شبكة النبأ: يزداد الصراع وتشتد حدة
المنافسة بين المرشحين في فرنسا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية
لغرض الوصول الى مركز القرار والظفر بكرسي الرئاسة الذي يعد اهم
احلامهم ، وفي هذا الشأن فقد حققت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين
لوبن بوصولها الى المرتبة الثالثة في الدورة الاولى من الانتخابات
الرئاسية هدفها القاضي بفرض نفسها خلال بضعة اشهر على رأس حزب نجحت في
اخراجه من دائرة المحرمات، محققة نتيجة تاريخية تضع اليمين المتطرف في
صلب الحياة السياسية.
ومع حصولها على اصوات حوالى خمس الناخبين (18,01% بحسب النتائج شبه
النهائية الرسمية) في الدورة الاولى، تمكنت النائبة الاوروبية التي
نشات في ظل والدها جان ماري لوبن مؤسس احد احزاب اليمين المتطرف الاقوى
في اوروبا، من فرض نفسها بشكل دائم في المشهد السياسي الفرنسي.
ولم يسبق لاي حزب من اقصى اليمين في فرنسا ان يحقق مثل هذه النتيجة
في انتخابات وطنية. وبعد عشر سنوات على المفاجأة الكبرى التي احدثها
والدها بانتقاله الى الدورة الثانية، فان مارين لوبن تخطته من حيث عدد
الناخبين ونسبة المقترعين لها. وهي تجاوزت بسبع نقاط النتيجة التي
حققها في انتخابات 2007 التي فاز فيها الرئيس نيكولا ساركوزي وقد صرح
جان ماري لوبن فور صدور النتائج "لقد سلمتها القيادة".
واعلنت مارين لوبن مخاطبة ناشطيها في باريس "نحن المعارضة الوحيدة
في وجه اليسار الفائق الليبرالية، المتخاذل والمناصر للحريات الشخصية".
وتابعت "ان معركة فرنسا لا تزال في بدايتها، لن يعود شيء كما كان"
معتبرة انها "اسقطت هيمنة الحزبين، حزبي المصارف والمال والشركات
المتعددة الجنسيات والتخاذل والاستسلام". وستعلن مارين لوبن في الاول
من ايار/مايو عن موقفها بالنسبة للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية
في السادس من الشهر، بعدما كانت حذرت خلال الحملة من انها لن تدعو الى
تجيير اصواتها الى الرئيس المنتهية ولايته.
ويتساءل المراقبون الان الى اين يمكن ان تصل هذه السياسية البالغة
من العمر 43 عاما، بعدما كان الخبراء يتوقعون بين 1972 و2011 حين كانت
الجبهة الوطنية بقيادة جان ماري لوبن المعروف بتصريحاته العنصرية
والمعادية للسامية، الا يصل الحزب الى عتبة 20% من الاصوات. وكانت
استراتيجية ابنته التي تسلمت مقاليد الحزب في كانون الثاني/يناير 2011
تهدف الى تفكيك اليمين لتصبح هي "مركزه" الجديد وكانت تامل في تحقيق
اكثر من 20% من الاصوات.
والهدف الحقيقي هو تحويل الجبهة الوطنية الى حزب مؤهل لتولي الحكم
وليس مجرد حزب معارض. وبنت مارين لوبن التي تتقن خوض السجالات وتفيض
حيوية ولا تتخلى عن ابتسامتها في مطلق الحالات، حملتها الانتخابية على
مشكلتين تثيران قلق الفرنسيين وهما البطالة ونقل مراكز الشركات
الصناعية الى الخارج. وركزت المحامية السابقة على الحمائية والخروج من
اليورو، الى جانب الاهداف الثلاثة المعهودة لهجماتها: النخب والمهاجرون
والاسواق المالية.
وكانت النائبة الاوروبية التي وصفتها والدتها نفسها بانها "لوبن
بشعر طويل" خاضت السباق الانتخابي على راس حزب طهرته جزئيا على الاقل
من اعضائه المعادين للسامية والكاثوليكيين المتطرفين. بحسب فرنس برس.
وبدأت مارين لوبن المطلقة والام لثلاثة اولاد العمل السياسي عام
1993 في سن الرابعة والعشرين مرشحة للانتخابات التشريعية في باريس
بعدما درست القانون في جامعة اساس في باريس حيث تنشط تاريخيا مجموعات
صغيرة من اليمين المتطرف. وباشرت مارين لوبن التي يعتبرها قدامى زعماء
الجبهة الوطنية هاوية نواد ليلية ووصولية وتفتقر الى الثقافة السياسية،
صعودها السياسي المتواصل بدعم قوي من والدها. وتحت شعار الدفاع عن
العلمانية، ركزت خطابها على المسلمين، مطلقة مؤخرا جدلا حول اللحم
الحلال في فرنسا. وهي تطرح نفسها متحدثة باسم "المنسيين" والطبقات
الوسطى والشعبية التي تشعر بشكل متزايد انها مهمشة.
