2011 عام سيء من الكوارث واسيا اكثر المتضررين

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: شهد العام الماضي العديد من الكوارث الطبيعية القاسية والتي راح ضحيتها الالاف من البشر في العديد من قارات العالم، وان كانت اسيا اكثر المتضررين، كما كلفت الاقتصاديات العالمية -المتداعية في الاصل- المزيد من الاحباط والضعف، وبغض النظر عن الاسباب التي جرت الطبيعة للتنفيس عن غضبها بهذه الصورة المؤلمة، فان محاولة التكيف مع الطبيعة وتقديم الدراسات المتعلقة بالإجراءات الوقائية لامتصاص الصدمة ومعالجة الموقف والخروج بأقل الخسائر المادية من هذه الكوارث يعتبر، اليوم، من اهم الامور التي عكفت على تفعيلها وتطويرها العديد من الدول التي وقعت او من المحتمل ان تقع على خط الكوارث المستقبلي والذي ينبئ بكوارث ربما تكون اشد وقعاً واثاراً.

ان بروز مصطلحات كـمدن مقاومة للفيضانات والكوارث جاء نتيجة للتجربة التي مرت بها الدول المتضررة وكذلك للتطور العلمي والدراسات الاكاديمية المتعلقة بهذا المجال الحيوي، والذي نتج عنه بناء المنازل والمباني المرتفعة بمواصفات خاصة ومقاومة للزلازل والكوارث الاخرى، فيما انشئت السدود والبرك والتحويلات واقيمت المصدات الصناعية وتحسنت طرق تخزين الغذاء وسرعة تفاعل المدنيين مع الحدث وغيرها الكثير خصوصاً في اسيا التي ذاقت الامرين من وراء هذه الكوارث، ولعل الكوارث التي وقعت في بانكوك واليابان مثال حي على ما عانته هذه القارة من الطبيعية.

لكن يبقى الاهم من ذلك كله هو النجاح الذي يمكن ان يتحقق على يد الانسان في التوصل الى حل اشمل واوسع يجنب البشرية جمعاء خطر الكوارث وخسائرها الكبيرة، وان كان هذا الطموح في الوقت الراهن لا يعدوا كونه امل بعيد المنال او ضرباً من الخيال فان المستقبل وعزيمة الانسان قد يكون لها مقال اخر يغير الواقع الى منحى جديد.       

الكوارث في العام 2011

حيث اعلن مسؤول في الامم المتحدة ان الكوارث وفي طليعتها الزلزال الذي ضرب اليابان في اذار/مارس الماضي كلفت الاقتصاد العالمي العام الماضي اكثر من 380 مليار دولار وهو رقم قياسي، وادى زلزال اليابان الذي اعقبه مد بحري وحادث نووي في محطة فوكوشيما، الى خسائر قدرتها الامم المتحدة بـ210 مليار دولار، وقالت مرغاريتا والستروم، الموفدة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدرء الكوارث، ان الكوارث اقل دموية من الماضي ولكن الخسائر الاقتصادية التي احدثتها كانت اكبر بكثير، واوضحت ان رقم الـ380 مليار هو "حد ادنى" وتخطى بـ75% الرقم القياسي السابق العائد للعام 2005 حين ضرب الاعصار كاترينا الولايات المتحدة، وفي العام 2011، زادت الزلازل التي ضربت اليابان ونيوزيلاند والفيضانات في تايلاند وفي دول اخرى من قيمة الخسائر، واضافت والستروم خلال مؤتمر صحافي في الذكرى الاولى للزلزال الذي ضرب اليابان في 11 اذار/مارس 2011 ان "الزلازل هي الكوارث الاكثر دموية والاكثر كلفة"، وقدرت وكالة الامم المتحدة لتقليص خطر الكوارث كلفة الفيضانات في تايلاند باكثر من 40 مليار دولار، وقالت ايضا ان "عدد الضحايا قد انخفض بشكل نسبي لان الدول حسنت انظمة الرقابة والانذار ولكن التأثير الاقتصادي للكوارث اصبح تهديدا كبيرا لعدد من الدول". بحسب فرانس برس.

