تونس... بين تطلعات الشعب وايدولوجيات الساسة الجدد

 

شبكة النبأ: لاتزال تونس تواجهه العديد من المشاكل والتحديات الخطيرة التي تسببت بخلق ازمات ومشاكل اسهمت بشكل واضح في التأثير على الحياة اليومية للمواطن التونسي الذي لا يزال يترقب انجازات ثورة التغير، ويرى بعض المراقبين ان استمرار الاحتجاجات والمطالب الجماهيرية المستمرة هي دليل واضح على بطئ مسيرة الاصلاح والتغير، وفي هذا الشأن تظاهر نحو 20 ألف تونسي في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس للاحتفال بعيد العمال العالمي مطالبين بتوفير وظائف لمئات الآلاف من العاطلين في البلاد. ودعا الى التظاهرة "الاتحاد العام التونسي للشغل" (أكبر وأعرق مركزية نقابية في تونس) و"الجامعة العامة التونسية للشغل" و"اتحاد عمال تونس" اللذين تأسسا بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وشاركت في التجمع منظمات غير حكومية وأحزاب سياسية بينها "حركة النهضة" الإسلامية التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس. وتعتبر تظاهرة الأكبر منذ أن ألغت وزارة الداخلية في 10 أبريل/نيسان الجاري حظر التظاهر الذي فرضته يوم 28 مارس/أذار 2012 بشارع الحبيب بورقيبة إثر أعمال عنف. واكتسب هذا الشارع رمزية خاصة وتحول الى فضاء مميز للاحتجاجات الشعبية منذ أن تظاهر فيه يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 آلاف التونسيين مطالبين بتنحي بن علي الذي هرب في نفس اليوم إلى السعودية.

وهتف المتظاهرون الذين رفعوا أعلام تونس "شغل...حرية...كرامة...وطنية" وهي نفس الهتافات التي انطلقت بها "الثورة" التونسية في ديسمبر/كانون الاول 2010 ، وانشدوا النشيد الوطني التونسي. كما رددوا شعارات أخرى مثل "الشعب يريد وحدة وطنية" و"لا خوف... لا رعب...السلطة ملك الشعب" و"يا حكومة عار...عار...الأسعار شعلت نار" و"الشعب فد (ضجر كثيرا) من الطرابلسية الجدد" في اشارة الى عائلة ليلى الطرابلسي (زوجة بن علي)، التي عاثت في تونس فسادا خلال فترة حكم بن علي (1987-2011). بحسب فرنس برس.

وانطلقت التظاهرة من أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل باتجاه شارع الحبيب بورقيبة. وقبل انطلاقها ، اكد حسين العباسي أمين عام الاتحاد في حشود من المواطنين ان "على الحكومة أن تباشر دون تردد او تلكؤ مهمة توفير الشغل وبالخصوص لخريجي الجامعات". وعد حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة، الاسبوع الماضي، بتوفير 75 فرصة عمل جديدة في تونس سنة 2012. وكانت البطالبة من الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة التونسية.

ويقول مراقبون إن توفير وظائف جديدة للعاطلين يبقى رهين استقرار الاوضاع الاجتماعية والامنية في تونس. وبحسب إحصائيات رسمية حديثة تعد تونس اليوم نحو 750 ألف عاطل بينهم حوالي 250 ألفا من خريجي الجامعات. وارتفع معدل البطالة في البلاد التي يقطنها نحو 11 مليون نسمة إلى 19 بالمائة سنة 2011 مقابل 14 بالمائة سنة 2010 بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في تونس العام الماضي جراء تداعيات الثورة.

المرزوقي يدعو امن تونس

في السياق ذاته دعا الرئيس التونسي منصف المرزوقي رجال الأمن في بلاده إلى "المحافظة على كرامة المواطن وخاصة حرمته الجسدية" مشددا في خطاب ألقاه بمناسبة "العيد" السادس والخمسين لقوات الأمن الداخلي على "الضرورة القصوى للسلك (الأمني) في المحافظة على كرامة المواطن وخاصة حرمته الجسدية". وذكر المرزوقي ان أعدادا "شاذة" من رجال الأمن "مارسوا" في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي "العنف ضد شعبنا في أحقر وأقذر مظاهره أي التعذيب".

