شبكة النبأ: بدت المعارضة السورية كمن
يحاول اثبات وجوده وان كان على حساب الآخرين، سيما بعد تعنتها المثير
للجدل في مواقفها المستمدة من بعض عواصم الدول الخليجية، غير مكترثة
بحسب اغلب المراقبين الى تبعات ما يدور في الداخل السوري من اعمال قتل
متبادلة ودمار مستمر لحق بالبنى التحتية للبلاد وضررا فادحا باقتصاد
الدولة.
فعلى الرغم من فشل قوى المعارضة والجماعات المسلحة التي تدعمها في
تغيير ما هو قائم على الارض خلال الاشهر الاربعة عشر الماضية من اندلاع
الاحتجاجات، والتفكك المستمر في صفوفها، لا يزال المعارضون للأسد
يرفضون اي مبادرة حوار وتحول تدريجي للسلطة تطرح لحلحلة الازمة.
فيما اعتبر بعض المحللين السياسيين ان المعارضة السورية لم ولن تكون
قادرة توحيد صفوفها من نزاع اثبات الوجود المحتدم بين اعضائها، خصوصا
ان الجميع يبحث عن صدارة في المشهد وان لم يكن جديرا بذلك.
يبعثون من جديد
فخلال اجتماع مع المعارضة السورية تجمع قياديو جماعة الاخوان
المسلمين حول زملائهم من الماركسيين وحثوهم على أن يدلوا بتصريحات
سياسية بشأن المجلس الوطني السوري وهو جماعة المعارضة الرئيسية التي
تتحدى الرئيس بشار الاسد.
ويعيش الكثير من اعضاء الجماعة في الغرب ولا يطلق البعض اللحى التي
تميز أعضاء الجماعة لهذا يصعب تمييز الاخوان من اليساريين. لكن هناك
خلافا بسيطا بشأن من الذي يمسك بمقاليد الامور.
واستعادت جماعة الاخوان عافيتها بعد أن أبيدت في الداخل منذ 30 عاما
حين تحدت حكم الرئيس حافظ الاسد لتصبح القوة المهيمنة بين جماعات
المعارضة من الخارج خلال الانتفاضة على حكم ابنه بشار.
وتحرص جماعة الاخوان على الا تفت في عضد مؤيدي المجلس المتباينين
لهذا قللت من شأن نفوذها المتزايد داخل المجلس الوطني السوري الذي
يمثله برهان غليون الاستاذ الجامعي العلماني المقيم في باريس.
وقال علي صدر الدين البيانوني القيادي السابق بجماعة الاخوان
لانصاره في تسجيل فيديو ان الاختيار وقع على غليون لانه وجه مقبول لدى
الغرب وفي الداخل وأضاف أن الجماعة لا تريد أن يستفيد النظام اذا أصبح
اسلامي رئيسا للمجلس الوطني السوري.
ويتداول معارضو الاخوان اللقطات سعيا الى ابراز نفوذهم غير المعلن.
وقال البيانوني انه تم ترشيح غليون كواجهة للعمل الوطني وان جماعة
الاخوان لا تتحرك الان منفردة وانما تنضوي تحت لواء جبهة تضم جميع
التيارات.
وجماعة الاخوان المسلمون في سوريا فرع للجماعة التي تأسست في مصر في
عشرينيات القرن الماضي. وكانت الجماعة أحد صغار اللاعبين السياسيين قبل
انقلاب حزب البعث عام 1963 لكن الدعم لها تزايد تحت حكم الرئيس حافظ
الاسد حين هيمنت الطائفة العلوية التي ينتمي لها على سوريا التي يغلب
على سكانها السنة. بحسب رويترز.
وتعي جماعة الاخوان في سوريا المخاوف الدولية من تولي الاسلاميين
الحكم وبواعث قلق الاقليات العرقية والدينية لهذا فانها تقدم نفسها
بوصفها جماعة معتدلة تتبنى اجندة اسلامية اقرب الى النموذج التركي.