كما مثلت الاعاصير والفيضانات نحو 70 بالمائة من الكوارث غير ان الزلازل اوقعت الحصيلة الاكبر من القتلى، وكانت ارقام اصدرها مركز بحوث الكوارث وهيئة الاستراتيجية الدولية للتعامل مع الكوارث التابعة للامم المتحدة قد اظهرت مقتل 20 الفا و943 شخصا معظمهم في اليابان، كما كانت كارثة الزلزال والتسونامي الذي احدث الكارثة النووية في فوكوشيما في اليابان في اذار/مارس الكارثة الاكثر كلفة ايضا، اذ الحقت اضرارا بقيمة 210 مليار دولار، وحسب الارقام التي سيقت انخفض عدد الكوارث عن تلك المسجلة في 2010 وكان 385 كارثة، غير ان تكاليف الكوارث التي وقعت في 2011 تضاعفت ثلاثة اضعاف تقريبا من 123،9 مليار دولار، وقال مدير مركز بحوث الكوارث ديباراتي جوها سابير "المثير للانتباه في العام الماضي ان الكثير من الكوارث وقعت في بلدان مرتفعة ومتوسطة الدخول تتوافر لديها موارد افضل للتعامل مع الكوارث"، واضافة الى زلزال اليابان اشار المركز الى الفيضانات في البرازيل في كانون الثاني/يناير الماضي والزلزال الذي ضرب نيوزيلندا في شباط/فبراير، واعصار ايرين في الولايات المتحدة في شهري اب/اغسطس وايلول/سبتمبر.

هولندا تجلي مواطنيها

بدورها بدأت قوات الجيش والشرطة الهولندية مؤخراً في اجلاء 800 من السكان من منطقة في شمال البلاد حيث ظهرت بوادر تسرب من سد مما يهدد بانهياره في اعقاب هطول امطار غزيرة، وبدأت عمليات الاجلاء الطارئة في الساعات الاولى من الصباح في اربع قرى باقليم جرونينجن بعد استمرار سقوط الامطار لعدة ايام، وتاتي هذه العمليات عقب نداءات لمئة من السكان بضرورة مغادرة ديارهم ومزارعهم في نفس الاقليم الواقع بشمال البلاد، وقال متحدث باسم مناطق السلامة في جرونينجن انه تم اجلاء معظم السكان، وقال المتحدث "ننصحهم بشدة بان يغادروا المنطقة الا اننا لن نجبرهم على ذلك، لكن هذا الامر قد يتغير اذا تفاقمت الاوضاع"، وقالت السلطات المحلية ان فرقا تتأهب ايضا لنقل الاف من رؤوس الماشية تركها اصحابها في المزارع، وشرع السكان وقوات الجيش في رص اكياس الرمال على امتداد قطاع من السد بطول 400 متر لمنع التسرب فيما تم اغلاق الطرق المؤدية الى المنطقة، وكلفت قوات الجيش طائرة اف 16 بمراقبة قدرة تحمل السد بالاستعانة بكاميرات تعمل بالاشعة تحت الحمراء، وليس مرجحا بدرجة كبيرة احتمال انهيار السد الا ان العواقب ستكون وخيمة اذا حدث ذلك، وقالت ايفون فان ماستريخت وهي مسؤولة محلية في مؤتمر صحفي "ستغمر المياه مئات الافدنة من الاراضي الزراعية خلال ساعات فيما سيرتفع منسوب المياه في المنطقة الى 1.5 متر على الاقل، هو السبب الذي دفعنا الى اجلاء السكان". بحسب رويترز.

