الاستثمار الأجنبي في العراق عودة تتسم بالقوة!

 

شبكة النبأ: حين قررت شركة رينج للضيافة ومقرها دبي بناء فندق ومجمع سكني بتكلفة 175 مليون دولار في مدينة كربلاء في العراق واجهت مشكلة شائعة أمام المستثمرين في هذا البلد وهي الحصول على التمويل.

وتقول الشركة إنها تغلبت على المشكلة عن طريق بيع بعض الغرف مسبقا بنظام اقتسام الوقت للزوار الشيعة للمدينة وشركات السياحة ومستثمرين آخرين. وتجري أعمال البناء حاليا ومن المقرر إكمال المجمع بنهاية عام 2013.

وقال مناف علي الرئيس التنفيذي لرينج للضيافة "نظرا لأننا في العراق منذ 2009 فقد رأينا المشهد يتغير بطريقة درامية." وأضاف أن الأفق السياسي أصبح أكثر استقرارا ويمكن ملاحظة تحسن في الأمن والبنية التحتية من يوم لآخر.

فبعد تسع سنوات من غزو الولايات المتحدة للعراق للإطاحة بصدام حسين ظهرت علامات على أن الاستثمار الأجنبي في البلاد بدأ أخيرا يكتسب قوة دافعة.

ولا تزال هناك عوائق كبيرة. فرغم تراجع وتيرة العنف بعد أن بلغ الاقتتال الطائفي ذروته في 2006 و2007 لا تزال البلاد تشهد بشكل شبه يومي عمليات تفجير وإطلاق نار ينفذ العديد منها جناح تنظيم القاعدة في العراق ومجموعات سنية مسلحة.

وبسبب انشغال حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بالنزاعات الداخلية يشكو رجال الأعمال من أن الحكومة تقاعست كثيرا عن إقرار الإصلاحات القانونية التي من شأنها توضيح حقوق الملكية ودعم تنفيذ العقود.

وتخوض الحكومة المركزية نزاعات مع إقليم كردستان شبه المستقل بشأن النفط والأراضي والسلطة. لكن مشروعات مثل فندق كربلاء تشير إلى أن العراق على أعتاب مرحلة مهمة يشعر فيها المستثمرون بأن النمو الاقتصادي المتسارع والإمكانات في هذه البلاد تفوق المخاطر وذلك في شتى القطاعات الاقتصادية وليس في قطاع النفط فقط. بحسب رويترز.

وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين المختصين بالشرق الأوسط لدى بنك سيتي الأمريكي "هناك اختلال شديد بين ثروة العراق المحتملة وبين وضعه الحالي من حيث السلع الاستهلاكية والبنية التحتية. "وحين تحدث الطفرة ستكون هائلة. والعديد من الناس يستعدون لذلك."

ومعنى وجود هذه الثروة النفطية المحتملة في العراق أن بعض المستثمرين مستعدون لتحمل مخاطر أكبر بكثير مما يتحملونه في بلاد أقل حظا. وقال العراق الشهر الماضي إن إنتاجه النفطي تجاوز ثلاثة ملايين برميل يوميا للمرة الأولى في أكثر من ثلاثة عقود. ويتطلع العراق لمضاعفة إنتاجه إلى مثليه على مدى السنوات الثلاث المقبلة ويهدف في المدى البعيد للوصول إلى 12 مليون برميل يوميا وهو ما قد يكون هدفا مفرطا في التفاؤل لكن بالرغم من ذلك من المتوقع أن يكون العراق أكبر مصدر في العالم لإمدادات النفط الجديدة في السنوات القليلة المقبلة.

ومن المنتظر أن يدفع هذا معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الباقية من العقد الحالي إلى مستويات لا تحلم بها معظم الدول حتى لو لم يقم العراق بمعالجة مشكلاته السياسية والقانونية. وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.6 بالمئة على مدى ستة أعوام حتى 2010. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن النمو بلغ 9.6 بالمئة في العام الماضي ويتوقع أن يتجاوز متوسط النمو عشرة بالمئة في خمسة أعوام حتى 2016 .

ومن المتوقع أن يعزز هذا الوضع المالي للعراق بصورة هائلة مما سيسمح له بطرح عقود أكبر لإعادة الإعمار على المستثمرين المحليين والأجانب. ويتوقع صندوق النقد الدولي تضاعف قيمة صادرات النفط السنوية إلى مثليها تقريبا لتصبح 139 مليار دولار بحلول 2016 وهو ما سيحول عجز الميزانية التقديري البالغ 8.7 بالمئة في العام الماضي إلى فائض بنسبة 18 بالمئة بعد أربعة أعوام من الآن.

وقال سيتي في تقرير قدمه لمستثمرين صينيين محتملين في المنطقة "العراق قد يصبح من أصحاب أكبر الثروات السيادية في العالم." وتوقع ارتفاع صافي أصول الحكومة التي تبلغ حاليا سالب 50 مليار دولار لتصبح مركزا موجبا بقيمة 100 مليار دولار تقريبا بحلول 2020.

وتتوقف هذه التوقعات على الاستقرار السياسي في العراق. ويقول شريف سالم مدير المحفظة لدى شركة أبوظبي للاستثمار التي تدير أحد صناديق الأسهم الأجنبية القليلة في البورصة العراقية إنه ينظر إلى ما هو أبعد من "التقلبات السياسية قصيرة الأجل" في نطاق زمني بين أربعة وستة أعوام من الآن.

ويعكس أداء الصندوق منذ إطلاقه في أكتوبر تشرين الأول 2010 تقلبات الأوضاع السياسية في العراق. وفي يوليو تموز الماضي بلغت مكاسب الصندوق 26 بالمئة منذ إطلاقه أثناء موجة صعود شهدتها البورصة اثر نجاح المالكي في تشكيل حكومة ائتلافية.