وفي الشهر الماضي أصدرت الجماعة بيانا رسميا لم يذكر كلمة الاسلام
وتضمن تعهدات باحترام حقوق الافراد. وتحظى الجماعة بدعم أنقرة وبعد
الصعود السياسي للاخوان في مصر وتونس وليبيا منذ اندلعت انتفاضات
الربيع العربي قبل اكثر من عام لهذا فانها جاهزة لتصبح على رأس اي نظام
حاكم في سوريا.
وسيزيد مد المظلة الفضفاضة لجماعة الاخوان الى سوريا الضغط على
المملكة الاردنية حيث همشت قوانين تعطي افضلية للساسة العشائريين
المتحالفين مع أجهزة الامن جماعة الاخوان بالاردن. ومن الممكن أن يجد
حكام العراق الشيعة أن لجارتهم حكومة سنية متشددة كما سيخسر حزب الله
اللبناني الداعم الرئيسي له من الدول العربية.
وتقول مصادر بالمعارضة ان جماعة الاخوان تعمل في صمت وتمول منشقي
الجيش السوري الحر المتمركزين في تركيا وترسل المال والامدادات الى
سوريا لتحيي بذلك قاعدتها بين صغار المزارعين وابناء الطبقة المتوسطة
من الطائفة السنية في سوريا.
وقال فواز تللو وهو معارض ليبرالي مخضرم ومسلم متدين "نحن نتعارك
بينما يعمل الاخوان." وأضاف تللو السجين السياسي السابق الذي فر من
سوريا منذ اربعة اشهر "اكتسبوا السيطرة على قسم المساعدات بالمجلس
الوطني السوري والمكتب العسكري وهما المكونان المهمان الوحيدان به."
ومضى يقول "مازال عليهم أن يبذلوا المزيد من الجهد لكسب تأييد في
الداخل. الكثير من رجال الدين والنشطاء والمعارضين لا يريدون أن يتم
ربطهم بهم."
غير ان تللو اعترف بأن جماعة الاخوان استعادت نفوذها داخل سوريا
خاصة في مدينتي حمص وحماة ومحافظة ادلب الريفية على الحدود مع تركيا
وجميعها معاقل للانتفاضة على حكم الاسد.
وليست هذه بالمهمة الهينة بعد ثلاثين عاما من الغياب السياسي. وفي
اختلاف عن الحكام العرب الذين حاولوا استمالة الحركة بالسماح لها
بممارسة نشاطها على نطاق محدود فان عائلة الاسد استبعدتها هي وكافة
جماعات المعارضة الاخرى من النظام السياسي.
وقتلت قوات الرئيس حافظ الاسد وعذبت وسجنت عشرات الالاف من الناس
بعد أن بدأ يساريون واسلاميون يتحدون حكمه في السبعينيات. واكتوت جماعة
الاخوان بنار القمع وفي عام 1980 صدر مرسوم ينص على معاقبة من يثبت أنه
عضو في الجماعة بالاعدام.
وقال ملهم الدروبي الذي تلقى تعليمه في كندا وهو أحد زعماء جيل
الشباب في الاخوان المسلمين ان الجماعة لا يعنيها الصعود السياسي
بالدرجة الاولى. وذكر أن الاخوان يمثلون الحلول الوسط وليسوا متطرفين
سواء الى اليسار أو اليمين وأن برنامجهم هو الاكثر قبولا لدى الشارع
السوري. وأضاف "نعمل على اسقاط بشار الاسد وخدمة الشعب السوري كأولوية
وليس لايجاد قاعدة شعبية. ما عدا ذلك فالتنافس بين المعارضة نتركه
للمستقل."
ومع ذلك أقر الدروبي بأن الطريق الى الديمقراطية سيكون أكثر دموية
وأضاف أن الاخوان بدأوا مساندة المقاومة المسلحة بشكل جدي منذ نحو شهر.