واشار الى ان الحكومة الانتقالية الحالية "المنبثقة من شرعية الانتخابات أي من سيادة الشعب لن تتساهل أبدا" مع رجل الأمن الذي "يعجز عن كبت ما به من همجية". وحذر المرزوقي وهو رسميا "القائد الأعلى للقوات المسلحة" (الجيش والأمن) من أنه "لا احد فوق القانون بما في ذلك رجل الأمن".

ودعا الرئيس التونسي رجال الأمن في بلاده إلى "احترام القوانين والتصدي فحسب للممارسات المنافية للقانون وللأفراد والممتلكات وليس للأشخاص والمجموعات". وقال ايضا "ان المؤسسة الأمنية التي تم توظيفها في العهد السابق (عهد بن علي) لغير ما جعلت له نريدها اليوم مؤسسة جمهورية لا توظف في خدمة حزب أو منظمة أو فرد وإنما في خدمة الوطن والمواطن". وشدد على ضرورة ان تكون علاقة المؤسسة الأمنية مع المواطن "قائمة عل الثقة والاحترام المتبادل واحترام حقوق الإنسان وعلوية القانون كحكم بين الجميع".

وكان جهاز الأمن الداخلي (الشرطة والحرس) الأداة الرئيسية للقمع في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي هرب إلى السعودية يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011. ونددت منظمات حقوقية مؤخرا بعودة ما أسمته "الممارسات البوليسية الوحشية" في تونس إثر استعمال الشرطة يوم 9 أبريل/نيسان 2012 القوة المفرطة لتفريق متظاهرين وسط العاصمة تونس. ويبلغ عدد رجال الأمن في تونس نحو 65 ألفا، بحسب إحصائيات رسمية.

على صعيد متصل طالبت جمعية تمثل عناصر الامن في تونس المجلس الوطني التأسيسي بتشديد الدستور الجديد للبلاد على "حيادية المؤسسة الامنية وعلى طابعها الجمهوري"، خصوصا بعد ان واجهت انتقادات حادة اثر قيام الشرطة بقمع تظاهرة وسط العاصمة. وقال رشاد محجوب رئيس "الجمعية التونسية من أجل شرطة وطنية" وهي منظمة غير حكومية "تحتاج تونس إلى أمن جمهوري ومحايد، نحن نطالب المجلس التأسيسي بالتنصيص ضمن الدستور الجديد على الطابع الجمهوري وعلى حيادية المؤسسة الأمنية". واوضح ان الجمعية وجهت رسالة بهذا الشأن إلى المجلس التأسيسي الذي سيتولى صياغة دستور تونس الجديد.

ونفى أن يكون جهاز الأمن في تونس تحول إلى "أداة قمع" بيد حركة النهضة الاسلامية الحاكمة منذ أن عينت الحكومة في كانون الأول/ديسمبر الماضي علي العريض القيادي البارز في الحركة وزيرا للداخلية. وأضاف محجوب "نحن شرطة الدولة وليس شرطة حركة النهضة، والقوانين تلزمنا بتطبيق تعليمات وزير الداخلية دون مناقشتها، ولو كان حمة الهمامي (زعيم حزب العمال التونسي الشيوعي) وزيرا للداخلية لقمنا بتنفيذ تعليماته".

وقالت الجمعية التي تضم مئات من عناصر الأمن، في بيان أصدرته ، إن الشرطة "تمسكت بتطبيق القانون أمام إصرار البعض على خرقه بوسائل غير مشروعة" وأنها "حرصت على الالتزام بأعلى درجات ضبط النفس إثر تعرضها للعنف المادي واللفظي" من قبل المتظاهرين.

وأصيب عدة أشخاص بجروح وبحالات اختناق في مظاهرة وقعت في وقت سابق عندما استعملت الشرطة بشكل مكثف قنابل الغاز المسيل للدموع والضرب المبرح بالهراوات لتفريق مئات الاشخاص حاولوا خرق حظر التظاهر الذي فرضته وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة منذ 28 آذار/مارس الماضي. بحسب فرنس برس.

ونددت أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية تونسية بالتعاطي الامني "الوحشي" مع المتظاهرين وطالبت بفتح تحقيق حول "تجاوزات" الشرطة. واتهم معارضون حركة النهضة بالعودة بالبلاد إلى مرحلة "القمع البوليسي" التي كانت سائدة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وألغى وزير الداخلية في العاشر من نيسان/ابريل الحالي قرار حظر التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة وتعهد بفتح تحقيق حول "أحداث العنف" التي شهدها. واكتسب هذا الشارع رمزية خاصة منذ أن تظاهر فيه عشرات الآلاف من التونسيين في 14 كانون الثاني/يناير 2011 مطالبين بتنحي بن علي الذي هرب خلال اليوم نفسه إلى السعودية.