في السياق ذاته أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مجددا على وعوده
باتخاذ اجراءات صارمة لمواجهة الهجرة والامن وسعى لكسب ود عدد من
الناخبين المنتمين لليمين المتطرف والحد من التقدم الذي حققه منافسه
الاشتراكي فرانسوا هولاند بفارق ضئيل. وتفوق هولاند المنتمي الى يسار
الوسط على ساركوزي في الجولة الاولى من الانتخابات التي تنافس فيها
عشرة مرشحين بعد حصوله على 28.6 في المئة مقابل 27.1 في المئة
لساركوزي.
وقال ساركوزي في بيان "أعود اليوم الى الحملة الانتخابية... سأواصل
التمسك بقيمنا والتزاماتنا واحترام حدودنا والحيلولة دون خروج المصانع
من البلاد والسيطرة على الهجرة وأمن أسرنا." وبعد خمس سنوات من قيادة
خامس أكبر اقتصاد في العالم فمن الممكن أن يكون مصيره مشابه لعشرة
زعماء اخرين في منطقة اليورو الذين أطيح بهم من مناصبهم منذ بداية
الازمة في أواخر عام 2009 .
وتعهد هولاند (57 عاما) الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على ما بين
53 و56 في المئة من الاصوات في جولة الاعادة بتغيير اتجاه اوروبا في
حالة انتخابه والعمل على احياء الاقتصاد من خلال تحقيق قدر أكبر من
العدالة الاجتماعية. ووسط اقبال قوي على الانتخابات بلغ 80.2 في المئة
أدلى اكثر من ثلث الناخبين بأصواتهم لمرشحين من خارج التيار السياسي
الرئيسي مما ينبئ باحتمال اعادة تشكيل التوازن السياسي في فرنسا خلال
الانتخابات البرلمانية في يونيو حزيران. وقالت لوبان (43 عاما) "لن
يعود أي شئ كما كان." وذكرت لوبان الشقراء ذات الصوت الاجش أنها تريد
أن تتخلى فرنسا عن عملة اليورو وأبدت أملها في أن تدخل الجبهة القومية
البرلمان في يونيو حزيران.
ويقول محللون في الاسواق المالية ان أيا كان الذي سيفوز عليه أن
يفرض اجراءات تقشف أكثر صرامة مما اعترف به اي من المرشحين خلال الحملة
الانتخابية مع خفض الانفاق العام وكذلك رفع الضرائب للحد من عجز
الميزانية. وقال مدير حملة هولاند ان الانتصار أصبح قريب المنال لكن
المرشح الاشتراكي يدرك القيود المالية التي ستواجه حكومة من اليسار في
المستقبل.
وقال بيير موسكوفيتي لمحطة بي.اف.ام "انه يريد أن يقدم حلما لكنه لا
يريد ان يبيع الوهم للشعب الفرنسي... لا شك أن الخطوة الاولى نحو
التغيير قطعت امس." ودعا ساركوزي هولاند الى خوض ثلاث مناظرات
تلفزيونية بدلا من مناظرة واحدة كما هو معتاد. لكن مسؤولين اشتراكيين
قالوا ان هولاند الذي ليست له تجارب وزارية كما أنه أقل مهارة أمام
شاشات التلفزيون من ساركوزي أوضح أنه لن يقبل سوى خوض مناظرة واحدة فقط
في وقت الذروة في الثاني من مايو ايار.
وتظهر استطلاعات للرأي أجرتها ثلاث مؤسسات أن ما بين 48 و60 في
المئة من ناخبي لوبان يعتزمون تأييد ساركوزي في جولة الاعادة. وقال
ستيفان روزيه من مركز أبحاب (سي.ايه.بي) "سيكون ساركوزي ممزقا بين خطب
ود الوسطيين واستمالة اليمين. سيتعين عليه التقرب لليمين بين الجولتين
لذلك سوف يفقد الوسط." وفي حالة فوز هولاند لينضم الى مجموعة صغيرة من
الحكومات اليسارية في اوروبا فانه يعد باعادة التفاوض حول معاهدة
اوروبية لتنظيم الميزانية وقعها ساركوزي. ومن الممكن أن يكون هذا
ايذانا بتوتر في العلاقات مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي
جعلت من المعاهدة شرطا لتقديم المزيد من المساعدة لدول منطقة اليورو
المضطربة.