وقسمت المسألة الجماعة بشدة في الثمانينات عندما حملت السلاح ضد
الرئيس. وقتلت قوات الاسد نحو 20 ألف شخص عندما اجتاحت مدينة حماة عام
1982.
وقال الدروبي ان ليس هناك خلاف الان بشأن ضرورة المقاومة المسلحة
الى جانب الاحتجاجات ضد الاسد. وتابع أن كثيرين من الشعب السوري قتلوا
واغتصبوا وأن الاخوان ملتزمون باقامة ديمقراطية متعددة الاحزاب في حالة
الاطاحة بالاسد.
وأشار الدروبي الى برنامج سياسي كشف عنه الاخوان الشهر الماضي في
اسطنبول والذي تعهد بارساء ديمقراطية متعددة الاحزاب مستقبلا في سوريا.
وذكر البرنامج أنه من خلال التوافق سيتم صياغة دستور جديد يكفل تمثيلا
عادلا للجماعات الدينية والعرقية المختلفة.
واستطرد قائلا ان أطروحات الاخوان المسلمين السوريين أكثر تقدما من
جماعات الاخوان في البلدان الاخرى.
وقال باسم اسحق المعارض المسيحي الذي يعمل مع الاخوان المسلمين ضمن
المجلس الوطني السوري ان البرنامج يحمل ملامح براجماتية الاخوان. وقال
اسحق "اذا ما واتتهم الفرصة للوصول الى السلطة بأنفسهم سيفعلون لكنهم
يدركون أن ذلك سيكون صعبا في بلد 30 في المئة من سكانه ينتمون لاقليات
دينية وعرقية.
وفي استعراض لعضلاتهم المالية وصلت عناصر من جماعة الاخوان الشهر
الماضي محملين بحقائب المال الى معسكر الجيش السوري الحر في منطقة
تركية على الحدود مع سوريا قرب أنطاكية.
وقالت مصادر بالمعسكر ان الاخوان يدعمون العقيد رياض الاسعد أحد
أبرز المنشقين عن الجيش السوري الرسمي العام الماضي وهو على خلاف حاليا
مع ضباط كبار اخرين انشقوا في وقت لاحق.
ويطلق العقيد الاسعد حاليا لحية على غرار أعضاء الاخوان. كما أن
نشطاء الاحتجاجات الذين لا تربطهم أي صلة بالاخوان استمالتهم ايضا وعود
الدعم الفوري للانتفاضة.
يقول النشط المخضرم الذي يسافر بانتظام بين سوريا والمنطقة الحدودية
في تركيا لحشد التأييد للاحتجاجات ضد الاسد في محافظة أدلب "اتصلت بهم
وقدموا لي على الفور 2000 يورو عندما طلبت المساعدة... رغم انني لست من
الاخوان." وأضاف "يريد الاخوان المسلمون استعادة قاعدتهم السياسية. هذا
حقهم."
قنابل محلية الصنع
على صعيد متصل يقول المعارضون الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس السوري
بشار الأسد انهم يغيرون أساليبهم باتجاه القنابل محلية الصنع على أمل
سد الفجوة بين قواتهم وجيشه القوي المتفوق عليهم.
وهزت سوريا تفجيرات انتحارية وتفجيرات بسيارات ملغومة ومتفجرات على
جوانب الطرق بما في ذلك تفجيرات وقعت في ادلب الاثنين والعاصمة دمشق في
الأسبوع الماضي. وتهدد الهجمات بتعكير صفو هدنة بوساطة الامم المتحدة.
وقد أسفرت التفجيرات عن مقتل العديد من أفراد أجهزة الامن.
وقال مقاتل من المتمردين من شمال محافظة ادلب في الاسبوع الماضي
أثناء فترة استراحة عبر الحدود في تركيا "بدأنا نزداد براعة بشأن
الأساليب ونستخدم القنابل لأن الناس فقراء جدا وليس لدينا ما يكفي من
البنادق." واضاف الرجل الذي طلب عدم نشر اسمه "لا نضاهي الجيش..