الاعتذار من الشعب

من جانبه طالب نائب بالمجلس الوطني التأسيسي الرئيس التونسي منصف المرزوقي بتقديم "اعتذار إلى الشعب" بعد أن قبل مواطنان يده خلال زيارة قام بها الى سوق الجملة للخضر والفواكه جنوب العاصمة تونس. ووصفت الرئاسة التونسية الامر بانه "تصرف عفوي وودي من مواطنين محترمين مع رئيس الجمهورية". وقال محمود البارودي النائب عن الحزب الديمقراطي التقدمي (وسط يسار- معارض) إن مشهد تقبيل يد الرئيس "رجع بنا إلى عهد السلاطين". وأضاف "لا نقبل هذه الممارسات من مناضل حقوقي (المرزوقي) كان ولا يزال يدافع عن حقوق الانسان". وقبل عاملان في سوق بئر القصعة يد منصف المرزوقي الذي قام بزيارة غير معلنة الى السوق بحسب رئاسة الجمهورية. ونشرت الرئاسة على موقعها في شبكة التواصل الاجتماعي تسجيل فيديو كاملا لزيارة المرزوقي الى سوق بئر القصعة قبل أن تحذف منه في وقت لاحق مشهد تقبيل اليد.

وقالت "قررننا قطعه (المشهد) رفعا للالتباسات خاصة وأننا بصدد التأسيس لعلاقة جديدة بين السلطة والمواطن مبنية على احترام كرامة المواطن كمكتسب من مكتسبات الثورة" التي أطاحت في 14 يناير/كانون الثاني 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ولاحظت رئاسة الجمهورية أن مشهد تقبيل يد المرزوقي كان " تصرفا عفويا ووديا من مواطنين محترمين مع رئيس الجمهورية". بحسب فرنس برس.

واستقبل عمال سوق بئر القصعة الرئيس التونسي بحفاوة ساعة حلوله بالسوق مرددين "عاش الرئيس، عاشت الثورة". وانحنى اثنان من العمال وقبلا يد الرئيس داعين للرئيس التونسي بطول العمر. وبدا نوع من الارتباك على المرزوقي الذي سحب يده بسرعة عندما قبلها العامل الأول ثم الثاني. وتم تداول مقطع الفيديو الذي يظهر تقبيل يد الرئيس على نطاق واسع من قبل مرتادي موقع الفيسبوك من التونسيين. وترددت عديد التعاليق الساخرة على الواقعة مثل "عاش صاحب الجلالة منصف المرزوقي ملك بئر القصعة" المنطقة التي تقع فيها سوق الجملة المركزية في البلاد.

انهاء التجاذبات السياسية

على صعيد متصل اكد حمادي الجبالي رئيس الوزراء التونسي وامين عام حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم، ضرورة انهاء التجاذبات السياسية الحادة بين الفرقاء السياسيين في السلطة والمعارضة في تونس من اجل التركيز على التنمية الاقتصادية والقضايا الاجتماعية ومقاومة الفساد ومزيد استتباب الامن. ودعا الجبالي في هذا السياق، لدى عرضه برنامج عمل حكومته لسنة 2012 امام المجلس الوطني التأسيسي، الى انشاء "مجلس حكماء يجمع ولا يفرق للرجوع اليه عند (نشوء) الازمات" السياسية والى "مصالحة وطنية" في البلاد التي يقول مراقبون انها تشهد تجاذبات سياسية حادة بين الاسلاميين وأحزاب يسارية معارضة.

وشدد رئيس الحكومة على ان "امكانيات تونس ضعيفة" في الوقت الحالي وان "التشنج" القائم بين الفرقاء السياسيين في البلاد "لا يخدم المصلحة الوطنية بالمرة" مؤكدا ضرورة "المصالحة الوطنية في هذا الظرف" وخاصة مع "رجال الاعلام". وكانت العلاقة بين حركة النهضة الاسلامية والصحافيين شهدت توترا شديدا وسط اتهامات متبادلة ب "الانحياز" ضد السلطة من جهة و محاولة "توظيف" الاعلام لخدمة اجندات حزبية من جهة اخرى.