لكن الصندوق أنهى العام الماضي بمكسب قدره 15 بالمئة فقط إذ تزايدت المخاوف الأمنية مع انسحاب القوات الأمريكية. والآن تقلصت المكاسب منذ وقت الإطلاق إلى نحو ستة بالمئة مع سعي السلطات العراقية لاعتقال طارق الهاشمي نائب الرئيس والسياسي السني الكبير في الحكومة التي يقودها الشيعة بسبب اتهامات بأنه أدار فرقا للاغتيالات.

وأذكت مذكرة اعتقال الهاشمي توترات سياسية قد تفسد التوازن الطائفي الهش في العراق. وقال سالم متحدثا عن عملية جمع المال لصندوقه الذي يبلغ رأسماله 20 مليون دولار "هناك اهتمام كبير.. حين نلتقي بالمستثمرين نجدهم متحمسين للغاية بشأن الفرص.

"لكن الخطوة الأخيرة وهي ضخ الأموال قد تستغرق فترة من الوقت لأنهم يريدون أن يشعروا بارتياح تام لفكرة الاستثمار في العراق."

وبالرغم من ذلك فإن الاستثمار الأجنبي يزداد في قطاعات الاقتصاد بوجه عام. وبحسب تقدير شركة دنيا للاستشارات التي لها مقران أحدهما في دبي والآخر في واشنطن والتي تتخصص في العراق بلغت قيمة النشاط التجاري الأجنبي الذي يتضمن إعلانات الاستثمارات الجديدة وعقود الخدمة وصفقات أخرى باستثناء التجارة 55.7 مليار دولار العام الماضي بمساهمة 276 شركة من 45 دولة.

وخلال السنوات الخمسة التي أعقبت الغزو الأمريكي تذبذبت القيمة تحت مستوى سبعة مليارات دولار سنويا ثم بدأت ترتفع في 2008 مع انحسار العنف. وتتوقع دنيا مزيدا من النمو هذا العام بين 30 و40 بالمئة وتعتقد أنه سيتباطأ بعد ذلك ليصبح في حدود معدل نمو الناتج المحلي العراقي.

ويجب أن تؤخذ هذه الأرقام بحذر شديد لأن تقلب النظام القانوني العراقي وصعوبات ترتيب التمويل والأمن وعدم اليقين بشأن استدامة إمدادات الكهرباء والخدمات الأخرى يعني تعليق أو إلغاء بعض الصفقات.

وقال حسن الدهان رئيس شركة بين النهرين للاستثمارات المالية وهي شركة عراقية تقدم استشارات للعملاء المحللين والأجانب "العديد من المشروعات لا تكتمل. يوقع العقد ويتم الإعلان عن القيمة ثم يكتشف المستثمرون أن الوضع أكثر تعقيدا مما كانوا يظنون."

وبالرغم من ذلك يتفق الدهان مع رجال أعمال آخرين على أن الاتجاه يسير نحو زيادة الاستثمار. وتظهر بيانات شركة دنيا للاستشارات أن هناك حصة متزايدة من النشاط الأجنبي في مناطق غير بغداد والإقليم الكردي.

وقال عبد العزيز الحسون المدير التنفيذي لرابطة المصارف الأهلية في العراق إن عدة بنوك أجنبية اشترت حصصا في بنوك محلية من بينها اتش.اس.بي.سي الذي اشترى حصة في مصرف دار السلام وإن من المقرر أن تبدأ عدة بنوك بالعمل في العراق بحلول يونيو حزيران وهي فرنسبنك والبنك اللبناني الفرنسي وبنك لبنان والخليج وجميعها لبنانية بالإضافة إلى إيش بنك التركي.

وتكثف الشركات الأمريكية أيضا أعمالها في العراق. وكان نشاط الشركات الأمريكية محدودا في السنوات التي أعقبت الغزو باستثناء صفقات النفط والغاز وهو ما يرجع جزئيا إلى المخاوف الأمنية. لكن حصتها من النشاط التجاري الأجنبي بلغت 12.4 بالمئة العام الماضي لتصبح في المرتبة الثانية بعد كوريا الجنوبية التي استحوذت على 21.5 بالمئة بحسب بيانات دنيا.

وكان نحو 25 بالمئة من الصفقات الأجنبية عام 2011 في العقارات السكنية وأكثر من 20 بالمئة في قطاع النفط والغاز ونحو 20 بالمئة في توليد الكهرباء وثمانية بالمئة في المياه والصرف الصحي وهو ما يظهر أن البنية التحتية البدائية في العراق تمثل فرصة للمستثمرين وعائقا في نفس الوقت.

ويشير ضم العراق إلى شبكة الخطوط الجوية في المنطقة إلى تزايد الاهتمام بالأعمال. ففي الأشهر القليلة الماضية دشنت الخطوط الجوية القطرية والخطوط التركية وشركة فلاي دبي رحلات إلى العراق أو أعلنت خططا لتعزيز عملياتها هناك.

وقال سوسة من بنك سيتي إن السياسة العراقية قد تصبح تدريجيا أكثر استقرارا خلال السنوات المقبلة مع وصول الثروة النفطية إلى مزيد من السكان. وفي غضون ذلك سيعزز نمو صناعة النفط مستوى الطلب في قطاعات أخرى مثل الإسكان والكهرباء والنقل.

وقال الدهان من شركة بين النهرين إن هذه الفرص ستبقي المستثمرين الأجانب مهتمين بالعراق بالرغم من الصعوبات. وتابع "في نهاية المطاف هناك طلب ودور رجال الأعمال هو تلبيته. سيجدون سبيلا لذلك."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/آيار/2012 - 9/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م