وبالتالي نحاول التركيز على الأساليب التي نستطيع القتال بها."
وقد أثارت هذه التفجيرات مجموعة من النظريات بما في ذلك بروز
إسلاميين سوريين مرتبطين بتنظيم القاعدة الذين لا شك في خبرتهم بعد
سنوات من النشاط عبر الحدود في العراق.
وقال هيثم قديماتي المتحدث باسم جماعة تدعى جيش التحرير السوري "نحن
لا نستهدف المدنيين. نستهدف بدقة أهداف النظام." واضاف "اننا لسنا قتلة.
نحن ندافع عن أنفسنا".
ويقول الجيش السوري الحر الذي يدعي سيطرته العامة على قوات
المتمردين لكنه يفتقر الى وسائل للسيطرة عليها انه لا علاقة له
بالتفجيرات وانه ملتزم بوقف اطلاق النار. وخلال 18 يوما مضطربة تعرضت
الهدنة للخطر بسبب قصف الجيش وهجمات المسلحين.
لكن بعض المقاتلين رفضوا الهدنة. ويقولون انها لا يمكن ان تمنع
الانزلاق الى حرب أهلية ضد نخبة حاكمة ليس لديها نية للمساومة على
الهيمنة التي شكل المتمردون تحديا لها في البداية باحتجاجات في الشوارع
والان بالتمرد المسلح.
وعلى الرغم من اعلان جماعة اسلامية غامضة المسؤولية عن التفجيرات
الانتحارية الاخيرة في دمشق يقول كثير من المقاتلين المتمردين ان
التغير في الاساليب من البنادق للقنابل اسبابه اقتصادية وليس
ايديولوجية.
فالمعارك والمناوشات باهظة التكلفة بالنسبة لقوة المتمردين
المتشرذمة وكثير منهم شبان من مناطق ريفية فقيرة استدانوا الاموال
والاسلحة من متعاطفين في الخارج.
ويقول المتمردون ان سعر البنادق والذخيرة المهربة من لبنان والعراق
المجاورين زاد بشكل كبير. ويمكن ان يصل سعر البندقية من طراز ايه
كيه-47 روسية الصنع الى 2000 دولار وزاد سعر الرصاصة الواحدة عن اربع
دولارات - وهو عدة امثال السعر العادي في الاسواق المفتوحة. وفي
الولايات المتحدة تتكلف نفس البندقية 400 دولار والرصاصة حوالي 30
سنتا.
وقال معارض متمرد آخر من ادلب اطلق على نفسه اسم مصطفى "شراء المواد
الكيميائية الموجودة في متاجر البقالة أو حتى تهريب معدات أقل تكلفة من
الحصول على أسلحة ويمكننا أن نفعل المزيد بها بمجرد تحسين مهاراتنا".
واضاف "لدينا الكثير من الاشخاص الذين يكرسون وقتهم لهذا."
وربما تكون بعض من هذه المهارات المتعلقة بالتفجيرات قد استوحيت من
المقاتلين الذين شاركوا في التمرد السني في العراق المجاور ضد قوات
الاحتلال الامريكية. ووجود متشددين من الاغلبية السنية السورية يمثل
احد دواعي القلق بين من يخشون اندلاع حرب أهلية طائفية مماثلة لتلك
التي دمرت العراق على مدى العقد المنصرم. وتشعر الاغلبية السنية
السورية بالاضطهاد من جانب الاسد وطائفته العلوية الذين يهيمنون على
الحكم.
وقال المحلل جوزيف هوليداي من معهد دراسة الحرب ومقره الولايات
المتحدة "ليس هناك شك في أن الكثير من السوريين قاتلوا مع عناصر تنظيم
القاعدة في العراق ومن المرجح أن العديد من المتمردين اليوم تعلموا
المهارات الخاصة بالتفجيرات من القتال هناك."
