الاسلاميون ديمقراطيون أم مستبدون؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم تشهد الدول العربية على مر العصور إنفتاحا على حرية التعبير كما يحدث الآن، ولم تعش دول المنطقة صعودا للاسلاميين نحو سلّم السياسة وإدارتها، كما يحصل اليوم، حتى يمكننا القول أن العصر العربي السياسي الراهن، هو عصر الاسلاميين، بعدما أُطيح بقلاع أنظمة عربية عسكرية فردية مستبدة، في ما أُطلق عليه بـ (الربيع العربي).

هكذا إذن يمكن أن تعد هذه المرحلة، فرصة ذهبية للاسلاميين كي يحققوا أهدافهم التي طالما كافحوا من أجلها، وأفصحوا عنها وأعلنوها، كمنهج أفضل وأسلم لحياة العرب والمسلمين عموما، سيما بعد أن أخفقت الانظمة والحكومات العسكرية السابقة، في تحقيق ما كان يصبو إليه - ولا يزال- الانسان العربي الذي عانى الامرّين، من قهر الحكام وظلمهم ونزعاتهم الشريرة، في التجاوز على حقوق الناس المدنية وسواها.

ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة في هذه المرحلة، هل الاسلاميون ديمقراطيون ، وهل هم قادرون فعلا على الانتقال من بنية الانغلاق والانكماش والفردية الى عصر الانفتاح والتحرر؟، لقد تأسست الجماعات الاسلامية (السياسية) بمختلف أنواعها، وترعرت ونمتْ، في بيئة مغلقة، محصَّنة من خطر الامتزاج بالآخر، لدرجة تحجب التعرف على طبيعة ومسارات الافكار الاخرى خشية من التأثّر بها، مما يؤكد أن البنية الاسلامية السياسة قامت على الانغلاق، وهذا ما يؤكد دمغها بالنهج الديكتاتوري أيضا، بسبب الانغلاق وفتاوى التحريم وما شابه، لأن البناء التحتي لهذه الجماعات قائم على الفردية والاستبداد ايضا، وقد نجد نوعا من الذرائعية المبررة في ذلك، خاصة أن هذه الجماعات كانت تعمل بسرية تامة في ظل انظمة سياسية مستبدة، بل و وحشية في تعاملها مع الصوت المعارض.

لهذا هناك خطر داهم يحيق بالاسلاميين، يتمثل بتكوينهم السلطوي الدكتاتوري المستمد من بنيتهم الأولية، وفقدانهم للحس الديمقراطي الاستشاري، وانغلاقهم على أفكارهم وأنفسهم، وإيمانهم المطلق بما يطرحون، مقابل إلغاء الآخرين وأفكارهم، إستنادا الى مبدأ التحريم والصيغ الاخرى الكثيرة التي يمكنهم طرحها كفتاوى محرِّمة في كل حين، وقد بدا هذا واضحا، في كل من مصر وتونس وليبيا على سبيل المثال، حيث بدأت بوادر المنع والتحريم تطال بعض المؤسسات والاتجاهات الثقافية والفنية وسواها.

والخطأ كل الخطأ يكمن في طرح النظام الاسلامي السياسي المغلق، والترويج له كبديل لما مضى من عهود سلطوية سياسية مريرة، مع التغاضي عن الماضي القريب ومجرياته، حيث الدكتاتورية السياسية تكرر نفسها راهنا، ولكن بلباس ديني اسلامي لا يتخذ من جوهر الاسلام المتحرر داعما وسياقا وموجِّها له، مع أننا جميعا نؤمن بالنص القرآني العظيم (لا إكراه في الدين)، وبهذا تبدو بوادر فشل الاسلاميين (سياسيا) واضحة جدا، والدلائل عليها كثيرة وكبيرة، فيما لو استمرت المؤشرات على ما هي عليه الآن.

المطلوب إستفادة حقيقية من تجارب الماضي القريب، وتدمير البنية الاسلامية المغلقة للاحزاب والجماعات السياسية التي تدرج نفسها تحت يافطة الاسلام، وبناء الذات بما يتسق مع روح العصر المتحرر، وإقامة الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة داخل الاحزاب الاسلامية نفسها، لكي يتم تطهير الذات اولا من ادران الفردية والسلطوية والاستبداد، لتنعكس هذه التجارب (التي ينبغي ان تكون حقيقية) على النظام السياسي الاعم والاشمل، وأعني به نظام الدولة ككل، لكي يتم استثمار تضحيات الجماهير العربية في (الربيع العربي) بالطريقة التي تضاهي تلك التضحيات وجسامتها.

أما البقاء في فلك الانغلاق والتحجر وإلغاء الآخر بحجج كثيرة ومختلفة ومبررة، فهو اسلوب سينجح آنيا، ولكنه سيكون السبب المباشر لثورات عربية جماهيرية جديدة كبرى، تطيح بالاستبداد الجديد، فيما لو أصرّ الاسلاميون على الاستمرار بنهجهم المنغلق كما يحصل الآن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آيار/2012 - 20/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م