مدن اكثر مقاومة للفيضانات

الى ذلك وبعد مرور أقل من عام على اختيار بانكوك كـ"نموذج يحتذى به بين المدن" من قبل الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث التابعة للأمم المتحدة (UNISDR)، كجزء من حملة الأمم المتحدة للفترة بين2010 و2015 والهادفة "لجعل المدن أكثر مقاومة"، شهدت المنطقة أسوأ فيضانات في تاريخها منذ نصف قرن ليصبح تميزها على المحك، وفي هذا السياق، سألت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مجموعة من الخبراء عن ما تستطيع 3،000 مدينة منخفضة الارتفاع مثل بانكوك – وبعض جيرانها في الدلتا - القيام به لتحسين قدرتها على التكيف مع الفيضانات، وفي ما يلي سرد لآرائهم:، قال أدري فيروي، وهو خبير في فيضانات المناطق الحضرية في مؤسسة دلتاريس، وهي عبارة عن مجموعة أبحاث متخصصة في إدارة المياه في هولندا، أن الخطوة الأولى تتمثل في إعداد خطة رئيسية تضم رؤى تطوير المدينة وتحدد الأولويات ومواطن الضعف، وأضاف أن "المدن تحتاج إلى تحديد مستويات الأمان التي تنشدها، والمناطق التي تحتاج إلى حماية أكثر من غيرها"، ففي هولندا، حيث تقع 26 بالمائة من الأراضي تحت مستوى سطح البحر، تم تصميم المدن ذات الكثافة السكانية والاقتصادية العالية بطرق تؤهلها للصمود أمام فيضان قد يحدث مرة واحدة كل 10،000 سنة، بينما في المناطق الداخلية، صممت البلدات الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة بطرق تؤهلها للصمود أمام فيضان قد يحدث مرة واحدة كل 1،250 سنة. بحسب ايرين.

من جهته، أكد أنيس الرحمن، وهو أخصائي تخطيط استخدام الأراضي في المركز الآسيوي للوقاية من الكوارث الواقع في بانكوك، أن التنمية غير المتوازنة تشكل أضعف نقطة في التخطيط الحضري في العديد من البلدان الآسيوية، ولكن الوضع في تايلاند يعتبر أكثر سوءاً حيث تم تركيز مجمل الاهتمام على الأنشطة التجارية ورأس المال السياسي، وشدد أنيس الرحمن على أن "التخطيط الأفضل يتمثل في تنمية البلاد ككل وإيلاء المزيد من الاهتمام للمدن الأخرى، بحيث تتمكن من المساعدة في تحمل الضغط، وخصوصاً في حالة وقوع كارثة مثل هذه"، وأضاف أنه بدلاً من السماح بإنشاء شركات جديدة في بانكوك وحولها، ينبغي تحويل الاستثمارات المستقبلية إلى المناطق الأقل نمواً في الأراضي الأكثر ارتفاع، وقد تقدم نواب من الحزب الحاكم في تايلاند باقتراح برلماني لنقل العاصمة إلى مقاطعة ناخون نايوك - وهي منطقة أكثر ارتفاع، أما بالنسبة لتاكيا كيميو، وهو مستشار رفيع المستوى في مكتب الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) في بانكوك، فإن كلمتي "التخزين والتحويل" تلخصان جميع استراتيجيات السيطرة على الفيضانات.

وتعني كلمة "التخزين" بناء المزيد من الخزانات والبرك لحجز المياه عند المنبع، أما كلمة "التحويل"، فتعني تطوير قنوات كافية في منتصف الطريق وعند المصب لنقل الفائض إلى البحر، من جهته، أفاد نات مارجانغ، وهو محاضر في هندسة الموارد المائية بجامعة كاسيتسارت بمدينة بانكوك، أنه فيما يتعلق بالمدن التي تغرق ببطء وتعاني من ارتفاع مستويات البحار، يتعين على الحكومات تنظيم الموارد المائية، وأضاف أنه "قبل تطبيق القانون الذي ينظم استخراج المياه الجوفية [في تايلاند]، قامت العديد من المصانع بخفر آبار خاصة بها لاستخراج المياه للاستخدام الصناعي، وهذا هو أحد العوامل الهامة التي تسهم في هبوط مستوى الأرض"، ووفقاً لإدارة العاصمة التايلاندية، تغرق بانكوك بمعدل 30 ملليمتراً سنوي، ونظراً إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 25 ملليمتراً سنويا، فإن المدينة قد تغطى بمياه يتراوح عمقها بين 50 و100 سنتيمتر بحلول عام 2025.

