كادحون في يومهم العالمي

متابعة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: منذ الصباح الباكر، ومع خيوط الفجر الاولى، تشاهده يجر عربته الحديد، او يدفع عربة خشبية، وهو ينادي (عربانة) او (حمال)... او تراه تجمع منذ اخر هزيع لليل، في مساطر العمال، لم يتناول فطوره بعد، فقط قدح من الشاي الاسود، بسواد ايامه، يلهث خلف كل قادم من بعيد (ترميم – تفليش – تأسيسات) وغيرها من مفردات ومصطلحات البناء، لا يملك في جيبه غير اجرة العودة الى المنزل، وامنيات بان ياتيه رزق هذا اليوم ليعود محملا بأكياس الخضار لمن يعيلهم، وغيرهم الكثير ممن ينفضون عن عيونهم غبار النوم في ساعات الصباح المبكرة والواعدة بالكثير لهم.

غيرهم، لا يطيق هذا الصحو المبكر، ولا يشغل باله بما تاتي به الارزاق، فرزقه مضمون ومأمون من عاديات الزمان، هو لا يكدح غير ثلاث ساعات في اليوم، وما تبقى من زمن الوظيفة الحكومية يقضيه في احاديث النميمة او النفاق الاجتماعي او التملق للمدير، وتقطيع اوصال زمن المراجعين لدواعي الروتين الممل والقاتل.

غيرهم، لا يطيقون حتى الصحو من نومهم، وهذا الخدر الذي تمنحه ساعات الصباح الاولى بين الصحو والنوم، لكنهم ينتزعون انفسهم بشقها، ولا يستعجلون، فالسيارة الخاصة التي تقلهم واقفة امام باب الدار، حتى الصعود اليها يشكل جهدا لا يبذله الا بقدرة قادر، انهم صنف المدراء والوكلاء، لا كدح في يومهم، غير اقلام تجري على اوراق في غرف مكيفة، تتبارك بالتوقيع الميمون للسادة المدراء والوكلاء.

كم من الصور تزخر بها الحياة، حياة الناس في اعمالهم التي يزاولونها؟ منها ما يرثوه ابا عن جد، ومنهم ما يجدون انفسهم فيه رغما عنهم، ومنهم من تتعدد الخيارات امامه، وهي خيارات قد تكون احيانا ممتلئة بتخمة العيش الرغيد.

كادحون، اذن هم في دروب الحياة الوعرة، كل همهم رغيف خبز بعيدا عن انتظارات مسحوقة بجريان الزمن تحت اشعة الشمس اللاهبة، او تيارات الهواء الباردة في يوم شتائي ممطر يبلل الارزاق ويغرقها في دروب الهروب منه.

الكثيرون منهم لا يملكون القدرة على تغيير مصائرهم، او الارتقاء بظروف حياتهم الى مواقع افضل، والكثيرون منهم يبقون يكدحون طوال اعمارهم الممتلئة بالبؤس والفقر والحاجة.

قد تكون تلك السلبية في عدم التغيير ليست باختيارهم، وقد يكون الخوف من المجهول هو من يجعلهم يترددون في اتخاذ خطوات التغيير.

الكادحون هم ملح الحياة والقها، لولاهم لتوقفت الكثير من المصالح للعباد والبلاد، وهم ضرورة من ضرورات تلك التقسيمات الطبقية للاعمال والمهن التي يزاولها الناس.

يحتفل العالم كل عام باليوم العالمي للعمال للتذكير بملايين الكادحين واللاهثين خلف ارزاقهم.

والاحتفال بهذا اليوم جاءنا من كندا حيث النزاعات العمالية و(حركة التسع ساعات) في هاميلتون، ثم في تورونتو في العام 1870، مما أدى إلى ظهور قانون الاتحاد التجارى، الذي أضفى الصفة القانونية، وقام بحماية نشاط الاتحاد في عام 1872 في كندا. وتمت المسيرات كدعم لحركة التسع ساعات، كما أن اضراب عاملي الطباعة أدى إلى الاحتفال السنوي في كندا.

 في عام 1882، شهد زعيم العمال الأميريكى بيتر ج. ماكغواير إحدى الاحتفالات بعيد العمال في تورونتو. واستلهاماً من أحداث الاحتفالات الكندية في تورونتو الكندية، فقد عاد إلى نيويورك ليقوم بتنظيم أول عيداً للعمال يحتفل به في نفس اليوم، في الخامس من سبتمبر من كل عام.

وفي أعقاب وفاة عدد من العمال على ايدي الجيش الأمريكي ومارشالات الولايات المتحدة خلال بولمان سترايك أو اضراب بولمان عام 1894، وضع الرئيس جروفر كليفلاند تسويات مصالحة مع حزب العمل باعتباره أولوية سياسية عليا. وخوفاً من المزيد من الصراعات، تم تشريع عيد العمال وجعله عطلة وطنية من خلال تمريره إلى الكونجرس والموافقة عليه بالإجماع، فقط بعد ستة أيام من انتهاء الاضراب.