وقال الجبالي "ارجو من رجال الاعلام أن يتصالحوا مع الثورة والشعب، وارجو ممن يقسون على رجال الاعلام ان يترفقوا برجال الاعلام سواء العمومي أو الخاص". ويقول أنصار لحركة النهضة إن التلفزيون العمومي تحت سيطرة "يساريين" معارضين للحركة وآخرين موالين لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقال عامر العريض القيادي في النهضة في مقابلة مع القناة الأولى للتلفزيون العمومي، ان نشرة الأخبار الرئيسية للقناة "مغرقة في الانحياز السياسي" ضد الحكومة والحركة مضيفا ان من يشاهد نشرات اخبار التلفزيون العمومي يعتقد أن تونس تشهد "حربا أهلية".

في المقابل يتهم صحافيون النهضة بالسعي الى وضع يدها على وسائل الاعلام العمومي وخاصة التلفزيون. وفي هذا السياق نفى سعيد الخزامي رئيس تحرير القناة اتهامات العريض وقال ان "السياسيين يحاولون الاستفادة من نشرة الاخبار لكسب قواعد شعبية تهيء لهم الانتخابات القادمة". واكد الجبالي في خطابه اليوم ان اقتصاد تونس لا يزال في مرحلة "الانعاش" بعد أن تراجعت نسبة النمو سنة 2011 الى مستوى ادنى من صفر بالمئة بسبب تداعيات الثورة وذلك بعد ان اعتادت تونس لسنين طويلة على نسبة نمو تتراوح بين 4 و5 بالمئة.

وأفاد الجبالي أن الاقتصاد التونسي حقق نموا بنسبة 2 بالمائة خلال الاشهر الثلاثة الاولى من 2012 وان البلاد تحتاج الى استقرار امني واجتماعي حتى يتعافى الاقتصاد وتتمكن البلاد من توفير فرص عمل للعاطلين. وقال ان الحكومة خصصت اعتمادات بقيمة 511 مليون دينار (حوالي 250 مليون يورو) لتوفير 75 ألف وظيفة منها 25 ألفا في القطاع العام خلال سنة 2012. وذكر ان معدل البطالة في تونس ارتفع الى 19 بالمائة سنة 2011 مقابل 14 بالمائة سنة 2010. وكانت البطالة خاصة في صفوف خريجي الجامعات شكلت وقود "ثورة الحرية والكرامة" في تونس. وبحسب احصائيات رسمية يبلغ عدد العاطلين في تونس حوالي 750 ألفا بينهم نحو 250 ألفا من خريجي الجامعات. بحسب فرنس برس.

ولفت الجبالي الى ان حكومته حددت ضمن برنامج عملها للفترة القادمة خمس أولويات هي تنمية الجهات الداخلية "الضعيفة والمحرومة" وتوفير فرص العمل و مكافحة غلاء الاسعار ومكافحة الفساد واستتباب الأمن. واوضح ان الدولة رصدت اكثر من 6 مليارات دينار تونسي (3 مليارات يورو) لتنفيذ مشاريع تنموية جديدة بمختلف انحاء البلاد مشيرا الى ان 75 بالمائة من هذه الاعتمادات المالية ستنفق في مشاريع تنموية بالمناطق "المحرومة" سابقا.

وفي المستوى الامني نبه الجبالي الى ان "التطاول على سلطة الدولة" أصبح "أخطر ظاهرة تهدد الدولة في تونس" مشيرا الى ان مارقين عن القانون "تصدوا بالسلاح" للأجهزة المكلفة بإنفاذ القوانين (الشرطة وفرق مراقبة الاسعار ومكافحة المضاربة والاحتكار..) داعيا الى معالجة الامر ب"الحكمة والوفاق الوطني". وحرص الجبالي بالتوازي مع ذلك على نفى اي نية للحكومة "لاعادة استعمال سياسة العصا الغليظة" لتطبيق القوانين.

ندوة وطنية

من جهة اخرى اشرف الرؤساء الثلاثة لأكبر هيئات الدولة التونسية وجميعهم من المعارضين السابقين على افتتاح "الندوة الوطنية لأطلاق الحوار حول العدالة الانتقالية" امام ضحايا نظامي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي الذين يتطلعون الى اعادة الاعتبار. وفي بلد عانى الامرين خلال عقدين من الاضطهاد والنهب بمختلف اشكاله، ما زال موضوع العدالة وتعويض الضحايا حساسا جدا بعد 15 شهرا على اندلاع الثورة التونسية.