أما جيري فيلاسكيز، كبير المنسقين الإقليميين للاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث في آسيا والمحيط الهادئ، فإنه يرى أنه على القطاع الخاص أن يشارك بصورة مباشرة في إدارة الفيضانات، وعلق على ذلك بقوله: "ما نحتاجه من القطاع الخاص ليس فقط المسؤولية الاجتماعية للشركات والمال، ولكن أيضاً مشاركته النشطة التي قد تكون بسيطة مثل بناء سد حول مصانعه، واختيار المواقع المناسبة لبناء المصانع، وإعداد خطط لمواجهة الكوارث الطارئة"، وكان اتحاد الصناعات التايلاندية قد قدر الخسائر الناجمة عن الفيضانات في المناطق الصناعية السبع الأكثر تضرراً بحوالي 13 مليار دولار، ويشمل ذلك 891 مصنعاً و460،000 عامل، وفقاً لوسائل الاعلام المحلية، وعلى الرغم من وجود شبكة واسعة من البنية التحتية لوسائل السيطرة على الفيضانات في بانكوك، إلا أن الخبراء يؤكدون أنها فشلت إلى حد كبير في مواكبة التوسع العمراني والتنموي السريع بالمدينة، ففي الفترة بين 1985 و2010، زاد عدد السكان المقيمين في المناطق الحضرية في تايلاند بنسبة تتراوح بين 26.8 و34 بالمائة، وذلك يعني انضمام 10.5 مليون نسمة من السكان الجدد إلى سكان المدن، وفقاً لأحدث توقعات الأمم المتحدة حول التوسع الحضري في العالم.

وفي حين يعتقد الكثير من المسؤولين أن الحاجز المعروف باسم سد جلالة الملك، الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب في شرق بانكوك، يمكن أن ينقذ المدينة من الفيضانات، يرى فيروي أن هذا السد تم تصميمه للتعامل فقط مع الأمطار السنوية المعتادة وليس مع فيضان يتكرر مرة واحدة كل 50 سنة كالذي حدث هذا العام، ونتيجة لذلك، فقد فشلت محطات الضخ في العمل تحت الضغط، وأضاف فيروي أن البلدان المعرضة للفيضانات بحاجة إلى أن تكون أكثر استعداداً مما هي عليه الآن، معلقاً على ذلك بقوله: "لقد أعجبت بسرعة وضع أكياس الرمل وتوزيع الغذاء والماء [في تايلاند]، ولكن أكياس الرمل لا تستطيع دائما أن تحل المشاكل، لقد كان عدم استعداد الناس لمواجهة الفيضان صادماً، وكأن ظاهرة الفيضانات منسية تماماً في تايلاند"، وكانت الفيضانات قد أسفرت في عام 1995 عن مقتل أكثر من 400 شخص، وألحقت أضراراً متفاوتة بحوالي أربعة ملايين نسمة، وفقاً للحكومة، وهو ما علق عليه كيميو من جايكا بقوله أن الاستثمار في مجال الوقاية من الفيضانات يعتبر "خياراً محسوباً، مضيفاً أن "هناك خياران فقط، إما تقليل سرعة التنمية أو زيادة الاستثمار في السيطرة على الفيضانات".

وقد زادت مخاطر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأكثر من 160 بالمائة منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي بنسبة تفوق النمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً للاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث، وحسب تقرير حديث للبنك الدولي، تقع تسعة من أكبر 10 مدن ساحلية معرضة للفيضانات حتى عام 2070 في قارة آسيا، بما في ذلك بانكوك، كما تقع أكثر من نصف مدن العالم النامي الأكثر عرضة للفيضانات في قارة آسيا، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.

قارة اسيا اكثر المتضررين

في سياق متصل قال خبراء أن الكوارث الطبيعية التي وقعت في قارة آسيا في عام 2011 قد يثبت أنها كانت أكثر الكوارث تكلفة على الإطلاق، وقال سانجاي سيرفاستافا المستشار الإقليمي للأمم المتحدة لشؤون الحد من مخاطر الكوارث أن "العالم لم يعانى من قبل من مثل هذه الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية، التي وقع معظمها في منطقة آسيا والمحيط الهادي"، وأضاف أن 90 بالمائة من إجمالي الخسائر الاقتصادية العالمية التي بلغت قيمتها 270 مليار دولار كانت من نصيب آسي، وبلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الزلازل التي وقعت في نيوزيلندا واليابان والفيضانات الغزيرة في أستراليا وآسيا في التسعة أشهر الأولى من عام 2011 حوالي 259 مليار دولار، ولكن لم تتعدى قيمة المؤمن عليه مبلغ 52 مليار دولار، وفقاً لما ذكرته شركة التأمين العالمية ميونخ ري التي تغطي التأمين ضد الكوارث الطبيعية. بحسب ايرين.