وطغت التفجيرات في المدن السورية التي تستهدف مكاتب الامن وغيرها من
رموز دولة الاسد مثل البنك المركزي على الهجمات المسلحة على القوافل
العسكرية المتنقلة في المناطق الريفية في الاسابيع القلائل الماضية.
لكن هوليداي قال انه لا يزال من غير الممكن استبعاد قيام الحكومة
بتدبير على الاقل بعض من تلك الهجمات ولا سيما تلك التي أعقبها بث
لقطات على شاشة التلفزيون الحكومي لمدنيين مخضبين بالدماء ينددون
بالمتمردين ويصفونهم بأنهم ارهابيون.
وقال هوليداي "عندما يتحدث المتمردون عن صنع قنابل الان فان معظمهم
يشيرون على الارجح الى استخدامهم لهذه المتفجرات ضد أهداف عسكرية أو
قوافل الجيش.. أعتقد أن هذا مختلف عن استهداف البنية التحتية في المدن."
لا توجد خطة بديلة
لكن مع وقوف روسيا بقوة وراء خطة مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول
العربية كوفي عنان للسلام لا تجد القوى الغربية خيارا اخر سوى التمسك
بها في الوقت الراهن. وتتألف الخطة من ست نقاط لانهاء الصراع بين
القوات الحكومية الموالية للرئيس بشار الاسد ومقاتلي المعارضة المصممين
على الاطاحة به.
وفي حين تقول الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية منذ
فترة طويلة انه يتعين أن يتنحى الاسد فانهم لا يملكون بدائل أخرى قابلة
للنجاح. وترمي خطة عنان لانهاء الصراع في سوريا الذي يعتبر الاشد دموية
في انتفاضات "الربيع العربي" التي اندلعت العام الماضي في شمال أفريقيا
والشرق الاوسط.
وعلى الرغم من اشارات دول مثل السعودية وقطر الى أنها تسلح
المتمردين يقول مسؤولون امريكيون واوروبيون انه لا توجد أي محاولة
منظمة لتزويد المعارضة المنقسمة بالاسلحة لمواصلة القتال.
ونظرا لعدم استعدادها لتسليح المتمردين وعدم قدرتها على كسر الجمود
في مجلس الامن لا توجد لدى القوى الغربية بدائل لخطة عنان التي تمثل
على الرغم من قصورها الجهد الدبلوماسي الوحيد الذي يؤثر على الصراع.
وقال المتحدث باسم الامم المتحدة ادواردو ديل بيي "في الوقت الراهن
الخيار الوحيد لدينا هو محاولة حمل جميع الاطراف على التعاون لوقف
العنف والسماح بالقيام بالجهود الانسانية ومساعدة الشعب الذي هو في أمس
الحاجة الى هذه المساعدة."
وتدعو خطة عنان لسحب الاسلحة الثقيلة والقوات من المدن السورية ووضع
حد لجميع أعمال العنف من قبل قوات الامن السورية والمتمردين والحوار
بين الحكومة والمعارضة بهدف تحقيق "انتقال سياسي". كما تدعو الى نشر
قوة غير مسلحة من الامم المتحدة لمراقبة الهدنة.
ووعدت الحكومة السورية والمعارضة بالامتثال لخطة الامين العام
السابق للامم المتحدة لكنهما لم يفعلا ذلك. وما زال القتال مستمرا
ويسقط القتلى في كل يوم.
وحتى الان يقول مسؤولون ودبلوماسيون من الامم المتحدة انه لم يحدث
سوى انخفاض طفيف في أعمال العنف منذ اعلان الهدنة في 12 أبريل نيسان.
وتجد قوة الامم المتحدة لمراقبة الهدنة صعوبة للوصول الى كامل قوتها
حيث يفترض أن تصل الى 300 مراقب عسكري غير مسلح على الارض. وأصبح لديها
الان نحو 50 مراقبا في بلد يبلغ عدد سكانه 22 مليون نسمة. وعملية النشر
بطيئة لانه يتعين ان تصدر دمشق تأشيرات دخول لهم. وقد رفضت بالفعل عدة
أوروبيين.
