الاعلام.. رسالة لا دعاية

نزار حيدر

ان التعامل مع الاعلام كرسالة هو السبيل الوحيد لان يكون السلطة الاولى في العراق، اما اذا تم التعامل معه كوظيفة يؤديها الاعلامي في الزمان والمكان المحددين ولصالح جهة ما، شخصا كان ام مؤسسة، فان ذلك يحوله الى امر هامشي لا يؤثر في العملية السياسية ولا يترك بصماته في الحياة العامة.

 ان هناك فرصة ذهبية وثمينة للارتقاء بالاعلام في العراق الجديد الى مستوى متميز يفوق ما هو موجود في عالمنا العربي، وذلك بالشروط التالية:

 اولا: توظيف كل التقنيات العلمية والتكنلوجية في العملية الاعلامية.

 ثانيا: التواصل مع الاعلام العالمي، والاستفادة من خبراته، ان على صعيد الوسائل او على صعيد الخطاب الاعلامي.

 ثالثا: الالتزام بالمهنية في اداء الرسالة الاعلامية، وعدم التحيز او الاصطفاف في الخنادق الحزبية او الاثنية او المذهبية او الدينية او المناطقية.

 رابعا: اعتماد نظرية الاعلام الاستقصائي في معالجة المواضيع، خاصة ما يتعلق باداء مؤسسات الدولة، لتحقيق مبدا الرقابة بافضل صورها.

 خامسا: كذلك اعتماد مبدا الحملات الاعلامية للتاثير بمجريات الامور وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالكشف عن حالات الفساد او التقصير او الفشل في عمل مؤسسات الدولة.

 سادسا: السعي الجاد والمثابرة من اجل الابداع في الاعلام، ان على صعيد الاسلوب او الخطاب.

 وقبل ان ينجح الاعلامي في تحقيق هذه الشروط ،عليه اولا ان يحب مهنته، فلا ينخرط في مجال الاعلام كرها او فرضا، فان المجبر على شيء لا يبدع فيه ابدا، خاصة ما يتعلق بالشأن العام كالإعلام، فهو بحاجة الى قناعة راسخة وايمان عميق برسالته قبل ان تتحقق الشروط اعلاه.

 ان في العراق اليوم فسحة كبيرة وواسعة من حرية التعبير والاعلام الحر، على الرغم من كل التحديات التي يواجهها الاعلاميون في مواقع الحدث والخبر، فبالاصرار والعزيمة ينجح الاعلاميون في بناء قواعد ثابتة وراسخة للاعلام الحر، شريطة ان لا يستسلموا للاغراءات التي تقدمها هذه الجهة الرسمية او تلك الاخرى الحزبية من اجل شراء ذمم وضمائر الاعلاميين الاحرار، فاذا ما تحول الاعلام الى بوق للمسؤول فان مهمته الحقيقية ستنتفي فلا يقدر على ان يكون سلطة، ومن اية درجة، في المجتمع.

 ان الاعلام يجب ان يكون صوت المواطن وصدى الواقع مهما كان مرا، وان لا يكون صوت المسؤول، من دون ان يعني ذلك بانه يتبنى سياسة المعاكسة لكل ما يقوله او ينجزه المسؤول، وانما يسعى من اجل ان يقول الواقع بلا تضخيم وتهويل او بخس لحقوق الانجاز ومن يقف وراءه.

 ان الاعلام رسالة يعتمد الحيادية والصدق والمعلومة الدقيقة والتقييم المنصف، انه حلقة الوصل بين الواقع والمسؤول، من جهة، والمتلقي والمسؤول، من جهة اخرى، ليتحمل المجتمع مسؤوليته ازاء الشأن العام.

 انه ليس دعاية يعتمد التطبيل للمسؤول على لا شيء انجزه، مقابل حفنة من المال او منصب زائل.

 ان امام الجيل الجديد من الاعلاميين فرصة كبيرة اوجدتها التكنلوجيا المتطورة التي وضعت العالم بين اصابعهم، فبكبسة زر على الحاسوب يحضر العالم بين يدي الاعلامي الذي عليه ان يستغل الفرصة لتطوير نفسه وادائه ومعلوماته واساليبه وخطابه الاعلامي بما ينسجم وتطور عقلية المتلقي.

 لقد ولى زمن سياسات الفرض والاكراه التي كانت تستخدمها الانظمة الديكتاتورية لفرض اجنداتها السياسية ودعاياتها الرخيصة والمبتذلة على المتلقي، الشعب بكامله هنا، فبعد ان اصبح الفضاء حرا ووسائل الاتصال متوفرة للجميع من خلال شبكة الاتصال الدولية (الانترنيت) لم يعد بامكان احد ان يقمع رايا او يحاصر فكرة او يفرض معلومة او حتى يغيرها ويشوهها.