وشكلت الخسائر الناجمة عن زلزال وتسونامي اليابان - التي بلغت 220 مليار دولار - الجزء الأكبر من الخسائر، طبقاً لما ذكره سيرفاستان، وإضافة إلى ذلك، أوضح البيان الذي صدر في 9 ديسمبر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تعتبر بمثابة ذراع التنمية الإقليمية للأمم المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي أن "الفيضانات غير المسبوقة في بلدان جنوب شرق آسيا هذا العام سببت خسارة في الإنتاج التراكمي تقدر بنحو 6.3 مليار دولار أو 0.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل من كامبوديا وجمهورية لاو الشعبية الديموقراطية والفليبين وتايلاند وفيتنام، وقال مايكل ايبل المتحدث باسم شركة ميونخ ري أن "الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة (في جنوب شرق آسيا) قد تكون الفيضانات التي حدثت في تايلاند، حيث قدرت إجمالي الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها بالمليارات"، ومع ذلك، قالت شركته أن التأمين يغطي أقل من 9 بالمائة من التكاليف في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وعلى الرغم من ارتفاع نسبة المخاطر الاقتصادية والبشرية نتيجة لزيادة عدد سكان المناطق الحضرية، لا تزال التغطية التأمينية في العديد من بلدان المنطقة منخفضة للغاية على نحو لا يوفر الحماية الفعالة من المخاطر، ومن جهته، قال ساني جيغيلوس، المنسق الإقليمي للحد من مخاطر الكوارث في برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن "معظم العبء سيقع على الدولة التي ستأخذ على عاتقها تغطية تكاليف الإنعاش وإعادة التأهيل، بما في ذلك ضغوط التصدي لتحديات الحد من المخاطر المستقبلية"، وقال غيرد هنغوبر، أخصائي تغير المناخ والطاقة المتجددة لدى شركة ميونخ ري أنه "في ظل النمو السكاني واستمرار التوسع العمراني في المناطق المعرضة للكوارث والثروات المتزايدة، نتوقع أيضاً زيادة الخسائر الاقتصادية"، وطبقاً لما ذكره التقرير الاستراتيجي لعام 2020 الصادر عن المركز الآسيوي للتأهب للكوارث، فإن 43 بالمائة من سكان آسيا يقيمون في المناطق الحضرية، كما تعتبر هذه المنطقة موطناً لنصف أكبر مدن العالم.

وقال التقرير أن "الحقيقة الواضحة هي أن آثار الكوارث في المناطق الحضرية يمكن الشعور بها الآن بشكل أكثر حدة عن ما كانت عليه في الماضي"، وعلاوة على ذلك، قال سيرفاستا أنه من المتوقع أن يكون الفقراء هم الأكثر تضرراً من الخسائر الاقتصادية، وقال هنغوبر أن "المنطقة تحملت وطأة الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية حتى الآن، وهناك حاجة ملحة لتوسيع نطاق التغطية التأمينية للكوارث الطبيعية"، وفي الوقت نفسه، إذا لم تدرج الحكومات عنصر الحد من مخاطر الكوارث ضمن خططها التنموية، فسوف ترتفع الخسائر الاقتصادية في المستقبل، حسبما ذكر جيغيلوس الذي أضاف أن "الاستثمارات في مجال الحد من مخاطر الكوارث هي استثمارات في التنمية".

