الطب النفسي ومخاوف الفرد والمجتمع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تستدعي حالة النجاح أن تنفتح الذات على الآخر، ويتشارك الناس بالآراء والمعلومات، كي يتعلم بعضهم من بعض، فما يعرفه الاول قد يجهله الثاني وبالعكس، لذا ستكون الفائدة متبادَلة، وقديما قيل (من استشار الناس شاركهم في عقولهم).

في المجتمع العراقي عموما، هناك ميل نحو الانغلاق على الذات، واللباث في حدودها، والبقاء في حالة عزل ذاتي متواصل يثير الاستغراب حقا، ثمة خوف غير مبرر من إشراك الآخر في قضية أو مشكلة ما، فكرية أو شخصية أو سواها، حتى يبدو الفرد العراقي، وكأنه عالم قائم بذاته، معزول عن الآخرين، لا يأخذ منهم ولا يتعاطى معهم، فيما تسود حالة من التوجس والتردد وربما الخوف أيضا، من التقرّب الى الآخر، لدى الجميع تقريبا، إلا ما ندر.

وهناك سبب آخر للانطواء والابتعاد عن مشاركة الآخرين، يتمثل في المكابرة، والظهور بعدم الحاجة الى الناس، في محاولة بائسة لتكريس الذات، وتفضيلها على غيرها من دون مبرر صحيح، هذا النوع من السلوك ينم عن شخصية مريضة، مرتبكة، تكابر في شأن لا يستدعي المكابرة قط، بل يتطلب الامتثال الى الحس الفطري الانساني، الذي يدفع باتجاه مشاركة الآخرين لمشكلاتنا وهمومنا بل وحتى أمراضنا العضوية او النفسية.

من الملاحظ عندما يُصاب أحدنا بمشكلة نفسية يخفي ذلك حتى على اقرب الناس إليه، خوفا من الاتهام بالجنون مثلا، حتى أننا كمجتمع عاثت به ويلات الحروب، لا زلنا نعاني من ضمور كبير في مجال التطبيب النفسي، فالكل يتعامل مع هذا النوع من الطب بسرية تامة تقريبا، مع أنه طب مسموح به، بل يُشار الى أهميته القصوى في البلدان المتطورة، لكننا ننظر إليه على أنه أمر مسيء لشخصيتنا، بل ننظر الى من يراجع الطبيب النفساني، على أنه مصاب بعاهة خطيرة!!، فيبتعد عنه الناس ويتجنبونه، مع أن التعامل الصحيح يستلزم العكس تماما، ويتطلب منا جميعا تعاملا عصريا مع الطب النفسي الذي قيل فيه كما ورد في الوكيبيديا (هو الفرع الطبي المتخصص في الوقاية والتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية. ويدرس الطب النفسي الاضطرابات العقلية والسلوكية عند الإنسان الناشئة عن خطأ في عمل الدماغ، أما لأسباب تتعلق بمعطيات جينية أو لأسباب ناشئة عن تلف عضوي قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في عمل الدماغ، وهي أيضا قد تنشأ نتيجة وجود الفرد في وضعية ضاغطة وصادمة وغير تأقلمية، فالغاية من الطب النفسي تصنيف هذه الاضطرابات وتحديد أسبابها وطرق علاجها إما دوائيا أو بوسائل أخرى).

وهكذا نلاحظ أن المرض النفسي لا يختلف عن غيره من الامراض ولا ينبغي إخفاءه او التستر عليه، أو تجنب الحديث عنه، لأنه مرض يتعلق بعمل الدماغ ويمكن معالجته كما هو الحال مع الامراض الاخرى التي تصيب الانسان لسبب او آخر، فأين مكمن المكابرة هنا، وما هي الاسباب التي تستدعي الانعزال في حيّز الذات، وتحاشي حضور الآخرين في مشكلاتنا؟ مع أن الواقع يؤكد خطورة اخفاء المشكلات التي يتعرض لها الانسان، فردا أو حتى عائلة، إذ تؤكد دراسات متخصصة، إمكانية تنامي حالة الانطواء عند الانسان، في حالة عدم معالجتها، لتتحول بالنتيجة الى سلوك سلبي يدفع بصاحبه الى حالات مريرة من اليأس والعزلة والاكتئاب المزمن، الامر الذي يدمر ارادة الانسان ويشل تفكيره تماما.

لهذا لابد من نشر الوعي المطلوب في هذا المجال، لاسيما التعامل الطبيعي مع الطب النفسي، ومغادرة قوقعة الذات، والسعي لمعالجة الاشكالات الذهنية التي يمكن أن يتعرض لها الانسان كنتيجة طبيعية لضغوط العمل وتعقيد الحياة المعاصرة، على أن تُشاع بين الاطفال وشرائح المجتمع كافة ثقافة سلوكية، تبدأ من العائلة وتشمل المدارس ومحيط العمل، تدعم روح المشاركة في الآراء والمشكلات الفردية والجماعية، وعدم الخشية من الآخر، أو من طرح المشكلة في إطار جماعي يحرص على تقديم المساعدة للجميع من دون خشية أو تردد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/آيار/2012 - 21/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م