القائد السياسي الاسلامي بين الأمس واليوم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: القائد السياسي عبارة عن مجموعة من الاخلاقيات والقيم التي يؤمن بها، ويطبقها في عمله القيادي وحياته عموما، منها حرصه على ثروات الشعب وتعليمه وترفيهه والصعود بمستوى حياته الى الافضل دائما، وكلما كانت هذه القيم أقرب الى الخير والصلاح، كلما كان اداؤه القيادي سليما عادلا مفيدا لجميع الناس، والعكس يصح بطبيعة الحال، في الحكومات الاسلامية المعاصرة هناك خلل واضح في القيادة، إذ يمكن التمييز بين اداء الحاكم الاسلامي المعاصر والحاكم الاسلامي في صدر الرسالة، فقد كانت القيم العظيمة تحكم اولئك القادة، ولهذا السبب حققوا الانجازات المشهودة في تأريخ الدولة الاسلامية.

الاطلاع على التأريخ

إن القول بفشل الحاكم الاسمي اليوم يستند الى أدلة قاطعة، قوامها الواقع المؤلم والمؤسف لعموم الملسمين، حيث يقبع المسلمون اليوم في مراتع الجهل والتخلف وضياع الحقوق، مقابل حكومات وحكام لا يهمهم من الدنيا سوى الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم وبطانتهم، فيكنزون المال ويشترون العقارات داخل وخارج بلدانهم تصل قيمتها الى مئات المليارات من الدولات، في حين يرزح تحت خط الفقر والجهل، مئات الملايين من المسلمين، من دون أن يفكر الحاكم الاسلامي بواجبه تجاههم، لهذا يدعو سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في احدى محاضراته القيمة الى قراءة التاريخ قائلا: (اقرأوا التاريخ ولاحظوا سيرة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- وأمير المؤمنين علي - عليه السلام- وتاريخ أهل البيت عليهم السلام، فإنه بالمقدار الذي كان لهم الامر، واتيحت لهم الفرصة، ماذا صنعوا؟ كان امير المؤمنين عليه السلام أكبر حاكم على وجه الارض، وكان يحكم أكبر دولة على وجه البسيطة في ذلك اليوم، ولكنه لما استشهد عليه السلام كان مديونا، هل سمعتم بحاكم وزعيم يموت مديونا؟!).

وعندما يموت الحاكم الاسلامي مديونا، مع أنه يحكم اكبر دوله في العالم في وحينها، فإن هذا الامر يشكل دليلا قاطعا على عظمة هذا الحاكم، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد حول حكومة الامام علي عليه السلام: (إن رئيس اكبر حكومة على وجه الارض، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام يموت مديونا وليس عنده شيء، ولذلك ظل الامام الحسن عليه السلام مدة مديدة وهو يسدد ديون امير المؤمنين عليه السلام وهذا كان شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أيضا، فقد كانت تأتيه الملايين ويوزعها ثم لما حضرته الوفاة قال - يا علي أنت قاضي ديْني- حيث توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مديون وكانت درعه مرهونة.. وهذا أشهر من أن يذكر) ويضيف سماحة المرجع  الشيرازي قائلا: (إن هذه الامور بحاجة الى تأمّل، وعلينا أن نقتدي بهؤلاء الأطهار عليهم السلام).

العفو وحرية الاختيار

ومن خصال الحاكم الاسلامي الناجح قدرته على العفو عن ألد أعدائه، وهي حالة قلما وجدناها لدى حكام اليوم، حيث القتل والبطش والاعدام الذي يطول المعارضين لأتفه الاسباب، كما حدث مثلا في حالة اعدام كل من يسب شخص الرئيس (الطاغية صدام)، لذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالمحاضرة نفسها قائلا: (هل رأيتم مثيلا لسلوك نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم- في التاريخ، يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وامانته، ونبله وكرم اخلاقه، بمختلف انواع الحروب القاسية، ويطردونه من موطنه، ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحرارا، وما يختارون من دين وطريقة حياة!).

وكان مبدأ حرية الاختيار من السمات والخصال العظيمة للقائد الاسلامي، فليس هناك قسرية ولا اجبار، بل هناك فكر ومبادئ وإقناع، وحرية تامة في الخيارات المتاحة، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- يهدي قومه وينصحهم، ويوضح لهم طريق الرشد، ويميزه عن طريق الغي، ثم يترك الاختيار لهم).

أما بخصوص حرية اختيار الدين او الفكر او المعتقد، فإن الانسان حر في ذلك، وليس هناك قسرية ولا اجبار مطلقا، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في السياق نفسه: (لقد ردّ النبي الاكرم - صلى الله عليه وآله وسلم- عشرات الحروب والاعتداءات التي شنها أهل الكتاب، دون أن يجبر احدا منهم على الاسلام). وهذا تحديدا ما تنقله لنا وثائق التاريخ، فإذا كان التعامل مع الآخر يتم بهذه الطريقة المتحضرة، فمن المؤكد أن التعامل نفسه يتم مع الجميع، وهكذا تتوافر خصال العفو والحكمة والرحمة واحترام الحريات في شخص الحاكم الاسلامي قديما، ترى هل يتمتع حكام اليوم المسلمون بالمزايا نفسها؟؟.

واجب مقاومة الطغاة

لذلك على المسلمين أن يقاوموا الحكام الطغاة وحكوماتهم الغاشمة، بشتى السبل والوسائل المتاحة، وأن لا ييأسوا من صعوبة الطريق ومشاقه، لأن النصر مكفول لمن يسعى الى إعادة الامور صوب نصابها، وهذا هو ما ينبغي أن يعمل عليه الجميع، إذا لم يرتدع القادة الفاسدون، ولم تستجب الحكومات الفاسدة لمطالب الشعوب المشروعة، لذلك يحثنا سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (لا ينبغي على المؤمنين والمؤمنات، أن يتزلزل إيمانهم من خلال ما نشاهده هذه الايام، وعلى مر التاريخ من احداث توجب إخافة بعض المؤمنين، بل عليهم أن يراجعوا القرآن الكريم ويقرؤوه ويتدبروا آياته ليروا أية مواقف نصر الله تعالى فيها المسلمون وكيف نصرهم؟!).

لذا فإن تغيير الامور نحو الافضل هو واجب جميع المسلمين والمؤمنين، خاصة إذا كانت الحكومات موغلة في اهمالها لجميع فئات الشعب وبالاخص البسطاء والضعفاء منهم، في حين تبقى منشغلة في مصالحها التي غالبا ما تأتي على حساب مصالح الرعية، واذا توكّل المسلمون المؤمنون على ربهم، وسعوا بجدية واخلاص نحو اهدافهم في نيل الحرية والحقوق المشروعة، فإن الله تعالى سيكون عونا لهم، ويحدث هذا الامر خارج الحسابات المادية والعقلية المتعارف عليها، أي سينتصر المسلمون حتى لو بدا لهم النصر بعيدا أو مستحيلا بسبب بطش الحكومات وبغي الحكام، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد نصر الله المسلمين في مواقف كان النصر فيها يبدو مستحيلا بالحسابات العقلية، ومع ذلك كتب الله لهم النصر، ومن تلك المواقف وأهمها معركة الاحزاب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/آيار/2012 - 11/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م