مستوطنة مقاومة للكوارث

من جانبها قامت بنغلاديش ببناء أولى مستوطناتها المقاومة للكوارث والمصممة للحد من الأضرار أثناء حدوث الكوارث الطبيعية، وقال أمين الإسلام، مساعد مدير مكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في بنغلاديش الذي دشن المشروع، أن "هذه المنازل التي شيدت على أعمدة خرسانية بارتفاع مترين مصممة لتحمل موجة مد وجزر يصل ارتفاعها إلى ستة أقدام (مترين) ورياح تصل سرعتها إلى 150 ميلاً في الساعة (235 كيلومتراً في الساعة)، وتضم المساكن الواقعة في مدينة شيمناغار الجنوبية بالقرب من خليج البنغال -والمعروفة محلياً باسم الموئل المقاوم للكوارث- 50 منزلاً يمكنها أن تستوعب ما يصل إلى 300 شخص، وقد تم تخطيط المستوطنة للحد من الأضرار التي تسببها الأعاصير التي تضرب الخليج بصفة متكررة، وأضاف أمين الإسلام أن "الأشجار القريبة من القرية تحفظ تماسك التربة السطحية، بينما تعمل الأشجار الأكثر ارتفاعاً المزروعة على مسافة من القرية كمصدات للرياح، وتعمل السدود الأساسية والثانوية على حماية المحاصيل من ارتفاع مستوى سطح البحر".

وقال عبد القيوم مدير المشروع الوطني في البرنامج الحكومي الشامل لإدارة الكوارث أنه على الرغم من أن نظم الإنذار المبكر، وملاجئ الأعاصير والسياسات الحكومية ساعدت كثيراً على خفض عدد الوفيات الناجم عن إعصار أيلا عام 2009 وإعصار سدر في 2008، إلا أن الحاجة إلى إيجاد حل آخر للحد من الأضرار كانت واضحة"، وأضاف أمين الإسلام أن المسافة إلى ملجأ الأعاصير وانعدام الأمن والصرف الصحي كانت عوامل تثني المعاقين والنساء والأطفال والمسنين عن استخدام تلك الملاجئ، واتخذت سولايا خاتوم، وهي إحدى الناجين من إعصار أيلا عام 2009، من سطح منزل أحد جيرانها ملج، "لدي أم مسنة وإبنة شابة، ولم نتمكن من الوصول إلى ملجأ الأعاصير في الوقت المناسب لأنه بعيد جداً"، وقال عمال إدارة الكوارث المحليون أن الإعصار تسبب في خسائر تقدر بملايين الدولارات كما خلف لدى الناجين انطباعات سلبية عن الاستعداد للكوارث، وبالتالي كان هناك عدد أقل من المواطنين على استعداد لترك ممتلكاتهم واستخدام ملاجئ الأعاصير.

وأضافت خاتوم البالغة من العمر 45 عاماً "فقدت منزلي وثمانية من الماعز و20 بطة و10 أكياس من الأرز، ومنذ ذلك الحين وأنا اعمل كعاملة بأجر يومي"، وقال أمين الإسلام أن عدد ملاجئ الأعاصير في غرب بنغلاديش أقل منه في شرقها لأن العواصف المدارية كانت تجتاح الجزء الشرقي من البلاد بشكل تقليدي، ولكن مع تغير أنماط الطقس واتساع مساحات الإعصار، أصبح غرب بنغلاديش عرضة بشكل متزايد للأعاصير المدمرة والمتكررة، وقد ألحقت الكوارث الطبيعية بالبلاد أضراراً تقدر بأكثر من 16 مليار دولار في صورة خسائر في الممتلكات والثروة الحيوانية والداجنة منذ أن نالت البلاد استقلالها عن باكستان في عام 1971، حسبما أفادت وزارة الأغذية وإدارة والكوارث، وأكد أمين الإسلام أنه "أصبح من الواضح بشكل متزايد أن مستقبل إدارة الكوارث يكمن في الاستعداد على مستوى المجتمع والأسرة"، وأشار مركز بنغلاديش للتأهب للكوارث، وهو منظمة غير حكومية محلية، إلى أن العديد من ملاجئ الأعاصير البالغ عددها 2،000 ملجأ في جنوب غرب البلاد تظل خاوية بسبب عدم تشاور من قام ببنائها مع السكان الذين لم يشعروا بأن لهم مصلحة كبيرة في صيانتها واستخدامها.

