لا يختلف اثنان يعيشان على هذه الأرض الطيبة.. على أن النفس الفئوي
والروح الطائفية أصبحا في أعلى مستوياتهما بشكل بات يهدد النسيج
الاجتماعي ويصطدم مع تاريخ دام لاكثر من ثلاثة قرون من التعايش
والتفاهم بين جميع فئات الشعب الكويتي.
مظاهر تفاقم الحالة الطائفية في ساحتنا السياسية والاجتماعية أخذت
بعدا شاملا لم يتوقف عند بعض الأصوات الشاذة المتشددة طائفياً أو عند
المراكز المثيرة للفتن، بل تمدد ليصل إلى بعض القوى المحسوبة على
التيار الإسلامي المعتدل الذي بات بعضه اليوم يتكلم بنبرة طائفية..
وكأن المطلوب من الشيعة الخنوع وعدم إبداء أي وجهة نظر لهم في الساحة،
بما يشبه حكما صادرا عليهم بالعيش على هامش الحياة السياسية
والاقتصادية والاجتماعية الكويتية، وليس بوصفهم جزءا رئيسيا وفاعلا
ومهماً من تركيبة الشعب الكويتي.
إن تنامي اللغة الطائفية يعكس أزمة أكبر وأعمق من التصريحات
والمواقف الفئوية في ساحتنا المحلية، ويحكي عن مشكلة أساسية يعيشها
الوطن بأسره تتجسد في غياب الهوية الوطنية الجامعة لهذا المجتمع، و
انتفاخ هويات مصغرة اقصائية مستوردة وغريبة على هذا المجتمع، هدفها فرض
الرأي الأحادي على الشعب الكويتي، ومن أبرز مظاهره ما نشهده اليوم من
حراك على الساحة النيابية.. والذي أقل ما يقال عنه أنه يجسد ديكتاتورية
الأغلبية وبروح انتقامية إلغائية.
إن اتساع رقعة الإقصاء بشكل عام وصل إلى حد انقطاع خيوط الحوار
والتفاهم والمساعي الخيرة لترميم أواصر العلاقة بين فئات المجتمع حتى
على المستوى الضيق والشخصي، ولعل تفاقم الحالة واتساعها وصلتا إلى
مستوى اليأس لدى شخصيات طالما كانت صاحبة مبادرات إيجابية لترميم
الأوضاع المتشنجة.. وتعمل على تضييق الهوة بين أبناء البلد الواحد.
قضية التوافق والاندماج الوطني لا تتوقف عند الحوار فقط وإن كانت
تشكل أحد أهم عناصر التقارب وفك الاشتباك، فالموضوع بحاجة إلى معالجة
جذرية تتحمل الدولة فيها أولى مسؤوليتها من خلال تكريس وإقرار مبادئ
مدنية عامة تفرض هيبة الدولة مثل فرض سيادة القانون على الكبير قبل
الصغير.. واحترام قيمة المواطنة بصرف النظر عن الهويات الصغيرة..
مذهبية كانت أم قبلية أم عنصرية.. مع احترام الخصوصيات تحت مظلة
الدستور والقوانين والمجتمع الواحد. وعلى الحكومة أن تعالج حالة التوجس
المذهبي والقبلي المتنامية بين أوساط وقطاعات الشعب الكويتي، فكل فريق
يحذر من الآخر ويتعامل بحساسية مع الطرف المختلف معه، ويتستر خلف أنماط
من الخطاب الديني المتشدد والإلغائي الذي ينبش مآسي التاريخ ويستحضر
للواقع مآسيه عند أي نقطة خلاف اجتماعية كانت أم سياسية. وهنا يتجلى
الدور المطلوب من الطبقة المثقفة ومؤسسات المجتمع المدني في هذه
المرحلة الحساسة من تاريخنا من أجل المساهمة في محاصرة الأزمة عبر
التواصل الإيجابي بين قطاعات المجتمع وعلى الأقل بين الكفاءات
الإيجابية الموجودة على الساحة وهي كثيرة وموجودة لدى كل شرائح المجتمع
ولكنها في حالة من الانعزال عن الساحة ومصدومة بما تشاهده يومياً من
إثارات فئوية وطائفية.
إننا اليوم أمام فرصة ثمينة للمبادرة الى فتح آفاق الحوار، فهي
مرحلة سادت فيها الكلمات البذيئة ومن عدة أطراف ووصلت إلى بيت الشعب
الكويتي في اساءة بالغة تعدت على اشراف الاسرة ورموزها النسائية، بينما
قنواتنا الفضائية أضحت مسخّرة لتأجيج الخلاف أكثر بين نواب الأمة
والشعب. وصحفنا مليئة بعبارات التخوين والعمالة والتسقيط لعوائل
وشخصيات ذات موقع عال من التقدير والاحترام في المجتمع.. وحتى تياراتنا
السياسية انساقت إلى الجو الشعبي التأجيجي والطائفي..
إننا جميعاً أمام مسؤولية جسيمة للدفاع عن بلدنا والمحافظة على
وحدته وتماسكه، لتفويت الفرصة على المتربصين شراً بالكويت، ما يستدعي
كبح جماح الانجرار وراء الأجندات التأزيمية بالبلد، بل واجبنا الوطني
هو العمل على تماسك الجبهة الداخلية والبعد عن كل أشكال التفكك
والإلغاء والتفرقة حتى لا يجني أبناؤنا نتيجتها الكارثية بعد حين.
www.aldaronline.com |