وقال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي لدى افتتاح الندوة بحضور شخصيات من بينهم ممثل الامم المتحدة ان "التونسيين ينتظرون نتائج ملموسة ولا يمكنهم الانتظار الى ما لا نهاية، يجب معالجة جراح الماضي وتضميدها". واوضح المرزوقي المعارض السابق لبن علي والذي عاش في المنفى بفرنسا عشر سنوات، انه يريد ان تكون "العدالة الانتقالية بعيدة عن الانتقام والتشفي" مؤكدا ان "المحاسبة عملية لا تستهدف الاشخاص بقدر ما تستهدف المؤسسات وترمي الى رد الاعتبار للمتضررين وارجاع الحق لأصحابه".

من جانبه قال رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ان "العدالة الانتقالية التي تهدف الى ارجاع الحقوق لأصحابها والتصدي لإفلات المجرمين من العقاب تعد كذلك وسيلة من اجل بناء نظام جديد وتحقيق الانتقال الديمقراطي وترسيخ اسس الديمقراطية وحقوق الانسان". ودعا بن جعفر الذي كان ايضا معارضا الى "الاسراع في محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان خلال الحقبة الماضية قبل المرور الى مرحلتي المصارحة ثم المصالحة". واضاف انه "يتفهم الانتقادات الصادرة خاصة عن المتضررين بشان تأخر مسار العدالة الانتقالية".

وتقوم العدالة الانتقالية التي تتمثل في مجموعة من الاجراءات الرامية الى التجاوب مع المطالبة بالعدالة بعد النزاعات والانتهاكات المكثفة لحقوق الانسان، على ثلاثة ركائز هي الحقيقة والعدالة والتعويض. اما رئيس الحكومة حمادي الجبالي الذي قضى 15 سنة في السجن معظمها في عزلة بزنزانات بن علي، فدعا الى "اعادة الاعتبار" الى المعارضين الاسلاميين الذين قمعوا بشدة طيلة عقود. وقال ان "الذاكرة الوطنية يجب ان تستذكر التضحيات التي قدموها" من اجل البلاد.

وتجاوب نعومي عبد الدايم مسؤول الجمعية الدولية لدعم المساجين السياسيين التي تمثل نحو ثلاثين الف ضحية لنظامي بورقيبة وبن علي، مع تلك العبارة مؤكدا "يجب ان يكون الضحايا في قلب العملية". واضاف عبد الدايم الذي تقاسم الزنزانة التي سجن فيها وزير حقوق الانسان الحالي سمير ديلو "انتهكنا في اجسادنا وافكارنا وعائلاتنا" متحدثا عن زوجته وابنائه الذين حرموا من زوج واب طيلة ثماني سنوات. وتطالب جمعيته بفتح مراكز طبية للاستماع للضحايا.

كذلك ابدى كريم عبد السلام الذي سجن من 1990 الى 2004، مسؤول جمعية "عدالة ورد الاعتبار" شغفه برد الاعتبار والشروحات. وقال "من اجل راحتي النفسية، انا في حاجة الى معرفة الحقيقة ولماذا تعرضت الى التعذيب" مؤكدا بابتسامة يائسة ان معظم الجلادين "ما زالوا يتولون مهامهم في الشرطة".

من جانبه اكد محمد البو عبد اللي مؤسس هيئات جامعية ومدرسية خاصة اغلقتها زوجة بن علي "المصالحة نعم، لكن الذين قتلوا وعذبوا يجب ان يحاكموا". واضاف "وكذلك الذين نهبوا البلاد ولم يدفعوا ضرائبهم فليعوضوا! ان تونس بحاجة الى المال في الوقت الراهن". واعرب عن استنكاره من "رسالة الاعتذار الى الشعب التونسي" التي كتبها مؤخرا صهر بن علي، بلحسن الطرابلسي من كندا معربا فيها عن استعداده للعودة الى تونس للمثول امام القضاء. وقال "هذه حماقة، انها اهانة للشعب التونسي". ويعكس موقفه مختلف الردود التي نشرتها الصحف بعد نشر تلك الرسالة. بحسب فرنس برس.

وقد حكم على الرئيس السابق بن علي وعدد من افراد عائلته غيابيا بالسجن عشرات السنين لكن بعد 15 شهرا عن الثورة "طالت كبرى محاكمات المسؤولين عن جرائم ومظالم النظام البائد وفشلت عمليات الاسترداد الواحدة تلو الاخرى، وتأخرت استعادة الممتلكات المنهوبة" كما افادت افتتاحية صحيفة "لا برس".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/آيار/2012 - 14/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م