الرايخ الثالث اسم يطلق على الفترة التي سيطرت النازية بزعامة ادولف
هتلر على ألمانيا (1933-1945) وذلك على اعتبار ان الإمبراطورية
الرومانية المقدسة هي الرايخ الأول، والإمبراطورية الألمانية (1871-
1919) هي الرايخ الثاني، وثمة محاكاة كبيرة في نسق "التحقيب" الجديد
لعالم السياسة التركية علي يد منظري (العثمانية الجديدة) ابتدءا من عصر
الدولة العثمانية (1299- 1923) مرورا بالجمهورية الأتاتوركية العلمانية
(1923- 2002) ودولة العثمانية الجديدة مع صعود حكم حزب العدالة
والتنمية الذي بنى نظريته السياسية على تحويل تركيا من دولة إقليمية
"جسرية" إلى واحدة من دول المركز العالمي تستمد قوتها من اتساع مجالها
الحيوي بعد انتهاء الحرب الباردة ونشوء عالم تركي جديد ممثل بجمهوريات
الاتحاد السوفيتي السابق وجمهوريات الاتحاد اليوغسلافي، إضافة إلى
الدول العربية المحكومة سابقا من قبل الإمبراطورية العثمانية والتي
باتت خارج دائرة الاستقطاب العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
زاوج العثمانيون الجدد بين "العثمنة" والتغريب، فهم من جانب حماة
للعالم الإسلامي السني، ومن جهة أخرى يصرح زعيمهم اردوغان ان حدود
بلاده هي ذاتها حدود الحلف الأطلسي، ويهدد سوريا بتفعيل المادة الخامسة
من ميثاق الأطلسي التي تبيح الاجتياح العسكري الغربي لأي بلد مسلم لا
ترضي سياسته القادة الأتراك، وتفرز استراتيجة (العثمانيون الجدد) اسلوب
التقليد الأعمى لنشأة الاستعمار الأوربي الذي بدأ بالنشاط الاقتصادي
وانتهى بالتحكم السياسي والعسكري، حيث تزحف سياسة جماعة (العدالة
والتنمية) للتغلغل الاقتصادي في البلدان العربية ومن ثم الاقتحام
المفاجئ للشؤون السياسية الداخلية بحجة (الدين) وهذا ما حصل في مصر
وليبيا وسوريا والعراق.
ويؤكد الانقلاب الحالي في التعامل التركي مع حكومة إقليم كردستان
العراق والتساهل مع طموحات الكرد، نظرية (التغلغل الاقتصادي) أولا حيث
وصل التعامل الاقتصادي بين تركيا والإقليم الى مبلغ الـ (10) مليار
دولار أمريكي.
في زمن انهيار الأيدلوجيات، انفرد الترك باختراع أيدلوجية (العثمانية
الجديدة) على أساس البعد الثقافي التاريخي، ومع تغير مهام حلف الناتو
بتغيّر العالم يصر الترك على استعادة سيناريوهات الحرب الباردة عبر نصب
(الدرع الصاروخي) على حدود روسيا وإيران والتهديد باستجلاب قوات
الأطلسي للمنطقة.
وبدلا من نظرية (صفر مشكلات) تدخل تركيا في العراك مع جميع الدول
المجاورة. ولا غرابة في كون تركيا دائما ما تكون الطرف الخاسر في لعبة
الأمم، طالما بقيت (لعنة الهوية) الداء العضال الذي يطارد الأتراك عبر
التاريخ، وقديما حاول كمال أتاتورك القفز على الجرح النرجسي الغائر
بمقولته (أنت تركي، إذن أنت سعيد). ولكن في الحقيقة لا يوجد أتعس من
رجب اردوغان الذي وقف منشدا بالجمهور قبل استلام العثمانيون الجدد
للسلطة،(مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا. مآذننا حرابنا، والمصلون
جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا)، وهو ذاته بعد ان أصبح حاكما
يدعو قوات الأطلسي لحماية حدود تركيا من التهديد السوري، ويبعث بقواته
للحرب الى جانب الغربيين في أفغانستان وليبيا.
|