وقال خونداكر حسيب الكبير المهندس المعماري البارز في مشروع المساكن المقاومة للكوارث الجديد "نحن نعرف كيف نبني منازل قوية، ولكن التحدي هو بناء مجتمعات أقوى"، وبلغت تكلفة الموئل المقاومة للكوارث 65،000 دولار بتمويل مشترك وبنسب متساوية من قبل الأمم المتحدة ولجنة النهوض بالريف في بنغلاديش وهي منظمة غير حكومية، وهذا جزء صغير من تكلفة أحد ملاجئ الإعصار، ومن المخطط بناء مجتمعين آخرين مقاومين للكوارث في القرى القريبة، ويتوقع مخططو هذه الإنشاءات أن تبلغ تكلفتها نصف تكلفة المجتمع الأول، كما يتم تشجيع السكان الجدد على المشاركة في تحديد مخاطر الكوارث ورسم خرائط لطرق الهروب والمساعدة في بناء المنازل، وقال حسيب الكبير: "أثناء عملية بناء تلك الموائل، تزداد قوة المجتمع مما يسمح بالاستجابة السريعة والمنسقة في حالة وقوع كارثة".

100 عام على كارثة تيتانيك

من جانب اخر  وبعد مرور 100 عام على كارثة غرق السفينة تيتانيك اكتشف علماء سببا غير متوقع لغرقها الا وهو القمر، ويعرف أي شخص مطلع على التاريخ أو شاهد الافلام الرائجة التي تناولت الكارثة أن سبب حادث السفينة تيتانيك قبل 100 عام هو أنها اصطدمت بجبل جليدي، ودرس دونالد أولسون وهو فيزيائي من جامعة تكساس وفريقه من علماء الفلك دور القمر في غرق السفينة وقال "صلة القمر قد توضح كيف يتأتى لعدد كبير من الجبال الجليدية بشكل استثنائي أن تدخل في مسار تيتانيك"، ومنذ غرق تيتانيك في الساعات الاولى من صباح 15 أبريل نيسان عام 1912 ومقتل 1517 شخصا تحير الباحثون من تجاهل ادوارد سميث قبطان السفينة لتحذيرات من وجود الجبال الجليدية في المنطقة التي تبحر فيها السفينة، وكان سميث القبطان الاكثر خبرة في خطوط وايت ستار وأبحر على خطوط نورث اتلانتيك في مناسبات عديدة، وكلف بقيادة الرحلة الاولى لتيتانيك لانه كان بحارا حذرا وذا خبرة، ويقول أولسون ان جبال جليد جرينلاند من النوع الذي ارتطمت به تيتانيك تعلق عادة في المياه قبالة لابرادور ونيو فاوند لاند ولا يمكنها استئناف التحرك جنوبا حتى تذوب بدرجة كافية فتطفوا أو أن يحررها ارتفاع المد، فكيف كان مثل هذا العدد الكبير من الجبال الجليدية قد طفا في الجنوب ليكون في الممرات الملاحية جنوب نيو فاوند لاند في تلك الليلة؟. بحسب رويترز.

ودرس فريق أولسون تكهنات عالم البحار الراحل فيرجوس وود بأن اقتراب القمر بشكل استثنائي في يناير كانون الثاني 1912 ربما أدى الى مثل هذا المد مما فصل جبال جليدية أكثر بكثير من المعتاد عن جرينلاند وطفت وهي لا تزال بحجم كبير في مسار الممرات الملاحية التي كانت قد نقلت جنوبا في ذلك الربيع بسبب تقارير عن جبال جليدية، وقال أولسون ان حدثا نادرا وقع يوم الرابع من يناير كانون الثاني عام 1912 عندما يقف القمر والشمس بطريقة تعزز جاذبية كل منهما الاخر، وفي الوقت نفسه كان القمر في يناير أقرب ما يكون الى الارض خلال 1400 عام وحدث اقترابه في غضون ست دقائق من اكتماله بدر، وعلاوة على ذلك كانت الارض أقرب الى الشمس في اليوم السابق، وقال أولسون "زاد هذا الوضع من قوة مد القمر على محيطات الارض الى الحد الاعلى، هذا جدير بالملاحظة"، وخلص بحثه الى أنه للوصول الى الممرات الملاحية بحلول منتصف ابريل فان الجبل الجليدي الذي اصاب تيتانيك لابد وانه انفصل عن جرينلاند في يناير عام 1912، وقال أولسون ان ارتفاع المد الذي نتج عن مجموعة من الاحداث الفلكية الغريبة يكفي لازاحة الجبال الجليدية وجعلها تطفو بما يكفي للوصول الى الممرات الملاحية بحلول ابريل، وينشر البحث في عدد أبريل من مجلة "سكاي اند تلسكوب".