على صعيد متصل دعا مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون الذي حل
رابعا في الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، الى هزيمة
الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي. وخاطب ميلانشون انصاره في
باريس بعدما فاز بما بين 10,8 و11,7 في المئة من الاصوات وفق اولى
التقديرات "في السادس من ايار/مايو، ومن دون ان اطلب اي مقابل، ادعوكم
الى الى تعبئة صفوفكم لهزيمة ساركوزي، كما لو كنتم تسعون الى ان افوز
انا في الانتخابات الرئاسية".
واضاف "ينبغي ضرب محور ساركوزي ميركل في فرنسا". وتابع ميلانشون ان
"شعبنا يبدو مصمما على طي صفحة اعوام ساركوزي". وشدد على "اننا كنا على
حق حين ركزنا حملتنا على التحليل وعلى الانتقاد الشديد لاقتراحات
اليمين المتطرف. لو لم نفعل ذلك لكانت النتيجة هذا المساء مفاجئة اكثر".
وقال ايضا "كنا سنكون القوة السياسية الجديدة، الوحيدة التي حققت
اختراقا والتي ولدت من هذه الانتخابات. منذ الان نحن نملك مفاتيح
النتيجة، وادعوكم الى تحمل هذه المسؤولية كاملة".
مخاوف اوروبية
من جهة اخرى ابدت دول اوروبية عدة قلقها بعد النتيجة التاريخية التي
حققها اليمين المتطرف الفرنسي المشكك بأوروبا في الدورة الاولى
للانتخابات الرئاسية، ما يؤكد اتجاها قويا يسجل في دول عدة من الاتحاد
الاوروبي. واعتبرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ان نتيجة اليمين
المتطرف الفرنسي في الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية تثير "القلق"
كما قال احد المتحدثين باسم الحكومة الالمانية مؤكدا في مؤتمر صحافي ان
مركيل "تواصل دعمها" للرئيس نيكولا ساركوزي لكنها "ستعمل" مع اي رئيس
فرنسي منتخب كما قال.
وعبر وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي من جهته في بيان عن
ارتياحه لرؤية "مرشحين ديمقراطيين مشهود لهما" هما الاشتراكي فرنسوا
هولاند وساركوزي في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقال
"امر جيد ان يكون هناك مبارزة بين مرشحين ديمقراطيين مشهود لهما
ملتزمين باوروبا والصداقة الفرنسية الالمانية". واضاف فسترفيلي "ان
الشراكة الفرنسية الالمانية هي احد المفاتيح لمستقبل اوروبا" مؤكدا ان
"المانيا ستسعى الى التعاون بشكل وثيق مع اي رئيس ينتخبه الشعب
الفرنسي".
وتم التعبير عن هذا القلق ايضا على هامش اجتماع لوزراء الخارجية
الاوروبيين في لوكسمبورغ.
فحمل وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسلبورن الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي جزءا من مسؤولية نجاح مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبن من خلال
خياره تركيز حملته على الحدود الاوروبية التي يعتبرها غير مضبوطة بشكل
محكم، وعلى ضبط الهجرة. وقال اسلبورن وهو اشتراكي "ان كررنا كل يوم ان
علينا تغيير شنغن وانتهاج سياسة هجرة متشددة والتحدث عن الاستثناء
الفرنسي، كل ذلك سيصب في مصلحة الجبهة الوطنية". بحسب فرنس برس.
وقال وزير الخارجية الدنماركي فيلي سوفندال الذي تتولى بلاده
الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي حتى نهاية حزيران/يونيو المقبل، ان
نتيجة التصويت "مقلقة للغاية"، معتبرا انها تندرج في اطار اتجاه عام في
اوروبا تجسد ايضا من خلال صعود احزاب سياسية مماثلة في الدنمارك
وفنلندا.
وعبر وزير الخارجية السويدي كارل بيلد ايضا عن "قلقه من هذا الشعور
الذي نلاحظه ضد قيام مجتمعات منفتحة واوروبا منفتحة. ان ذلك يقلقنا
وليس فقط في فرنسا". وتحدث نظيره النمساوي مايكل سبيندلغير عن "نتيجة
حاسمة ل(مارين) لوبن" التي "ينبغي ان تدفعنا للتفكير" فيما اعتبر نظيره
البلجيكي ديدييه رندرز ان "اندفاعة اليمين المتطرف" في فرنسا واماكن
اخرى في اوروبا "تثير دوما القلق في اوروبا". واضاف "يجب التيقظ جدا
لذلك". |