
شبكة النبأ: يخطئ المثقف حين يتصور أن
جهده الفكري أو الابداعي محصور في الجانب الادبي فقط، لأن الاحادية هنا
تقف بالضد من طموحات الابداع، وتجعل تحقيق الاهداف الانسانية في نشر
الفكر والابداع أكثر صعوبة، لذلك ينبغي أن يفهم المثقف ويؤمن بأن العلم
والادب أو الفكر كلاهما مكمل للآخر وداعم له، بمعنى على المثقف أن يكون
موسوعيا حيويا ناشطا في المجالين العلمي التنويري والفكري الادبي
كالشعر والسرد وما شابه.
وقد كان لنا في شخصية الشهيد المجاهد السيد حسن الشيرازي (قدس سره)،
إنموذجا واضحا للمثقف العالم أو العالم المثقف، فهو على الرغم من تبحره
في العلوم الدينية بعمق واستغواره لمعانيها وخفاياها، واصداره العديد
من المؤلفات الدينية، إلا أنه أبدع أيما ابداع في المجال الادبي، في
كتابة الشعر والنقد على حد سواء.
ومن بعض مؤلفاته الدينية والادبية كما تذكر لنا المصادر المعنية ما
يلي: (كلمة الله) و(كلمة الرسول الأعظم (ص) و(كلمة الإمام الحسن (ع)
و(حديث رمضان) و(إله الكون) و(كلمة الإسلام) و(انجازات الرسول (ص)
و(رسول الحياة) و(الشعائر الحسينية) و(العمل الأدبي) و(الأدب الموجّه)
و(الاشتقاق). وله تراث علمي هام، منه كتابه (خواطري عن القرآن) في
ثلاثة مجلدات، وموسوعة الكلمة في خمسة وعشرين مجلداً).
إن هذا الجهد الموزَّع بين الدين والادب دليل على أهمية أن يكون
العالم مثقفا وبالعكس، لكي يثري الساحة بما تتطلبه حالة الوعي ونشرها
بين صفوف الناس عموما، أما في مجال الشعر فقد تمكن الشهيد السيد حسن
الشيرازي من توظيفه لصالح القضايا الانسانية والوطنية، فقد وقف في شعره
الى جانب حقوق الانسان وفضح الحكام وظلمهم وتجاوزهم على حقوق الفقراء
كما نقرأ ذلك في احدى قصائده التي يقول فيها: ( الشعــــب للحـــكام
ملحمة الهوى... وولــيــمة يرتــادهــا الأمــــراء
لا ذلَّ إلا للــــشعــــــوب وإنــــــمــا... للــــحاكمــيــن
الــكِــبْر والغلواء
فمـــن الذي في الكوخ أبصر حاكماً... قــد أرّقــتــه حشــاشــة
سغباء؟
أو هـــل عرفــتم حاكماً يطوي على... جــوع ليــأكل قُــوتَه
الفــقــراء؟).
وقد تميّز شعره بالواقعية، والسلاسة، والصدق؛ فكان بحق الشاعر
الواقعي الذي يعبّر عن واقع الأمة ومعاناتها، ودائها ودوائها، وآلامها
وآمالها، واحتياجاتها بكل صدق وأمانة، وقوّة وجرأة، وبأسلوب جذّاب سلس
كأنه السهل الممتنع. وقد طبعت هذه الدواوين من شعره في تسعة عشر مجموعة
صغيرة، ست منها طبعت في عام 1985م، دون أن يعرف أي منها قبل الأخرى،
وهي بدون ترتيب: 1- منابع الكلمة. 2- جذور الشرق. 3- الطغاة. 4- رسالة
الصاروخ. 5- أنا عندي. 6- قلت اعمل. والخمس الأخرى طبعت في عام 1999م،
وهي: 7- قصة البدء. 8- يا طموحي. 9- أنت المظفر. 10- أنا وأنت. 11-
نحن والقراصنة. وأربعة طبعت في عام 2002م، وهي: 12- أين الإنسان؟. 13-
رعشات مذعورة. 14- مناجاة. 15- العراق في شعر الشهيد الشيرازي. واثنان
طبعا في عام 2003م، وهما: 16- تفجر البراكين). 17- (شعاع من الكعبة).
أما على الصعيد الوطني فقد وقف في شعره الى جانب العراق وأظهر عمقه
الثقافي المتجذر في تربة الحضارة الانسانية، ناهيك عن قوته الذاتية
ممثلة بشعبه وجيشه، إذ نقرأ في احدى قصائده بهذا الخصوص: (أو ما دروا:
أن العراق بدينه وبشعبه وبجيشه المقدام
خير من الشرق الكفور وكل ما في الغرب من إفك ومن إجرام
إسلامنا شرع الحياة، ونهجها نهج البلاغة منهل الأحكام
فعراقنا مهد الحضارة والتقى والعلم والأمجاد والإسلام).
وقد جاء كفاح السيد حسن الشيرازي الجهادي بعدة أساليب، منها توعية
الأمة، وتنبيهها إلى ما يدور حولها من تحركات ضد مصالحها العامة من
خلال الكتابة في الصحف والمجلات العاملة على الساحة والمشاركة مع أخيه
الإمام محمد الشيرازي - قدس سره- في إصدار المجلات.والاسلوب الاخر
الاعلان عن المشروع والمبدأ السياسي الذي يفصح عنه السيد الشهيد من
خلال الكلمة عن طريق القصيدة الشعرية.
وهكذا يظهر لنا بجلاء إمكانية أن يكون المثقف عالما ومساهما في
توعية عموم الناس على امور الدين واحكامه وتعاليمه التي تيسّر حياتهم،
وتجعلها اكثر عدالة واستقرارا، وبإمكانه ايضا أن يوظف الابداع في
المجال الادبي كالقصيدة الشعرية لكي يشترك بقوة في اذكاء روح الحماس
والنضال لدى الشعب عموما، وهذا ما قام به السيد الشهيد حسن الشيرازي،
الذي سعى بقوة الى الربط بين الدين والعلم والادب والابداع في مدار
واحد يمكنه من خلاله أن يوصل رسالته الى الجماهير وهذا ما حدث فعلا،
لذا يشكل لنا السيد الشهيد الشيرازي خير نموذج للعالم المثقف والمثقف
العالم الذي لا يدَّخر جهدا في سبيل الوقوف الى جانب الانسان وسعيه
الدؤوب نحو صنع الحياة الانسانية التي تليق بكرامة الانسان ووجوده. |