شركات لويدز ورقما قياسيا من الكوارث

فيما غرقت سوق لويدز اللندنية للتامين في الديون في 2011 ووقعت ضحية اسوأ سنة نتيجة الاضرار التي سببتها كوارث طبيعية منذ انشاء هذه السوق المرموقة في مجال التامين قبل 324 عام، وبالفعل فقد شهدت السنة المنصرمة عددا استثنائيا من الكوارث: فيضانات في استراليا في كانون الثاني/يناير، زلزال في نيوزيلندا في شباط/فبراير، تسونامي وكارثة فوكوشيما في اليابان في اذار/مارس، ثم بداية فيضانات في تايلاند في تموز/يوليو، وكان موسم الاعاصير في المحيط الاطلسي الشمالي عنيفا للغاية مع الاعصار ايرين خصوصا الذي ضرب كبرى المدن على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وبالتالي، فقد بلغت خسائر سوق لويدز للتامين الخاضعة للضريبة 516 مليون جنيه استرليني (حوالى 617 مليون يورو) للسنة المالية، مقابل ارباح بقيمة 2،195 مليار جنيه استرليني في 2010.

وهذه ثاني اكبر خسارة سنوية للسوق بعد تلك التي سجلتها في 2001، السنة التي شهدت اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، وسجلت السوق اللندنية المتخصصة خسارة قياسية من 3،1 مليارات جنيه استرليني، وقلل المدير العام ريتشارد وورد من شان هذه الخسائر بالقول ان "العام 2011 كان صعبا بالنسبة لقطاع التامين، ان خسائرنا لا تشكل مع ذلك مفاجأة نظرا الى حجم الكوارث الطبيعية"، ونجحت شركات لويدز للتامين في تسجيل ارباح في النصف الثاني من السنة لكنها لم تكن كافية لتغطية الثغرة التي سجلتها في الاشهر الستة الاولى من العام التي شهدت عددا من الكوارث، وقد سببت هذه الكوارث اضرارا قيمتها الاجمالية 435 مليار دولار في 2011 في العالم، وهو رقم قياسي في مجال الكوارث الطبيعية، بحسب تقديرات شركة الوساطة الاميركية "آون"، ومن اصل هذه الفاتورة، يتعين ان تدفع شركات التامين 107 مليارات دولار، وحده العام 2005 كان الاكثر كلفة بالنسبة لكل القطاع مع مرور الاعصار كاترينا الذي دمر نيواورلينز. بحسب رويترز.

واضطرت شركات لويدز اللندنية للتامين لوحدها ان تسدد العام الماضي 4،6 مليارات جنيه استرليني للتعويض عن الاضرار المرتبطة بكوارث طبيعية، وهو اعلى مستوى مسجل في غضون 324 عاما من تاريخ هذه السوق، وهي السوق الوحيدة في العالم التي انشئت في 1688، ذلك لان الشركات والافراد الذين يرغبون في بوالص تامين مقابل اضرار لا تغطيها شركات التامين التقليدية، يمكنهم ان يشتروا بوالص في هذه السوق من عشرات شركات التامين المتخصصة التي تتقاسم المخاطر، والسوق التي تعود ملكيتها لاعضائها، غير مدرجة في البورصة، وتاتي الصعوبات التي شهدتها استثماراتها بسبب تقلبات الاسواق المالية التي يخشى ان تستمر، لتضاف الى صعوبات العام الماضي، وعلق وورد بالقول ان سنة "2012 ستجلب معها ولا شك صعوبات، وتبقى معدلات المردودية متدنية في الاسواق، ومن الواضح ايضا انه لن يحصل تحسن كبير في البيئة لصالح المستثمرين في مستقبل منظور"، وعلى الرغم من كل شيء، فان سوق لويدز للتامين اشارت الى انها ستحافظ على قاعدة مالية متينة مع اصول بقيت مستقرة الى حد ما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/آيار/2012 - 14/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م