وقال دبلوماسي غربي طلب عدم نشر اسمه "لا يوجد فعليا وقف اطلاق نار
ليراقبه مراقبو الامم المتحدة.. سيأتي الوقت الذي نطلق على هذا الوضع
ما يستحقه من وصف." بحسب رويترز.
وقال احمد فوزي المتحدث باسم عنان للصحفيين في جنيف يوم الجمعة ان
خطة السلام "على المسار" الصحيح وعلى الرغم من عدم وجود اشارات كبيرة
على امتثال الحكومة السورية للهدنة فان هناك "اشارات محدودة".
وقال رئيس مهمة المراقبة التابعة للامم المتحدة الميجر جنرال روبرت
مود من النرويج للصحفيين خلال رحلة الى حماة أمس الخميس ان المراقبين
لهم "دور مهديء" وان الجيش عازم فيما يبدو على التعاون مع الهدنة في
صراع أودى بحياة ألوف المدنيين.
وقال دبلوماسي غربي كبير هذا الاسبوع ان عنان "سيميل بشكل طبيعي
ويمكن تفهمه الى محاولة ابقاء العملية جارية وليس أن يفعل ما يمكن أن
يرقى حقا الى وضع حد نهائي واعلان الفشل". واضاف "سيتعين أن نكون
صارمين. اذا واصلت الحكومة عدم الامتثال فسوف ينبغي أن نعود لمجلس
الامن من أجل تحرك اخر."
وقال مبعوث اخر "اذا لم يتحقق تقدم أعتقد أن المطالب ستتزايد بأننا
ينبغي أن نسمي الاشياء بأسمائها."
ويقول دبلوماسيون ان مثل تلك التصريحات الصارمة ليست انتقادا لعنان
وفريقه وهم ليسوا سذجا وانما تهدف لان توضح للاسد أنه لن يتم التسامح
مع مثل هذا التلاعب مع فريق مراقبي الامم المتحدة وعنان.
ومن بين التحركات المحتملة الاخرى من جانب المجلس فرض عقوبات من
الامم المتحدة. ولمحت الولايات المتحدة والقوى الاوروبية الى فرض
عقوبات على الحكومة السورية لكن من شبه المؤكد أن تستخدم روسيا والصين
حق النقض (الفيتو) لعرقلة أي قرارات للامم المتحدة مثلما فعلتا مرتين
من قبل رغم أنهما أيدتا قرار نشر المراقبين.
ومن المستبعد بدرجة أكبر اللجوء الى اجراءات اشد مثل السماح بتدخل
عسكري أجنبي على غرار ما حدث في ليبيا لحماية المدنيين. وتعارض روسيا
والصين ذلك كما لا توجد رغبة لدى الولايات المتحدة أو أوروبا في الدخول
في حرب يمكن ان تشعل عنفا طائفيا على شاكلة ما حدث بالعراق.
وقال ديفيد بوسكو من الجامعة الامريكية في واشنطن "لا أرى أي دلالة
على وجود خطة بديلة متماسكة. عبر الامم المتحدة سيكون التحرك لفرض بعض
العقوبات هو النتيجة الارجح. لا توجد حتى الان أي رغبة فيما يبدو من
جانب المجلس لاجازة تدخل أقوى."
ونتيجة لذلك ستستغل الولايات المتحدة وأوروبا تقرير عنان بشأن ما
حدث من تطورات خلال 15 يوما كمنتدى للشكوى من عدم امتثال سوريا.
ويمكنهما أيضا تشكيل "تحالف للراغبين" في فرض عقوبات جماعية على سوريا
خارج الامم المتحدة. ومجموعة "أصدقاء سوريا" أحد تلك التحالفات.
وعندما ينتهي تفويض المراقبين ومدته 90 يوما في أواخر يوليو تموز
سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين التفكير مليا فيما
اذا كانوا يرون أي جدوى من تجديده.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون بالامم المتحدة انه اذا ظل الوضع كما هو
سيكون من الصعب تبرير تجديد التفويض.
