في الوقت الذي يعاني فيه العراق من تحديات الإرهاب الأسود يواجه
تحديا من نوع اخر وهو لا يقل خطورة عن التحدي الاول ان لم يكن اخطر منه
واعني بذلك انتشار الاحزاب في العراق وقد يبدو الامر غريبا اذا ما
عرفنا ان من اهم مقومات العمل الديمقراطي وجود التعددية الحزبية كمرتكز
اساس في بينية الانظمة الديمقراطية بالإضافة الى المقومات والعوامل
الاخرى التي يعتمد عليها هذا الاساس وبذلك فهي تكتسب قيمتها ونجاحها
بمقدار ما يكون المرتكز الاول ناجحا وصحيحا.
وكجز من هذا المفهوم فقد برزت في العراق ما بعد التغيير ظاهرة
الاحزاب السياسية ممثله بـ (أحزاب، كيانات سياسية، تيارات، تجمعات)
بعضها كيانات انتخابية وبعضها كيانات حزبية تنظيمية وأخرى كيانات
نخبوية وهذه الظاهرة تمثل حالة صحية في ظل الفضاءات الديمقراطية التي
اتسم بها العراق بعد الانعتاق من الدكتاتورية، لأنه لا يمكن ان تنشا
التعددية في وجود الحزب الواحد ولا يمكن ان ينمو التداول السلمي للسلطة
مع احتكارها من الحزب القائد.
وبقدر ما تعكسه هذه الظاهرة من مخرجات مهمة في مسيرة وبنية العمل
الديمقراطي لكنها تمثل تحديا كبيرا في ظل غياب (قانون الاحزاب)
والتشريعات والأحكام التي تقنن وتنظم وجود الاحزاب من حيث ضوابط
التأسيس والإنشاء وشروط العضوية وممارسة العمل السياسي والنشاط الحزبي
ومصادر التمويل والأحكام الجزائية والتفاصيل الاخرى التي يجب ان ينص
عليها في مثل هذا القانون.
الامر الذى ادى الى الفوضى السياسية وما افرزته من تخمة حزبية بعد
ان اصبحت ممارسة العمل السياسي تمثل سوقا رائجا لكثير من محترفي
السياسة وجهالها، وأنا هنا لا اتهم الكل لإقراري بوجود احزاب عريقة
وأحزاب ناشئة حديثة المولد تتبنى اسس صحيحة وتتعاطى العمل السياسي بخطى
سليمة وان كان لا يزال تأثيرها محدود، ولهذا فان المتتبع يستطيع ان
يرصد انقسام المشهد السياسي بين احزاب ذات تاريخ وارث حضاري كان مجرد
ذكر اسمها يعد جريمة كبرى بحسب ثقافة البعث فضلا عن الانتماء اليها.
وبين احزاب طارئة خلقتها الصدفة في ظروف (الحوسمة السياسية) التي
اتاحت للبعض امتطاء ركب السياسة بعد ان كان لا يحسن ركوب السيارة.
وأحزاب اخرى ذات اهداف بعثية مغلفة بعناوين ديمقراطية وهي تدار من
أيتام النظام السابق الذين تحولوا في لحظة من خدام سجوده الى خدام
الشعب! ومن حراس لبوابة القصر الرئاسي الى حراس على حقوق المواطن!
ولاشك ان هؤلاء يعملون عكس اتجاه السير لتحقيق اهدافهم المتمثلة بإفشال
العملية السياسية وإعادة تواجد البعث من جديد وهناك احزاب من نوع اخر
استطيع ان اطلق عليها بـ (الاحزاب التجارية) فهي تعمل بالوكالة وتنفذ
المطلوب لمن يدفع اكثر لا فرق لديها بين البضاعة التجارية والبضاعة
السياسية لهذا السبب، ظلت ولاءات هذه الاحزاب مشدودة الى ما وراء
الحدود.
وبالتالي فان المشكلة في العراق لا تكمن في تعدد هذه الاحزاب وإنما
في متبنياتها واهدفها وفي العقلية التي يفكرون بها لإدارة العملية
السياسية على مستوى السلطة او على مستوى الدولة واشتراك كل هذه الاحزاب
بالرغم من اختلاف هوياتها وخلفياتها الفكرية والأيديولوجية في العمل
السياسي يمثل مشكلة العراق الكبرى.
qasimzobaidi@yahoo.com |