أجور الشحن، الأمر الذي سينعكس سلبا على معدلات النمو في بعض الدول."

ويشير عدد من المحللين إلى عدم وجود ترابط بين آليات عمل الوحدة النقدية الأوروبية والخليجية حيث أن هناك اختلافات كبيرة على صعيد مصادر الاقتصاد ومعدلات النمو والقطاعات الأكثر فاعليه في دعم الاقتصاد، ولا توجد مخاطر من إمكانية حدوث أزمات اقتصادية شبيهة بالتي عصفت بأوروبا خلال السنوات الماضية.

ويذكر أن وكالة الأنباء السعودية نقلت، على لسان وزير المالية السعودي إبراهيم بن عبد العزيز العساف قوله :" هذا الموضوع تتولاه جهة معنية به تبحث جميع قضاياه والتفاصيل المتعلقة به وهو يتعلق بالوحدة النقدية فيما بين أربع دول في مجلس التعاون وله كيانه المستقل."

وبين العساف في الاجتماع الثالث والتسعين للجنة التعاون المالي والاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية "أن اجتماع اللجنة المالية والاقتصادية بحث اليوم التقرير المشترك لمحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية وعدد من القضايا المرتبطة به."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/آيار/2012 - 24/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م