انتشار الاسلحة الكيماوية
الى ذلك فان سوريا هي واحدة من ثماني دول من بينها اسرائيل ومصر
رفضت التوقيع على اتفاقية حظر الاسلحة الكيميائية لعام 1997 مما يعني
حرمان الهيئة العالمية المعنية بالرقابة على الاسلحة الكيماوية من
الاختصاص بالتدخل هناك.
وتعتقد القوى الغربية أن دمشق لديها أكبر مخزون متبق في العالم من
الاسلحة الكيماوية غير المعلن عنها من بينها غاز الخردل وغاز الاعصاب
القاتل الذي يحتفظ به الاسد لتحقيق التوازن مع ترسانة اسرائيل النووية
غير المعلنة.
والجيش السوري مدرب على استخدام الغاز السام وتفيد المخابرات
الامريكية والاسرائيلية أنه قادر على نشره من خلال الصواريخ طويلة
المدى. وفي علامة على القلق المتزايد قال عضو في الكنيست انه أعيد
تمويل مصنع اسرائيلي لتكثيف انتاجه من الاقنعة الواقية من الغاز
استعدادا لهجوم محتمل.
وقال أحمد أزومجو المدير العام لمنظمة حظر الاسلحة الكيميائية "الترسانة
استنادا الى التقارير تثير الانزعاج." واضاف "اذا كانت هذه التقارير
صحيحة فان تدمير هذه المخزونات وازالتها سيتطلب قدرا كبيرا من الموارد
والجهود." بحسب رويترز.
ويقوض عدم الاستقرار في سوريا قدرة الاسد على تأمين ترسانته في
مواجهة جماعات مسلحة مثل حليفه الاقليمي حزب الله الشيعي في لبنان أو
المتشددين السنة في صفوف معارضيه.
وفي واشنطن وصف الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان الامريكية
المشتركة المخزون السوري بأنه أكبر مصدر للقلق بالنسبة للولايات
المتحدة التي قال انها وضعت خططا للطوارئ مع شركاء اقليميين.
وقال ديمبسي للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الامريكي الشهر
الماضي ان التهديد الرئيسي في سوريا يتمثل في "انتشار أو الانتشار
المحتمل للاسلحة الكيميائية والبيولوجية -والتي تعرف بأسلحة الدمار
الشامل."
ونظرا لان سوريا لم توقع على اتفاقية حظر الاسلحة الكيميائية ولان
الامم المتحدة لا تتدخل لا يوجد على سوريا التزام دولي باعلان أسلحتها
الكيماوية أو بالتخلي عنها أو السماح لمفتشين بمراقبتها.
وقال مسؤول في منظمة حظر الاسلحة الكيميائية "هناك صمت غريب جدا في
أروقة منظمة حظر الاسلحة الكيميائية بشأن سوريا ومع ذلك هناك عدة دول
منفردة أبدت مخاوف حذرة." وأضاف "الصمت لا يعني أنه لا يوجد قلق...
فسوريا مصدر طاغ للقلق في العالم في الوقت الحالي بسبب الاسلحة
الكيماوية."
ونظرا لان يدي منظمة حظر الاسلحة الكيميائية مقيدتان سيكون مجلس
الامن الدولي هو الهيئة الدولية الوحيدة القادرة على بحث قضية الاسلحة
الكيماوية السورية وقال مسؤولون في المجلس ان هذه القضية لم تطرح بعد.
واجتمع أزومجو أواخر فبراير شباط الماضي مع بان جي مون الامين العام
للامم المتحدة. و"أشارا بقلق الى التقارير بشأن احتمال وجود أسلحة
كيماوية" لكنهما لم يتخذا أي اجراء اخر.