 ان جيل الاعلاميين الجديد، الناشئ، يمكنه بكل يسر وسهولة الافلات من رقابة السلطة والحاكم وجلاوزته، من خلال اعتماد شبكة الاتصال الدولية لنشر الراي والمقال والمعلومة والتقرير، فاذا كانت السلطة السياسية قادرة على مراقبة الاعلام المطبوع فان من المستحيل عليها ان تتابع وتراقب (الانترنيت) الذي اشاع الاتصال وطرقه، ما زاد من حظوظ حرية الاعلام والتعبير بدرجة كبيرة.

 كذلك، فان بامكان جيل الاعلاميين الجديد ان يفلت من قبضة الملاحقات الامنية للسلطة من خلال التواصل مع الاعلاميين في الخارج الذين يمتلكون متسعا كبيرا جدا للحركة الاعلامية الحرة وغير المحاصرة، من خلال تسريب المعلومة الى الخارج ليتسنى لهم التعامل معها بكل حرية، وهذا ما يساعد على تحقيق نظرية الاعلام الاستقصائي الذي يتابع المعلومة والحدث الى نهاية المطاف من دون ان يكون للحاكم اية سلطة عليه.

 نقطة مهمة اخرى على الاعلاميين ان يأخذونها دائما بنظر اعتبارهم وهم يؤدون رسالتهم الاعلامية، الا وهي استحضار الرقيب الذاتي عند التعامل مع الرسالة الاعلامية.

 ان عليهم ان يميزوا بين الفوضى والحرية المسؤولة، وبين انعدام الرقيب الحكومي وزبانيتها، وبين الانضباط الاخلاقي في التعامل مع الرسالة الاعلامية.

 ان حرية الاعلام والراي والتعبير لا تعني الفوضى ابدا، كما انها لا تعني انعدام الضمير والوازع الذاتي مطلقا، بل على العكس من ذلك، فكلما نجح الاعلامي الملتزم من الانفلات من ربقة سلطة الحاكم الديكتاتور الذي يسعى لتكميم الافواه ومصادرة حرية التعبير، كلما يجب ان يحضر الرقيب الذاتي ليكون هو الفلتر على ما يكتبه وينشره الاعلامي المسؤول.

 لقد سمعت من عدد كبير من الاعلاميين هنا في العراق بان بعض مؤسسات الدولة العراقية بدأت تمارس القمع وبأشكال مختلفة ضد حرية الصحافة، للحد من سلطة الاعلام الحر وبالتالي للانفلات من الرقابة المسؤولة التي يمارسها الاعلاميون في مختلف وسائل الاعلام، وبرايي، فان الطريق السليم لمواجهة مثل هذه الممارسات غير المسؤولة التي تلجا اليها بعض مؤسسات الدولة ضد الاعلام، هو ان يتشكل الاعلاميون جماعات وفئات، صغرت ام كبرت، من اجل تنفيذ الحملات الاعلامية الواسعة كلما تعرض الاعلام لمضايقة مسؤول، فالاخير ربما يمكنه ان يقمع صوتا الا انه لا يقدر على ان يقمع اصواتا في آن واحد.

 ان مقولة صوت واحد اكثرية، انما يتحقق اذا ما نجح الاعلاميون، كفئات وجماعات وليس كافراد مبعثرين ومشتتين، في تنفيذ حملاتهم الاعلامية ضد المسؤول المستبد والخائف من الاعلام.

 ان امام الاعلام في العراق الجديد تحديات كبيرة وعظيمة تتطلب الجلد والمثابرة من اجل التغلب عليها، اما اذا استسلم لضغوطات وتهديدات واعتداءات المسؤول وحماياته، فانه سيخضع له ولو بعد حين.

 يلزم على الاعلام قبول التحدي من اجل ان يتحول الى سلطة اولى ترعب المسؤول وتخيف الحاكم وتشجع المواطن على ممارسة الرقابة الشعبية على اداءات مؤسسات الدولة.

 ان الشجاعة والاستقلالية راس مال الاعلامي الحر، فبهما يصنع المستحيل، وبهما يحمي الديمقراطية من استبداد الحاكم، وبغير ذلك، سيتحول الى امعة تتسمر عيناه الى فم الحاكم وجيبه قبل ان يكتب وينشر.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آيار/2012 - 10/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م