شكل الاحتفال بعيد العمال تم ايجازه في المقترح الأول للعطلة: مسيرة تعرض في الشارع للجمهور، حيث (قوة وروح العمل الجماعي لدى المنظمات التجارية والعمالية)، يلى ذلك مهرجان للعمال والأسر. وأصبح هذا شكل الاحتفال بعيد العمال. كما ظهرت الخطابات في وقت لاحق لرجال ونساء متميزين، لتأكيد مكانة العطلة الاقتصادية والمدنية. وفي وقت لاحق، وبموجب قرار من الاتحاد الأمريكي لاتفاقية العمل عام 1909، تم اعتماد يوم الأحد الذي يسبق عيد العمال كأحد العمل وتم تكريس جوانبه الروحية والتربوية للحركة العمالية.

وفقاً للتقاليد، يتم الاحتفال بعيد العمال من قبل معظم الأميركيين، كرمز لنهاية فصل الصيف. وتعد العطلة غالباً كيوم للراحة والمسيرات أو المواكب. والخطب أو المظاهرات السياسية هي أكثر خضوعاً للقيود عن الاحتفالات بالأول من مايو كعيد للعمال في معظم البلدان، وأشكال الاحتفال تتضمن نزهات، وحفلات الشواء، وعروض الألعاب النارية، والرياضات المائية، والفعاليات الفنية العامة. والأسر التي لديها أطفال في سن المدرسة، تعتبر تلك العطلة بمثابة الفرصة الأخيرة للسفر قبل انتهاء العطلة الصيفية. وبالمثل، فإن بعض المراهقين، يوم العمال العالمي.

يوم مايو يمكن أن يشير إلى العديد من الاحتفالات العمالية المختلفة التي أدت إلى الأول من مايو كذكرى لاحياء النضال من أجل الثمان ساعات في اليوم. وفي هذا الصدد يسمى الأول من مايو بالعطلة الدولية لعيد العمال، أو عيد العمال.

بدأت فكرة (يوم العمال) في أستراليا، عام 1856. ومع انتشار الفكرة في جميع أنحاء العالم، تم اختيار الأول من أيار / مايو ليصبح ذكرى للاحتفال بحلول الدولية الثانية للاشخاص المشتركين في قضية هايماركت 1886.

قضية هايماركت وقعت نتيجة للاضراب العام في كل من شيكاغو، إلينوى، والولايات المتحدة التي شارك فيها عموم العمال، والحرفيين والتجار والمهاجرين. في أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة النار على أربعة من المضربين فتم قتلهم في شركة ماكورميك للحصاد الزراعى، وتجمع حشد كبير من الناس في اليوم التالى في ساحة هايماركت. وظل الحدث سلمياً إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاحتشاد، فألقى مجهول قنبلة وسط حشد الشرطة. وأدى انفجار القنبلة وتدخل شرطة مكافحة الشغب إلى وفاة ما لا يقل عن اثنى عشرة شخصاً بينهم سبعة من رجال الشرطة. وتلى ذلك محاكمة مثيرة للجدل، حيث تمت محاكمة ثمانية من المدعى بسبب معتقداتهم السياسية، وليس بالضرورة عن أي تورط في التفجير. أدت المحاكمة في نهاية المطاف إلى إعدام عام لسبعة من الفوضويين.

حادث هايماركت كان مصدرا للغضب للناس في أرجاء العالم. في السنوات التالية، ظلت ذكرى "شهداء هايماركت" في الذاكرة ضمن العديد من الإجراءات والمظاهرات الخاصة بالأول من مايو.

واليوم أصبح الأول من مايو احتفالاً دولياً للانجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية. وعلى الرغم من أن الأول من أيار / مايو، هو يوم تلقى وحيه من الولايات المتحدة، فإن الكونجرس الأميركي قد خصص الأول من مايو كيوم للوفاء عام 1958، نظراً للتقدير الذي حظى به هذا اليوم من قبل الاتحاد السوفياتي. ووفقاً للتقاليد، فإن عيد العمال يحتفل به في الولايات المتحدة أول يوم اثنين في أيلول / سبتمبر. وفي كثير من الأحيان يتخذ الناس هذا اليوم كيوم للاحتجاج السياسي، مثل احتجاج مليون شخص في فرنسا وتظاهرهم ضد مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبان، أو كيوم للاحتجاج على بعض الإجراءات الحكومية، مثل مسيرات الدعم للعمال الذين لا يحملون وثائق في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آيار/2012 - 10/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م