وقال أزومجو انه يمكن نشر الفرق التابعة لمنظمته في خلال 12 ساعة
لتفتيش اذا صدرت لهم أوامر من الامم المتحدة. وأضاف "من الواضح أن ذلك
سيتطلب قدرا من الاستعداد لحالات محددة مثل سوريا... لكن الاسلحة
الكيماوية أسلحة كيماوية ومن ثم ستكون معروفة بشكل جيد لخبرائنا."
وانضمت سوريا الى بروتوكول جنيف لعام 1925 الذي يحظر الاستخدام
الاول للاسلحة الكيماوية أو البيولوجية ولكنه لا يذكر شيئا عن انتاجها
أو تخزينها أو نقلها.
وتأسست منظمة حظر الاسلحة الكيمائية ومقرها لاهاي للاشراف على حظر
انتاج الاسلحة الكيمائية وتخزينها واستخدامها. وانضمت 188 دولة للمنظمة
لكن المنظمة تواجه صعوبة في اقناع دول في الشرق الاوسط بالانضمام
اليها. واستخدم الغاز السام مرارا في المنطقة منذ الستينات.
وقد يواجه الاسد صعوبة بعد اضعافه في ابقاء الاسلحة الكيماوية بعيدة
عن أيدي جماعات أخرى وقد يدفعه يأسه الى أن يصبح أكثر ميلا لاستخدام
هذه الاسلحة أو نقلها لحلفاء.
قال أيهم كامل وهو محلل متخصص في الشرق الاوسط في مجموعة أوراسيا
"الاحتمال الاكثر خطورة هو أن يقلل عدم الاستقرار في سوريا قدرة الدولة
على الحفاظ على الامن الى حد لا تكون معه جميع مخزونات الاسلحة
الكيماوية مؤمنة." وأضاف "السيناريو المؤرق هو أن تسقط في أيدي
القاعدة."
وتابع قائلا "سوريا قد تسعى لتقويض ميزان القوة الاقليمي بتزويد حزب
الله بترسانة قد تهدد المصالح الغربية." وأضاف كامل أنه في حالة امتداد
الصراع في سوريا عبر الحدود فان قوات الاسد التقليدية لن تكون في قوة
القوات الاسرائيلية أو قوات تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي "ومن ثم
ستكون هناك حاجة للجوء الى أساليب الحرب غير المتكافئة وقد تستخدم
الاسلحة الكيماوية."
وتشعر اسرائيل التي خاضت أربع حروب مع سوريا منذ عام 1948 بأنها
الاكثر تهديدا. وأعاد معهد دراسات الامن القومي وهو مركز أبحاث
اسرائيلي رئيسي تقييم هذا الخطر في دراسة عن اثار انتفاضات "الربيع
العربي" على الامن الاقليمي.
وقالت الدراسة "تعد سوريا قوة عظمى في المجال الكيماوي
والبيولوجي... والقوات الموالية للاسد تتولى تخزين الاسلحة الكيماوية
وحمايتها السيطرة عليها." وتابعت الدراسة تقول انه اذا حصلت منظمات مثل
طالبان أو حزب الله أو القاعدة أو حركة المقاومة الاسلامية (حماس) فان
تلك الاسلحة "ستستخدم على الارجح في سيناريو ما في المنطقة."
ودفع ذلك القلق اسرائيل الى تقديم 80 مليون شيقل (حوالي 20 مليون
دولار) كدعم حكومي لمصنع ينتج الاقنعة الواقية من الغاز لضمان الانتاج
حتى نهاية العام. وقال زئيف بيلسكي وهو عضو معارض في الكنيست (البرلمان
الاسرائيلي) في لجنة برلمانية معنية بمراجعة استعداد الجبهة الداخلية
للحرب انه جرى تزويد ما يقرب من 60 في المئة من الاسرائيليين بالعتاد
الذي يوفر الحماية قبل أن يعاني المصنع من مشكلات مالية ويوشك على
الاغلاق.
وقال أنتوني سكينر محلل شؤون الشرق الاوسط في شركة مابلكروفت
للاستشارات "الخطر سيتزايد اذا استمر تصعيد العنف. |